Tuesday, December 21, 2010

نفسى فى الوزارة

شكرا لكل الناس الحلوة، اشتغلوا فى الانتخابات ونجح بهم أهل قوة وبعض الحكماء، وتشكل مجلس تشريع القوانين، والباقى من شغل الحلوين تشكيل الوزارة الجديدة، وهنا اعرض إمكانياتى على أمل أن أحظى برضا وترشيح أحدهم، فأنتقل من قعدة المصاطب إلى كرسى الوزارة رأسا.

ولدتنى أمى فى عام طافت فيها حمى الكوليرا كثيرا من بقاع مصر وحصدت آلافا من الأرواح، ثلاثة أشهر انتظر الحاسدون أن تأكلنى الكوليرا ولم تأكلنى، وحين تأكد للناس أننى حى أرزق قام أبى بتسجيل حادثة ميلادى فى دفاتر الحكومة، كان أبى حصيفا ففى شهر ميلادى ولد عدد من العظماء، نابليون وماركس وثلاثة من أعضاء البرلمان المعينين، وراقصتين.

فى القرية تعودت الاستحمام فى الطست بالماء الساخن مرتين أو ثلاث كل عام وأرتدى هدومى الجديدة مع حلول عيد اللحمة وعيد الحلاوة، أصابنى الرمد الحبيبى ومارست اللعب أياما تحت وطأة علاج الششم الأبيض، طالت فترة ختانى ثلاثة أسابيع أسير فاتح الرجلين تحت وطأة علاج البودرة البيضاء، فى قيظ الصيف نجحت فى إنشاء مصيفى الخاص، طردت بعض كلاب تستبرد بمياه قناة تظللها شجرة صفصاف واستبردت أنا بنفس الماء والشجرة، فى سباق مشهود نجحت فى عبور ترعة قريتنا غوصا، كان الغوص والمرور تحت جثه حمار طافية، وحين أصابتنى البلهارسيا كنت ابتهج مع كل ألم فى التبول، فثقافة قريتنا ترى أن خروج الدم فى البول دليل على الصحة والعافية، وحين هاجمنى القراع وصاحبنى الدّرن أعتاد كثير من الأحبة أن يواسونىى، بعضهم كان يعايرنى.

فى المدينة أصبحت شابا، أفطر فولا بالطحينة مع البصل على نواصى عربات الفول، أو أتناول الفول النابت على نواصى أسواق الخضار، أحيانا أتغدى فشه ولحمة رأس على نواصى المجازر، وعادة أتناول العشاء فولا مدمسا وباذنجانا مخللا، وفى كل يوم أنام فى حجرة ضيقة لا يزعجنى طفح المجارى أو انقطاع الكهرباء أو ضجيج الجيران، وحين كرهت فكرة الزواج وتناول الشطة والطُرشى ابتهج طبيب وهو يخبرنى أن كبدى كسلان.

فى كل القرى والمدن أصبحت شيخا، أحمل آثارا لعشرات من الأمراض ومواقف الحب والفهم المناسب، أفوت بهدوء بين السيارات وأنجو بلطف من الحوادث، يساعدنى الطيبون على عبور الطرق وصعود السلالم والنوم على الأسرة، وأصبحت أومن بأن الدنيا خِفة ودلع وتسليك مصالح.


هكذا مع تاريخى النضالى، ولأن البلد بلد فقراء وغلابة، أرانى صالحا لأن أكون وزيرا عتره صاحب حظوة ومال، قادرا على أن أملأ شارعنا بطعام أوبن بوفيه، وأن أوزع خمسة جنيهات لكل من يطلق زغرودة باسمنا، وأن أفتح طرقا لتوريث عظمتى للأهل وبعض الجيران.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 21 ديسمبر 2010م

Tuesday, December 14, 2010

أنا أحب الفلوس

طوال عمرى أحلم بجيوب قماش طويلة مليئة بالفلوس، تداعبنى أحلام الثروة والعظمة والتعالى، أستمتع بأسياخ اللحم المشوى مع دوارق الكركديه واللبن الرايب والطحينة والعيش الفينو، تطول أمعائى وتتسع عبر الأرض مليئة بأنواع المحمر والمشمر والحلويات والمشويُات، وحين تسقط على ظهرى وقائع أزمتنا الاقتصادية ويسقط أقربائى فى الانتخابات دون تزوير، تتهافت أحلامى وتهرب عن عالمى وعود المسئولين بصلاح الأحوال، ويشتد وطيس الجوع فى جسدى، وتنفلت أربطة الفكر الجميل فى عقلى، هكذا أعلن كل يوم الإضراب عن أحلام الثراء وأبدأ ألعاب المطحونين.

كل يوم أخرج من دارى قاصدا التواصل مع كل البشر، الأعداء وبعض الأصدقاء، هى دقائق قليلة ويشهد الراسخون فى الفقر وبعض الأغنياء أننى مفلس جيوبى مخرومة، لا ينجح مرتب الحكومة أو كرم الأصدقاء أو زكاة المتطهرين فى سد خروم جيوبى، هكذا يشعرنى الإفلاس ببرودة الأطراف والأنامل، فلا أمسك فلوسا كبيرة هنا ولا أدخر فلوسا عظيمة هناك.

كل يوم أجرى وراء العيش فى الأرض طلبا لرغيف من سن حاف أو بقايا من لحم مشوى، أناور رؤسائى لاقتنص قطع البقلاوة والعسلية وعصير القصب البارد، أهرب من نكد الزوجة ومطالب الأولاد، أمضغ اللبان واستحلب القرنفل، أتنكر للزملاء والمديرين وقاطعى الطرق، أمد يدى للحكومة فى علاوة أو قرض أو منحة صغيرة، أتلاطم مع الناس والأفكار فى الشوارع ومحطات الأتوبيس والمقاهى ومداخل العمارات، وابذل كل جهدى باحثا عن الفلوس، أطلبها نقودا سائبة أو مربوطة أو شيكات بنكية، برغم جهدى العبقرى لا أصيب من الفلوس غير نقطه هنا أو سرسوبا هناك.

كثرة حالات الفشل تعطى حججا لمن أراد أن يكون عصاميا، هكذا رضيت أن أكون عصاميا متحضرا أرى الفلوس ولا أشتهيها، أبحث كل حين عن أقرب صالة انتظار مفتوحة فى بنك متحضر، أدخل الصالة واحشر جسدى فى طوابير انتظار الفلوس، ينحشر فمى بالكلام فأمارس النميمة والنكات مع أبناء الطوابير أمثالى، أشرع معهم فى صياغة عشرات من الزيجات الطارئة والحلول لضعف اقتصادنا وتخلف أحوالنا، وفى كل مرة يستلم فيها أحدهم فلوسا أو يودع فلوسا أو يأتى بسيرة الفلوس اكتشف للمرة الألف أنى مفلس ومنحوس ويدى مخرومة أيضا.

فى اللحظة المناسبة، قبل الثورة على أهل الفلوس، أمنح نفسى صفة إنسان عصامى، فأتنازل عن دورى فى طوابير الفلوس، والقى بجسدى مسترخيا على كراسى الانتظار الجلدية، مستمتعا بالوحدة والإفلاس والهواء المكيف وأشباح العملاء، أفكر فى اللحم المشوى والخبز البلدى والشاى الساخن، ألوك اللبان وأحك أرنبة انفى، متجاهلا عيون كاميرات تتلصص فى الأركان، ومشاكسا عيون رجال شرطة وعملاء ينتظرون منى الرحيل.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 14 ديسمبر 2010م

Tuesday, December 07, 2010

الحكومة السرية


فى الوطن الضعيف، تستطيل المسافات فارقة بين نصوص القوانين وبين تعليمات تنفيذها، ويتم التفرقة بين حرفية النص وبين روح التشريع الموضوع للتعامل مع البشر، وتتحكم العلاقات الشخصية فى تلبية مطالب المواطنين، وتفصل السلطة بين إمكانيات البشر المتاحة وبين رغباتهم المشروعة، فى مثل هذا الوطن تصبح حياة الناس وضيعة بعيدة عن التحضر، ينشر الفساد فيها مخالبه دافعا الجميع للرقص جنونا على حافة الانتحار.

فى الوطن الضعيف ينتشر الفساد الإدارى والأخلاقى فيسعى المواطن طالب الخدمة المشروعة بين إدارات الحكومة العلنية، يصعر خده لموظفين ترتسم على وجوههم ملامح حياة كالحة، عيونهم متلصصة على طالب الخدمة، يمارسون الرشوة طوال الوقت، يغتصبون مال الضعيف ويتملقون سلطة القوى، لا يقدرون على اتخاذ قرارات إنسانية تنقذهم من الذل والمهانة، فى مثل هذا الوطن الضعيف، تسعى الحكومة لتكريس وجودها المتسلط، فتحول خططها المعلنة لخدمة المواطن إلى تلال من التعليمات والتصريحات المبهمة، وتتعاظم دعاية الحكومة قاصدة أن ترسم لنفسها كل القداسة فى وجدان الضعفاء، هكذا وبفعل الجهل والتآمر يندثر القانون المعلن، وتنشا حكومات سرية يديرها موظفون لحسابهم الخاص، يملكون قدرة إنجاز كثير من الخدمات للمواطنين، فيسعى إليهم طالب الخدمة مقدما فروض الرشوة والولاء، هكذا يتحول المواطن من عبد مهين فى ظلمة الحكومة العلنية إلى سيد مهيب فى نور الحكومات السرية.

يرجع وجود الحكومات السرية لأسباب كثيرة، من بينها أسباب نفسية أساسها اضطهاد الحكومة للمواطنين وضغطها عليهم بطرق تدفعهم لأن يحتموا خلف ميراثهم من الجبن والصمت، فيهربون إلى واقع جديد يتصالحون فيه مع الفساد، وأسباب إعلامية ترجع فى الأساس إلى تكريس فكرة البطل الخرافى الذى يحقق طموحاته بالخروج على كل منطقى وإنسانى، ويضغط بمعجزاته على وجدان الناس، هكذا يستسلم الجميع لمظاهر القوة غير المبررة لكل غاشم، سواء أكان هذا الغاشم موجودا بين أيدهم أو مختفيا بظهر الغيب، ومنها أسباب إدارية وتكنولوجية أساسها ضعف صناعة المعلومات اللازمة لتشريع القوانين ثم تنفيذها ومتابعة صلاحيتها لتقدم المجتمع.

إن حرية الفكر وديمقراطية الحكم، هما الأدوات اللازمة فى المجتمعات القوية للقضاء على وجود الحكومات السرية، فحرية الفكر، بما تعنيه من رفع القداسة عن كل فاسد، تكفل لكل فرد أن يطرح الإجابات المختلفة التى تفسر أسباب قهر المواطن وقهر الوطن، وديمقراطية الحكم، بما تعنيه من التعامل الموضوعى مع كل فاسد، تكفل للجميع أن يبتعدوا عن الانتحار الجماعى، وأن يشاركوا فى رفع كل قهر عن المواطن والوطن.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 7 ديسمبر 2010م

Monday, December 06, 2010

خُلع ديمقراطى

صاحبى الحزب الحاكم، الناجح فى كل الانتخابات، والمدسوس فى كل الطرق والشوارع والشقوق والمجارى، صاحب الحكومة والناس والموظفين وأصوات الناخبين والكل كليلة، طوال عمرى أفزع من خيال المآتة وعفاريت الغيطان والسواقى الخربة، لكننى أفزع أكثر من بعض المنتمين إليك، يطفئون أنوار الكفاءة ويفتحون منافذ الكوسة والتهليب، فهذا موظف متواضع حالة أهله ضنك اشتغل فى حكومتك، وحين انتمى إليك بالعضوية أصبح خبيراُ فى اللّجان الاقتصادية، وهذا الجالس على حجرك يرى أن الناخبين ميراث له ولأولاده وللتابعين، يصبح بتدليسك نائبا عنك فى كل الدوائر، وذلك حصل بشق الأنفس على شهادة تعليم متوسط، كان غلبانا يحسبها بالسحتوت، ذات صباح فرك عينيه وهتف باسمك، وفى الضحى حملته أياديكم إلى مجلس نواب الشعب، وفى اليوم التالى أصبح جامعيا ومليونيراً وحاجاُ أيضا.

حبيبى الحزب الحاكم، صاحب العصمة والمعالى الديمقراطية، يا معطى خيرك للتابعين، أنت تخطط لكل الانتخابات فى كل المواسم، لتحصل على المقاعد النيابية وتجمع فيها من الحناجر ما يكفى للهتاف باسمك وتمجيد أصحابك، وباعتبارى مواطنا من الصامتين، لا اشترك فى أية انتخابات، وأتمنى أن أدلى بصوتى الحقيقى لمرة واحدة فى العمر، تعالى نعقد اتفاقا بيننا، أن أدسك ديمقراطيا فى قائمة الطيبين، هكذا ترشحنى لوظيفة باسمك وأنا أعدك بصوتى.

