Thursday, May 26, 2011

عن الدولة المدنية - م



فى البحث عن حلول لمشاكل الجماعة السياسية يدور الحديث عن نظرية الدولة المدنية، أول الخيط فى هذا الموضوع هو الإنسان الفرد باعتباره الوحدة الأولية للجماعة السياسية، والإنسان الفرد يتناول صراعه مع الحياة فى دوائر زمنية ثلاث تتداخل فيما بينها، دائرة ماضى يعرف بعضا عنه بالنبش فى ذاكرة احتمالية يطغى عليها الحدس الإيماني، ودائرة حاضر يعيشه بحواس تطغى عليها المعرفة العلمية، ودائرة مستقبل يصنعه بأحلام يطغى عليها الحدس الإيماني مرة أخرى، ولفهم السلوك السياسى للإنسان يلزم التفرقة بين الإيمان والعلم.

الإيمان منهج ذاتى فردى لتفسير العالم يعتمد على الحدس والأحلام والمصادرات العقلية، فالإيمان بأن البشر قد خلقوا من نطفة حصان يلزم تفسير الوجود البشرى بناء على مصادرة وجود هذا الحصان، والإيمان بأن آدم أبو البشر يلزم تفسير الوجود البشرى بناء على مصادرة وجود آدم، والإيمان بأن لون دم البشر يختلف من دم متفوق أزرق إلى دماء أخرى دون ذلك يلزم للجنس الأبيض صاحب الدم الأزرق مصادرة التفوق على باقى الأجناس، هكذا تتعدد التفسيرات بتعدد المصادرات، هكذا يبقى الإيمان كمنهج فردى صالحا فى نظر المؤمنين لتفسير الأحداث فى الماضى والحاضر والمستقبل، هذه الصلاحية مستمرة بقدر ما يحققه الإيمان من مصالح فردية للفرد المؤمن.

العلم منهج موضوعى جماعى للمعرفة يعتمد على البديهيات العقلية والحواس الغريزية فى تفسير وفهم العالم، تتساوى عنده الفروض مع المصادرات ويقبل مناقشة الجميع، العلم منهج يسمح للفرد البشرى بتخزين المعرفة ونقلها إلى غيره من البشر متجاوزا إمكانيات الأفراد الخاصة والمتباينة بسبب حياتهم فى موطن جغرافى بذاته أو قبيلة اجتماعية بعينها، هكذا يبقى العلم كمنهج جماعى هو المنهج الأكثر ديمقراطية لتفسير كل من الماضى والحاضر واستشراف المستقبل.

لأن الإيمان منهج ذاتى فردى فهو لا يقبل الاعتراف بمنهج الآخر فى المعرفة حتى ولو قبل إلى حين فكرة التصالح مع ذلك الآخر، فكل دين هو منهج إيمانى ناسخ لغيره من الأديان، هكذا لا يمكن تعميم الدين على جميع البشر كمصدر وحيد لمعرفة الحياة والتعامل معها، ويبقى أن المنهج العلمى منهج معرفة موضوعى يصل إلى الجماعات المتباينة، ويعترف بوجود مناهج أخرى محتمله للبحث عن المعرفة.

الآن فى العصر الحاضر يعيش البشر فى كيانات سياسية يتعاظم حجمها من أسرة إلى عائلة إلى قبيلة إلى الدولة، احدى النظريات لتفسير وجود الدولة هى نظرية العقد الاجتماعي، ويرى أصحاب هذه النظرية أن الدولة كائن مستقل جرى تعاقد بينه وبين الجماعات المكونة له على ضمان حماية الحريات وتأصيل الحدود بين مجموعات تتفق على الحقوق والواجبات يربطها أساس قانونى من الأهلية والكفاءة، هذا العقد يوضع فى دستور فوقى ثابت تنبع منه كافة القوانين التى تقود النسق المعرفى للجماعات المكونة للدولة، هذه النظرية تفترض الكفاءة والأهلية فى الجميع وتضعهم فى مواجهة حرية العمل بالدستور.

