Wednesday, October 31, 2007

!! نحن لها . . يا سيادة الرئيس

خطاب مفتوح للسيد رئيس الجمهورية
السيد الرئيس/ محمد حسنى مبارك
رئيس جمهورية مصر العربية
تحية طيبة وبعد:
أنا ياسر العدل، مواطن مصرى الأب والأم والأجداد واللسان، من المؤكد أن وقائع كثيرة مرت على أهلى طوال قرون جعلتهم يحبون الحياة على أرض مصر ويورثونى حبهم لمصر، والمؤكد أيضا أن وقائع ثلاث مرت بى جعلتنى أزداد إيمانا بمصر أرضا للرجال والمحبة والفخار.

واقعة صباح يوم الخميس الثالث من أيام إلتحاقى بالمدرسة الثانوية بمدينة المنصورة فى عام 1959م حين جاوزت الثانية عشرة من عمرى، أكثر من خمسة وأربعين عاما مرت على هذه الواقعة، رأيتنى أمارس القراءة والكتابة والسفر الأسبوعى فى ربوع مصر بين قريتنا والمدينة، عندها شعرت بالمواطنة وقررت أن اثبت لنفسى ولأهلى ولأصحابى أن مصر بلدى وأن رئيس البلد رجل مصرى يمكننى أن أخاطبه وأقص عليه بعض أحلامى، عندها كتبت خطابا وأرسلته إلى رئيس الجمهورية، قلت فيه أبى جمال عبد الناصر حسين إننى طالب فى مدرسة المنصورة الثانوية أتعلم العلم من اجل مصر وإنى سأذاكر وانجح وادخل الكلية العسكرية كى أدافع عن ارض مصر، هما أسبوعان انقضيا وجاء الرد خطابا من رياسة الجمهورية استلمته من المدرسة، ابنى ياسر أن مصر تنتظر رجالها ليعيدوا مجدها التليد، ومع الأمنيات الطيبة تضمن الخطاب صورة شخصية لعبد الناصر عليها توقيعه، فى نفس العام أصبح التعليم الثانوى بالمجان لكل المصريين، هكذا كان حالى فى تلك الأيام، ينتابتى شعور طاغ بأن مصر هى بلدى ووطنى وأهلها ناسى وعشيرتى وأن رئيس مصر أب للجميع.

واقعة مساء يوم السبت السادس من أكتوبر 1973م حين جاوزت السادسة والعشرين من عمرى، أكثر من أربعة وثلاثين عاما مرت على هذه الواقعة، عانيت تباريح رحلة شبابية قمت بها فى مدينة صغيرة تسمى ( تمل) بشمال غانا فى غرب أفريقيا، كانت مشاكلى مشاكل رحال صغير يعانى مشاكل التواصل مع الناس والمبيت والإقامة، وفى هذا المساء تناثرت فى المدينة أنباء عبور المصريين لقناة السويس، المصريون يسترجعون أرضهم بقوة السلاح ويرفعون بالكرامة رأس أفريقيا، هكذا كان رأى الناس فى غانا يفخرون بنكروما وعبد الناصر ويرددون شجاعة السادات، وهكذا تناثرت بين الناس رغبات طيبة فى استضافتى وإكرامى باعتبارى شابا أفريقيا يعرف القراءة والكتابة باللغة الشريفة العربية، ومصريا شريفا قادما من بلد الأزهر، يومها لقيت كرما شديدا من أمير المدينة فبعثت خطابا لرئيس الجمهورية فى مصر، السيد الرئيس محمد أنور السادات شكرا لكم وللرجال معكم رفعتم رأسنا وإنا لمنتصرون، ولم انتظر الرد فالجميع كانوا فى شغل فاكهين بانتصارنا، هكذا كانت حالى فى تلك الأيام، ينتابنى شعور طاغ بأن مصر هى وطنى وكرامة أهلها هى كرامتى وأن رئيس مصر قائد للجميع.

