Tuesday, October 31, 2006

البحث عن دوابنا الثقافية

لأن التاريخ لا يمجد غير الشرفاء ولا يخط غير فعل الأقوياء، شاع بين أهل التاريخ أنهم يحبون الحياة ويملكون إرادة التغيير ويصنعون حضارة الإنسان، ولأن عائلتنا منذ قرون تتسرب من التاريخ، تعانى مشاكل الانقراض وتستمرئ الانحدار الحضارى، لذلك اجتمع أصحاب الأمر من رجالنا مع الحكيمات من أمهاتنا، وقرروا أن تحتل عائلتنا مواقع الفخر فى كل البقاع، كان رجالنا أكثر التحاما بالطبيعة، يدبّون فى الأرض حفاة الأقدام يتدثرون من عرى بأسمال تستر أبدانهم، ويحطبون من جوع فقير الزاد وخشن الطعام، وكانت نساؤنا أكثر امتلاء بالحكمة يملكن قلوبا مليئة بالحب وأيدى ساعية بالخير، وأكف مرفوعة بالدعاء، وجلابيب طويلة يتعلق بها الأطفال، فانعقد أمر تفوّق عائلتنا على امتلاك دابّة للركوب تكفينا مسغبة السفر فى التاريخ حفاة عراة جائعين.
فى القرن الأول، كنّا نرحل فى الوديان وشقوق الجبال وراء الماعز، طلبا للمرعى وسعيا فى الخفاء وراء دواب الآخرين، فكانت الماعز هى دوابنا التى أبدعنا امتلاكها وركوبها، نأكل لحمها ونشرب لبنها ويكسونا شعرها، وحين بلغ صيت عائلتنا كل القفار، انتشرت الأحقاد والدّسائس ضدنا، حتى أن كل ولاة أمورنا أهملوا شكاوانا من هجوم الضباع على دوابنا، فعاد أهلنا حفاة فقراء من جديد، لكن الرّائع أن المأساة لم تكتمل، فقد فرح الكثيرون من فقرائنا بما فعلته الضباع، ذلك بأن الماعز لم يركبها من عائلتنا غير قصار القامة، أولئك الذين أورثونا قدرا كبيرا من حنكة ضرب الأسافين وزرع الشقاق بين البشر.
فى القرون التالية، كنّا نرحل فى الوديان والصحارى وراء الجمال، طلبا للمرعى وسعيا فى الخفاء وراء دواب الآخرين، فكانت الجمال هى دوابنا التى أبدعنا امتلاكها وركوبها، نأكل لحمها ونشرب لبنها ويكسونا وبرها، وحين بلغ صيت عائلتنا كل الفيافى، انتشرت الأحقاد والدّسائس ضدنا، حتى أن كل ولاة أمورنا تناسوا شكاوانا من هجوم الذئاب على دوابنا، فعاد أهلنا حفاة فقراء للمرّة الألف، لكن الرّائع أن المأساة لم تكتمل، فقد فرح الكثيرون من فقرائنا بما فعلته الذئاب، ذلك بأن الجمال لم يركبها من عائلتنا غير طوال القامة، أولئك الذين أورثونا قدراً كبيرا من البلاهة والسّفه.
فى القرن الأخير، وصلنى بعض ما فعله الأجداد فى عائلتنا الكريمة، فبعت كل ما ورثته من ماعز وجمال، واشتريت دابّة من ثقافة تكرس رزق العبيد، وسعيت وراء أكل عيشى فى تجارة المماليك وجلود المضحكين وآبار الزيت، وأقمت كشوف بركة يغشاها الشّحاذون وبعض الفقراء، ونشَرٌتُ مسارح رقص وخطب وصالات دُعاء واستغفار يملأها روّاد المآدب وصانعوا القرار، وحين ذاع صيتى لدى كل البنوك ومخرجى الأزمات، ترصّدنى الحسّاد وقاطعوا الطريق، يدفعوننى مع كل الضعاف من ولاة الأمور فى عائلتنا، نختبئ داخل حفر من موائد طعام وصدقات تنصب فى مواسم الغفران، موائد لا تستحى فيها عيون الجوعى وتموت بها قلوب المفكرين.
صورة الأقوياء فى عائلتنا لم تكتمل بعد، فبرغم أننا نمارس الحجاب والنقاب وستر العورة على عقولنا إلا أن فصيلا من أقويائنا لم ينقرض بعد، ومازال بيننا من يفكّر ويحمل رأيا ويبحث عن دواب ثقافية أكثر تحضرا تحملنا عبر الزمن ولا تنوء بعصبة الجهلاء منا، لكن سلطة القهر فى بلادنا ترى المفكر حاسدا وقاطع طريق، يدعو بالتّلف على ثقافة ورثنا تخلفها، ويتآمر على إيقاظ عقلنا الجمعى، ويشيع بين الحاسدين أن ثقافتنا الحاضرة فقيرة لا تملك غير الخديعة بأننا أقوياء، المفكر القوى فى بلادنا يرى أن ثقافتنا الحاضرة مهيضة لا تطرح غير فكر يحمى ولاة أمورنا من مستصغر الشرر.

