Tuesday, February 22, 2011

منهج التقدم الثورى

أخيرا، وبعد جهد وتضحيات كثيرة، وصلنا نحن المصريين إلى جسر ثورة 25 يناير2011م، ولأن طبيعة التغير الحضارى يتأثر بظروف العصر فنحن بحاجة إلى تزكية منهج ثورى لازم لإحداث تغيير حاسم لصالح تقدمنا المأمول.
لا أحد يكره التغيير، لكن قليلا من الناس هو القادر على التغيير العبقرى، الأزواج يمارسون تدريبات يومية فى الطلاق والخلع، قليل منهم هو القادر على فعلة الزواج من جديد، الأولاد والبنات يتشاكسون على النواصى ومفارق الطرق ويرقصون على حواف العقوق والبر مع الأبوين والأهل والجيران، قليل منهم هو القادر على فعلة الاستقلال الذاتى، معظم الفقراء يسبون الأغنياء وكثير من الأغنياء يتآمرون على الفقراء، قليل هو القادر على أن ينتقل طبقيا بين الفريقين دون ضجيج.
لا أحد من الأسوياء يكره التغيير، لكن قليلا هو الذى يسعى لأن يكون التغيير ثوريا ناضجا يضيف وقائع وأحلاما للتحضر الإنسانى، الثوريون السذج يرفضون تغيير ثوابتهم، إنهم يصنعون الثورة على أعينهم ويجعلون من أحداثها أصناما للتسبيح وخناجر لوصم الآخرين بالعداء، فعل التغيير لدى الثوريين السذج يتوقف عند لحظة فى الزمن، يحملون فيها شعارات تجرى على لسان قائدهم الأوحد وزعيمهم الملهم، يفدونه بالروح حين يسلبهم روح المبادرة تكريسا لفرديته، ويفدونه بالدم حين يمتص دمائهم تكريسا لخلوده، هكذا أصبحنا نحن المصريين طوال تسعة وخمسين عاما منذ ثورة التغيير فى 23 يوليو 1952م، تحكمنا نظم شمولية غير ديمقراطية، تملك السلطة المعلنة من خلال حكم الحزب الواحد، أو تملك المعارضة المحظورة متمثلة فى تيار المحافظين مثل الإخوان المسلمون والمسيحيون وتيار اليسار مثل الشيوعيون والناصريون، وأفرغ الجميل أنشطتهم الحزبية من كل فضل.
كان مأمولا أن يصبح التعليم للمصريين كالماء والهواء ضرورة وطموحا لكنه تحول إلى تعليم آسن وملوث، كان مأمولا أن يتحرر الاقتصاد المصرى من عناصر الضعف لكنه أصبح اقتصادا تابعا تحكمه قواعد احتكار بغيض وعولمة غاشمة، وكان مأمولا أن يعيش المصريون فى ظل نظام حكم ديمقراطى لكنه أصبح نظام حكم يعتمد حزمة من عيوب كل النظم، انه نظام ديمقراطى من غير أحزاب، ودينى من غير شرائع، وملكى من غير وراثة، وعشائرى من غير ولاء، هكذا فقدنا نحن المصريين بوصلة الطريق إلى مشروع قومى فى العلم والثقافة والاقتصاد، وتحولنا إلى مجتمع ممتلئ بالثقوب ينسحب من الحضارة، وكان لابد من قيام ثورة مصرية جديدة.
مع ثورة 25 يناير الجديدة، نحن الآن فى حاجة إلى إقصاء منهج الفكر الشمولى من حياتنا والاتجاه نحو منهج الليبرالية الفكرية قاصدين بناء دولة مدنية حديثة، تصنع الحرية والعدالة والكرامة لكل المصريين.
المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 22 فبراير2011م

Sunday, February 20, 2011

عن الدولة المدنية

فى هذه الأيام، أيام ثورة التغيير، يدور الحديث عن نظرية الدولة المدنية، وأول الخيط فى هذا الموضوع هو الإنسان الفرد باعتباره الوحدة الأولية للجماعة السياسية، والإنسان الفرد يتناول صراعه مع الحياة فى دوائر زمنية ثلاث تتداخل فيما بينها، دائرة ماضى يعرف بعضا عنه بالنبش فى ذاكرة احتمالية يطغى عليها الحدس الإيماني، ودائرة حاضر يعيشه بحواس تطغى عليها المعرفة العلمية، ودائرة مستقبل يصنعه بأحلام يطغى عليها الحدس الإيماني مرة أخرى، ولفهم السلوك السياسى للإنسان يلزم التفرقة بين الإيمان والعلم.