واقعة صباح يوم الاثنين التاسع والعشرين من أكتوبر 2007 م، حين جاوزت الستين من عمرى، أكثر من خمسين ساعة مرت على هذه الواقعة، كنت أعانى غصة استسلام بلادنا للتعايش مع واقع متخلف، أحلامنا الكبيرة يجهضها سوء حال التعليم، ثقافتنا تنحدر إلى ثقافة أجلاف يتنازعون العشب والكلأ بين وديان من الرمال، مواردنا ينهبها انتهازيين يسعون وراء الكسب دون انتماء لوطن أو مواطن، حريتنا حبيسة قوانين عتيقة يقوم على تنفيذها قيادات ضعيفة، فى ذلك الصباح سمعت فجأة عن قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالتوجه الاستراتيجى نحو مشاريع الطاقة النووية، هكذا رأيت أحلامنا المجهضة لا يعيدها للحياة غير حلم قومى كبير، وتملكنى شعور طاغ بالفخار بأن مصر هى وطنى، فيها إمكانيات بشرية وإرادة سياسية ورجال يجعلونها صاحبة قرار فى المنطقة، وأن رئيس مصر يعمل للجميع.

السيد رئيس جمهورية مصر العربية، تلك الوقائع تشعرنى بالفخار أننى مصرى أحيا فى مصر، وبرغم اختلافنا نحن المصريين على توجهات الدولة المصرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا أننى أؤيدكم بكل ما أستطيع فى قراركم بالتوجه الاستراتيجى للدولة نحو مشاريع الطاقة النووية، فهذا القرار يمثل طموحا لنا نحن المصريين فى وجود هدف قومى نلتف حوله، هدف يعيد لنا الانضباط العلمى وحيوية المواطنة وفاعلية الانتماء.

السيد رئيس جمهورية مصر العربية، شكرا لكم على ما تقدموه من خير لأهل مصر، وشكرا على ما قدمتموه من خير لى بصفة خاصة، فأنا قبل خطابكم بشأن الطاقة النووية كنت شيخا عجوزا أشكو مجموعة آلام تصاحب جسد يتهافت على الصحة والمقويات غير المجدية، الآن بعد قراركم أشعر بصحوة الشيوخ حين يعلنون أن أصل تفوق المواطن هو الرغبة فى تمايز الوطن، وأشعر بحيوية الشباب حين يدركون أن حب الوطن هو السبيل لإنجاز هذا التفوق، وما بين الشيخوخة والصبا أفكر فى الدراسة والتعلم والزواج من جديد كى أنجب مع المنجبين لمصر مزيدا من علمائها النابهين، نوفر لهم بيئة علمية خصبة، فلا يسافرون شرقا للعمل عبيدا تسحل أجسادهم على غرود الرمال ولا تسيح عقولهم غربا فتتوه ملامح انتمائهم لمصر ذلك الوطن العزيز.
وتفضلوا بقبول وافر الاحترام،،،

المواطن المصرى : ياسر العدل

Wednesday, October 24, 2007

!! سيناء . . أرض التيه

جمعتنى صداقة مع موظف حكومة مثلى محدود الدخل، وحين دخلت الأعياد أصبح لائقا أن نستريح بضعة أيام من نكد الزوجات والأولاد، حشرنا سيارتنا القديمة بتجهيزات رحلة فقيرة، بصل وسكر وشاى وخيار وفسيخ مع أربعين رغيفا من خبزنا البلدى وجركن ماء كبير، واتجهنا إلى وسط سيناء قاصدين زيارة بعض الأصدقاء فى أرض التيه.

