Tuesday, July 31, 2007

!! طلب عمل اضافى

فكرت وبصّرت كثيرا فى أن أجد عملا إضافيا قاصدا التخلص من أحوال اقتصادية سيئة تحيط بى ويعانى منها غالبية أساتذة الجامعة، تصورت أن تخصصى فى علم الإحصاء والرياضيات وحاجة الجميع لمنهج التفكير الرياضى يكفلان لى مجالات متسعة للعمل الإضافى فى معاهد وأكاديميات القطاع الخاص، هكذا فكرت فى المشكلة، التخصص نادر والحاجة إليه شديدة، وبدأت اتبع الطريق العقلى للبحث عن عمل إضافى، أعرض نفسى بوضوح وأحاسب الآخرين بوضوح، ولأن العقل لا مجال له فى كثير من أمور حياتنا باءت محاولاتى بالفشل.
ذات مرة طلب منى زميل أن أقوم معه بالتدريس بأحد الأكاديميات الخاصة، بعد حسبة بسيطة وجدتنى سأحصل على ما يقارب مائتى جنيه شهريا مقابل أعباء التدريس لمدة يوم واحد أسبوعيا، هكذا يكون الأجر الرسمى مقابل عدد ساعات التدريس الفعلية، وهكذا كان وضوح خسارة الحسبة عندى يدعو للرفض فالعائد اقل من التلكفة، وحين رفضت عرض العمل حادثت زميلا أخر خبير فى عمليات الإعارة والتقاط حبات الرزق من فوق الجسور والحوائط، فطوح بيده فى وجهى وقال يا راجل لا ترفس النعمة، الناس تقتل بعضها على لقمة حلوة، ثم ربت على كتفى ونصحنى بضرورة الموافقة على التدريس وبنفس المبلغ المحسوب، وأخبرنى بأن العملية التعليمية فى الكليات والمعاهد فى التعليم الخاص تخضع لقوانين أخرى غير معلنة، شعارها شيّلنى وأشيّلك، إنها قوانين على شاكلة قانون عمل الجرسون فى كازينو أو مقهى بلدى، الجرسون يتم تعينه مقابل أجر زهيد ومتواضع جدا، مئة جنية شهريا مثلا، والجرسون الشاطر يقبل هذا الأجر الزهيد وربما يدفع من جيبه الخاص رشوة لصاحب المحل ليبقيه فى العمل، المهم أن يضع الجرسون قدمه فى المحل ليعيش بعد ذلك على البقشيش وما يتركه الزبائن من فيوضات تتزايد كلما تساهل معهم فى اختراق الأعراف والقيم العامة.
الواقع الحى يقول أن العمل التدريسى فى المعاهد والأكاديميات الخاصة أمر ميسور لمن كانت به خصاصة، على المحتاج أن ينضم إلى قائمة من أساتذة ذات مصالح مشتركة, لهم سماسرة فى القرى والبيوت ودور العبادة ومكاتب الوزارات، أحدهم يقوم بتدريس مقررات نصف تدريس، وآخر يؤلف كتبا ربع تأليف، وثالث يبيع الكتب المقررة بأكثر من ثمن البيع، وعلى الباقين أن يسهلوا عملية الامتحانات والغش والتصحيح وإظهار النتائج الباهرة، ويقتسمون الغنيمة.