Wednesday, October 04, 2006

مصر .. وتوريث الحكم

قضية توريث الحكم فى مصر تشغل كثيرا من وقت ومساحات الصحف وأجهزة الإعلام، بعض الكتاب يعقد مقارنات بين نظم الحكم الجمهورية فى كل من سوريا وكوريا الشمالية وأذربيجان، يذكر دكتاتورية الحزب الحاكم وما تقوم به أجهزة الإعلام من تأليه أو على الأقل تعظيم دور الحاكم الفرد ليكون المواطنون جاهزين لقبول فكرة توريث الحكم فى دولة يفترض أنها جمهورية، هذا البعض من الكتاب لا يرى توفر نفس الظروف فى مصر وبالتالى فلا توريث محتمل لجمال مبارك لحكم مصر وريثا عن أبيه حسنى مبارك رئيس الجمهورية الحالى.

معالجة قضية توريث الحكم فى حاجة إلى تعريفات بسيطة لمصطلحات أولية يسهل معها التنبؤ بمستقبل نظام الحكم فى مصر.

أولا تعريف النظام العسكرى، هو نظام حكم يعتمد فى تنفيذ خططه على الطاعة العمياء للجنود تجاه قياداتهم، الجندى عليه أن ينفذ الأوامر فى البداية ثم يتظلم مما يراه فاسدا من تلك الأوامر فى مرحلة تالية، هذا إذا وجد الجندى داخل النظام العسكرى فرصة أصيلة للتظلم، ثانيا تعريف النظام الأمنى، هو نظام حكم يعتمد فى تنفيذ خططه على معلومات رجال أمن يعملون فى مجال الأسٍرار غير المعلنة للجميع، وفى حالات الفساد الإدارى يغلب على رجل الأمن إلى أن يكون فاسدا مرتشيا، يأخذ رشوة من المواطن كى يغمض عينه عن سوءات المواطن وتجاوزاته (التعامل مع إدارات الحكم المحلي وشرطة المرور وتجار المخدرات، أمثلة) وأن يأخذ رشوة من الحاكم كى يحكم قبضة ذلك الحاكم على المواطنين (دخول بعض القيادات الأمنية المصرية تتجاوز مئة ألف جنيه شهريا فى بلد يعانى فيه أكثر من 40 % من سكانه من الفقر المدقع، مدير بمكتب الوزير كمال الشاذلى حصل بالترهيب أو الترغيب على إعفاءات قدرها مائة وعشرين ألف جنيه حصل كان مقررا أن يدفعها رسوما دراسية لتعليم بناته الثلاث فى مدرسة الليسيه بالهرم - مقال د.سعيد اللاوندى بجريدة الأهرام الاثنين 2/10/2006م ، أمثلة).

