Saturday, August 25, 2007

نحن والنفايات القديمة

فى سبيل توفير تكنولوجيا المعلومات، تسمح الحكومة باستيراد حاسبات آلية قديمة من الدول المتقدمة، حاسبات هى نفايات يبيعها التجار بأسعار منخفضة للمواطنين.

نحن نقدر حسن النوايا المسئولين عن الاتصالات والمعلومات حين يسعون للتقدم التكنولوجى فى التعامل مع آليات المعرفة، لكن تشغيل العقول يجعلنا نرى أخطارا كبيرة تحدق بنا نتيجة التجارة بأجهزة الحاسبات الآلية القديمة، أقلها أخطار استخدام شاشات العرض والأجزاء عالية الإشعاع على الصحة العامة، وأخطار اقتصادية واجتماعية أخرى تظهر لنا عند التفرقة بين نوعين سائدين من التجارة فى الأدوات المستعملة، هما تجارة الروبابيكيا وتجارة كل حاجة قديمة للبيع.

تجارة الروبابيكيا هى نشاط يقوم به تجار ميسورى الحال يجوبون شوارع الأحياء الراقية فى المدن، يعلنون عن أنفسهم بأصوات رخيمة تطلقها حناجرهم الهادئة فى ميكروفونات صغيرة مدللة، ينطقون كلمات أجنبية (بيكيا، روبابيكيا)، يشترون حاجيات يتم الاستغناء عنها من قبل أصحابها الأغنياء نتيجة ضعف كفاءتها أو رغبة فى تغيير طرزها، ويبيع التجار بضاعتهم لفقراء يتشبثون نفسيا بملاحقة مظاهر الغنى لدى الأغنياء، أو يبيعونها لآخرين من أغنياء لديهم رغبات فى اقتناء أعمال فنية أو أثرية، هكذا تجّار الروبابيكيا يشتركون فى صياغات اقتصادية تعالج مشاكل نفسية عند بعض أفراد المجتمع.

تجارة كل حاجه قديمة للبيع هى نشاط يقوم بها صنف من تجار فقراء ينتشرون مع دوابهم فى عشوائيات المدن وحوارى القرى، يعلنون عن تجارتهم بالطبل والزمر والحناجر، تختلط أصواتهم فى ميكروفونات خشنة قاسية يصيحون بالعربية (كل حاجة قديمة للبيع)، يشترون حاجيات أنهكها التداول بين أصحابها من الفقراء، أوعية نحاس وألمنيوم وزجاج مكسور وخرق قماش وورق وبلاستيك، يجمعون نفايات من الدروب والحوارى مقابل نقود قليلة للكبار وقطع حلوى وطبول ورق ولعب صفيح للأطفال، يقايضون النفايات القديمة بأدوات جديدة مصنوعة من نفايات الألمنيوم والبلاستيك والزجاج، هكذا تجار كل حاجة قديمة للبيع يشتركون فى صناعة تدوير النفايات، ويصوغون حلولا لمشاكل إنتاجية تضر بالكثير من فقراء المجتمع.

خبراء تكنولوجيا المعلومات فى بلادنا يعرفون أن التطور فى تقنيات الحاسب الآلى لا يخضع لقوانين تغيير الطرز أو استهلاك المكونات، هذا التطور يخضع لقانون يعرف باسم قانون (مور) الذى يقضى بأن إمكانيات الحواسب الآلية تتضاعف مرة كل عدة أشهر، وبالتالى فالتجارة فى أجهزة الحواسب الآلية القديمة لا يمكن اعتبارها تجارة ( روبابيكيا ) تتعامل مع صناعة تدوير السلوك النفسى لبعض الناس بل هى تجارة ( كل حاجه قديمة للبيع) تتعامل مع صناعة إعدام القديم وإعادة تدوير النفايات.