أريد أن أكون رئيس جامعة، كبيرة أو صغيرة لا يهم، حكومية أو خاصة لا يهم، المهم أن أرفت من أعضاء هيئة التدريس كل من بلغ سن الثلاثين، وأستبقى شباب الموظفين والسعاة والحراس الحاصلين على بطولات رياضية، يخيفون الأساتذة ويشكمون الطلاب، وأمر بنشر شوّايات الذرة أمام قاعات المحاضرات وكل المدرجات والمعامل، فينشغل الأساتذة بمشاكل جمع الحطب والإعارة فى الدول الشقيقة والسفارة فى الدول الصديقة، ويتمرن الطلاب على مهنة تنفعهم فى شى الذرة والأفكار وتهوية الطموحات، ويعمى الدخان الجميع فلا يرى أحد ما نفعل، هكذا تبقى الجامعة مخزنا للتخلف الفكرى يضم شبابا فى شباب، وعيالا فى عيال، وحين يفاتحنا أحد بالحديث عن جدوى العلم، ندفعه للإيمان بالمعجزات وحفظ عشرات الصيغ من الأدعية المستجابة، نتباهى بعلم أجدادنا من الجيران وبعض الأصدقاء، ونتفاخر بأحبائنا المهاجرين فى بلاد الغربة.

صاحبى الحزب الحاكم، ستصلك وشايات عنى، بأننى أضيق ذرعا بأساليب خلعك للديمقراطية، فلا تصدق أننى قادر على أن افعل شيئا، فقط أعطنى طموحاتى البسيطة وأنا أعدك بصوتى فى كل الانتخابات القادمة أبد الدهر، فبرغم أننى لا أملك بطاقة انتخابية، إلا انك طوال الوقت مفترى وقادر على أن تجعل بطاقة ما، تجوب باسمى كل لجان الانتخابات، وتسجل كل لجنة أنك تملك صوتى بالموافقة، حيا كنت أو ميتا.

المقال نشر فى جريدة الدستور، الخميس – 2 ديسمبر 2010م

Saturday, December 04, 2010

ذنب لم يغفر بعد


السيد وزير التعليم العالى، حج مبرور، نرجو الله أن يمن به عليكم بعد سعيكم للحج هذا العام، ونرجو الله أن يغفر ذنوبكم، أما أنا فلن أغفر لكم ذنبا يتم ارتكابه فى حق مستقبل هذا الوطن، ذنب ترتكبوه إن صمتم على اجتراء البعض على شرعية القوانين الحاكمة لنشاط جامعاتنا، فأنتم مسئولون عن صحيح تطبيقها ومسئولون عن إضافة قوانين جديدة تصلح من شأن جامعاتنا.

السيد وزير التعليم العالى أنتم تعرفون الكثير عن الجامعات المصرية وما يجرى فيها من وقائع فى مرحلة الدراسات العليا ومنح شهادات الماجستير والدكتوراه، فهناك مرضى نفسيون ومهووسون دينيون يحصلون على شهادات الماجستير الدكتوراه ثم يعملون بهيئة التدريس، إنهم يحصلون على ما يحصلون عليه بحجة أن لهم صلة قرابة بوزير أو غفير يدعى السطوة والسلطان، هؤلاء المرضى يصلون إلى مراتب علمية مؤثرة على أجيال من طلاب جامعاتنا، بعضهم يصل إلى درجة عميد منافق، وبعضهم يسرب الامتحانات، وبعضهم يتشرنق خلف لحية أو نقاب ويدعو لتخلف حضارى.

السيد وزير التعليم العالى، القانون الخاص بتسجيل ومنح درجة الدكتوراه ينتهك فى كلية التجارة جامعة المنصورة، فالقانون يقتضى مجموعة من الإجراءات محددة الشكل ومعينة الوقت يجب استيفاؤها ليتم منح الدرجة العلمية، ومع ذلك تدور حفلة موبوءة لانتهاك هذا القانون تديرها بعض من نفوس مليئة بالفساد العلمى والأخلاقى، هكذا تدور الشائعات ويطول الجميع سباب وقلة قيمة، ذلك بأن بعض الداخلين فى تلك الحفلة الموبوءة ليسوا فوق مستوى الشبهات.

يا سيادة الوزير، أنت تعرف التفاصيل بموظفيك، وأن الأصل فى شرعية القانون هو إمكانية تطبيق نصوصه للعدالة، وليس مدى اتساعها للرحمة، فمن باب الرحمة تدخل شياطين الرشوة، وانى هنا أضعك أمام ذنبك كى تسعى جاهدا لغفرانه، ذلك بأن تأمر بإقصاء تلك البؤرة من الفساد، وأنى أخاطبك مباشرة دون التوجه إلى المسئولين فى جامعة المنصورة، ذلك أنى أعلم كما تعلم، مقدار سطوة الإدارة المركزية وضعف القدرة على اتخاذ القرار فيمن هم دونك سلطة، هكذا فى المستويات الدنيا يتم تفسير واضح النصوص القانونية بأكثر من معنى وتنفيذ تلك التفاسير بأكثر من طريقة.

السيد الوزير، تدخل فى الأمر حتى لا يستمر مسلسل الاستعانة بقيادات علمية ضعيفة تساعد فى حشر الكثير من المرضى والمتعصبين ذهنيا والمهووسين دينيا كأعضاء هيئة تدريس فى جامعاتنا.

المقال نشر فى جريدة الوفد، الأربعاء - الأول من ديسمبر 2010م

Tuesday, November 30, 2010

صحيفة جامعية

محافظة الدقهلية يزيد عدد سكانها عن خمسة ملايين مواطن بنسبة تقارب سبعة فى المائة من عدد سكان مصر، وجامعة المنصورة قامت لخدمة محافظة الدقهلية، هذه الجامعة عمرها قارب الأربعين عاما، أنشئت عام 1972م، تضم سبعا وعشرين كلية جامعية، ويدرس بها أكثر من مائه ألف طالب، يخدمهم حوالى ستة ألاف من أعضاء هيئة التدريس.


قضايا الصحافة والإعلام يتناولها النشاط العلمى للجامعة، حيث يوجد قسم علمى يدرس هذه القضايا فى كلية الآداب وتتناولها بالدرس والتدريب كثير من الأقسام المشابهة فى كليات التربية، ومع ذلك فالعدد فى الليمون، يكثر الطحن ولا يوجد طحين، فلا توجد باسم الجامعة صحيفة أو نشرة أو إذاعة محلية ترقى لمستوى التواصل الفاعل بين الجامعة وبين المجتمع المحيط بها.


جامعة المنصورة بها نشطاء يسعون لإثبات وجود إعلامى يتمثل فى إصدار صحيفة جادة، والمتقاعسون يعرقلون هذا التوجه بحجة ضعف الإمكانيات المادية والعوائق القانونية الخاصة بتصاريح إصدار الصحف، لكن الضعف الحقيقى هو ضعف إمكانيات الكثير من القيادات الإدارية والعلمية بالجامعة وتخلف قدراتهم على العمل الجماعى، فكثير منهم يحملون صكوكا بالكفاءة الإدارية، لكنها صكوك تمر عبر بوابة رضا السلطات الأعلى تضمهم فى عقد أهل الثقة ومن لا يجلبون المتاعب، وبعضهم يحمل شهادات بالمعرفة والخبرة، لكنها شهادات ورقية لا تصمد عند الاختبار العلمى والعملى فى مواجهة التردى الشديد فى أحوالنا الثقافية والاجتماعية.


جامعة المنصورة لها مطبعة كبيرة ولديها إمكانيات مادية، وما يهدر سنويا من ميزانية الجامعة، بشكل يثير الألم، يكفى لتمويل صحيفة دورية محترمة تهتم بمشاكل المجتمع المحيط، والجامعة لديها كفاءات بشرية وعلمية، يمكن بالإدارة العلمية أن تصبح قادرة على حل مشاكل إصدار الصحيفة، فأعضاء هيئة التدريس بينهم خبراء وعلماء فى عمليات التمويل والتحرير والتوزيع وقوانين النشر، ومنهم كفاءات علمية تؤدى خدماتها خارج الجامعة ما يجعلها قادرة على مساومة السلطات لإصدار صحيفة تنافسية لخدمة المجتمع.


إن وجود محطات إعلامية محترمة باسم جامعة المنصورة، سواء صحيفة أو محطة إذاعة أو قناة تلفزيونية، يعتبر أمرا بالغ الأهمية لتدريب أهل الجامعة على ديمقراطية الفكر وكيفية صنع رأى عام قوى يؤيد مصالح الأغلبية، فليس من اللائق لبعض قيادات جامعة المنصورة أن تتصدى إعلاميا لمشاكل تلوث الصحة العامة، يبثها مصنع السماد فى مدينة المنصورة ومن تلوث فى بحيرة المنزلة وعشرات غيرها من المشاكل فى ربوع المحافظة ثم تتراجع تلك القيادات عن مواقفها المعلنة أمام مسئولين خارج الجامعة، بحجة ضعف التنافسية الإعلامية فى مواجهة هؤلاء المسئولين وهم يملكون من صليل السيف أكثر مما يملكون من بهاء الشجاعة.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 11 نوفمبر 2010م

Saturday, November 27, 2010

مرشح حكومى



لست متعاطفا مع دور الحكومة فى عملية الانتخابات، أحد مرشحيها ارتدى الطربوش وفى لجنة الانتخابات أعطى صوته لمنافسه، وآخر خلع الطربوش فحرمته لجنه الانتخابات من الإدلاء بصوته لنفسه، لذلك قررت أن أتعامل بطريقتى الخاصة مع مرشحى السلطة.

حين تأكدنا أن مديرنا العام اقترب من سن المعاش، وأنه بعد أسابيع قليلة سيترك منصب رأسنا الكبير ليسلم رأسه لكتبة التاريخ وجامعي الدسائس، وحين تأكدنا أننا نكره المدير العام، فهو طيب جدا، كثير الأمنيات والكلام، شرس جدا، لا يرفع مرتباتنا، بخيل جدا، لا يهبنا مالا أو مأكولات، أنانى جدا، لا يعطينا ترقيات لبعض مناصبه القيادية، ولأننا مثله تدربنا سياسيا فى ساحة العمل الحكومى، أصبحنا لا نؤمن بالديمقراطية أو الديكتاتورية أو العبثية، هكذا شحذنا قدراتنا فى الغيبة والنميمة وتفسير القوانين وبدأنا نلعب حركات انتخابية لتفقد السلطة قدرتها على تعيين المدراء والسعاة والمناضلين، ولأن السلطة المتآمرة تخاف رأينا العام جعلت ولاية المدير القادم أمرا سريا، فانحرفت طموحاتنا فى اتجاه أخر.

مرت أسابيع نضع فيها خططا لاغتيال كل مرشحى السلطة، وفى احدى الخطط المحكمة اقتصر دورى على انتهاز فرصة ركوب أحد المرشحين لأتوبيس العمل، وبالتواطؤ مع السائق يقترب الأتوبيس مسرعا نحو حافة البحر، ومن الباب الأمامى أتولى دفع جثة المرشح نحو الماء، وعند وقت الحساب نقسم بأهداف الثورة وغلاوة الوطن على أن موت هذا المرشح بالذات راجع لإصراره على عبور البحر سباحة وبملابسه الكاملة.

فى الوقت المحدد وصلنى الأتوبيس يحمل السائق منفردا بمرشح سلطة واحد، جلس المرشح متطوعا على الكرسى المجاور للباب الأمامى، دخلت الأتوبيس مسترجعا تفاصيل الخطة، احتفيت بالمرشح وتحسست ملابسه الجديدة، جلست خلفه مباشرة ونبهت السائق على السير بهدوء، تحرك الأتوبيس متلصصا يقطع الطريق بمحاذاة البحر، وحين تناغم هدوء السائق مع انسيابية عجلة القيادة أطرقت رأسى مغمض العينين أسترجع الخطة وأنتظر الفرصة واستحلب بطولات تاريخية سيشيعها الزملاء عنى، هكذا تجاهلت حديثا عابرا للمرشح يذكر فيه مساوئ المدير القديم، وظللت ساهما أجمع مبررات قرارنا فى اغتيال كل المرشحين.

فجأة انتبهت لحديث جميل من المرشح أكد فيه انه سيكون مديرنا القادم، وأنه يضع خططا لإصلاح الأحوال البلاد والعباد على أيدى الممتازين من أمثالنا، فوعدنى بأن أكون ساعده الأيمن وكاتم أسراره، ووعد سائق الأتوبيس بترقية إلى سائق جناب المدير، وحين ظهرت علامات الرضى والموافقة على وجوهنا أقسم المرشح بأن نحتفل فورا باتفاقنا ومن جيبه الخاص.