وقفنا على الشاطئ الغربى لقناة السويس، نطرح البصر على الرمال الصفراء فى الشرق ونسترجع تاريخنا مع الأرض والناس والجبال باتساع كل الأفق، فى الزمن القديم عبر أرض سيناء فاتحون ورسل وغزاة وتجار مخدرات، وفى الزمن الحديث نرسم على أرضها خطوات نتقدم بها نحو المستقبل.عند مدخل نفق الشهيد أحمد حمدى تحت قناة السويس، كان علينا أن ندفع رسوما لتعبر سيارتنا النفق وندخل سيناء، وحين مددت يدى بالرسوم أعطيها للموظف المختص هاجت فى ذاكرتى حواجز تصنعها حكومات متتالية للفصل بين سيناء وبين بقية مناطق مصر، ففى عهود مضت لم يكن لمصرى أن يدخل سيناء دون موافقات تصدرها جهات أمنية، واليوم أصبح الأمر أكثر تعنتا نفسيا حين يفرض الحكومة رسوما للعبور فى النفق، صحيح أن تلك الرسوم تمثل إيرادا ربما يستخدم فى الصيانة، لكنها إيرادات دولة يمكن تعويضها من مصادر أخرى دون أن نلح على ذاكرتنا الجماعية بتلك الفواصل بين بقاع الوطن الواحد.

دخلنا سيناء قاصدين الاتجاه شرقا على طريق إسفلتى فى وسط الصحراء، يبلغ طوله ثلاثمائة وخمسين كيلومتر يبدأ من نفق أحمد حمدى ويمر بمدينة نخل وسط صحراء التيه وينتهى عند نويبع على خليج العقبة، انه طريق سفر حجاج ومصريين عاملين فى دول الخليج، ويمتد الأفق مساحات شاسعة على صحراء يسكنها حوالى خمسة آلاف نسمة من أهل سيناء بينهم موظفون قادمون من بقية أنحاء مصر.وكان زادنا من البصل والخبز والفسيخ كافيا لأن نعيش حياة أهل المنطقة، فبعيدا عن المكاتب الحكومية واستراحات الطريق، يعيش البدو من أهل وسط سيناء حياة جافة غلبا، تنقصهم كثير من الخدمات فى مجالات الصحة والتعليم والنشاط الاقتصادى، يحيط بهم فقر التجهيزات المادية والبشرية، وتلفهم وقائع الأمية والفقر والأمراض.

الأكثر غلبا من البدو هم الموظفون الحكوميون، حياتهم مأساة حقيقية، يعانون نقصا فى الماء والمواصلات والسكن ووسائل الترفيه، حياتهم جافة لا تشفع فيها الزيادة النسبية فى مرتباتهم التى قد تصل إلى ثلاثة أمثال مرتبات زملائهم فى وادى النيل، ولا تسلم بيوتهم وأسرهم من نظام عمل يقوم نظريا على بقاء الموظف بعيدا عن أهله يعيش فى المنطقة لمدة ثمانية عشر يوما متصلة، مقابل اثنتى عشر يوما إجازة كل شهر، موظفون يقضى معظمهم سنوات طوال فى صحراء التيه دون قدرة على تغيير المكان أو العلاقات الاجتماعية.

إن بقاء وسط سيناء على وضعها الحالى يترك فرصا لانتشار كثير من الانحرافات بين السكان وموظفى الحكومة العاملين معهم، ويصنع بيئة جاهزة لتفريخ متطرفين عقائديا يصيبهم هوس دينى، منحرفين فى نشاطهم الاقتصادى، مرضى نفسيين معزولين فى سجن واسع الأرجاء.سيناء ارض الفيروز والفحم والبترول والتيه، تحتاج إلى إمكانيات مادية وجهود علمية ليسكنها بشر أصحاء نفسيا وبدنيا واجتماعيا يصنعون تقدما حضاريا على أرض مصر.

وفى طريق العودة كان علينا أن نتجرع مشقة دفع رسم أخر لعبور قناة السويس فوق كوبرى مبارك، صحيح أن الكوبرى عمل حضارى وإنجاز علمى كبير أنشئ على ارتفاع أكثر من مائة متر فوق سطح الماء لكن رسوم العبور جعلتنى أشعر بعزلة سيناء من جديد وأخشى أن تظل أرض الفيروز مجرد بؤر سياحية يستجم فيها كثير من محدثى النعمة وقليل من الصالحين.