الإيمان منهج ذاتى فردى لتفسير العالم يعتمد على الحدس والأحلام والمصادرات العقلية، فالإيمان بأن البشر قد خلقوا من نطفة حصان يلزم تفسير الوجود البشرى بناء على مصادرة وجود هذا الحصان، والإيمان بأن آدم أبو البشر يلزم تفسير الوجود البشرى بناء على مصادرة وجود آدم، هكذا تتعدد التفسيرات بتعدد المصادرات ويبقى الإيمان كمنهج فردى صالحا فى نظر المؤمنين لتفسير الأحداث فى الماضى والحاضر والمستقبل، هذه الصلاحية مستمرة بقدر ما يحققه الإيمان من مصالح فردية للفرد المؤمن.


العلم منهج موضوعى جماعى للمعرفة يعتمد على البديهيات العقلية والحواس الغريزية فى تفسير وفهم العالم، تتساوى عنده الفروض مع المصادرات ويقبل مناقشة الجميع، العلم منهج يسمح للفرد البشرى بتخزين المعرفة ونقلها إلى غيره من البشر متجاوزا إمكانيات الأفراد الخاصة والمتباينة بسبب حياتهم فى موطن جغرافى بذاته أو قبيلة اجتماعية بعينها، هكذا يبقى العلم كمنهج جماعى هو المنهج الأكثر ديمقراطية لتفسير كل من الماضى والحاضر واستشراف المستقبل.


لأن الإيمان منهج ذاتى فردى فهو لا يقبل الاعتراف بمنهج الآخر فى المعرفة حتى ولو قبل فكرة التصالح إلى حين مع ذلك الآخر، فكل دين هو منهج إيمانى ناسخ لغيره من الأديان، هكذا لا يمكن تعميم المصادرات الدينية كمصدر وحيد لمعرفة الحياة والتعامل معها، ويبقى المنهج العلمى منهج معرفة موضوعية تصل إلى الجماعات المتباينة ثقافيا، ويعترف بوجود مناهج أخرى محتمله للبحث عن المعرفة.


فى العصر الحاضر يعيش البشر فى كيانات سياسية يتعاظم حجمها من أسرة إلى عائلة إلى قبيلة إلى الدولة، احدى النظريات لتفسير وجود الدولة هى نظرية العقد الاجتماعي، ويرى أصحابها أن الدولة كائن مستقل اجرى عقدا مع الجماعات المكونة له على ضمان الحريات وتأصيل الحدود بين الحقوق والواجبات على أساس قانونى من الأهلية والكفاءة، هذا العقد يوضع فى دستور فوقى ثابت تنبع منه كافة القوانين التى تقود النسق المعرفى العام للجماعات المكونة للدولة، هذه النظرية تفترض الكفاءة والأهلية لتحمل مسئولية العمل بالدستور.


هناك نظرية أخرى تفسر سبب وجود الدولة، وترى أن حب الإنسان الحياة هو الأساس لوجود الأشكال المتباينة من صور الجماعات البشرية، هذه النظرية تراعى حركة الجدل البشرى مع الحياة باعتباره أخذا وعطاء، وترى أن دستور الدولة عمل وضعى يمكن تعديله كلما أقبلت المجموعات على أمر جديد, نظرية حب الحياة هذه لا تقيم وزنا للفصل التعسفى بين حرية الجماعة وبين حرية الفرد، وترى أن جدل الإنسان هو الذى يضع حد التوازن بين البشر، هذا الجدل قائم على محصلات قوى ليست بالضرورة متصارعة، وعليه يصبح هناك جدل ديمقراطى بين الشمول الفكرى تمارسه الجماعة الغالبة وبين التكلس الفكرى تمارسه الأقلية.