نزلت من الأتوبيس منتشيا بوظيفة الساعد الأيمن للمدير لأحضر مشروبات وحلوى، ونزل السائق متعاظما بوظيفة سائق جناب المدير ليشترى علبتين من السجائر، كان محل البقالة بعيدا عن البحر بمسافة كفلت للمرشح أن يقود الأتوبيس وينطلق دوننا.


المقال نشر فى جريدة الدستور الجمعة 26 نوفمبر 2010م

Tuesday, November 23, 2010

بُرج الحُمار



عزيزى الموظف الغلبان فى حكومة مصر المحروسة، لا تقلق فالجميع يعرفونك، تشتغل كالحمار وتعيش على راتب هزيل، وفقرك مفضوح، والمسئولون يؤكدون أن حظك ضارب فى السعادة، فأنت صاحب برج الحمار، وتعالى هنا شوف عندنا حظك.


فى الثلاثة أيام التالية لاستلام راتبك ستنضح حياتك بالهناء وتبتسم زوجتك فى دلال ومودة ويخضب الأولاد أياديك بالقبلات، ستطبخ كيلو من اللحم البلدى غارقا فى الخضار والبصل والطماطم، وستلقى فى حجر الأولاد أربعة كيلو موز وخيار وحرنكش، ويمكنك أن تلحس الجيلاتى وتبل ريقك بمياه غازية، عندها لا تحرمنى فضل دعائك لى بأن يكفينى راتبى أنا أيضا.


فى اليوم الخامس ستضيق ذات يدك، فلا تحزن، ستربت على كتفك يد طيبة تعطيك صرتين من المال والزيت والدقيق، يومها توجه بالدعاء لرئيسك المباشر الذى أذاع سرك بين فاعلى الخير.


فى اليوم السابع سينفذ راتبك وتمد يدك لكل طيب وشرير وتهاجمك آلام المعدة وتفضحك زوجتك بأنك قليل الحيلة، يومها اصبر وكرر الدعاء لرئيسك المباشر فربما يمنحك هبات وأجورا إضافية.


فى اليوم العاشر سيصرح رئيسك الكبير بأن أمثالك من الموظفين كسالى غير منتجين، وستشم خلطة من مؤامرات حشرك فى العمل دون أى راتب إضافى، يومها تململ واظهر العين الحمراء للزوجة والأولاد ولرئيسك المباشر، مقتنعا بأن كبار موظفى الحكومة يحصلون على دخول إضافية ترفع رواتبهم ألاف الجنيهات شهريا.


فى اليوم الثالث عشر ستنساب حولك نصائح الأصدقاء وبعض الأعداء قاصدين توريطك فى علاقات حزبية جديدة تخرب عليك طهارة أموالك، يومها كن قنوعا واشتغل وحدك فى الأسود واعجن خلطة من مؤامرات وخوازيق ضد رؤسائك كلهم.


فى اليوم التاسع عشر سيشيع الأثرياء انك فسل جائع متمرد وكاره لنفسك، وسيعلن الفقراء أنك لا ترضى بمرتبك وكاره لنفسك، عندها تماسك بالصبر والإضراب والشكوى فينصرف عنك الجميع بقية الشهر، وتبقى وحيدا سلطان زمانك.


عزيزى الموظف مواليد برج الحمار، ليس مهما أن تعرف اسم رئيسك المباشر واسم والدته الطيبة، كى تنجح فى عمل سحر يفك تقتيره على مفردات دخلك، وليس مهما أن تحيل عليه طوب الأرض يرجونه تسهيل أمورك فى الترقيات وستر العيوب، المهم أن تعرف متى يسعى رئيسك المباشر لتجديد جلوسه على كرسى السلطة، عندها تقعد له على الواحدة، وترصد حركاته، وتتشمم روائحه، وتذيع أسراره للجميع، فمع اقتراب موعد تجديد المناصب سيسعى المدير لرشوتك بأجور إضافية وابتسامات مجانية وأحضان حميمة مقابل دعائك له بالنصر وذكر محاسنه لدى كاتبى التقارير، هنا سيزيد دخلك ويترك حظك العاثر برج الحمار قاصدا حظ النعمة فى برج الماعز.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 11 نوفمبر 2010م

Saturday, November 20, 2010

صوت انتخابى

بطاقات التعريف بالبشر يأتى معظمها عبثا ودون اختيار، فهناك بطاقات الميلاد والتموين والزواج والموت، واهم البطاقات ذات الموسم الدعائى فى مصر المحروسة بطاقة الانتخاب، ومثل البطاقات تأتى معظم الأصوات عن أفعال عبثية، صوت من يصيحون عند الميلاد والتموين والزواج والموت، إلا صوت الانتخابات فعبثها يأتى مدعوما بحناجر أولى العزم فى التصحيح والتزوير فى انتخابات مصر المحروسة.

مثل الكثير جدا من المصريين، لا أملك بطاقة انتخابية للإدلاء بصوتى، فلطعة الانتظار مهينة فى أقسام الشرطة من أجل الحصول على أى بطاقة، ولا أتحمل الانضمام للأعداد الغفيرة من كذابين الزفة الذين يلهثون وراء نقود كل المرشحين، وأملك مبررات كثيرة للتزويغ من العمل بدلا من التذرع بحجه الإدلاء بصوتى الانتخابى.

أنا لا املك بطاقة انتخابية، ولم أفكر فى امتلاك واحدة طوال الثلاثين عاما الماضية، فقد عودنى الكبار والصغار أن صوتى لا قيمة له، فالقوانين والقرارات فوقية جاهزة، والمرشحون معينون سلفا، شفت ذلك طوال عمرى فى البيت والمدرسة وفى الجامعة وفى الشغل، وقلبى يمارس الحزن يوميا دون انهيار، فقد تدربت كملايين المصريين على تجرع الأسى.

أنا لا املك بطاقة انتخابية، ولا أفكر فى امتلاك واحدة طوال الثلاثين سنة القادمة، حتى وان هددونى بالغرامة التى يفرضها القانون، فلم أعد اخشى العقوبة من قانون يسمح فى بلدى لأى شخص يحمل الجنسية المزدوجة، لأن يتسلل بالأموال والعلاقات وسوء تخطيط الانتخابات، حتى يدخل مجلس الشعب لينوب عن المصريين، يتسلل عينى عينك، بغض النظر عن ملايين الأصوات الرافضة والمكتومة.

الناس أحرار فيما يختارون من جنسيات ينتمون إليها، لكن معظم الدول تعطى جنسيتها لمن يقضى زمنا معينا على أرضها، تأكيدا لذوبان شخصيته فى شخصية أبنائها، وبالتالى يحكم الولاء القومى للأفراد شروط عقلية وأخلاقية، تتلخص نتائجها فى أن صاحب الجنسيتين هو بالضرورة شخص يتاجر فى الانتماء، فلمن يكون ولاء التاجر المصرى الذى يقضى سنوات فى دولة أجنبية ثم يعود لنا حاملا جنسيتها، ليدخل مجلس الشعب ثم يشرع القوانين لكل المصريين؟ فإذا كنا لا نسمح لغير المصريين الخُلّص بالخدمة فى القوات المسلحة، التى تقوم على تنفيذ بعض القوانين لحماية الدولة، فكيف نسمح لهؤلاء المزدوجين أن يدخلوا مجلس الشعب ليشرعوا كل القوانين؟ وكيف نسمح لبعضهم أن يدخل الحكومة مسئولا عن تنفيذ القوانين؟ قد تكون الإجابة مطمئنة، بأن الأمور فى مصر بيد أبنائها الخلّص، وقد تكون الإجابة قاتلة، بأننا نمهد الطريق لأن نعلن انضمامنا ولاية تابعة لدول أجنبية.

المقال نشر فى جريدة الدستور الجمعة 19 نوفمبر 2010م

Tuesday, November 09, 2010

كعبى الشمال


فى صباحات الأسابيع الفائتة، كلما تحسست رجلى لمست الألم فى بطن قدمى وشعرت بلدغ مسمار فى كعبى الشمال، هكذا بدأت اطرق باب الطب والأطباء محاولا نزع مسمار الألم من كعبى الشمال.

جسنى طبيب أمراض باطنية، وأخبرنى بأن لدي بوادر مرض النقرس، وأن علاجى محصور فى التوقف عن أكل اللحم والفول المدمس، كانت حكمة الطبيب فاجعة، ففى السنوات الخوالى غلبنى الفقر وأطعمنى الفول بكل أشكاله اخضرا ومدمسا وبصارة ونابتا، تناولته فى الدار والمدرسة وعلى كراسى الوظيفة، وفى السنوات الأخيرة صرعت بعض الفقر، فتناولت اللحم فى الأعياد ومواسم الدعايات الانتخابية وموائد تكفير الذنوب، كانت فاجعة الدواء أن أبتعد عن تاريخى فى الفقر مع الفول مخاصما طموحاتى فى الغنى مع اللحوم، وحين توقف عن تناول اللحم والفول خف الألم قليلا واستطعت أن أركب رجلاى بحثا عن كامل العلاج لدى أطباء شعبيين مخلصين.

صديقى موظف حكومة غلبان، لا يكفيه راتبه ويتحايل على ضيق المعيشة بتربية نحل العسل، وحين شكوت له بلواى اجتهد فى تقديم أدلة بأن شفائى ميسور مع جلسات العلاج بنحل العسل، وبحكمة الخبراء ارتدى قفازا وأمسك بثلاث نحلات ووضعها فوق قدمى تلسعنى بجوار منطقة الألم وتدخل سمها في جسدى، بدأ اللسع واعتصرنى الألم وورمت قدماى، وطلب منى العودة لزيارته مرة كل أسبوع لمزيد من اللسعات حتى يذهب الألم، وحين ظل الألم يلاعبنى، قررت الذهاب إلى شيخ مبارك واسع الخطوة.

الشيخ المبارك أكد لى بأن شفائى ليس فى يد أحد من الخلق، وأكد مريدوه وكثير من أتباعه أن الانتماء لطريقة الشيخ فى التدين هما الشفاء من كل مرض، فالشيخ عندهم هو أحد الأولياء الصالحين، واصل وقادر على إخراج كل شيطان من كل جسد مريض، وبرغم ما قدمته من مظاهر ولاء للشيخ، فلوس ودعوات وارتجافات، إلا أن أداء الشيخ فى الطب لم يخرج مسمار الألم من كعبى، وظلت المسامير تصنع الألم فى قدمى فاتجهت إلى نصيحة الشباب.

على المقهى تناولت شراب الجنزبيل مع صديق لى، هو شاب فقير لا يملك القدرة على الزواج، أكد لى أن أمراضى كلها راجعة إلى تأثير حبة برد تخللت عظامى، وأن الزواج من فتاة سمراء عفية تحت العشرين يزيل كل برد، على أن تقتصر قائمة الطعام على اسماك البحر الكبير، وحين شعرت بأن آلام القدمين وضعف الجسد وخسران ما فى الجيب ضد الوفاء بمتطلبات الزواج من عفية، قررت التعايش مع الألم والجلوس فى البيت، مشغولا بمشاكل الطبيخ والغسيل وتربية الأولاد.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 11 نوفمبر 2010م

Tuesday, November 02, 2010

نقاب على الفكر




منذ أسبوعين نشرت مقالا هنا لا أوافق فيه على ما جرى فى جامعة المنصورة من مناقشة ومنح درجة الدكتوراه لطالبة منتقبة، تمهيدا لأن تمارس مهام التدريس فى الجامعة، وطبيعى أن يعترض بعضهم على رأيى، لكن من غير الطبيعى أن يصادر أحد على رأيى، سواء أكان ذلك تلميحا من بعض القيادات أو تصريحا من زملاء يحملون توجهات سياسية لا أوافق عليها، الطبيعى فى أحوال التقدم الحضارى أن يتاح للجميع حرية إبداء الآراء وبشكل موضوعى.


أنا ضد ارتداء المرأة للنقاب، حجتى فى ذلك حجة عقلية، فالأزياء التى تجعل من المرأة مجرد خيمة سوداء متحركة تمثل إهانة عقلية للمرأة وللرجل على السواء، أقول إهانة عقلية قاصدا أن لا يصادر أحدهم على حديثى بالقول بأن النقاب أمر دينى، ذلك بأن طبيعة الدين إيمان قلبى وليس فهما عقليا، لذلك فأنا أرفض وجود المنتقبات فى الجامعة، تماما مثلما أرفض وجود العاريات فى الجامعة، فالنقاب والعرى يمثلان شذوذا سلوكيا وفكريا يحولان دون حرية العقل وحياده فى تناول قضايا العلم والتعلم.