هناك نظرية أخرى تفسر سبب وجود الدولة، وترى أن حب الإنسان الحياة هو الأساس لوجود الأشكال المتباينة من صور الأسرة العائلة القبيلة الدولة، هذه النظرية تراعى حركة الجدل البشرى مع الحياة باعتباره أخذا وعطاء، وترى أن دستور الدولة عمل وضعى يمكن تعديله كلما أقبلت المجموعات على أمر جديد, نظرية حب الحياة هذه لا تقيم وزنا للفصل التعسفى بين حرية الجماعة وبين حرية الفرد، وترى أن جدل الإنسان هو الذى يضع حد للتوازن بين البشر، هذا الجدل قائم على محصلات قوى ليست بالضرورة متصارعة، وعليه يصبح للشمول الفكرى تمارسه الجماعة الغالبة فى حالة جدل مع التكلس الفكرى تمارسه الأقلية، جدل الإنسان يتخلص من الشمول والتكلس السياسيين.

الآن فروض التقدم فى البيئة الحضارى للجماعة السياسية، تتطلب وجود دولة مدنية لها دستور يفصل بين أديان الجماعات والطوائف وبين سلطات الدولة، حيث يكون للمواطنين حريات الانتقال والاعتقاد والعمل فى دولتهم، ويكون للدولة سلطات مدنية على مواطنيها تنسق بين حرياتهم على أسس من العدل والمساواة، دون تمييز بسبب لغة أو ثقافة أو دين أو جنس.

المقال نشر فى جريدة العربى الناصرى، الأحد 15 مايو 2011م

Tuesday, March 22, 2011

أنا مسافر

طويل العمر يظل طويل العمر بالسفر والترحال وفهم العلاقات المنطقية بين الأحداث والبشر، وأنا طويل العمر فيما جابهته من وقائع سفر ورحلات قمت بها خارج مصر فى مراحل سياسية مختلفة، كانت رحلات شبابية أحمل فيها شنطة صغيرة على ظهري وانتقل بين البلاد والمدن بأبسط الطرق واقلها تكلفة، إنها طريقة الأتوستوب.

فى أواخر عصر عبد الناصر فى الستينات فى 1969م قمت برحلات إلى بعض الدول العربية فى آسيا، وبعض دول شرق أوربا، كنت شابا احمل معى بهاء شباب الثورة المصرية، هكذا فى كل رحلة انهالت على المساعدات والتقدير من المحيطين بى، يرانى الآخرون شابا مصريا وينتمى إلى شعب له طموحة القومى، شعب ربما يتعثر فى الطريق لكنه صاعد أبدا، كانت تلك ملامح مقابلات تمت معى فى صحافة العراق وسوريا ومنظمات الشباب فى الأردن ولبنان وتركيا وبلغاريا ويوغسلافيا، كانت الطموحات الإنسانية هى لغة التواصل المشتركة بيننا، طموحاتنا كانت فى التحرر والانتقال من دور الشعوب التابعة إلى شعوب تمسك مبادرتها الخاصة.

فى بداية عصر السادات، زرت معظم الدول العربية فى أفريقيا ودولا من غرب ووسط أفريقيا، كان انتمائى لشعب مصر هو الذى ساعدنى كثيرا فى رحلاتى بليبيا وتونس والجزائر، وكونى شاب عربى افريقى من مصر كان له وقع الرضا والفخار، ففى موريتانيا ودول غرب أفريقيا استقبلنى الكثيرون باعتبارى شابا دخل بحسده حرم الجامع الأزهر وشاهد بعينيه شخص عبد الناصر، كان لرجال الأزهر الشريف قيمة تصل إلى حد القداسة وكان عبد الناصر نموذجا للتحرر، كانوا يعتبرونى من شعب شريف لكنه شعب مهزوم فى حرب مع إسرائيل، وفى مساء السبت السادس من أكتوبر 1973م انتشرت أخبار مصر وكيف يخوض المصريون وقائع حرب أكتوبر، وقتها كنت فى زيارة لشمال دولة غانا، وانتشر خبر أننى رأيت بعينى شخص السادات، فانهالت على التشريفات والترحيبات والندوات السياسية والدينية، وقام بترجمة كلماتى من العربية إلى لغة الهاوسا، وهى اللغة الأكثر انتشارا فى المنطقة، مسلمون من أهل موريتانيا، كنت عندهم شابا عربيا مصريا حقق شعبه انتصارا.