هكذا حين يقرر المسئولون فى بلادنا أن نشترى أجهزة حاسبات قديمة، فإنهم لا يتعاملون حضاريا مع واقع صناعة الحاسبات الآلية، ويتجاهلون أننا مقبلون على صناعة مبتورة لتدوير النفايات الالكترونية، وينسون الآثار السلبية اقتصاديا وحضاريا التى نجمت عن تجارب سابقة فى التعامل مع القديم، فمنذ سنوات قام مجلس الوزراء بإعطاء أجهزة حاسبات قديمة لمراكز المعلومات فى جهات الحكومية، وعند استخدامها الفعلى تم إعادة تخزينها أو تشغيلها دون كفاءة، هكذا أهدرت الأجهزة القديمة أموال الدولة، حتى ولو كانت أموال منح وهدايا، وضيعت مجهود عمال وموظفين تم تدريبهم علي استخدامها.

للأسف حكومتنا نتبع سياسة فى التعامل مع القديم والأقل كفاءة تؤدى لمزيد من جلب النفايات الالكترونية، وزارة المواصلات تبيع للمواطنين بموجب عقود إذعان هواتف متخلفة تكنولوجيا وبسعر مرتفع، ونتيجة لهذه السياسة انتشرت فى بلادنا تجارة الهواتف القديمة من نفايات الدول الأخرى.

نحن نطالب الحكومة بتشجيع إقامة صناعة لمكونات الحواسب الآلية، وتشجيع إقامة معاهد التعليم والتدريب فى مجال استخدام تكنولوجيا المعلومات، هذه المطالب الحضارية يقف دون تحقيقها منتفعون وتجار يقصدون أن تبقى بلادنا مدافن رخيصة للنفايات.

Tuesday, August 14, 2007

صيف بلا ذنوب

حين ينتهى أولادنا من امتحاناتهم، وتهاجمنا حرارة الصيف، ويقعدنا فى البيت ضعف مرتباتنا، وترهقنا الرطوبة ويقتل عرقنا هواء ساخن يلف شقتنا المتواضعة، يصبح من المعتاد أن أجلس فى الصالة مع زوجتى نهش الذباب الكسول ونتبادل حكايات قوم محظوظين يصيفون على شواطئ البحر.

المحظوظون فى الصيف، يهربون من الشمس إلى ماء البحر وظلال الشماسى، يهفهف النسيم على أجسادهم، يثرثرون بالأغانى والنكات ويلعبون الكرة والمساكة، يأكلون السمك المشوى والبطيخ وفطائر الزبيب، ويقزقزون اللب الأبيض وأم الخلول، ويلحسون الجيلاتى ويشربون عصير القصب والخروب، وفى نهاية أيام المصيف يعودون للأصحاب بحكايات شواطئ وجنيّات بحر وبعض أقراص من حلوى المشبك.

منذ أسابيع قليلة، نجح أولادى فى امتحاناتهم، واستلمت راتبى الجديد غير منقوص، ونجحت فى تأجيل سداد بعض الديون، واستعادت زوجتى تفاصيل حلمنا القديم بالتصييف، عندها قررت أن أحب الحياة من جديد وأصاحب زوجتى ونذهب وحدنا إلى مصيف بلطيم على شاطئ البحر المتوسط .

منذ أسبوع وصلت مدينة بلطيم ونجحت فى مفاوضات الحصول على أربعة أيام إقامة فى شقة من غرفة واحدة أعلى سطح عمارة مقابل عشرين جنيها يوميا، ومن الشقة المفتوحة على السماء طالعنا مناظر الناس والبحر والتصييف0
غالبية المصطافين أناس مصريون يثير حبهم للحياة كثيرا من الشجن، الأسطى عنتر بعد شهور من العمل المضنى، أغلق ورشته ثلاث أيام وحضر للمصيف، والحاج سيد أصابه الملل من رغى أصدقائه لحكاياتهم القديمة فقرر أن يصنع حكاياته الجديدة بالتصييف مع أولاده، والأستاذ أشرف جمع غلته من ساقية الدروس الخصوصية وراح يفك نفسه يومين على شاطئ البحر، والست هدى موظفة دخلت ثلاث جمعيات مالية ولمت القرشين لزوم التصييف، إنهم أناس بسطاء، يعرفون الحب ويجيدون الابتسام ويعيشون عيشه أهلهم.