كل هذه اللصوصية فى تعليم أولادنا يديرها أصحاب مؤسسات تعليم مشكوك فى قدراتهم العلمية والأخلاقية، أحدهم دبلوم زراعة يملك ويدير معهدا علميا، وأخر حصل بجهد جهيد على دبلوم صنايع واشترى بسهولة شهادة دكتوراه مضروبة من دولة شرقية وأصبح يملك أكاديمية وجامعة، وثالث أقام مبنى فخم جدا على مساحة ضيقة جدا دون معامل ودون ملاعب، مبنى لا يصلح لغير بيع السيراميك والأدوات الصحية، ومع ذلك أصبح المبنى أكاديمية، هكذا دون قدرة علمية أو وازع أخلاقى ينتشر النصابون فى بلادنا، يتاجرون بالعلم ويصنعون فسادا ويهدمون كثيرا من القيم.
ذات مره سألت أحد المديرين عن فرصة للتدريس فى معهده، قابلنى المدير بترحاب وحين تأكد أننى خارج دائرة مصالحه الخلفية تهرب من إجابة طلبى، أتحفنى بقهوة وشاى ودعوة على الغداء مع توصيل لائق لشخصى قاصدا أن يتخلص منى باعتبارى مصدرا للقلق، عند باب الخروج أخبرنى انه ليس سيئا إلى الحد الذى أتصوره، أقسم بالطلاق مداعبا انه رجل طيب يقوم بخدمة جليلة للمجتمع وللحكومة، يحبس أجساد طلاب ضعاف علميا واجتماعيا فى معهده، ويستهلك أموال لا يحسن قدرها أولياء أمور منافقون، ويشغل الجميع بما يسمونه الدراسة الأكاديمية، الولد الطالب ذاهب للمعهد والبنت الطالبة عائدة من الأكاديمية، فينشغل الطلاب ويستريح الآباء، هكذا يعبر الطلاب سنوات المراهقة وفورة الشباب فى معهده، يعاقرون نجاحا ورسوبا وجلوسا على الكافيتريات والمقاهى المجاورة، وفى النهاية يحصلون على شهادات مضروبة تدليسا، يواجهون الحياة بشباب واهن وعقول ضعيفة، تتلقاهم طوابير البطالة والزواج والعيش على الهامش هنا فى دولة القعاد أو العيش عبيدا هناك فى دول الغربة، هكذا يتم ترويض أعداد هائلة من الشباب فلا يسببون ألما ثقافيا لأولياء أمورهم ولا يسببون صداعا سياسيا للحكومة، هكذا أقنعنى مدير معهد خاص انه يقوم على إدارة مؤسسة مهمتها تربية عجول لا صناعة عقول، واقتنعت أن للنصب ضرورة فى بقاء المجتمعات فاسدة.
بعد هذه الفضفضة والمصارحة بحال التعليم الخاص فى بلادنا أتسائل، لو أنى أحد المسئولين عن معهد علمى خاص من غالبية المعاهد التى ترعاها وزارة التعليم العالى فى مصر، توليت منصبى فى غفلة عن عيون العقلاء، هل اختار من هم على شاكلتى للتدريس فى هذا المعهد؟ الإجابة بالقطع لا، فمثلى لا يصلح للعمل تحت هذا النظام !! ذلك أننى أعرف أن الربح فى التعليم الخاص وفير ويزيد أكثر مع كل تجاوز وإفراط فى الرشاوى والدعاية والاحتيال، فعلا أنا لا أصلح للعمل تحت هذا النظام، أننى لا أعرف فقط بل وأجاهر بالمعرفة أن هذا الربح القاتل سببه أولياء أمور متخلفون ثقافيا يدفعون بطلاب علم ضعاف اجتماعيا إلى مؤسسات ترعاها دولة رخوة سياسيا، وأعلن بشكل إحصائى أن هذه العملية يديرها فى الغالب الأعم أساتذة شطار ولصوص.