فى أواسط عصر مبارك فى عام 1995م زرت أمريكا، تحديدا منطقة شيكاغو، كانت معاهدة السلام قد وقعت بين مصر وإسرائيل، فى هذه الرحلة كنت رجلا أتى من بلد هى مصر، يعرف المثقفون أنها كانت موطنا لأعرق الحضارات البشرية، لكنها بلد يعيش أهلها على الرمال ويركبون الجمال ويطلبون البقشيش بجوار الأهرام وأبو الهول، ويحكمهم نظام دكتاتورى ويجاورون جغرافيا دولة إسرائيل  الأكثر ديمقراطية وتحضراً.

الآن قامت ثورة 25 يناير2011م المصرية، وأدليت بصوتى الانتخابى لأول مره فى حياتى، وقلت لا دون خوف رافضا التعديلات الدستورية، والآن أنا مسافر فى رحلة عمل خارج مصر، ومن حقى أن أرفع رأسى بين الناس، فأنا مصرى.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر - الثلاثاء 22 مارس 2011م

Tuesday, March 15, 2011

حارس مرمى

بدأت علاقتى بالكرة منذ الصغر على ارض قريتنا، الكرات غير المكتملة هى الدروس الأولى، حين أسرف فى اللعب خارج الدار تنادينى أمى كى أتوقف عن اللعب الهمجى، أبكى فتدللنى وتستعطفنى وحين يفشل تدليلها فى عودتى تبدأ المطاردة، تلاحقنى فى الحارات وتقذفنى بكرات من الحصى والطوب، وحين تنجح فى الإمساك بى تحملنى إلى باب الدار، وتبدأ طقوسها فى مسح دموعى وإعداد حمّام تنقيتى مما علق بى من تراب وروث بهائم.

 

كان لقريتنا مدرستها الخاصة فى لعبة كرة القدم، الكرة نصنعها من القش والخرق القديمة، ملعبنا نقيمه على ساحة جرن حصاد أو أرض شارع أو داخل زقاق، نصنع شواهد المرمى من أحجار وأكوام تراب ومن ملابس اللاعبين، مبارياتنا وقتها مفتوح، ولا مانع أن يشاركنا اللعب والتحكيم بعض العابرين من بشر وبهائم وعابرى سبيل، كان للاعبين حق دخول أرض الملعب أو الخروج منه فى أى وقت، وكانت قيمنا الأخلاقية تسمح للاعبين أن يشتبكوا بأجسادهم يكسرون عظامهم ويشدون الهدوم ويتراجعون عن قراراتهم الكروية متى رغبوا.

 

خبرتى فى كرة القدم ترجع لقيامى بالمهام الخطيرة لحارس المرمى، فى كل مباراة أقمناها سعي فريق حارتنا لإعلان فوزنا بأكبر عدد من الأهداف بغض النظر عن خططنا فى إدارة اللعب، خطة تمنع دخول الكرة فى مرمانا وتعتمد على سرعتى كحارس المرمى فى تحريك شواهد مرمانا تضيقا أو توسيعا للمرمى يعجز معه المنافس عن التسديد، وخطة تعتمد على الصياح والقسم بأغلظ الأيمان أن الكرة لم تدخل مرمانا وان دخلت، وخطة تعتمد على التحرش بملابس الفريق المنافس بقصد ضياعها وتحريكها نحو توسيع مرماهم فيسهل على فريقنا تسديد أهداف الفوز، هكذا وصلت نتائج فوزنا فى بعض مبارياتنا إلى ثلاثين هدفا لنا مقابل عشرين هدفا للخصم، وأصبح شائعا أن تنتهى مباريات حارتنا بمعارك يشترك فيها اللاعبون والمتفرجون وعابرو الصدفة، يتبادلون السّب والقذف والإصابة بكرات غير مكتملة من حصى وطوب وجلّة ناشفة.