قليل من المصطافين يمثلون ظاهرة تحتاج الدراسة، يروجون لثقافة فاسدة المنطق قليلة الذوق، فى البداية كانوا فقراء فكرا وثقافة يسألون الناس إحسانهم وعقود العمل فى الخارج، سافروا إلى بلاد الغربة والحرور يعملون عبيدا، عاشوا يمسحون عقولهم لتتكاثر نقودهم، وفى النهاية حصلوا بعد جوع على مال وقرروا أن يصبحوا أحرارا على طريقتهم، رجالهم تطول لحاهم وتقصر جلابيبهم، يتمتمون بأحاديث فرقة واعتزال، يقسمون أطفالهم إلى بنين مدللين وبنات محجبات، تختبئ نساؤهم خلف خيام لا تبين منهن غير العيون، ويستمعون لأغانى وأحاديث كئيبة، ويستحمون فى ماء البحر بلباس يشرعون مقاييسه لأنفسهم.

فى مصايفنا جماعات تدربنا كل يوم على كراهية الحياة، يحاصرون المصطافين بحملات دعائية يديرها قوم مهووسون يناصرهم إداريون ساذجون، يشوهون الجدران والأعمدة والعقول والقلوب، ينشرون لوحات إعلانية تضم أدعية وشعارات ساذجة التوجه، بعضها يرى أن مشاكل السفر لا يرفعها غير دعاء مخصوص، وبعضها يرى أن الصيف ملئ بالذنوب ولا يرفعها غير شعار صيف بلا ذنوب، وبعضها يرى أن عيون الناس مليئة بالانحراف ولا يرفعه غير شعار اغضض بصرك.

الأصل أن الجماعة من الناس لها حرية الاعتقاد وحرية الفعل، لكنها ليست حرة فى أن تشد أنف الآخرين وتصدر لبقية الناس ذلك القدر الهائل من الوصاية على أسباب الحياة، وذلك القدر الشنيع من الجمود على سلوك أهل بادية يتمسكون بالقشور، وذلك القدر المظلم من توقيف العقل فلا يدركون أن الآخرين محيطون بهم علما وتقدما.

فى مصيف بلطيم، رأيت المصطافين يعانون من مشاكل مياه الشرب، وتلوث الشواطئ، وانتشار القمامة فى الشوارع، وقلة المطاعم وارتفاع ثمن أم الخلول والسمك المشوى واللب الأبيض، فقررت العودة إلى مدينتى بعد يومين فقط دون أن ارتكب ذنب التصييف أو أحمل أية أقراص من حلوى المشبك، مؤمنا بأن الهواء الساخن تحركه مروحة كهربائية فى شقتنا المتواضعة، أفضل كثيرا على قلوبنا من التعامل مع هذا الجو الخانق.

Tuesday, August 07, 2007

الأوزون.. ومافيا الأدوية

لم تتح لى فرصة الذهاب إلى القارة القطبية الجنوبية، كى أرى السماء من ثقب الأوزون القابع هناك بمساحة آلاف الكيلومترات المربعة، ذلك بأننى لست مغامرا إلى هذه الدرجة، فالجلوس تحت سقف سماء بدون أوزون يعرض الجلد للأشعة فوق البنفسجية، يتشوه الجلد وتزداد التجاعيد، على كل حال فالأوزون ليس بعيدا عن أهلنا فى مصر، انه يتولد من تأثير موجات البحر المالح على هواء الشواطئ وتنتشر رائحته النفاذة تصيب بعض الناس بتهيج يصيب الشعب الهوائية.