الآن فروض التقدم فى البيئة الحضارى للجماعة السياسية، تتطلب وجود دولة مدنية لها دستور يفصل بين أديان الجماعات والطوائف وبين سلطات الدولة، حيث يكون للمواطنين حريات الانتقال والاعتقاد والعمل فى دولتهم، ويكون للدولة سلطات مدنية على مواطنيها تنسق بين حرياتهم على أسس من العدل والمساواة، دون تمييز بسبب لغة أو ثقافة أو دين أو جنس.

المقال نشر فى جريدة الوفد السبت 19 فبراير 2011م

Sunday, February 06, 2011

الانتفاضة والمثقفون

طمعا فى شحذ الهمم نحو التغيير الحضارى، يرى البعض أن المثقفين قوم يكتبون ويتكلمون عن التغيير دون قدرة على أحداث هذا التغيير، وأن عدم قدرتهم على التغيير هى المسئولة عن انتشار الفساد المجتمعى، هكذا يخلط بعض القراء بين إمكانية المثقف وبين طبيعة الدور المطلوب منه.


إمكانات المثقف تتوقف على ما يملكه من قدرات تصنع منه مثقفا، من هذه القدرات الانتماء، والمعلومات، والوعى، والرغبة فى الحياة الكريمة، ونتيجة لإرادة فردية لدى فرد بذاته تظهر هذه الإمكانات وتزكيها ظروف اجتماعية فتصنع منه مثقفا، ويتبقى أن الدور الفاعل للمثقف فى المجتمع قرين بطبيعة وجوده فى هذا المجتمع.

هناك مجتمعات حضارية تحكمها نظم ديمقراطية تعتمد العلم والكفاءة سبيلا للتطور، وترى أن المثقفين مواطنون يحملون فكرا وأراء يضعها المجتمع محل البحث والاختبار وتنفيذ ما يصلح منها، وهناك مجتمعات إقطاعية قبلية تعتمد على العصبية سبيلا للبقاء، وتحكمها نظم ديكتاتورية، ترى المثقفين مجرد أبواق يقتصر دورها على الإشادة بالنظام دون أن يكون لها حق التفكير أو النقد، ونحن فى بلادنا العربية نعيش مجتمعات إقطاعية قبلية لا ترى للكتاب والمثقفين غير مكانين فقط، إما المعية مع السلطان أو العزل والاعتزال عن المجتمع.



فى المجتمعات المتحضرة يقتصر دور المثقفين على إجادة صناعة التفكير وعرض الأفكار الإبداعية فى مقالات أو أبحاث، إنهم ليسوا أطباء ليصلحوا أمور الصحة، وليسوا مطربين ليصلحوا أمور الغناء، إنهم جنود فى مجال الثقافة والفكر يبذلون جهدهم قدر الاستطاعة، وفى المجتمعات المتخلفة تهتم قيادات المجتمع بتحجيم وكسر الشوكة الفكرية للمثقفين، وتسمح بالقيادة لأصحاب القوة المادية والسلطان الغاشم.

 يقول علماء الإحصاء، أن سلوك الظواهر الطبيعية كثيرة الحدوث يميل إلى شكل جرس متوازن حول مركزه، على طرف الجرس حوالى عشرة فى المائة من العباقرة يجرون الجرس فى اتجاه ايجابى، وعلى الطرف المقابل من الجرس يسكن حوالى عشرة فى المائة من المجانين يجرون الجرس فى اتجاه سلبى، هكذا فى المجتمع البشرى يوجد حوالى عشرة فى المائة من الأفراد تسعى للبناء يقابلها عشرة فى المائة تسعى للفساد، والمثقفون مع اختلاف وتعارض توجهاتهم يقعون اجتماعيا عند هذه الأطراف، ويبقى قطاع الثمانين بالمائة من المجتمع يمثلون الغالبية الصامتة تشغلهم أمور حياتهم، يشاركون بالصمت فى تناول الهم العام ويقود خطاهم أصحاب القوة من تنظيمات وأحزاب علنية أو سرية.

 هكذا تتوقف طبيعة التغيير الاجتماعى، من حيث الصعود للتحضر أو الهروب نحو التخلف، على ذلك القدر المتاح من الديمقراطية لكل فصائل المجتمع وطبقاته، ذلك بأن الديمقراطية هى أفضل الأنظمة لصنع التقدم.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الأحد 6 فبراير 2011م