برغم إخلاصى فى حراسة المرمى إلا أن أولاد حارتنا قللوا من شأن إمكانياتى الكروية، وكثيرا ما وقعوا على جسدى بالضرب وتقطيع الهدوم، إذا فاز فريقنا يتهمنى الفريق المنافس بتحريك الهدوم قاصدا تضييق شواهد مرمانا فتضل كراتهم أهدافها، وإذا هزم فريقنا يتهمنى فريقنا بتحريك الهدوم قاصدا توسيع شواهد مرمانا فيستقبل كرات المنافسين، كنت صامدا وصبورا فكثرت الأورام والتسلخات فى جسدى وانتشرت الرتوق فى هدومى فكثرت حالات الاستعانة بى كحارس مرمى.

الآن ومعى كل هذه الخبرة، أرانى صالحا لقيادة فريق قومى لكرة قدم تعبر انتصاراته الأزقة والحارات والشوارع ويصل بسمعتى إلى العالمية؟.
المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 15 مارس 2011م



Tuesday, March 08, 2011

الخجل من العربية

اللغة العربية هى احدى اللغات الرسمية الست فى الأمم المتحدة، هذه اللغات هى الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والعربية والروسية والصينية، وبرغم ذلك فإن هناك أسبابا تدفع الكثيرين لإهمال استخدام اللغة العربية فى المحافل الدولية، ناهيك عن استخدامها فى الحياة الرسمية من إعلام وتعليم، من بين هذه الأسباب أن الناطقين بالعربية يعانون ضعف عددهم فى إنتاج عناصر الحضارة المعاصرة وتعثر لغتهم عن استيعاب مفردات هذه الحضارة.

تقول الوقائع الإحصائية أن عدد العرب الناطقين بالعربية بمستوياتها المختلفة، من الفصحى إلى مختلف لهجاتها العامية، لا يزيد عن ثلاثمائة مليون نسمة، قيمة إنتاجهم الاقتصادى لا يزيد عن قيمة إنتاج أربعين مليون إنسان هم سكان أسبانيا الدولة الأوربية المتوسطة القوة، ونسبة الأمية فى القراءة والكتابة بين العرب تصل إلى ستين فى المائة، أى أن من يعرفون العربية كلغة تواصل يومى ورسمى لا يزيدون عن مائة وعشرين مليون إنسان، تصل نسبتهم إلى ثلاثة فى المائة من سكان العالم البالغ عددهم ستة مليارات إنسان، وعددهم يماثل أربعين فى المائة من سكان الولايات المتحدة، ويماثل ربع سكان أوربا الموحدة، ويزيد قليلا عن عدد سكان اليابان.

تقول الوقائع الحضارية أن لغتنا العربية المعاصرة عاجزة عن استيعاب الزخم العلمى المصاحب للحضارة الحديثة، فاللغة الدولية المعاصرة هى الإنجليزية يتكلم بها أكثر من أربعمائة مليون نسمة ويدون بها أكثر من خمسه وثمانين بالمائة من كافة العلوم الإنسانية والتطبيقية المعاصرة، فضعف العربية نصنعه نحن أهل العربية، ذلك بأنا نعانى من ضعف الترجمة العلمية فلا نقف جموعنا على أسباب الحضارة ونعانى من ضعف البحث العلمى فلا نشارك فى صنع تلك الحضارة، هكذا لا يبقى للعربية من وجود فاعل غير دور قداسة دينية يؤمن بها المسلمون، والمسلمون عددهم يفوق المليار إنسان، يمثلون سدس سكان العالم، هذه القداسة تبقى اللغة العربية حتى الآن فى مجال التداول بعيدة عن قائمة المتاحف.