فى صالون أدبى معروف، يرتاده كثير من المهتمين بأمور الفكر والأدب والثقافة، جمعتنا جلسات لمناقشة بعض مشاكل الطب والعلاج فى بلادنا، حاورنا الأستاذ الدكتور نبيل موصوف، أستاذ علاج الألم بمعهد الأورام التابع لجامعة القاهرة، ولأن الرجل صاحب أبحاث طبية كثيرة عن علاج الألم واستخدامات الأوزون فى الطب، طارت حولى كثير من المصطلحات الطبية، ولأنى لا اعرف فى توصيف الأمراض غير الصداع والهفتان والوجه الأصفر وألم الجنب والدوخة، كما لا أعرف من أدوية العلاج غير العسل الأسود، وجوز الطيب وحبة البركة ومرق الدجاج بالليمون، وشوربة العدس مع البصل، وزم الصدر بأوراق الجرائد القديمة، والأسبرين وزجاجات المياه الغازية، واعترافا منى بضعف خبراتى طلبت من الدكتور موصوف أن يلخص لنا أحوال مرض معروف يرى له علاجا بالأوزون، وأن يكون التلخيص من الآخر.

حاضرنا الدكتور موصوف عن أحوالنا الطبية، فوصلتنى بعض المعلومات عن استخدام الأوزون فى علاج أمراض التهاب الكبد والقلب والمبيض وعلاج التجاعيد والربو، بعض هذه الأمراض منتشر فى بلادنا فالتهاب الكبد الفيروسى مرض وبائى منتشر فى مصر بنسبة كبيرة قد تصل إلى ثمانية عشرة فى المئة من السكان، وهذا المرض هو ميراثنا من البلهارسيا التى عاشرتنا منذ القدم، ووجدت ديدانها فى بعض مومياوات أجدادنا الفراعنة.

يقول الدكتور موصوف، أن مرض التهاب الكبد الفيروسى يمكن علاجه باستخدام حقن يصل ثمن الواحدة إلى ثلاثمائة جنية، وتصل أجمالى تكاليف العلاج بهذه الحقن إلى ستين ألف جنيه لكل مريض خلال فترة سنه، وبنسبة نجاح تصل إلى ثلاثة وعشرين فى المئة من الخاضعين للعلاج، مع بقاء آثار جانبية يعانى منها المريض، أما استخدام الأوزون لعلاج لنفس المرض، فان تكاليف العلاج تصل إلى ستة آلاف جنيه فقط لكل مريض خلال فترة سنه، وبنسبة نجاح تزيد عن ثمانين فى المئة من الخاضعين للعلاج، دون أن يترك الأوزون أية أثار جانبية على المريض، معنى الكلام أن للمرضى بالتهاب الكبد فرصة علاج بالأوزون أكثر أمنا، وبتكلفة تقل نسبتها عن واحد إلى عشر مرة من تكاليف العلاج التقليدى بالحقن.

فى نهاية القرن الماضى وبالتحديد فى عام تسعة وتسعين منه، وافقت لجان علمية متخصصة على استخدام الأوزون كوسيلة مساعدة فى العلاج، ووافقت على استيراد الأجهزة الطبية المطلوبة، إلا أن عوائق كثيرة فى بلادنا تحول دون الاستفادة الجادة من طرق العلاج المقترحة.

قد تكون عوائق استخدام الأوزون كعلاج راجعة لتأخر نتائج الدراسات العلمية الضرورية لتقرير الصلاحية الفنية، وقد تكون العوائق راجعة إلى سطوة مافيا شركات أدوية تسعى لترويج نوع معين من العلاج قاصدة مص دماء المرضى فى الدول الفقيرة وإبقائهم حقلا للتجارب، وقد تكون المسألة راجعة لسطوة راس المال فى المستشفيات الخاصة فلا يقبل استخدام طرق جديدة تخفض أرباحه الكثيرة، وقد يكون الأمر راجعا لبيروقراطية حكومية تقصف رقاب كل تقدم.

مهما كانت العوائق فأحوالنا الصحية وظروفنا الاقتصادية تتطلب جرأة علمية وثورة إدارية لوضع طرق العلاج المستحدثة فى دائرة الضوء العام، نعرف المزايا والعيوب فلا يتاجر احد بفقرنا أو جهلنا أو مرضنا.