خلال الفترة الماضية، وتعاضدا مع فكرة العلانية فى طلب العلم، صدرت قرار من وزارة التعليم العالى بمنع المنتقبات من دخول الحرم الجامعى وكذا منعهن من تأدية الامتحانات، ومع ذلك فالطالبات المنتقبات فى الجامعة سافرات التحدى لهذا القرار، يحضرن المحاضرات ويؤدين الامتحانات، وأتصور أن ما حدث هو وصول تعليمات صريحة إلى الجامعة بمنع دخول المنتقبات، وحين هبطت هذه التعليمات من مستوى القيادة إلى مستوى التنفيذ تم خلطها بفساد وانتهازية العقلية الحكومية البيروقراطية، وتحول القرار إلى استهلاك إعلامى يرفض الشارع العام تنفيذه، هكذا لا الطالبات التزمن بالتنفيذ ولا وزارة التعليم العالى توقفت عن تأييد القرار.


إن رفض الشارع العام لقرارات الحكومة وانتشار نقاب التخلف على فكرنا العام، يرجع لأسباب ثلاثة، السبب الأول: أن الحكومة تدرب المواطنين على عدم المصداقية حين تصدر قرارات تكرس المصالح الشخصية للبعض دون نظر للمطالب الموضوعية للأغلبية، والسبب الثانى: سيادة فكر وثقافة غير حضاريين بين المصريين، فالمسئولين بالجامعة يغضون الطرف عن دخول المنتقبات إلى الجامعة، متسقين ما يصلهم من مفاهيم دينية خاطئة يرضى عنها الإعلام الحكومى، وكذا يمارسون رفضا نفسيا لأوامر سلطة يستشعرون قهرها، والسبب الثالث: أن القيادات الحكومية عاجزة فكريا عن تملك مشرع حضاري يجتمع المصريون حوله، وعاجزة ماديا عن تحقيق مصداقية قراراتها.


نحن فى حاجة إلى ثورة ثقافية تؤدى بنا إلى نقلة حضارية كبيرة، ولن تقوم هذه الثورة دون تضحيات واجبة.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 2 نوفمبر 2010م

Tuesday, October 26, 2010

منظرة فاضية

شيئان مؤكدان فى الحياة، النميمة والضرائب، النميمة ميراث إنسانى يروح بها الضعفاء عن أنفسهم، والضرائب تجمعها الحكومة لتتسلط بها على كل الضعفاء.

لأننى موظف حكومة منحول الوبر من تنفيذ أوامر غبية يصدرها مديرون أكثر غباء، لذلك فإنى مقتنع بأن النميمة مرض يمكن الاستشفاء منه بنسمات من حرية الرأى، ومقتنع بأن أمراض بعض الموظفين لا يمكن الشفاء منها دون عزل وتجريس ومحاسبة اجتماعية.

معروف أن الإدارة غير الرشيدة تلقى بمحبتها على المخلصين من موظفيها، يخفضون رؤوسهم للأوامر ويفتحون بطونهم للمكافئات، ولأن علاقتى بالإدارة الحكومية علاقة موظف لا يرضى عنها تماما وهى لا ترضى عنه غالبا، لذلك ترانى بعض قياداتى موظفا مليئا بالعور فلا أرى محاسنها، ومثقلا بالعوز فلا أقنع بكرمها، وأرى معظم قياداتى مريضة تنقصها النظرة الاجتماعية فى رعاية مصالح البلاد والعباد، لذلك قررت أن أمارس النميمة مع موظف مثلى ضربه عوز الكلام.
قلت لصاحبى: داخل المبانى الحكومية عشرات الحجرات يتراص فيها الموظفون، كل منهم له عمله وله أدواته لإنجاز ذلك العمل، كلام سليم يا سيد؟ فقال: نعم كلامك حلو يا صاحبى، وأكملت: تختلف هذه الحجرات كثيرا من حيث السعة والتجهيزات، حسب كل وظيفته وكل حسب أهمية تلك الوظيفة، كلام سليم يا سيد؟ فقال: لا طبعا كلامك حامض يا صاحبى، فحجم الوظيفة ليس بحجم كرسى من يديرها، وانظر معنا أصل الحكاية.

ترتفع كفاءة الموظفين فى أى جهاز إدارى بتطبيق بحوث علوم النفس والاقتصاد وطوابير الخدمة وغيرها من علوم إدارية، تقضى بأن هناك مساحات علمية محسوبة لكل موظف حسب نوع وظيفته، فأن يجلس أربعة موظفين فى حجرة ضيقة، ويجلس موظف واحد فى حجرة واسعة تكفى لبرطعة حصان وحمارين ونصف فيل، وأن تمتلئ حجرة موظف بستائر مخملية وتكييفات وثلاجة وكراسى وتليفونات بينما يجلس زميل له محشورا فى مكتب متواضع ينتظر فيض كريم، يغتصب سخان كهرباء من هنا أو مياه باردة من هناك، فيا صاحبى هذا كلام إدارى حامض.

نحن يا صاحبى أصابنا الغلب وتعب الدماغ من إهدار موظفى الحكومة لإمكانيات شعب فقير، يأخذون منه الضرائب ولا يتركون له غير النميمة، ونسأل أين الاهتمام بالمحاسبة الاجتماعية على فلوس الحكومة؟ من أين تأتى؟ ومن جيوب من؟ وكيف تنفق؟ وماذا تترك من آثار على الأرض والناس؟

إن فهمت يا صاحبى بعض ما نحن فيه من تخلف، فمخك حلو، وان كان مخك حامض فلن تفهم طرفا من بعض الأحوال الحامضة لحكومتنا الرشيدة.
المقال نشر بجريدة نهضة مصر – الثلاثاء 26 أكتوبر 2010م

Tuesday, October 19, 2010

يوم الإحصاء




الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، جيش من العاملين ينتشرون فى ربوع مصر، يجمع البيانات ويستخرج الإحصاءات والمؤشرات الضرورية للباحثين وصناع القرار فى كثير من نواحى حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتعتمد كفاءة الجهاز على كفاءة العاملين به.


منذ أسابيع قليلة أقامت جريدة نهضة مصر ندوة إعلامية، كان المتحدث الرئيسى فيها اللواء أبو بكر الجندى رئيس الجهاز، كان طيبا وفاهما وحكيما فشكرناه، وفى نهاية الندوة أعطيت بعض مساعديه بريدى الالكترونى بقصد أن يمدونى ببيانات إعلامية عن نشاط الجهاز، وبالفعل وصلتنى خطابات من الجهاز، كثيرها أفادنى وبعضها دفعنى دفعا لكتابة هذا المقال.


رغم أن للجهاز موقع الكترونى يفترض فيه كمال مهمة إنشائه من تواصل ومصداقية مع عملاء الجهاز من أفراد ومؤسسات، إلا أن الخطابات لم تصلنى من موقع الجهاز، بل وصلتنى من بريد موقع الكترونى عام لا يتحكم الجهاز فى إدارته، وبالتالى يحتمل تغيير الخطابات الواردة عن طريق هذا الموقع، وأسوأ من ذلك أن الخطابات كانت مرسلة من أشخاص بعينهم وفى أشكال مختلفة، مما يقلل عندى من مصداقية البيانات، فالمصداقية تتطلب شكلا وصيغة يجب المحافظة عليها، مثل خاتم شعار الجمهورية صاحب الشكل واللون المميز.


فى شهر رمضان الفائت وصلتنى خطابات إعلامية من الجهاز بها أدعية دينية وأمانى ساذجة، فهل هذه بيانات من جهة علمية؟ ووصلتنى خطابات بها أخطاء لغوية، فهل هذه خطابات من جهة رسمية؟ هكذا يمكن أن يصل إلى ذهن عملاء الجهاز شك فى صحة البيانات الفنية وفى كفاءة العاملين به، فالجهاز مهمته علمية بالدرجة الأولى ولا يعقل أن يكون من بين المسئولين عن صورته أمام الآخرين من هو ساذج أو متاجر بالدين أو من لا يعرف أصول اللغة.


وبمناسبة حلول يوم الإحصاء العالمى الموافق للعشرين من أكتوبر الحالى، حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وبمناسبة احتفال الجهاز بهذا اليوم، فإنى أطالب برفع كفاءة بعض العاملين بالجهاز تعزيزا لقدرتنا على رصد تطورنا الحضارى، قاصدا أن تصل الإحصاءات الرسمية للعملاء فى صورة تحافظ على القيم الأساسية من نزاهة وموضوعية وشفافية.


اكتب هذا راجيا أن لا يرفع بريدى الالكترونى من قائمة عملاء الجهاز، فعادة ما يلجأ المقصرون للتخلص ممن يثيرون لهم المشاكل، ينفذون المثل الشعبي القائل: الباب اللى يجيلك منه الريح سِدُه واستريح، وأكون عند بعض الموظفين أنا الباب والريح معا، هكذا يتمكنون من إرسال خطابات من الجهاز للعملاء ترى أن إحصاء الناس والأرزاق عمل من عمل الشيطان.


Saturday, October 09, 2010

دكتوراه منتقبة


البحث العلمى فى مصر يعانى من آثار تخلف حضاري، وأحد مظاهر التخلف الحضارى أن يكون الباحث العلمى غير قادر على إدراك العلاقة بين الشكل والجوهر، فالطالبة الجامعية التى ترتدى بنطلون غير التى ترتدى فستان غير التى ترتدى نقاب، هن مشتركات فى صفة التعلم، لكنهن مختلفات فى جوهر أداة التعلم وهى موضوعية العقل.

منذ أيام قامت لجنة علمية بمناقشة طالبة منتقبة فى جامعة المنصورة وأجازت منح الطالبة درجة الدكتوراه، المؤسف فى الأمر أن اللجنة سمحت للطالبة بالحضور والمناقشة وهى منتقبة، فالقواعد القانونية لإعطاء الدرجة العلمية تلزم لجنة المناقشة بتطبيق فحوى النص القائل بأن اللجنة ناقشت الطالبة مناقشة علنية، هكذا بارتداء الطالبة النقاب لم تستوف اللجنة شكل المناقشة، فكيف تيسر للجنة ومن بينها أعضاء من خارج الجامعة أن ترى ملامح الطالبة؟، فى الوقت الذى تلتزم فيه اللجنة نفسها بارتداء أرواب جامعية موسومة الشكل، أما عن مضمون المناقشة فالنقاب موقف ديني شخصى جدا لدى الطالبة يمنع إظهار هويتها الشخصية للجنة، والإصرار على ارتداء النقاب يتحول إلى موقف عقلى رافض للبحث العلمى الموضوعى، فالباحث العلمى يفترض فروضا علمية حول بحثه قد يكون من بينها وضع مسلمات دينية موضع الاختبار مما يوقع الباحث فى تناقض منهجى بين الدين والعلم، وبالتالى قد يصل الباحث إلى قبول أو رفض لنتائج غير مختبرة علميا وتصبح أبحاثه فاشلة غير صالحة للتداول العلمى.

حديثنا عن الفشل فى البحث العلمى هنا ليس فيه تجنى على لجنة المناقشة أو على الطالبة، فلو جمعنا لجان مناقشات علمية يتم تشكيلها بين أصحاب يحملون ألقابا علمية مضروبة ويعانون تخلفا حضاريا مع جمود عقلى لطلبة غير مبدعين، لوصلنا إلى نتائج منطقية تقضى بأن جامعاتنا تمنح بالتدليس مئات من شهادات الماجستير والدكتوراه لمرضى يزدادون تخلفا كل يوم.

ذات مرة سألت بعض طلبتى فى مرحلة الدراسات العليا، ما رأيكم فيمن تدرس للطلاب وهى مرتدية النقاب ولا يظهر منها غير عينيها؟ والمفترض من وجهة النظر الدينية للمنتقبة أن صوت المرأة عورة، وأن جلوسها فى المنزل أولى من مخالطة الغرباء فى الأسواق، فأجاب كثير من الطلاب الذين أنجبهم نظام تعليمنا الحالى، لا يهمنا أمر لباسها، نحن نهتم بما تقول فقط، فسألتهم مرة أخرى، ماذا لو دخلت امرأة أخرى لتدرس لكم وهى شبه عارية؟ فبهت كثير منهم وهاجوا حين ظهر لهم حجم الخديعة التى يمارسونها تجاه أنفسهم فلا يستطيعون الفصل بين الشكل والمضمون، لا يدركون أن العرى أو الاختباء عند المعلم كلاهما دعوة للطالب أن يقترب من شخص المعلم دون الاهتمام بمضمون ما يدرس.

هكذا نعيش تخلفا علميا مريعا، بسبب عجز جامعاتنا عن الاحتكام إلى لجان علمية لديها من المعرفة والثقافة ما يكفى للفهم الصحيح لكثير من القيم الدينية.