Monday, October 15, 2007

أولادنا فى الجامعة

فى أول أيام العام الدراسى الجامعى الحالى، كانت أول محاضرة ألقيها هذا العام على طلابى فى السنة الأولى بكلية التجارة، جلس أمامى أكثر من ألف طالب وطالبة متوسط أعمارهم سبعة عشرة عاما، قادمون من مرحلة الدراسة الثانوية ليحشروا فى مدرج لا يسع نصف عددهم، إنهم أولادنا الجدد فى الجامعة فى سن المراهقة والفتوة والصبا، يتشاكسون ويتواثبون بين المقاعد، ويصنعون ضوضاء محشوة بصفير وهمهمات وضحكات، معظمهم يرتدى هدوما جديدة، فانلات وايشاربات وفساتين وبنطلونات.

أحد الطلاب لديه ذقن صغيرة تموج فيها ثلاث عشرة شعرة سوداء، هذا الرجل الصغير يشعر بزهو امتلاكه لعلامات الرجال فيستسلم لزميله ويداعبان شعيرات الذقن الخضراء أمام طالبة انشغلت عنهما بمداعبة خصلات شعر جبينها تحت إيشاربها الأخضر، طالبة أخرى تدير حديثا باسما مع زميل يجلس أمامها بينما تصر جارتها على الكتابة فى أوراق صديقة ثالثة مجاورة، احدى الطالبات ترتدى إيشاربا رائق الألوان خفيف الحمل يتمايل مع حركات جسدها الخجول فينحسر الإيشارب عن شعر جميل مصبوغ على حرف، ولد ينام على كتف زميله ويقذفهما ثالث بعجائن من ورق ولبان ممضوغ ويبتسمون، طالبة تلعب فى هاتفها النقال وتلقى برأسها يمنه ويسرة كى تنزاح خصلات من شعرها بعيدا عن نظارة شمس تخفى بها عينها، طالب ينتقل بين المقاعد مستعرضا شعره المنكوش وفانلته ذات الطيور الملونة وبنطلونه الممزق الركبتين، بعض الجثث اختبأت خلف هدوم سوداء لم أر منها غير فتحات ضيقة لعيون يفترض أنها لطالبات تشاركنا الزحام ، وجثث أخرى استلقت رؤوسها على المقاعد لطلاب ناموا فى أماكنهم وأصدر بعضها شخيرا، هكذا انحشر مدرج العلم بطلاب صغار يرتدون كرنفالا من الملابس والأقنعة واللحى والشوارب الزغبية والحواجب المشذبة والجفون المدهونة والشعر الطويل والحجب المثقوبة بفتحات الأعين، ويبقى الكثير يعانى إجهاد السفر من القرى البعيدة إلى الجامعة ويخفى آثار العراك مع الوالدين من اجل الحصول على مصروف يكفى مواجهة تلك الحياة الجديدة، هكذا يجلس الجميع على المقاعد وفوق المقاعد وعلى أرض المدرج فى جو مسرحى مثير.

أولادنا الجدد فى الجامعة، معظمهم غير مؤهل للتعامل مع مشاكل الدراسة الجامعية، غالبيتهم لم يحضر درسا فى فصل دراسى منتظم طوال سبع سنوات من الخامسة الابتدائية حتى دخول الجامعة، الأماكن التى تعودا عليها هى حجرات الدروس الخصوصية الضيقة وأسوار المدارس ينطون فوقها ويتواعدون خلفها، يرون أساتذتهم فى العلم أدوات لحفظ المقررات مقابل اجر معلوم ومرصود، لم يدرسوا شيئا حقيقيا يبقى فى وجدانهم فكرة الانتماء لوطن، أجبرهم نظام التعليم أن يدرسوا الدين والجغرافيا والتاريخ بشكل اختيارى لا تؤثر نتائجهم على درجات نجاحهم الدراسية فأصبحوا بلا وطن أو شخصية.