والحديث هنا ليست مقصودا به الإشادة باللغات الأجنبية صانعة الحضارة المعاصرة بل يعنى بالتعرف على أسباب ضعف لغتنا العربية وضعف شعوبنا أفرادا وجماعات على صناعة انتماء فاعل للغتنا وسط اللغات الحية المحيطة بنا.

إن استعادة قوة لغتنا قرين بقدرتنا على مشاركتنا الايجابية فى صنع الحياة، نتجاوز دورنا المتواضع فى استهلاك عوادم الحضارة لنلعب دورا فى صنع الحضارة، نضرب فى الأرض تقدما بأسباب العلم ولا نضرب تخلفا بأحلام كسالى يرون لغتهم مقدسة، ذلك بأن الإيمان وحده بقداسة العربية لا يكفل حياة قوية للغتنا، إن تزكية العلم وإقصاء الخرافة هو سبيلنا لاستعادة قوة لغتنا العربية.

 
المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 8 مارس 2011م

Tuesday, March 01, 2011

دكاترة فى النًصب


المجتمعات لا تتقدم على أيدى النصابين، والنصابون فى بلادنا خلق كثير، بعضهم يهدرون مواردنا الاقتصادية، يقيمون شركات توظيف وغسيل أموال، وورش صناعات تحت بير السلم، تسقيع أراضى وشقق وعمارات، يحتالون على الناس والبنوك والحكومة، بعضهم يهدرون مواردنا الاجتماعية، ينشرون إعلانات كاذبة عن كفاءاتهم، فنواجه أطباء يمارسون مهنة الطب سنوات عديدة، يعالجون المرضى بالدجل والتعمية دون أن يكتشف أحد أمرهم، وآخرون يهدرون قيمنا العلمية، يحملون شهادات علمية مشكوك فى صدقها، ويتقدمون لقيادة العملية التعليمية فى المعاهد والجامعات الخاصة، يكرسون الفساد بين طلابنا.

فى هوجة تدليس ونصب، حصل بعض رجال الأعمال من أصحاب المعاهد الخاصة، وفى شهور قليلة على درجات للدكتوراه من دول أجنبية، ونجح بعضهم فى شراء شهادات دكتوراه فخرية، وأصبحوا يطلقون على أنفسهم لقب أستاذ دكتور، إنهم يذرون الرماد فى عيون وزارة التعليم العالى وهى المسئولة نظريا عن المستوى العلمى لهذه المعاهد، هؤلاء المدلسون يستعينون بنسبة ضئيلة من أساتذة الجامعات لتقوم بالتدريس فى معاهدهم، وتبقى الغالبية تضم غير الأكفاء من المحاسيب والأقارب.

الحقيقة التى يعرفها كثير من المسئولين عن هؤلاء المدلسين، أن قدراتهم الذهنية والشخصية جعلتهم يتعثرون سنوات فى دراستهم المتوسطة والجامعية، وحين تضخمت إمكاناتهم المالية وتعاظمت رغباتهم فى السلطة، اشتروا شهادات علمية من دكاكين فى دول أجنبية تحترف صبغ جلود المرضى بشهادات مضروبة، وأصبح المدلسون يغمرون الصحف بالإعلانات، يهنئون أنفسهم بالحصول على شهاداتهم المضروبة ضعفا وجهلا، ويدفعون لبعض المسئولين من الرشاوى ما يكفى لأن يصمت الجميع على هذا الإفساد المتعمد لنظام التعليم فى مصر.

إن كل لقب يلزم صاحبه بحمل صفات موضوعية محددة ومعلنة، صفات علمية وأخلاقية، وأجهزة الدولة تعرف الشهادات الأصيلة من المزورة, وتعرف مئات الدكاكين فى كل الدول تعطى كل أنواع الشهادات لكل من يدفع، وتعرف طرقا علمية تسيطر بها على المساحات الإعلانية فى الصحف ضمانا لشرعية الإعلان وصدق بياناته.