Tuesday, October 05, 2010

عَمُو كَمِيل




المهندس كَميل حليم، مصرى مسيحى، عايش فى أمريكا من زمان، نشر مقال فى جريدة اليوم السابع المصرية يقول فيه للمسلمين المصريين، لو أنتم مش عاوزين الأقباط فى مصر، يبقى لازم تبطلوا استعمال أى مفردات أصلها قبطى، يعنى متاكلوش بصارة ولا مدمس ولا طعمية ولا سمك البساريا ولا البورى، ولا تزغرطوا، ولا تكسروا القُلل، ولا الواحد فيكم يسخُسَخ ولا يِلَكلِك فى الكلام، ولا يستعمل الطرابيزة ولا يِنَوُر اللًمبة لأن كل دى مفردات أصلها قبطى، ووعد بأن حياة المصريين من غير الأقباط ستكون صعبة.


يا عَمُ كَميل، أنا بقى عندى كلام تانى، سيبك من كلام التاريخ والجغرافيا وخليك معايا، الكلام المعجمى اللى حضرتك وكثير من المناديين بأن مصر قبطية بتقولوه، أنا موافق عليه باعتباره مجهود علمى يسهل نقضه، لأن الناس تضع الأسماء على أعلام، والأسماء لا تُعًُلل، وأن اللغة تكتسب معانيها بالاستخدام البشرى الحى، فانا علشان احل مشكلة المواطنة المصرية على طريقتك ممكن أقدم على حل من اثنين، الحل الأول أنى أسيب البلد وأسافر لبلاد الهمبورجر وشوربة الضفادع، اعمل هجرة يعنى، أو آكل رز مع الملايكة، اعمل انتحار يعنى، والحل الثانى أنى اعمل فيك حركة لغوية، باعتبار أن اللغة المصرية من مفهوم مقالك تعيش فى زمانها القديم وأن ظروف استخدامها لم تتغير طوال مئات السنين، شوف يا عم كميل، أنا هكتب على الطعمية سماطر، وهكتب على البصارة كشروان، وهسَمُى البورى فرابس، وهكتب اللى يعجبنى على كل الأشياء اللى حضرتك قلتها، وهفضل أعيش فى مصر، آكل الفول والبصارة والسمك البورى واللى ربنا يفرج علينا به من مستجدات اسمية، وخللى القاموس ينفعك.


يا عَمُ كَميل، حكاية قبطى مسلم وقبطى مسيحى، أصبحت لعبة ناس عجزة وفقراء ومهضوم حقهم، ومن خوفهم بياكلوا منبر الجامع ويبيعوا مذبح الكنيسة، إحنا كلنا مصريين، والفقر والتجارة بالدين وانحسار دور الدولة جعلونا غلابة، يبقى مفيش قدُامنا غير حل واحد، إن أنا وأنت وكل المصريين الحلوين نعيش فى مصر ونبنيها، علشان الغربة وِحُشَه والموت أوُحَش، بقى يا راجل ينفع أسافر عامل تراحيل، أنام تحت عمارة ابنيها فى صحراء وأقول أهى شغلانة منها حج وعمرة؟، وإلا ينفع أهاجر سواق تاكسى فى أمريكا، ألبس برنيطة وأقول أنا مصرى تحت الطلب؟، لا طبعا مينفعش، إحنا مقامنا كمصريين أعلى من كده.


يا عَمُ كَميل، أنا مسلم عايش فى مصر، وأنا وأنت شاعرين إن مصر وطن مقدس بيعيش فينا، قابلنى يا راجل علشان نعمل سواء من اجل رفعة أنفسنا كمصريين، نعيش جوه مصر أو خارجها وإحنا عارفين إن العمر واحد والرب واحد، وكلنا مع بعض نقدر نغير حياتنا للأحسن.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر - الثلاثاء 5 أكتوبر 2010م

Tuesday, September 28, 2010

مفردات فكرية




· رَجوُت الحبيب وِصالاً فواعدنى باللقاء بعد مئة سنة، ربى: متى تنتهى المائة سنة الأولى؟.


· إلى الأخوة العُزُاب: عليكم بالزًواج عَلًنى أجد فرصة مواتية لنصيحتكم بالطلاق.


· انتهى عصر الرُسل، فعدد الشهداء فى أيامنا قليل.


· التعصب الدينى، مثل التعصب المذهبى، لا يسكن إلا فى قلوب صلدة.


· إلى بعض الأصدقاء: ساعدونى على الصراحة كى أكون لطيفا معكم.


· المناضلون فى منازل الصمت، يرفضون هذا ويطيحون بذاك، ويهادنون الجميع على القارعة.


· الغَزَل الجَيد، حُلم مؤجل عن جمال محتمل.


· أصبحت عندى الآن الجرأة الكافية لأقول: أنا زعلان منك يا حكومة.


· فى الليالى المُفترجة، لست بحاجة إلى مقويات، إنى أتناول المهدئات.


· قالت فى دلال: احلف انك تحبنى، قال فى يقين: علىً الطًلاق ما أنا حالف، واختارى أنتِ.


· لا توجد علاقة علمية تربط بين الدين والجمال، فالفقراء والمتعبين يعدهم رجال الدين بدخول ملكوت السماوات، أما ملكات الجمال فعادة يدخلن ملكوت الرجال المحظوظين.


· الليل يضئ الهوى للأحبة ومدبرى الانقلابات، ويتشح بالسواد حدادا على نهار تركهم محزونين.


· ظهرت نتيجة امتحانات الكلية وبدأ موسم للشتائم، الطلبة يسبون الأساتذة، والأساتذة يسبون الطلبة، لا الامتحانات جادة ولا النتائج حقيقية.


· إذا كان الطيبون للطيبات، وكانت الطيبات للطيبين، فكيف للخبثاء أن يتوبوا دون وازع كافى؟.


· انه أبو مصعب وذاك أبو الخنساء وهذا أبو عبد الرحمن وهازيك أم القاسم، يا أولاد البادية الجدباء: لا الإنجاب قوة، ولا العِنُة ضعف، انتموا لأنفسكم، هذا أقرب للعدل.


· حيرة العربى المعاصر، انه لا يعرف أى عصر يعيش، أيعيش فى القرن السابع أم الخامس عشر أم الحادى والعشرين؟، انه لا يملك غير جلباب قَدٌته الصحراء، ويسكن عقله فى خيمة بدوية.


· رأيته اليوم فى حلم عابر، مد يده نحوى قائلا: أنا جئت لأهبك كنزا عبقريا، فقلت: لحم وثريد وصقر وبئر بترول، ركب الهواء مسرعا ولوح صائحا: يا عم ابعد عنى بلا قرف.


· الطرق فى بلادنا صنعت لمرور كثير من العظماء وقليل من البشر، إنها محشورة بآلاف الإعلانات عن رسل وأنبياء وكتب مقدسة وتجار انتخابات.


· بعد أربعة أيام قضيتها عى شاطئ البحر المالح، تأكدت أن الهدوء، والشمس الحانية، والدُلع مع بعض أنواع الجمبرى، هم سر جمال النساء.


· حضرت ندوة حزبية عن الانتخابات، سمعت كلمات عن التحريض والتعرية والمواجهة والمقابلة ثم الفصل، كانت بجوارى فتاه جميلة تستحق كل ذلك.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 28 سبتمبر 2010

Tuesday, September 21, 2010

ثورة الغلابة

كانت أمى، الله يرحمها، مقتنعة بأن الله يحب الملوك أكثر من الغلابة، وتؤمن بأن حيل الغلابة مقطوع ويثورون على الغُلب بإنجاب الكثير من الأطفال، هذه القناعات عجلت بموت أمى مبكرا، فقضت نحبها صغيرة قبل أن تكمل عامها الرابع والثمانين.

لم يحفظ رجال التاريخ أن أمى درست فى معاهد حزبية أو انضمت إلى حزب سياسى حاكم، كانت أمًا برية لا تجيد مراوغات أهل السياسة، تحب عاشقى الحياة وتكره صانعى الموت، عاقرت الحياة بثقافتنا الشعبية وصنعت ثورة فأنجبت عشرة من البنين والبنات، مات منهم ثلاثة فقط، هكذا فتحت أمى أبوابا نعبر بها الحواجز الثقافية بين الطبقات، نباهى الآخرين بعددنا ونقتتل عند كل طعام، وفى أول معركة دخلتها مع إخوتى حول توزيع ميراثنا فى الدًار والطين، وجدت نصيبى مجرد حُطام يكفى مئة ثورة لجياع، ويثير ألف انتفاضة لمقهورين، فتفتيت الثروة جعل الناس فى بلادنا أغلب من الغُلب، لا الفقراء يغتنون ولا السلاطين يتوقفون عن إفقار الجميع، وهكذا بدأنا نمارس ثورة أمى على الملوك وقيادات الحزب الحاكم.

كان الخلفية الفكرية لثورة أمى على الغُلب، أن ملوك مصر يأكلون نهار كل يوم لحم طير وما يدعون من ورق عنب محشى باللوز وفول غارق فى السمن البلدى، وفى كل مساء يأخذون مقويات وأصباغا تعطيهم الشباب والعافية، ويبقى دونهم كثير من المصريين، شبه أحياء مقتولين بالفقر، لباسهم خرق بالية لا تستر عوراتهم البائنة، وطعامهم لقيمات جافة لا تلحس معداتهم الخالية، هكذا يتزايد سكان القصور فى ارض مصر، يعيثون فى الأرض فسادا، ويحولون مجتمعها إلى ثلاثة فصائل، فصيل طاغى من ملوك وملكات يورثون أمراء وأميرات، وفصيل من غلابة تصيبهم الحكومة بالعنة والعقم، وفصيل مطحون من عبيد ينجبون فقراء ولا يورثون أحد.

ليس صعبا على الغلابة أن يفهموا فتاوى السلطان فى موضوع الزواج والطلاق وكيد النساء، الصعب هو أن يفتى فقهاء السلطان بحرمان الغلابة من غرائزهم الطيبة، فرغم تعدد صور الزواج عند السلطان من المتعة والمصالح والعرفى إلى المِسُيار والبوى فرند، إلا أن فتاوى أهل السلطان لم تخفض من زيادتنا السكانية، وبقيت مشاكلنا السكانية تحول ثقافيا دون التوازن بين طبقاتنا، هكذا يعانى مجتمعنا من سبعة ملايين فتاة مصرية يعشن واقع العنوسة ولا يقدر على الاقتراب منهن ملايين من الرجال العاجزين.

أريد فتوى سلطانية تشد حيلى الغلُبان، وتزوجنى من ألف عانس تملكها يمين الحكومة، وأعد فقهاء السلطان بالبقاء فى دائرة الغلابة حيا دون إنجاب.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 21 سبتمبر 2010م

Saturday, September 18, 2010

كانون الحطب


فى طفولتى، كنت أخشى ساعة العشية من ليلة كل عيد، وأخاف ساعة البدرية من صباح كل يوم جمعة، ففى تلك الأوقات تطفئ أمى آخر ( بصبوص) نار فى كانون الحطب وسط دارنا، وتدخل حلة نحاس مليئة بالماء الساخن إلى قاعتنا الطينية، تسحبنى من نومى، وتخلع جثتى من هدومى، وتدفعنى لأقف عاريا وسط القاعة فى طست النحاس، تدلق الماء الساخن بكوز صفيح على جسدى، وتدعك رأسى بصابونة غسيل تلسع عينى رغوتها الحامية، وكلما علا صوت بكائى، تدغدغنى أمى عند الضلوع، فأهش للحظات وأعاود البكاء، واسمع أمى تدعو لى بطول العمر وعقبى الهناء فى حمامات الزواج والعيش سعيدا فى المدينة.

فى صباى، انطلقت مع الرفاق بعيدا عن كانون الحطب، نستحم عندما يحل بالقرية عيد أو يباغتنا ارتداء ملابس جديدة، وحين يدخل الصيف تبدأ مواسم حماماتنا العارية المفتوحة، نستحم بمياه الحكومة فى دورات مياه المساجد، ونستحم بمياه الأهالى فى بطون الترع والقنوات والمصارف، فى المياه الضحلة نطرد كلابا وحميرا تستبرد على الشاطئ ونحتل أماكنها ونتعلم السباحة، وفى المياه العميقة نركب البقر والجاموس، نعوم ممسكين بالذيول والأذن والرقاب، نتقاذف بالطين ونتأرجح بفروع الأشجار.

مرت سنوات وأصبحت زوجا أبا عيال أسكن المدينة، تهاجمنى إعلانات رقيقة لأناس يستحمون بالمياه الساخنة فى التلفزيون، وتملأ رؤوسهم رغاوى صابون لا تلسع عيونهم، وحين كبرت المسألة فى دماغى قررت الاستغناء عن كانون الحطب وشراء سخان مياه كهربى صنع فى مصر.