Saturday, July 21, 2007

العالمه .. والعالم باشا

النصابون فى بلادنا خلق كثير، بعضهم يبنون حجرات متراصة تحمل أسماء مؤسسات وأكاديميات علمية، يتولون قيادة العملية التعليمية بشهادات علمية فاسدة، ولسبب فى نفس يعقوب ينالون بركة المسئولين فى وزارة التعليم العالى.


فى هوجة من انهيار القيم، حصل بعض المدلسين من أصحاب المعاهد الخاصة على درجة الدكتوراه من دول أجنبية، حصلوا عليها فى شهور قليلة، وزاد بعضهم فجورا واشترى شهادات دكتوراه فخرية، وأطلقوا على أنفسهم لقب أستاذ دكتور، يدلسون على طموحات طلاب يسعون للعلم، ويضحكون على ذقون أولياء الأمور يبحثون عن صلاح أمور أبنائهم، ويذرون الرماد فى عيون مسئولين يخططون للتعليم.

التاريخ الشخصى لهؤلاء المدلسين يثبت أن قدراتهم الذهنية والشخصية جعلتهم يتعثرون سنوات فى دراستهم المتوسطة والجامعية، وحين تعاظمت رغباتهم فى السلطة وتضخمت إمكانياتهم المالية المشكوك فى بعض مصادرها، اشتروا شهادات علمية مضروبة من دكاكين فى دول أجنبية، وبأموالهم الكثيرة يغرقون الصحف بالإعلانات عن ألقابهم العلمية وإمكانياتهم الاجتماعية، ويشرعون فى بناء أكاديميات وجامعات خاصة، يداعبون شهوات بعض المسئولين فى الهيئات ذات الصلة، قاصدين أن يمروا بتدليسهم فى القنوات الشرعية للتعليم فى مصر.

إن كل لقب علمى يلزم صاحبه بحمل صفات موضوعية محددة ومعلنة، وعلى الدولة أن تفصل بين الغث والثمين حتى لا يغرر بالطلاب أو أولياء الأمور ويضار المجتمع، أجهزة الرقابة فى الدولة تعرف الشهادات الحقيقية من المضروبة, وتعرف دكاكين بير السلم فى دول تعطى شهادات لمن يدفع، وتعرف طرقا علمية تسيطر بها على مصداقية إعلانات الصحف.

إن تقدمنا العلمى قرين بالكشف عن صدق الشهادات العلمية والقدرات الأخلاقية لقياداتنا العلمية، لنتجنب ويلات ما نحن مقبلون عليه من تزكية الأوضاع الفاسدة فى التعليم الخاص.

كفانا تدليسا على أنفسنا، نطلق لقب العالمة باشا على كل راقصة، ولقب العالم باشا الأستاذ الدكتور عميد المعهد ومدير الأكاديمية على كل من يملك قرشين يدير بها مزرعة لتربية العجول ويتخصص فى بيع شهادات علمية مضروبة.

Wednesday, July 18, 2007

عطر من ورد جميل

وصلتنى رسالة من زميل مسيحى، كنا نعمل معا فى إنشاء السد العالى بأسوان فى عام 1966م ، كنا زملاء عمل منذ أربعين عاما ، شبابا نمسك لهيب الشمس فى ظهيرة أسوان قاصدين أن نبرد قلوبنا بمزيد من الماء يحتجزه السد العالى خيرا لنا ، نحن المصريين .
=====
عزيزى الدكتور ياسر العدل
تحية طيبة - وبعد
أعجبت كثيرا بكتاباتكم التى طالعتها فى جريدة الأخبار والوفد وبعض الجرائد الأخرى - وكنت أتساءل دائما : هل الكاتب هو نفسه ياسر العدل - زميل العمل فى هيئة السد العالى بأسوان فى ستينيات القرن الماضى ؟ أم أنه مجرد تشابه أسماء ؟؟ إلا أن تلميحاتكم عن أسوان والسد العالى فى كتاباتكم جعلتنى أتأكد أنكم نفس الشخصية المتميزة التى كان لى شرف التعارف معها فى أسوان.