 
لمواجهة أصحاب الشهادات المزورة، يجب أن يكون لدينا أجهزة حكومية للكشف عن صدق الشهادات العلمية، وان يساند هذه الأجهزة وعى شعبى يرفض الفساد، أجهزة مهمتهما الكشف عن صلاحية صكوك الشهادات واستيفائها لشروط اللجان العلمية، ومهمتها إجراء كشوف شخصية على أصحاب الشهادات يتم بموجبها إجراء مواجهات علمية وأخلاقية مع متخصصين للكشف عن المدلسين، فلم يعد مبررا أن نطلق لقب العالمة باشا على كل راقصة، ولقب أستاذ دكتور عميد المعهد على كل من يملك بعض الغرف للدروس الخصوصية، ويحمل شهادات ممهورة بخاتم دول أجنبية ولا تعبر به حد الأمية الثقافية والأخلاقية.

 
المقال نشر فى جريدة نهضة مصر- الثلاثاء الأول من مارس 2011م

Tuesday, February 22, 2011

منهج التقدم الثورى

أخيرا، وبعد جهد وتضحيات كثيرة، وصلنا نحن المصريين إلى جسر ثورة 25 يناير2011م، ولأن طبيعة التغير الحضارى يتأثر بظروف العصر فنحن بحاجة إلى تزكية منهج ثورى لازم لإحداث تغيير حاسم لصالح تقدمنا المأمول.
لا أحد يكره التغيير، لكن قليلا من الناس هو القادر على التغيير العبقرى، الأزواج يمارسون تدريبات يومية فى الطلاق والخلع، قليل منهم هو القادر على فعلة الزواج من جديد، الأولاد والبنات يتشاكسون على النواصى ومفارق الطرق ويرقصون على حواف العقوق والبر مع الأبوين والأهل والجيران، قليل منهم هو القادر على فعلة الاستقلال الذاتى، معظم الفقراء يسبون الأغنياء وكثير من الأغنياء يتآمرون على الفقراء، قليل هو القادر على أن ينتقل طبقيا بين الفريقين دون ضجيج.
لا أحد من الأسوياء يكره التغيير، لكن قليلا هو الذى يسعى لأن يكون التغيير ثوريا ناضجا يضيف وقائع وأحلاما للتحضر الإنسانى، الثوريون السذج يرفضون تغيير ثوابتهم، إنهم يصنعون الثورة على أعينهم ويجعلون من أحداثها أصناما للتسبيح وخناجر لوصم الآخرين بالعداء، فعل التغيير لدى الثوريين السذج يتوقف عند لحظة فى الزمن، يحملون فيها شعارات تجرى على لسان قائدهم الأوحد وزعيمهم الملهم، يفدونه بالروح حين يسلبهم روح المبادرة تكريسا لفرديته، ويفدونه بالدم حين يمتص دمائهم تكريسا لخلوده، هكذا أصبحنا نحن المصريين طوال تسعة وخمسين عاما منذ ثورة التغيير فى 23 يوليو 1952م، تحكمنا نظم شمولية غير ديمقراطية، تملك السلطة المعلنة من خلال حكم الحزب الواحد، أو تملك المعارضة المحظورة متمثلة فى تيار المحافظين مثل الإخوان المسلمون والمسيحيون وتيار اليسار مثل الشيوعيون والناصريون، وأفرغ الجميل أنشطتهم الحزبية من كل فضل.
كان مأمولا أن يصبح التعليم للمصريين كالماء والهواء ضرورة وطموحا لكنه تحول إلى تعليم آسن وملوث، كان مأمولا أن يتحرر الاقتصاد المصرى من عناصر الضعف لكنه أصبح اقتصادا تابعا تحكمه قواعد احتكار بغيض وعولمة غاشمة، وكان مأمولا أن يعيش المصريون فى ظل نظام حكم ديمقراطى لكنه أصبح نظام حكم يعتمد حزمة من عيوب كل النظم، انه نظام ديمقراطى من غير أحزاب، ودينى من غير شرائع، وملكى من غير وراثة، وعشائرى من غير ولاء، هكذا فقدنا نحن المصريين بوصلة الطريق إلى مشروع قومى فى العلم والثقافة والاقتصاد، وتحولنا إلى مجتمع ممتلئ بالثقوب ينسحب من الحضارة، وكان لابد من قيام ثورة مصرية جديدة.
مع ثورة 25 يناير الجديدة، نحن الآن فى حاجة إلى إقصاء منهج الفكر الشمولى من حياتنا والاتجاه نحو منهج الليبرالية الفكرية قاصدين بناء دولة مدنية حديثة، تصنع الحرية والعدالة والكرامة لكل المصريين.
المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 22 فبراير2011م