فى معرض بيع ضخم، أقسم البائع برأس أمه الغالية، بأن ضمان صلاحية السخان خمس سنوات، فاشتريت السخان، إلا انه وقبل مرور سنتين ونصف تسربت المياه من السخان مليئة بالصدأ والبرودة، فدفعتنى زوجتى خارج الشقة، حاملا السخان إلى مركز خدمة الصانع، وبسرعة قرر خبراء الصانع أن مياه الشرب التى تدخلها الحكومة فى صنابير شقتنا، وندخلها نحن فى بطوننا هى مياه مليئة بالأملاح والرواسب، أفسدت السخان وحولته إلى قطع من الصدأ، وتبارى الخبراء فى إلصاق التهم بى، فأنا أسأت تركيب السخان الذين قاموا هم بتركيبه، وأنا أسأت استخدامه بأن جعلته يسخن مياه الحكومة القادمة من صنبور شقتنا، ولما وجدت نفسى محاصرا بتجنى الخبراء وجثة السخان ودفع التهم وتكبير الدماغ، اضطررت لشراء سخان جديد بنفس الثمن ومن نفس الصانع.

دخلت على زوجتى حاملا السخان الجديد مع نصف كيلو كباب وكفتة، قاصدا عودة الوُد بيننا مع افتتاح العمل بمياه الحكومة الساخنة، وحين أدارت زوجتى الأمور فى رأسها، اتهمتنى بالضعف والغش، وبأننى متواطئ مع التاجر وأرمى فلوس عيالنا على الأرض، ذلك بأننى دفعت ثمن السخان مرتين مقابل تسخين المياه طوال خمس سنوات.

أنا عاوز فلوسى من قلب لصوص مدلسين، شعارهم صنع فى مصر، وسأصنع كانون حطب أهرش حوله جسدى وأستحم بمياهه الساخنة، فذلك أفضل جدا.

Tuesday, September 07, 2010

اقتراح ثقافى

أزماتنا السياسية والفكرية والاقتصادية الطاحنة، أدت إلى خفوت التواصل بين أفراد الشعب العربى الواحد وبينهم وبين الشعوب العربية، يرجع هذا الخفوت لانشغال الحكومات بعيدا عن الطموح القومى، كما يرجع لخفوت فكرة القومية العربية إزاء تصاعد تيارات العولمة الثقافية.

الشعوب تتواصل ثقافيا عبر طريقين، أولهما قنوات الاتصال الرسمية، مثل الإعلام الحكومى والمهرجانات والأعمال الفنية والسينمائية لمؤسسات إعلامية مختلفة، هذا النوع من التواصل هو تواصل فوقي من طرف واحد، يحمل وجهات نظر تسعى المؤسسات فرضها على الشعوب، والطريق الثانى للتواصل هو قنوات السياحة والعمالة، ويعتمد هذا التواصل على الاحتكاك الشعبى المباشر بين السياح والعمال من جانب وبين أصحاب العمل من جانب آخر وهو اتصال أحادى الجانب أيضا، فالسائح والعامل تحت ظروف سوق العمل السائدة يكون فى وضع أضعف نفسيا من التمازج الثقافى المتوازن مع صاحب العمل، هذان النوعان من التواصل يدعمان فكرة التمايز والتفرقة بين الشعوب، ونحن الآن أحوج ما نكون إلى البحث عن طرق مبتكرة للتواصل الثقافى بين الشعوب العربية تعتمد الاحتكاك المتوازن والمباشر بين الضيف والمضيف.

هنا ندعو إلى فكرة الرحلات الشعبية الثقافية تنتقل بين المدن العربية، ويعتمد تنفيذها على عنصرين أساسين، أفراد لهم ميول المشاركة فى الرحلات، ومؤسسات ثقافية شعبية كالنوادى والتجمعات الأهلية تقدم المساعدة لأفواج الرحلات، وتمويل هذه الرحلات يعتمد على التمويل الذاتى لأعضاء الرحلة ضمانا للجدية، وعلى دعم رعاة إعلاميون ومنظمات ثقافية، كما يعتمد على تجهيزات النوادى الثقافية فى المدن التى يحل بها أعضاء الرحلة، وعن المدة الزمنية لكل رحلة فيمكن قياسه حسب المسافة بين المدن المخطط المرور عليها، شريطة ألا تزيد المسافة عن ثلاثمائة كيلومتر يوميا إذا تم السفر بالسيارات، يتمثل عمل فريق الرحلة فى أن يقدم كل عضو محاضرة عن موضوعات لا يتناولها الإعلام الرسمى أو المؤسساتى، كأن يقدم محاضرة عن جغرافية وتاريخ وفنون والحكايات الشعبية فى منطقة إقامته الأصلية، هكذا تظل المحاضرات جديدة وثرية، وعن هذه الرحلات ستخرج كتابات وأعمال فنية وثقافية يقدمها أعضاء الرحلة عن مشاهداتهم.

هنا اقترح رحلة ثقافية برية يقوم بها فريق من ستة أو سبعة من الأدباء والفنانين والعلماء يركبون سيارتين، تبدأ من رفح فى مصر وتنتهى عند أغادير فى المغرب وتمر عبر الدول العربية شمال أفريقيا على أن تكرر المحاولات مع تغيير الأفراد وتغير خط السير بين المدن مع تبادل الوفود بين الدول، الفريق يقدم محاضراته وأعماله الفنية فى النوادى وتتولى النوادى إعاشته وتقديم وقود سياراته للمحطة التالية.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر- الثلاثاء 7 سبتمبر 2010م

Tuesday, August 31, 2010

أنا إتسرقت


إنه تقدمى فى العمر وانبهارى بالصوت النسائى الجميل، وانه التقدم فى التكنولوجيا وعجزنا الإدارى، كلها أسباب جعلتنى أتعرض لعملية سرقة علنية، الًلص هو ماكينة صرف آلى تتكلم بصوت نسائى، إنها أول ماكينة على اليمين من أربع ماكينات للصرف الآلى يضعها البنك الأهلى المصرى فى مبناه الجديد بشارع فيصل من مدينة الجيزة، ولولا تعبى من الرًغى لذكرت التفاصيل.

فى يوم الخميس الماضى، أمرتنى زوجتى بالذهاب للبنك للحصول على الخمسين جنيها معاشى الشهرى من نقابة التجاريين، ولأننى لا أملك ردا لأمر زوجتى تحاملت وخرجت، جرجرت رجلاى ووقفت فى طابور أمام ماكينة الصرف المذكورة فى البنك المذكور، الماكينة جميلة لها شاشة ناعمة وبها أضواء ملفتة، وحين جاء دورى أخرجت بطاقتى البنكية ووضعتها فى المكان المخصص فإذا بصوت الآلة الجميل يرحب بى ويطلب منى الرقم السرى الفاتح لعلاقتنا الخاصة، دغدغت الماكينة ووضعت الرقم السرى ملامسا برقة أربعة أزرار على صدرها الجميل، فانفتحت شاشتها تطرح أمامى كثيرا من الإغراءات البنكية، فسألتها: كم رصيدى؟، أجابت: أكثر من مائتى جنيه بقليل، فطلبت سحب مائتى جنيه فاستجابت الماكينة وأخذت فى دلال تجرى العملية ثم أعطتنى إيصالا يفيد أنى سحبت مائتى جنيه وأصبح رصيدى دون العشرة جنيهات، وانتظرت فى شوق خروج فلوسى لكن الماكينة اللعوب لم تخرج الفلوس، فقط سرقتها وقالت بلغة انجليزية واضحة: شكرا على تعاملك البنكى معنا، فوجدتنى أقف حائرا ويعلوا صوتى: أين فلوسى يا لصوص؟.

رَبت جندى مكلف بحراسة الماكينات على كتفى مواسيا، واخبرنى انه منذ نصف ساعة فقط قامت نفس الماكينة بسرقة عميل آخر، ونصحنى بمقابلة المسئولين، بسرعة قابلت مسئولا فى البنك فلم يكترث وقال فى ابتسامة مجهدة: الدنيا صيام يا حاج والماكينة مِهنًجَة، وطلب منى الانتظار ثم معاودة المحاولة، انتظرت وعاودت المحاولات لأكثر من ساعة ونصف والماكينة مستمرة فى عملها، ترحب بالعملاء وتعطيهم بيانات ولا تعطيهم نقودا، وهنا ظهر العجز الإدارى فى البنك فلم يوقف أحد الماكينة عن ممارسة النصب على بقية العملاء.

قلت لكبير فى البنك: انتم تأخذون منى نقودا مقابل هذه الخدمة وانتم مسئولون قانونيا عما حدث لى، فقال: قدم شكواك، وفوت علينا بعد عشرة أيام يا حاج، ثم مال على أذنى: أنت صَدُقت إن عندنا تطور تكنولوجى أو مسئولية قانونية، إذا كنت أنا مش مصدق انك على المعاش وفوق الستين، أنت لِسًه شباب يا حاج، تعيش وتاخُد غيرها.

عُدت للوِليًة زوجتى مجهدا مشغولَ البالِ مكسور الخاطر، وحين قلت لها أن للماكينة صوت انثوى، مصمصت شفتيها وقالت: إنها من حريم البنوك الآليين تسرق لحساب رؤوس كبيرة.
المقال نشر فى جريدة نهضة مصر- الثلاثاء 31 أغسطس 2010م

Tuesday, August 24, 2010

رحلة إفطار


لأننى موظف حكومة مصرى، أعمل مغتربا فى مدينة تبعدنى عن صحبة الأهل والوزراء والمحافظين ومسئولى الأمن الغذائى، هكذا أصبحت أحوالى الاقتصادية أكثر فقرا وأجاز بعض الفقهاء استحقاق الموظفين أمثالى لكثير من الرشاوى والزيت والدقيق وأموال الزكاة.

مع غربتى فى أيام شهر رمضان الكريم، طرحت على زميل فى العمل مغترب مثلى أن نتناول الإفطار على أقرب مائدة رحمة، وحين وافق اشتعل رأسنا بطموحات أن يكون طعام إفطارنا فخيما على مائدة عامرة، وشحذنا عقولنا نرسم الخطة الحكيمة.

قبل غروب اليوم العاشر من رمضان، انطلقنا بسيارتنا كيلومترات قليلة قاصدين الوصول إلى مدينة يشتهر أهلها بالتجارة وصناعة الفسيخ والأثاث ويسكنها مئات من الأثرياء، قلوبهم تحب جمع المال مثلما تحب أيدينا إنفاقه، وبدأنا رحلة الإفطار نمنى النفس بموائد عامرة تتنوع ذنوب أصحابها فتتنوع أصناف طعامها، نهبر فيها أنواعا من اللحوم والأسماك والحلوى.

ظللنا نلف شوارع المدينة والجوع يراقصنا، الشارع الأول ملئ بسيارات النقل الكبيرة ولم يكن به مائدة رحمة، الشارع الثانى ملئ بورش الحدادة الضخمة ولم يكن به مائدة رحمة، الشارع الثالث ملئ بمحلات تبيع أفخر أنواع البطارخ ولم يكن به مائدة رحمة، بقية الشوارع مليئة بتجار الذهب والممنوع والعملة ومكاتب السفريات ومعارض السيارات ولم يكن بها مائدة رحمة واحدة، فحصنا الأزقة ولم نعثر على طعام يقدمه أصحابه تكفيرا أو زكاة أو رحمة.

عضنا الجوع وهدنا العطش واقتربنا من وقت الإفطار فأصابتنا جرأة السؤال، لله يا محسنين، وأطلت رؤوسنا خارج السيارة نستوقف واحدا من أهل المدينة بانت عليه ملامح الشبع، سألناه عن موائد الرحمة، استنكرت عيناه جهلنا بمطالع الأثرياء، وسألنا هو بعين فاجرة عن شيء نعطيه لواحد من أهل المدينة، ابتسمنا بكاء وشماتة وحقدا وبخلا، وهرولنا نغادر المدينة غير مودعين أو ملاطفين أحدا من أهلها، يملأنا الغيظ من كرم أثريائها ويملكنا الأسى من بخل أنفسنا.

تهادت سيارتنا على طريق الإسفلت نطرد المدينة خلفنا، وحين لحقنا موعد الإفطار على مشارف قرية صغيرة، استوقفنا أناس من أهلها يسدون الطريق على العابرين، ويصرون على تقديم أكياس مجانية تضم وجبات إفطار مصحوبة بالماء والتمر، إنهم مثل أهل قرى فقيرة يقدمون إحسانهم مخلصين، ويمضى شهر رمضان فى قلوبهم كريما.