أولادنا الجدد فى الجامعة معظمهم لا يشعر بالرباط الأسرى، آباءهم مشغولون بالسعى وراء العيش فى بلد فقير مهدرة فيه كثير من قيم العمل الشريف أو مسافرون للعمل عبيدا فى دول عربية متخلفة ثقافة وتحضرا، وكثير من أمهاتهم يعانين توابع الفرقة والهجران، يجمعون ثقافتهم من برامج إعلامية هابطة وخطاب دينى متخلف وقيادات سياسية مهترئة، ويحصلون على درجات نجاح مرتفعة جدا، بعضهم جاوزت نسبه نجاحه المائة فى المائة، وتنقصهم مهارات القراءة والكتابة والتفكير المنطقى.

أولادنا الجدد فى الجامعة يعيشون عصرهم بغير قيادات واعية وأساتذة أفاضل يأخذون بقلوبهم الغضة إلى طريق حب الحياة والمعرفة الإنسانية.

أولادنا الجدد فى الجامعة نحشرهم جثثا فى مدرجات فقيرة، وبرغم الزحام والانحشار إلا أن رائحة أولادنا مازالت طيبة، عرق قليل وعطور وروائح صابون وجيلى وسط جو خريفى بارد فى أول أيام الأسبوع وفى أول يوم دراسى بالجامعة، وفى مثل هذه المناسبات ينال أولادنا نصيبا من الاستحمام والنظافة الواجبة، ويبقون طيبين ناصعى الوجوه إلى حين.

كان على وسط الزحام وتخلف نظام الصوت وضعف أدوات التدريس أن أصيح فى تناغم لمدة عشرة دقائق، أنت يا ولد، أنت يا بنت، أنتم يا شباب، الله يخرب بيوتكم، سكوت المحاضرة بدأت، فسمعت صوت أحدهم ينادينى أتوكل على الله يا حاج طريقك اخضر زراعى، وبالفعل بدأت المحاضرة.

Saturday, October 13, 2007

!! إسترعاء .. واستـبراء

فى شهر فبراير من العام الحالى 2007م، حدثت مشكلة بينى وبين إدارة جامعة المنصورة متمثلة فى رئيسها السابق الدكتور مجدى أبو ريان، كانت العواقب مثيرة دالة على سلوكيات نظام إدارى فاسد يعتمد على اختيار قيادات فاسدة من أهل الثقة.

الحكاية أننى غيور على جامعة المنصورة واشعر بالانتماء القوى إليها كمؤسسة تؤدى دورا تربويا لأهلى وناسى، هذه الغيرة تجعلنى أرفض أن يكون من بين المسئولين عن إدارة الجامعة حمير يديرونها بالغباء والرفس لأيه أفكار صالحة، من أجل ذلك أكتب مقالات وأحتك بالطلاب والزملاء قاصدا فى كل الأحوال أن أزيح قدر استطاعتى ما يعوق تقدمنا.

المشكلة أنه على اثر مقال نشرته فى مجلة المصور المصرية انتقد فيه بعضا من سلوكيات الادارة الجامعية، اتهمنى رئيس الجامعة السابق زورا وعلنا بأربع تهم فى البرنامج التلفزيونى المعروف " العاشرة مساء " ، تهم لو ثبتت واحده منها لانهارت قصور وصوامع من فداحتها، الأولى هى أننى أتعرض بالسب والقذف لقيادات فى الجامعة والثانية هى أننى أتلفظ بألفاظ نابية فى مدرجات العلم والثالثة هى أننى أتحرش بالطالبات والرابعة هى أننى أتعدى بالقذف والسب على زميلة لى، هكذا القى رئيس جامعة بتهم على راس عضو هيئة تدريس بالجامعة، ألقاها بدم بارد وغباء شديد وتخلف إدارى مقيت.

بناء على هذه الاتهامات، التى جيش لها وساعد على تفنيدها عميد الكلية الذى أرى فيه قيادة إدارية غير حكيمة تم تحويلى إلى التحقيق، وحسب قانون تنظيم الجامعات فان عضو هيئة التدريس فى حالة إدانته معرض إلى واحد من خمسة عقوبات هى ( لفت نظر أو تنبيه أو لوم بدون خصم آو لوم مع الخصم أو إيقاف عن العمل ) أو البراءة مما نسب إليه من تهم وبما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات.