Sunday, February 20, 2011

عن الدولة المدنية

فى هذه الأيام، أيام ثورة التغيير، يدور الحديث عن نظرية الدولة المدنية، وأول الخيط فى هذا الموضوع هو الإنسان الفرد باعتباره الوحدة الأولية للجماعة السياسية، والإنسان الفرد يتناول صراعه مع الحياة فى دوائر زمنية ثلاث تتداخل فيما بينها، دائرة ماضى يعرف بعضا عنه بالنبش فى ذاكرة احتمالية يطغى عليها الحدس الإيماني، ودائرة حاضر يعيشه بحواس تطغى عليها المعرفة العلمية، ودائرة مستقبل يصنعه بأحلام يطغى عليها الحدس الإيماني مرة أخرى، ولفهم السلوك السياسى للإنسان يلزم التفرقة بين الإيمان والعلم.

الإيمان منهج ذاتى فردى لتفسير العالم يعتمد على الحدس والأحلام والمصادرات العقلية، فالإيمان بأن البشر قد خلقوا من نطفة حصان يلزم تفسير الوجود البشرى بناء على مصادرة وجود هذا الحصان، والإيمان بأن آدم أبو البشر يلزم تفسير الوجود البشرى بناء على مصادرة وجود آدم، هكذا تتعدد التفسيرات بتعدد المصادرات ويبقى الإيمان كمنهج فردى صالحا فى نظر المؤمنين لتفسير الأحداث فى الماضى والحاضر والمستقبل، هذه الصلاحية مستمرة بقدر ما يحققه الإيمان من مصالح فردية للفرد المؤمن.


العلم منهج موضوعى جماعى للمعرفة يعتمد على البديهيات العقلية والحواس الغريزية فى تفسير وفهم العالم، تتساوى عنده الفروض مع المصادرات ويقبل مناقشة الجميع، العلم منهج يسمح للفرد البشرى بتخزين المعرفة ونقلها إلى غيره من البشر متجاوزا إمكانيات الأفراد الخاصة والمتباينة بسبب حياتهم فى موطن جغرافى بذاته أو قبيلة اجتماعية بعينها، هكذا يبقى العلم كمنهج جماعى هو المنهج الأكثر ديمقراطية لتفسير كل من الماضى والحاضر واستشراف المستقبل.


لأن الإيمان منهج ذاتى فردى فهو لا يقبل الاعتراف بمنهج الآخر فى المعرفة حتى ولو قبل فكرة التصالح إلى حين مع ذلك الآخر، فكل دين هو منهج إيمانى ناسخ لغيره من الأديان، هكذا لا يمكن تعميم المصادرات الدينية كمصدر وحيد لمعرفة الحياة والتعامل معها، ويبقى المنهج العلمى منهج معرفة موضوعية تصل إلى الجماعات المتباينة ثقافيا، ويعترف بوجود مناهج أخرى محتمله للبحث عن المعرفة.