بعد أول منحنى على الطريق، وتحت أول كوبرى اقتسمنا ما جمعناه من زكاة أهل القرية، بلح وجوافة وعرقسوس وأرغفة مليئة باللحم والأرز وقطع من الكنافة وملأنا البطون بالجميع، وحين ابتلت عروقنا وعاد الشبع إلينا، انصرفنا نسفه أحلامنا الكسولة بالشبع من بطون الأثرياء.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 24 أغسطس 2010م

Tuesday, August 17, 2010

رمضان كريم أحيانا


منذ أيام حل علينا شهر رمضان، والمراقب لسلوكنا العام يصل إلى وقائع ترصد أننا قومَ تسكن فى عقولنا ثقافتنا انتقائية ضعيفة، تسمح بخلط وقائع الفساد مع مظاهر التدين، ثقافة ترى أن شهر رمضان كريم دائما، وتتسامح مع كثيرين يأتون أفعالا تجعل منه كريما أحيانا.

فى أماكن العمل الحكومية، يقوم بعض الموظفين الأثرياء بنصب موائد علنية يتاجرون فيها بمظاهر تدينهم، يوزعون صدقاتهم تفاخرا على زملائهم من صغار الموظفين، ويكتشف العاقل أن هؤلاء الموظفين يثرون على حساب اقترافهم الصريح لكثير من الموبقات الدينية من رشوة وإهمال فى العمل وتعطيل مصالح الناس وتكدير حياتهم.

فى دور العلم، يشترك الكثير فى موائد زيف من تدين موسمى، أساتذة يطيلون ترديد الأذكار على سبح فخمة، وطلبة يتوقفون عن التدخين وصبغ الشعر، وطالبات يمتنعن عن استخدام مساحيق التجميل ويرتدين حجاب الرأس، وبعد رحيل شهر رمضان ينطلق الجميع فى لهوهم شاغلون.

فى أجهزة الأعلام، تنتشر موائد تخلف ثقافى مريع من برامج تصنع البلاهة فى عقول جمهور المشاهدين، تدعوهم للمقامرة واستهلاك الوقت، وتسخر من إمكاناتهم، وتدربهم على الشكاية والبكاء والاستجداء، هكذا يتقلص انتماء المشاهدين إلى العقل والتحضر والوطن.

فى الشّوارع والميادين، تُنصَبُ باسم الدين موائد طعام تهدر منطق كل دين وتسحق كرامة كل فقير، فبدلا من أن تصل الموائد إلى بيوت الفقراء والمعوزين، يخترق الأثرياء قوانين استخدام الطرق والشوارع، وينصبوا موائدهم أمام بيوتهم، ويرتاد هذه الموائد قليل من الفقراء وكثير من العابثين، إنها موائد نفاق ينسى أصحابها أن الجائع الفقير لا يشبع من طعام يقدّم له فى خدمة الفنادق الفاخرة، وأن شبع الفقير لا يعافيه من ألم الحسرة على ما يراه من إسراف.

كثير من موائد الطعام الدينية تهدر الأموال وقصف عنق أى اقتصاد، ففى العام الماضى أعلنت إحدى الجمعيات أنها تنفق على موائد الإفطار حوالى المليون جنيه مصرى يوميا، وينسى أعضاء تلك الجمعية أن تكاليف عربة واحدة لبيع الفول أو الكشرى لا يزيد عن خمسة آلاف جنيه، مثل هذه العربة يقوم على تشغيلها أثنين من العمال وتكفل حياة كريمة لأسرة متوسطة، أى أن ما ينفق على موائد الإفطار اليومية لتلك الجمعية يكفى لفتح ما لا يقل عن مائتى بيت جديد يوميا، بيوت تعتمد العمل المنتج بدلا من قبول الحياة عالة على الآخرين، إنها جمعيات تمارس الوصاية الدينية على أموال السذج وصدقات المتطهرين، تدير بعض أموال المجتمع بأداء يوحى بأننا أمام كوارث اقتصادية.

هكذا تنتشر مواسم التدين فى بلادنا، وتنتشر معها ملامح التخلف الثقافى والحضارى بين من يحملون قشور التّدين ويبررون فسادهم بتفسيرات خاطئة لنصوص دينية.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 17 أغسطس 2010م

Tuesday, August 10, 2010

ثقافة التحول المهنى


منذ سنوات بعيدة سمعت الرئيس أنور السادات يشيد فى احدى خطبه بشاب من بورسعيد ترك الهندسة ليعمل فى النقاشة وتركيب البلاط، ومنذ أيام ذكرت جريدة قاهرية كبيرة فى تحقيق صحفى أن شيخا مصريا من محافظة كفر الشيخ يعمل موجها أول للمواد للرياضيات فى مدارس الحكومة ومع ذلك يعمل سبُاكا صحيا، تلك الأيام القديمة لواقعة الشاب المهندس كانت بداية عصر الانفتاح الاقتصادى فى مصر وظهور الدخول الطفيلية، وهذه أيام واقعة الشيخ مربى الأجيال حيث تسريح العمال وبيع مؤسسات المجتمع الإنتاجية بأقل من سعرها السوقى، وكلها أيام لا تقيم وزنا للتعليم أو لجودة الإنتاج.

وقوع الحادثتين يرصد توجها إعلاميا حكوميا لتشجيع العمال على التحول بين المهن بمبررات تتسق مع توجه الحكومة نحو الاقتصاد الحر، لكن غير المبرر أن تدعو الحكومة لثقافة عمل غاية فى التخلف تقيس الفروق بين الأعمال بمدى ما يحصل عليه العاملون من دخل مباشر، مهملة عوائدها التربوية والاجتماعية.

أصحاب هذه الثقافة الإنتاجية لا يعرفون القدر الاقتصادى والاجتماعى للأشياء، فإذا أتينا بطالبين علم حاصلين على شهادة الابتدائية وأراد المجتمع من أحدهما أن يكون مهندسا ومن الآخر أن يكون نقٌاشا، فعلى المجتمع أن يدفع احدى عشرة سنة من التدريب والتعليم للأول حتى يحصل على شهادة البكالوريوس فى الهندسة، بينما يحتاج المجتمع إلى ثلاث سنوات فقط لتدريب الثانى كى يحصل على شهادة إعدادية فى النقاشة، إذن هناك فارق قدره ثمان سنوات من التعليم بين المهندس والنقاش، فإذا تم التحول من مهندس إلى نقاش فإن المجتمع يخسر تكلفة تلك السنوات العجاف.

إن الدعم الإعلامى لهذا النوع من التحول الوظيفى يمثل غباء تربويا يلقى فى وجدان المجتمع بقيم فاسدة تقضى بتفاهة التعليم ورخص أهدافه، وتقضى على فكرة الجودة فى الإنتاج، فحين يقوم مدرس بالعمل سباكا، فلن يكون هو بالمدرس التربوى الجيد ولا هو بالسباك المحترف، لا هو بقادر على التقدم الإبداعى هنا أو هناك، والخاسر هو مجمل أفراد المجتمع.

الأصل فى التقدم الإنتاجى أن يتوسع العمال فى مهاراتهم رأسيا، مثلا من سباك إلى صاحب ورشة إلى مخترع سيفونات لتوفير الماء، ومثلا من مدرس رياضيات إلى موجه إلى صاحب نظريات فى تدريس الرياضيات، أو أن يتوسع العمال فى مهاراتهم أفقيا، من ميكانيكى فى ورشة إلى مدير صيانة فى مصنع إلى استشارى فى مؤسسة تصميم محركات، لكن أن يتم الانتقال عرضيا بين المهن دون ثقافة طموح فى التقدم فإن قيم العمل المنتج تنهار ويصبح محزنا أن نرى من هو طبيب ويعمل سائق تاكسى، ونرى من هو حاصل على ليسانس اللغة العربية ويعمل بوابا فى عمارة.

إن أمر تخلفنا الحضارى والاقتصادى ليس راجعا لفقرنا فى الإمكانيات والموارد بقدر ما هو راجع لتخلفنا عن صنع ثقافة متحضرة للتحول المهنى.
المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 10 أغسطس 2010م

Tuesday, August 03, 2010

البحث عن ثقافة


منذ قرون تعانى عائلتنا مشاكل الانقراض الحضارى وتتسرب خارج التاريخ، لذلك اجتمع أصحاب الأمر من رجالنا مع الحكيمات من أمهاتنا، وقرروا أن تحتل عائلتنا مواقع الفخار فى كل البقاع، فانعقد أمر تفوّقنا على امتلاك دابّة ثقافية تكفينا مشقة السفر عبر التاريخ حفاة عراة جائعين.

فى القرن الأول، كنّا نرحل فى الوديان وفى شقوق الجبال وراء الماعز، طلبا للمرعى وسعيا فى الخفاء وراء دواب الآخرين، وكانت الماعز دوابنا التى أبدعنا امتلاكها وركوبها، نأكل لحمها ونشرب لبنها ويكسونا شعرها، وبها نصف الجميلات من نسائنا، وحين بلغ صيت عائلتنا كل القفار، انتشرت الأحقاد والدّسائس ضدنا، حتى أن كل ولاة أمورنا أهملوا شكاوانا من هجوم الضباع على ماعزنا، فعاد أهلنا حفاة فقراء من جديد، لكن الرّائع أن المأساة لم تكتمل، فقد فرح الكثيرون من فقرائنا بما فعلته الضباع، ذلك بأن الماعز لم يركبها من عائلتنا غير قصار القامة، أولئك الذين أورثونا قدرا كبيرا من حنكة ضرب الأسافين وزرع الشقاق بين البشر.

فى القرون التالية، كنّا نرحل فى الوديان والصحارى وراء الجمال، طلبا للمرعى وسعيا فى الخفاء وراء دواب الآخرين، فكانت الجمال هى دوابنا التى أبدعنا امتلاكها وركوبها، نأكل لحمها ونشرب لبنها ويكسونا وبرها، وبها نصف الصبورين من رجالنا، وحين بلغ صيت عائلتنا كل الفيافى، انتشرت الأحقاد والدّسائس ضدنا، وتناسى ولاة أمورنا شكاوانا من هجوم الذئاب على جمالنا، عاد أهلنا حفاة فقراء من جديد، لكن الرّائع أن المأساة لم تكتمل، فقد فرح الكثيرون من فقرائنا بما فعلته الذئاب، ذلك بأن الجمال لم يركبها من عائلتنا غير طوال القامة، أولئك الذين أورثونا قدراً كبيرا من البلاهة والسّفه.

فى القرن الأخير، بعنا كل ما ورثناه من ثقافات الماعز والجمال، واشترينا ثقافة العبيد، نسعى وراء أكل عيشنا فى تجارة المماليك وجلود المضحكين وآبار الزيت، وأقمنا كشوف بركة يغشاها الشّحاذون وبعض الفقراء، ونشَرٌنا مسارح رقص وخطب وصالات دُعاء واستغفار يملأها روّاد المآدب وصانعوا القرار، وحين ذاع صيتنا لدى كل البنوك ومخرجى الأزمات، ترصّدنا الحسّاد وقاطعوا الطريق وولاة أمورنا، يدفعوننا كى نختبئ داخل حفر من موائد طعام وصدقات تنصب فى مواسم الغفران وشراء الرضى المقدس.

واقعنا الحى الآن أن الصورة الثقافية لعائلتنا لم تكتمل، فبرغم أننا نمارس الحجاب والنقاب وستر العورة على ضعف عقولنا، إلا أن فصيلا من أقويائنا لم ينقرض بعد، ومازال بيننا من يفكّر ويبحث عن دواب ثقافية أكثر تحملنا إلى الزمن المتحضر وتقصى عن مسيرتنا عصبة الجهلاء.

آه يا تخلفنا، فسلطة القهر فى بلادنا ترى المفكر النابه قاطع طريق ومتآمر، ذلك بأن المفكرين النابهين يرون أن ثقافتنا الحاضرة فقيرة لا تملك غير الخديعة بأننا أقوياء.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 3 أغسطس 2010م

Tuesday, July 27, 2010

منهج التقدم


يخضع أفراد المجتمع الإنسانى لقوانين اجتماعية واقتصادية تتحكم فى ترويج مناهج فكر بعينها، مناهج تتحكم فى آليات معرفتهم للظواهر وطرق استيعابهم لوقائع الحضارة، وعليه فإن رصد المنهج الفكرى السائد فى المجتمع يبين مدى انحياز صُنًاع القرار لمصالح هذا المجتمع.

طوال التاريخ المرصود للبشر، يتنازع الناس منهجان فكريان متعارضان فى معرفة الظواهر، منهج شخصى يبرز من كون الفرد متضخمة ذاته ويرى نفسه محور الكون، والمنهج الآخر موضوعى ينشا من تعامل البشر مع الظواهر المحيطة باعتبارها وجودا حيا ومتشابكا يؤثر فى بعضه البعض، فحين يسود المنهج الشخصى، ينتفى دور العلم فى دراسة الظواهر، ويفسّر الفرد والمجتمع وجود الأشياء بناء على أراء شخصية، ويرسخ لدى عامة الناس، أن من يترفعون بالسّلطة ويمارسون القهر، هم وحدهم القادرون على امتلاك أسباب المعرفة، هكذا تنتشر مظاهر التخلّف الحضارى، من خوف عام واندثار الانتماء، ويصبح البناء الثقافى للمجتمع هشيم من أحداث غير مترابطة منطقيا، يصف طبيعتها هوى الأقوياء وأمانّى الضعفاء.