بعد أكثر من شهرين من إجراء التحقيقات بمعرفة وكيل كلية الحقوق بالجامعة، وقبل أسبوع واحد من تاريخ إقصاء رئيس الجامعة من منصبه غير مأسوف عليه، وفى 24 يوليو 2007م وافق رئيس الجامعة على ما انتهى إليه الرأى القانونى والذى قضى باسترعاء نظر السيد دكتور ياسر العدل عبد اللطيف لعدم توخى الحيطة والحذر وعدم تحرى الدقة عند محادثته مع الزملاء ومع الطلاب .

نتيجة التحقيق ببساطة هى استرعاء نظر لشخص آخر لا أحمل أنا اسمه المذكور نصه أعلاه، ذلك بأن اسمى القانونى الذى اعمل به فى الكلية وذهبت به إلى التحقيق هو ياسر محمد العدل عبد اللطيف وليس هو ياسر العدل عبد اللطيف، وإذا كانت الإدارة تقصدنى أنا بالعقوبة فهى باختصار عقوبة لم يأت بها نص من نصوص العقوبات فى قانون الجامعة، هكذا ببساطة شديدة لم يجد المحقق ما يديننى به وتصبح الاتهامات باطلة، وهكذا تدل نتيجة التحقيق على حجم الفساد والنفاق والتخلف الذى عايشته مع رئيس عمل ساذج ومحقق قانونى ينسج عقوبات لم يأت بها نص قانونى حسب القاعدة القانونية - لا جريمة بغير نص ولا عقوبة بغير نص - أيا كانت الجريمة أو المخالفة سواء تتبع القانون الإدارى أو القانون الجنائى، هكذا يسعى عبيد الكراسى لسد الخانات فى الأوراق، وهكذا يفسد رئيس العمل من فساد طويته وفساد العاملين معه، يجمعون ضعيف الأدلة ويصيغون ضعيف القرارات.

لأننا فى حومة من فساد ومكر بعض القائمين على تنفيذ القوانين، وصلنى خطاب عقوبة الاسترعاء بعد شهرين من تاريخ توقيعة حتى لا تتاح لى فرصة التظلم من عقوبة غير منصوص عليها فى اللوائح وقائمة فقط فى عقول خربة متخاذلة، وحين اتصلت بالمحقق لأعرف منه حيثيات الحكم أخبرنى انه بذل جهدا لكى يصيغ قرار العقوبة بهذه الطريقة اللزجة المائعة، فهى عقوبة حسب قوله ليست بعقوبة توضع فى ملف خدمتى وتشين موقفى، وقال لى انه فكر فى حفظ التحقيق لكنه خشى أن يكون الحفظ بمثابة براءة تجعلنى ارفع دعوى ضد الجامعة للمطالبة بحقوق معنوية لى لما أصابنى من ضرر.

هذه الواقعة المتمثلة فى اتهامات باطلة وتحقيقات صورية وعقوبات غير ذات موضوع، ترجع بعض أسبابها إلى أن الكثير من أهل الجامعة لا يشعرون أنهم أساتذة جامعة ولا يشاركون فى الهم العام، لذلك يسهل على كل من كانت به خصاصة من خسة وحقارة أن يفعل بهم ما يرى انه أجدى لقيادتهم عبيدا صاغرين، لكننى مثل بعض الشرفاء فى الجامعة اشعر تماما بكبريائى كأستاذ جامعة أشارك فى الهم العام، احمل رأيا وأدافع عنه، مخلص فى مواقفى، ليس مهما أن يكون رأيى صحيحا عند الآخرين المهم أن يكون رأيى صادقا عندى.