إن المراقب لنظام الحكم الحالى فى مصر لا يخطئ الوصول إلى نتيجة أنه نظام عسكرى وأمنى يحمل كثيرا من الصفات المبينة أعلاه، نظام يعتمد فى قراراته على جهود حزب يكاد يكون هو الوحيد المسموح له بالنشاط السياسى ويساعد النظام جهاز أمن متضخم، هكذا نظام الحكم فى مصر يحمل فى بنيته التحية نفس الركائز لأنظمة الحكم فى كوريا وسوريا وليبيا وأذربيجان واليمن، ويزيد فوقها انه نظام مدعوم بأثرياء رجال الأعمال، ومن المعروف أن رجل الأعمال الناجح يعمل بنظام عسكرى وأمنى ليضمن تحقيق أهدافه فى تحقيق المكاسب المادية، أعنى أن نظامنا الحالى فى مصر يملك بجدارة الأساس المشترك والضرورى لتفعيل طريقة التوريث فى الحكم، وإذا نظرنا إلى الخطوات التنفيذية لتوريث الحكم نجد أن البنية الإعلامية للنظام الحاكم فى مصر يحكم بعض آلياتها جهد علمي ومخطط يقصد تلميع الوريث جمال مبارك، نعم فى مصر صحافة معارضة تصيح وتعلن برفض التوريث لجمال مبارك دون أن تمسك هذه المعارضة بأسباب موضوعية توضح أن الرجل غير كفؤ (لم تتعرض صحيفة إلى نقد قرارات أصدرها أو إلى مشروعية ذمته المالية مثلا) ، هذا جانب إعلامى يصنع ضجيجا حول شخص لا تثبت عيوبه، وعلى الجانب الأخر توجد صحف وإعلام حكومى يظهران الرجل على انه صاحب قدرات ومزايا دون عيوب، هكذا مجمل الإعلام المصرى يظهر أن جمال مبارك شخص له مزايا أو على الأقل ليس لديه عيوب، ويحدث الضجيج والزخم الإعلامى تساؤلات تنويرية تحوم حول عقول البسطاء عن الحاكم القادم، هى تساؤلات برقية تحاصرها شيوع حالات الترهيب والترغيب حول كل مواطن، هكذا يتوطن لدى الجمهور الغالب فى مصر، الذى لا يملك قدرات فاعله للاختيار الحر، أن الرئيس القادم هو جمال مبارك، وينتشر بين الناس مقولة شعبية ، هى اللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش.

إن مستقبل نظام الحكم فى مصر من حيث الصلاح أو الفساد قرين بمدى ما نحرزه نحن المصريين من إجابات واقعية للأسئلة التالية، هل يمكن تحييد الجيش بعيدا عن السياسة لنتخلص من عيوب النظام العسكرى؟، هل يمكننا تقوية القضاء ورفع قانون الطوارئ وتحسين البنية الإدارية فى مصر لنتخلص من مساوئ النظام الأمنى؟ هل يمكننا أن نروض رجال الأعمال بأدوات موضوعية ليكونوا رجالا أخلاقيين يكسبوا أرباحهم دون الإضرار بمصالح البلاد أو العباد؟ هل يمكننا أن نجد صحافة حرة وإعلام موضوعى تذكر المزايا والعيوب لكل مواطن يشغل منصبا سياسيا، سواء أكان جمال مبارك أو غيره؟، إجابة هذه الأسئلة يحتاج إلى عشرات من المفكرين والساسة ليضعوا الحلول فى متناول المصريين، والإجابة بعيدة المنال.

هذا بعض ما أراه من تحليل موضوعى لحالة الحكم فى مصر، ويقودنى هذا التحليل لنتيجة مفادها أن التوريث قادم إلى مصر، إلا إذا تغيرت الظروف بفعل فاعل، مات هذا أو قتل ذلك أو تنحى الاثنان معا، أو أن يخيب ظنى ويأتى الله بخلق جديد يحبون مصر ويدركون أن مصر لا تستحق التوريث، ويعملون على إرساء الحرية للجميع.

آواه يا مصر يا بلدى، إذا ظلت الأمور فيك كما هى عليه الآن، فانى أعلن تشاؤمى على مستقبل المصريين، وقبل أن يحيق بنا الفساد القادم أعلن رأيى الشخصى انه لو أتيحت لى فرصة حقيقية للانتخاب الحر فلن أوافق على ترشيح جمال مبارك رئيسا لمصر.