حين يسود منهج الفكر الموضوعى بين الغالبية المجتمعية، تقل فاعلية الآراء الشخصية فى دراسة الظواهر، ويدرك الناس أن ظواهر الكون يحكمها قانون العلّة والمعلول، وتنتشر مظاهر التقدم الحضارى للمجتمع، بان تسود روح التّجريب وحرية الرأى، ويتكون البناء الثقافى من نظام فكرى يسمح بالاستدلال على وجود مجموعات لأحداث مترابطة منطقيا، أحداث يمكن قياس بشكل محايد وبالتالى يمكن توقّع نتائجها.

ومثالا على ذلك فإن استخدام المنهج الشخصى فى دراسة الحضارة الفرعونية، يؤدى إلى تصور ذاتى يوحى بأنها حضارة صنعتها مخلوقات قادمة من الفضاء، أو أنشأتها عماليق خسفت بهم الأرض، ولا يكون من سبيل أمام لتقدمنا باعتبارنا أحفادا للفراعنة، غير الأمنيات وحمل التعاويذ، كى تصبّ السماء علينا من فضلها، ويكون الضّعف والتّمسح بتاريخنا، أعمدة فى بنائنا النفسى، فنقبل معونات الآخرين مصحوبة بأفكارهم، ويبقى ذلّ شعبنا دليلٌ حَمٌد لأصحاب النّعم.

وعلى الطرف الآخر فإن استخدام المنهج الموضوعى فى دراسة الحضارة الفرعونية، يؤدى إلى يقين علمى، بأنها حضارة أنتجها جهد إنسانى حقيقى، قام به أجدادنا الذين عاشوا بالفعل على هذه الأرض، ويكون شرف انتمائنا لهؤلاء الأجداد، سببا يحفزنا لاستعادة دورنا فى تقدم الإنسانية، فنسعى لإنشاء نموذج حضارى حديث، يكرّس لحرية الإبداع بين المواطنين.

هكذا، تفرض آليات التقدم الحضارى على صنّاع القرار فى بلادنا أن يعتمدوا فى صنع قراراتهم على مناهج بحث موضوعية تدعم الوسائل الفاعلة للانتماء الايجابى والمواطنة الصالحة.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر- الثلاثاء 27 يوليو 2010م

Monday, July 26, 2010

إدانة انتـخابية


مثل الكثير جدا من المصريين، لا أملك بطاقة انتخابية للإدلاء بصوتى، فلا أجد مبررا كافيا للانضمام للحياة الحزبية، ولا أتحمل الانضمام لأعداد غفيرة من كذابين الزفة يلهثون وراء نقود المرشحين، وأملك حججا كثيرة للهروب من العمل السياسى أفضل من حجة الإدلاء بصوتى الانتخابى، فلدى معارك حياتية شتى، إنها الخبز والسكن والصحة والتعليم والتواصل الإنسانى.

أنا لا أملك بطاقة انتخابية، ولم أفكر فى امتلاك واحدة طوال الأربعين عاما الماضية، فقد عودنى الكبار والصغار أن صوتى الانتخابى لا قيمة له، فالقوانين والقرارات فوقية جاهزة، والمرشحون معينون سلفا، شفت ذلك طوال عمرى فى البيت والمدرسة وفى الجامعة وفى الشغل، وفى كل يوم أتدرب مثل ملايين المصريين على تجرع الأسى ويمارس قلبى الحزن الجليل، فثروات بلادى محجوبة عنى، ولا أملك تجاه رفع البلاء غير الرجاء والدعاء.

أنا لا املك بطاقة انتخابية، ولا أفكر فى امتلاك واحدة طوال الثلاثين سنة القادمة، حتى وان هددونى بالحبس والغرامة، فلم أعد اخشى العقوبة من قانون يسمح فى بلدى لحاملى الجنسيات المزدوجة أن يتسللوا بالأموال والعلاقات التحتية وسوء الانتخابات، بالدخول أعضاء فى مجالسنا النيابية ويتولون التشريع والرقابة، لا يقيمون وزنا لملايين من أصواتنا الرافضة والمكتومة.

الناس أحرار فيما يختارون من جنسيات دول ينتمون إليها، لكنهم ليسوا أحرارا فى التجارة بهذه الجنسيات بحجة أنهم يطلبون النجاة لأنفسهم، فمعظم الدول تعطى جنسيتها لمن ترى فيه قدرة على ذوبان شخصيته فى شخصية أبنائها، وبالتالى يحكمه الولاء لها ولمؤسساتها، هكذا تجتمع للأفراد شروط عقلية وأخلاقية، تتلخص فى أن صاحب الجنسيتين هو بالضرورة شخص يتاجر فى الانتماء، فلمن يكون ولاء التاجر المصرى الذى يقضى سنوات فى دولة أجنبية ثم يعود لنا حاملا جنسيتها، ليدخل مجلس الشعب ثم يشرع القوانين لكل المصريين؟ فإذا كنا لا نسمح لغير المصريين الخلّص بالخدمة فى القوات المسلحة، فكيف نسمح لمزدوجي الجنسية أن يدخلوا مجالسنا النيابية ليشرعوا لنا القوانين؟ وكيف نسمح لبعضهم أن يتولى مناصب حكومية رفيعة تسهر على تنفيذ تلك القوانين؟ قد تكون الإجابة مطمئنة، إنها مجرد إدانة انتخابية فالأمور فى مصر بيد أبنائها المخلصين، وقد تكون الإجابة قاتلة، بأننا نمهد الطريق لإعلان أن مصر ولاية تابعة لدولة أجنبية.

Wednesday, July 21, 2010

الصياح بالتغيير


يرى بعض المراقبين السياسيين أن مصر إناء كبير يضج بغليان ثورة شعبية وشيكة، حجتهم فى ذلك تعاظم ثلاثة عوامل رئيسة فى صنع التغيير، إنها فقر الأداء السياسى والجوع الاقتصادى وتآكل المواطنة، لكن القراءة الموضوعية للواقع المصرى تصل بنا إلى نتائج مغايرة تجعل فعل التغيير مقصور على الصياح وأن التغيير صعب.

فى مقابل الجوع الاقتصادى يوجد نسيج اجتماعى غير متجانس لا يقوى على التمازج، فالطبقات الاقتصادية المصرية غير متواصلة اجتماعيا، ففى مصر طبقة ثرية مرفهة يقل حجمها عن عشرة المائة من السكان، وطبقة عريضة تصل إلى أربعين فى المائة من السكان تعيش دون خط الفقر الاقتصادى، وطبقة تزيد عن نصف السكان تعيش حول خط الفقر الثقافى، هذا الوضع الطبقى الاقتصادى الاجتماعى السيئ جعل المصريين يعيشون أنيميا ثقافية وفكرية حادة، وجعل من مصر كائنا مخترقا مفتوحا لتجارب الآخرين.

فى مقابل فقر الأداء السياسى، تحمل غالبية النخب المصرية شتاتا فكريا وثقافيا هزيلا غير مصري الجذور لا يتصارع حضاريا مع الواقع ويتكلس داخل أطر مغلقة تحول دون الفعل السياسى الجاد، وتعوق ظهور منظمات المجتمع المدنى الفاعلة.

فى مقابل تآكل قضية المواطنة، تتصارع آليات الانتماء بين أصحاب حزم فكرية ودينية متناقضة، ففى الداخل ونتيجة احتكار الدولة لآليات الفعل السياسى، تعيش الجماهير وعيا سياسيا منقوصا، ومن الخارج تتطاير أفكار متناقضة بين أقباط مهجر يضيقون الخناق على أهل مصر ليعيشوا فى تاريخ مضى، وبين إخوان بترول يلغون وجود مصر فى تاريخ معاصر، وبين عبيد تدميهم أسلاك النخاسة والكفالة فلا يهتمون بغير تاريخ أسيادهم، هذه الحزم الفكرية يعانى أصحابها من هوانهم على الناس خارج مصر ويسعون لاسترداد قوتهم داخل مصر، يتنابذون بالأقوال ويتشدقون بنقاء العنصر والانتماء العرقى، وتتسع شقة عدم الانتماء.

نحن غلابة، ففى بحثنا عن منهج فكرى للتقدم، يشقينا فعل أناس لهم سطوة وانتشار يدعون أنهم وحدهم المندوبون عن السماء وأنهم وحدهم الناطقون بالحق، أنهم يمارسون التمييز بين أبناء الوطن الواحد، فهذا مؤمن لهم وذلك كافر بهم، المؤمن لهم نصف مقدس والكافر بهم مشروع قربان للآلهة، إنهم لا يعترفون بحق الإنسان فى المواطنة ويشترون بآيات الحكمة ثمنا قليلا، إنهم لا يرون أن السماء فوق الجميع وأن الأرض ملك للجميع.

نحن المصريون، نعانى تخلفا اقتصاديا وعلميا وثقافيا وضعفا سياسيا، جموعنا عمال تراحيل تسكن العشوائيات، تشقينا فعله الحصول على طعام اليوم وتحولت ثقافة التغيير لدينا من فعل الثورة إلى فعل الصياح.
المقال نشر فى جريدة نهضة مصر - الثلاثاء 20 يوليو 2010م

Tuesday, July 06, 2010

مٌسجًل خطر


فى هوجة اشتباه فى تجارة الممنوع تم القبض على (قرنى) وتبين انه ماسح أحذية يتفاوض على عقد عمل فى الخارج، وفى حادثة قطع طريق عام تم القبض على (هشام) وتبين انه قد سجن فى قضايا احتيال على موظفين ونشل مدير عام وقطع طريق مهجور، وفى حادثة زراعة مخدرات تم القبض على (دلال) وتبين أنها ابنة تاجر مخدرات وحبست فى قضايا مخدرات، وقضى (عتريس) خمسين يوما فى الحبس حتى تم القبض على رجل آخر تشتبه الشرطة فى انه القاتل الوحيد لحصان رجل عظيم.

فى بعض المواسم تقعقع أدوات الشرطة فى تطهير منطقة من الخارجين على القانون، تفتش الأرض والمنازل والجيوب، ويتم القبض على العشرات من المشتبه فيهم، وتقيد بياناتهم فى السجلات، وحين تهدأ المعمعة وتصبح الأمور تحت السيطرة، يطلق سراح بعض المحبوسين، ويبقون تحت إمرة طلب جديد أو تسوية جرائم لم يستدل أحد على مرتكبيها.

عشرات من القضايا تقوم فيها الشرطة بالقبض على جناة ومشتبه فيهم، ومن باب استعراض الكفاءة تعلن الشرطة سابق معرفتها بالجناة وبتاريخهم الإجرامى، وتحفظ ذاكرة الناس أن الشرطة تعرف الكثير وأنها تقدر على الأكثر، وحين يتكرر القبض على نفس المشتبه فيهم فى نفس القضايا، يحتار الناس فى تفسير بقاء كثير من المجرمين يروعون الآمنين ويعيثون فى الأرض فسادا، دون أن يأخذهم القانون بيد الشرطة، عندئذ يفسر البسطاء أن إغماض عين السلطة على نشاط كثير من المجرمين، راجع لأن يد السلطة تتحرك لتنفيذ حالات موسمية أو لقضاء مصالح فردية، ويتربى شعور لدى الناس بأن الأمور غير منضبطة، ويحاصرهم إحساس بأنهم مشاريع جاهزة لحالات اشتباه موضوعة تحت الطلب، ذلك بأن إغماض الأعين عن الأجرام أمر صالح للمساومة فى تصفية الحسابات الشخصية.

كل منا يعرف جناة ويعاشر خارجين على القانون من كل نوع، زوجات وموظفين وتجار وفنانين وطلاب علم، لكن الخوف من سطوة الجناة ونوم القانون وفساد الذمم، وما يمليه ضعفنا الإنسانى بأننا فى وقت ما، جناة من نوع ما، وتعثرنا الإنسانى فى تناول قضايا الحرية، يجعل السلطة ترانا صالحين للاستخدام فى مواسم القبض على جناة، كل ذلك الخوف يدفع الكثيرين منا لأن يتحسس فى كل وقت سكينا أو عصا، يهش بها خوفه من البلطجة وفقدان الشعور بالعدالة والأمن.

علاج خوفنا العام من تسرب العدالة يتطلب إدارة علمية ترفع كفاءة الشرطة والقضاء والسجون، وتضمن الفصل بين الجناة والأبرياء وأصحاب الحقوق.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 6 يوليو 2010م