إزاء واقعة السب والقذف ونتائج التحقيق طالبنى بعض المنافقين والجبناء داخل الجامعة أن ارفع قضايا ضد الجامعة وضد رئيس الجامعة السابق، هؤلاء السذج اللئام لا يدركون أننى لست ممن يرفعون دعاوى قضائية ضد أشخاص أخذت أضعاف حقى منهم بأكثر من طريقة، أثرت الرأى العام ضد رئيس الجامعة بإدارتى الناجحة لمقابلات صحفية وتلفزيونية فزاد موقفه سوءا على سوء، وأثرت الرأى العام ضد عميد الكلية فأفشلت له كثيرا من خططه المريبة للارتزاق من منصبه.

أنا أمارس كبرياء أستاذ جامعة مثقف سمع عن مواقف أحمد لطفى السيد فى الذود عن استقلال الجامعة وقرأ لطه حسين عن ضرورة الثقافة للمصريين، وليس من الكبرياء أن ارفع دعوى سب وقذف على رئيس جامعة ظهر للناس منذ البداية ساذجا صغيرا، وليس من الكرامة أن أتحرش بعميد يلفظ الأنفاس الأخيرة فى منصبه.

إن ما حدث معى يدل ببساطة على كيف يكون الحاكم طاغية تحكم تصرفاته غرائز التسلط وبوهيمية الأداء، وكيف يصبح المستشارون منافقون تحكم تصرفاتهم غرائز الضعف ومهانة الانقياد، وكيف يكون الاسترعاء لفظا غير قانونى لعقوبة يراها رئيس العمل حفظا لماء وجهه من جريمة الغباء الأدارى، وكيف يمثل الإسترعاء تخريجا فقهيا لرجل قانون ضعيف أراد الإستبراء من نجاسة تبعيته لحاكم غير طاهر.

Thursday, October 04, 2007

..!! أرزاق .. يا لصوص

فى نوبة من التواصل الإنسانى مع أولاد الحارة، لاعب عم محمود طفلا رضيعا، وحين بال الرضيع على يدى عم محمود عالجت الأم ارتباكه وقالت (على البركة يا أبو حنفى رزقك واسع )، عندها انتشى عم محمود وقرر علانية أن يلاعب الطفل مرات تالية، وفى سوق الخميس اشترت أم سيد ديكا صغيرا وأخذت تتحسس صحته، وحين نتشت ريشة من جناحه هبش الديك وجهها، وعالج البائع ارتباكها وقال (على البركة يا ست، رزقك كثير)، عندها قررت أم سيد أن تتخلص من الديك وأن تبيعه لأول مشتر، وفى ديوان حكومى قبع حامد أفندى وراء مكتبه متكاسلا عن العمل، وحين أسقط له بعض الزبائن نقودا فى درج مكتبه وهمسوا فى أذنه (على البركة يا بيه، رزق الأولاد)، عندها قرر حامد أفندى أن يقضى المصلحة لزبونين فقط رأى فيهما عملا اقل وعائدا أكثر، وفى الشارع شهد خلق كثير على عقد قران زينب بنت العشرين على رجل عجوز ثرى تكرهه، وحين تذكرت قول حبيبها الفقير (على البركة يا زينب، رزقى ضيق)، عندها رق الدمع شوقا فى عينها وقررت خلع الزوج فى اقرب فرصة.

كثير من الناس يتعمدون الخلط بين ما يحوزونه من رزق واسع وبين ما تجنيه أيديهم من دخل محدود، هؤلاء الناس يغيب عنهم أن الرزق هو ما نحصل عليه من حاجيات اقتصادية واجتماعية وصحية دون أن نقدم عملا أو نبذل جهدا فى سبيل تحصيلها، كالهواء والميراث والغباء ومديح بعض المنافقين، ولا يعرفون أن الدخل هو ما نجنيه من ثمرات يضنينا الجهد فى زراعتها وتعيينا الوسائل فى حصادها، كالأجر والراتب والذكاء وإنكار تفوق الرؤساء.