ولا أدرى هل مازلت تتذكرنى أم لا؟ لقد تزاملنا سويا فى دورة تثقيفية سياسية لمنظمة الشباب وكان محورها هو دراسة كتاب الميثاق الذى وضعه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وما زلت أتذكر أحد أيام هذه الدورة حيث كان مطلوبا منا اختيار أحد الأخبار المنشورة فى الصحف والتعليق عليه أمام الحاضرين كنوع من التدريب على مواجهة الجماهير، ويومها طلبت منى أن لا أضحك عندما يجيء دورك وتجلس على المنصة لتقول تعليقك السياسى، وأتذكر أنك اخترت موضوعا لا يمت للسياسة بصلة وكان منشورا فى باب صدق أو لا تصدق بجريدة الأهرام عن أول حزام صنعه الإنسان من فروع الشجر، وفى نبرات جادة اختلقت موضوعا عن القوى الإمبريالية وكيف جعلتنا نرتدى الأحزمة من الجلد بدلا من فروع الشجر كى تقضى على الثروة الحيوانية القومية، وكيف أن الاستعمار هو الذى فرض علينا تغيير أنماط حياتنا لتتوافق مع أطماعه، ويومها أخفيت وجهى خلف الحاضرين لأننى لم أستطع أن أمنع نفسى من الضحك خاصة بعد أن قام المشرف على الدورة بتقييمكم والثناء عليك لاختيارك هذا الموضوع وصادق على اتهاماتكم للاستعمار والقوى الإمبريالية العظمى.
ما زلت أتذكر كيف كنا نقضى أمسيات هذه الدورة وأنت تعزف على آلة موسيقية بسيطة أغنيات عبد الحليم وموسيقى زوربا اليونانى، ولقد تكررت بعدها لقاءنا فى أسوان إلى أن أخبرتنى أنك قدمت استقالتك وسوف تقوم برحلة أوتوستوب فى أفريقيا ويومها تعجبت لجرأتك وأفكارك المتحررة، ومن يومها انقطعت الاتصالات بيننا، إنها ذكريات قديمة لا تنسى.
عزيزى الدكتور ياسر، اننى أقيم حاليا بمدينة الإسكندرية منذ أن تركت أسوان بعد انتهاء العمل فى السد العالى وأتمنى أن أراكم قريبا فى الإسكندرية وسوف تكون فرصة طيبة لاستعادة الذكريات، هذا إذا كنت ما زلت تتذكرنى.
ختاما لكم منى أجمل التحيات وأطيب الأمنيات بموفور الصحة والسعادة لسيادتكم ولجميع أفراد الأسرة الكريمة وبالتوفيق دائما.
أخوك عبد المسيح مليكه
=====
هكذا وصلنى عبر الانترنت خطاب من زمن بعيد يذكرنى بأحداث عشتها على أرض مصر حبا للأصدقاء وعشقا للحياة، هكذا يتجسد الانتماء لبلادنا فى بعض صور من هذا التواصل الإنسانى، وعلى الفور قمت بالرد عليه.
=====
آخى عبد المسيح مليكه
ياسر العدل يحييكم من منزله العامر فى الجيزة، أحييكم ومعى زوجة حبيبة طيبة وثلاثة أولاد طموحين رائعين، أحييكم وما زلت أملك قدرات نفسيه على مغازلة النساء والكلاب وبعض أنواع الرؤساء.
أخى عبد المسيح ، أنا فعلا ياسر العدل ذلك الموظف القديم فى السد العالى بأسوان، ودارت بنا الأيام لأتجاوز من العمر الستين عاما، أنا أيها الصديق إنسان كثير المعارف قليل الأصدقاء، أحب الحياة وأرجو من الله أن يعطينى ثلاثين عاما أخرى كى أستطيع أن أقدم خيرا للآخرين، كلمة طيبة أو مسحة أسى عن جبين مهموم أو يدا تمتد بالمساعدة لإنسان ضعيف.
أخى عبد المسيح، منزلى شقة متواضعة على ناصية رمليه فى طرف مدينة الجيزة، على بداية طريق الفيوم الصحراوى، هى مسافة اقل من اثنين كيلومتر تفصل بيننا وبين الهرم الأكبر، وحوالى خمسه عشر كيلومتر بيننا وبين مقابر الجيزة ، ولا رابط لدى بين الهرم والمقابر، فقط أنا أحب الحياة الجميلة وأسعى للموت الجميل أيضا.
أخى عبد المسيح، فى شقتنا المتواضعة أحلم كل يوم اننى سأتجاوز عيوبى وأصبح إنسانا جميلا، أحب الله بقلب طيب ويحبنى الناس من اجل هذا القلب.
بالمناسبة لدى سيارة وأدوات رحلات بسيطة أجوب بها كثيرا من الأماكن، بحثا عن مواطن الجمال والحب فى بلادنا، قاصدا تدريب نفسى على مزيد من الانتماء لهذا الوطن الجميل، وبحثا عن تمثال أو أقنوم لكل قيادة فاسدة، قاصدا أن أقتله أو على الأقل أن أقطع قدرته على إنجاب المزيد من الفساد.
أخى عبد المسيح، أرجو أن نتواصل على خير.