لا أحد يعرف بالضبط من أين يأتى الرزق الواسع المجانى، أما الدخل الناتج من سعينا على الأرض فيمكن حسابه بالقانون المعلن بين أفراد المجتمع، الدخل يرصد بالسحتوت فى كشوف المرتبات، وبأجولة الحبوب فى الصوامع، وبعلب المنتجات فى المصانع، ومع سهولة أدوات العد وإمكانيات الحصر، يثير حفيظة الراصدين أن بعض الناس فى المجتمعات المتخلفة ينفقون مالا أكثر من دخولهم المعلنة، يحسبون أنهم من دون الناس تصيبهم بركة رزق ولا تنالهم عين حاسد0

وقائع كثيرة يخلط فيها الناس بين الأرزاق المجانية والدخول المنتجة، هذا موظف بسيط فى الحكومة يتقاضى راتبا متواضعا لا يكفى مسح دموع شكواه من ضنك الأيام وتأخر الترقيات، وحين تدخل بيته يلقاك بترحاب ويغرقك فى اللحم المشوى والشراب المثلج، ويدعوك لمشاهدة هزائمنا فى الكرة على الطبق الفضائى، وهذا مدرس يحصل بشق الأنفس على شهادة جامعية، وحين يفتح بالوعة لتسليك الدروس الخصوصية يمتلك شاليها للمصيف فى الساحل الشمالى، وذلك أستاذ جامعى يدلس فى أبحاث الترقية ويزور فى امتحانات الطلاب، يعلن فى كل إعارة أو سفارة أن ولاءه لمن يدفع أكثر، يصبح ثريا ومسئولا كبيرا ومرشحا لمسئوليات اكبر، ومطرب متواضع فنا وقيمة، يشترى بملايين الجنيهات مصانع ومؤسسات لتربية الدواجن والعجول، ورجل قحف لا علم لديه أو معرفة فجأة تدخل أرضه الزراعية نطاق زمام المدينة، هى شهور قليلة بعدها يجلس القحف على المقهى مرتديا جلباب الصوف، يحشو سجائره بالمخدرات، ويبيع متر الأرض بآلاف الجنيهات، وامرأة تفرك كعبها فى العمل بضع سنوات فى الملاهى، تهدهد عن بعض العابثين متاعبهم، تصبح هذه المرأة مليونيرة وصاحبة فضل وصدقات وفنانة كبيرة.

مثل هؤلاء الناس، ممن يحصلون على دخول صغيرة معلنة فى مرتباتهم وإقراراتهم الضريبية، ويخترقون القوانين بالفساد والرشوة وضربات الحظ غير المبررة، وينفقون من المال أكثر من دخولهم المعلنة، وينتهكون بسلوكهم الاجتماعى كثيرا من لوائح العدل والشفافية ولا يبقون من القيم إلا جوامد تدمى رؤوس الشرفاء، هؤلاء الناس أفراد طفيليون يعيشون وسط مجتمعات متخلفة مريضة لا يمارس أهلها شفافية القيم وعقلانية تفسير الظواهر، أفراد يسهل عليهم إقناع السذج والضعفاء من البشر، بأن مسالة الفرق بين دخلهم الشحيح وبين إنفاقهم المسرف إنما هى مسالة أرزاق لا تنقصها البركة.

نحن فى حاجة لأن يتبنى مجتمعنا قيما فكرية تكفل حرية المواطنين فى أن يتخذوا لأنفسهم أنشطة اقتصادية مشروعة يجلبون منها دخولهم ومصادر إنفاقهم، وبحاجة فى نفس الوقت إلى بحوث علماء الاقتصاد والاجتماع والقانون والدين لدراسة أنواع الدخول، قاصدين ترسيخ استخدام قيم إنسانية جديدة تسعى لصلاح المجتمع، قيم لا يهين معها فضل علم أو تكسر عندها قواعد حساب، نحن فى حاجة لأن نطبق آليات موضوعية تتسم بالشفافية فى محاسبة المواطنين على دخولهم المعلنة والخفية، ليصبح سهلا التفرقة بين الرزق والدخل، ويسهل أن نرجع بالرزق على صاحب الرزق المجانى ونعود بالدخل على صاحب العمل المنتج، نحن بحاجة لأدوات حساب علمية يتبين معها لكل مواطن تلك الفروق الموضوعية بين الشرفاء وبين اللصوص.