فى العصر الحاضر يعيش البشر فى كيانات سياسية يتعاظم حجمها من أسرة إلى عائلة إلى قبيلة إلى الدولة، احدى النظريات لتفسير وجود الدولة هى نظرية العقد الاجتماعي، ويرى أصحابها أن الدولة كائن مستقل اجرى عقدا مع الجماعات المكونة له على ضمان الحريات وتأصيل الحدود بين الحقوق والواجبات على أساس قانونى من الأهلية والكفاءة، هذا العقد يوضع فى دستور فوقى ثابت تنبع منه كافة القوانين التى تقود النسق المعرفى العام للجماعات المكونة للدولة، هذه النظرية تفترض الكفاءة والأهلية لتحمل مسئولية العمل بالدستور.


هناك نظرية أخرى تفسر سبب وجود الدولة، وترى أن حب الإنسان الحياة هو الأساس لوجود الأشكال المتباينة من صور الجماعات البشرية، هذه النظرية تراعى حركة الجدل البشرى مع الحياة باعتباره أخذا وعطاء، وترى أن دستور الدولة عمل وضعى يمكن تعديله كلما أقبلت المجموعات على أمر جديد, نظرية حب الحياة هذه لا تقيم وزنا للفصل التعسفى بين حرية الجماعة وبين حرية الفرد، وترى أن جدل الإنسان هو الذى يضع حد التوازن بين البشر، هذا الجدل قائم على محصلات قوى ليست بالضرورة متصارعة، وعليه يصبح هناك جدل ديمقراطى بين الشمول الفكرى تمارسه الجماعة الغالبة وبين التكلس الفكرى تمارسه الأقلية.


الآن فروض التقدم فى البيئة الحضارى للجماعة السياسية، تتطلب وجود دولة مدنية لها دستور يفصل بين أديان الجماعات والطوائف وبين سلطات الدولة، حيث يكون للمواطنين حريات الانتقال والاعتقاد والعمل فى دولتهم، ويكون للدولة سلطات مدنية على مواطنيها تنسق بين حرياتهم على أسس من العدل والمساواة، دون تمييز بسبب لغة أو ثقافة أو دين أو جنس.

المقال نشر فى جريدة الوفد السبت 19 فبراير 2011م

Sunday, February 06, 2011

الانتفاضة والمثقفون

طمعا فى شحذ الهمم نحو التغيير الحضارى، يرى البعض أن المثقفين قوم يكتبون ويتكلمون عن التغيير دون قدرة على أحداث هذا التغيير، وأن عدم قدرتهم على التغيير هى المسئولة عن انتشار الفساد المجتمعى، هكذا يخلط بعض القراء بين إمكانية المثقف وبين طبيعة الدور المطلوب منه.


إمكانات المثقف تتوقف على ما يملكه من قدرات تصنع منه مثقفا، من هذه القدرات الانتماء، والمعلومات، والوعى، والرغبة فى الحياة الكريمة، ونتيجة لإرادة فردية لدى فرد بذاته تظهر هذه الإمكانات وتزكيها ظروف اجتماعية فتصنع منه مثقفا، ويتبقى أن الدور الفاعل للمثقف فى المجتمع قرين بطبيعة وجوده فى هذا المجتمع.

هناك مجتمعات حضارية تحكمها نظم ديمقراطية تعتمد العلم والكفاءة سبيلا للتطور، وترى أن المثقفين مواطنون يحملون فكرا وأراء يضعها المجتمع محل البحث والاختبار وتنفيذ ما يصلح منها، وهناك مجتمعات إقطاعية قبلية تعتمد على العصبية سبيلا للبقاء، وتحكمها نظم ديكتاتورية، ترى المثقفين مجرد أبواق يقتصر دورها على الإشادة بالنظام دون أن يكون لها حق التفكير أو النقد، ونحن فى بلادنا العربية نعيش مجتمعات إقطاعية قبلية لا ترى للكتاب والمثقفين غير مكانين فقط، إما المعية مع السلطان أو العزل والاعتزال عن المجتمع.



فى المجتمعات المتحضرة يقتصر دور المثقفين على إجادة صناعة التفكير وعرض الأفكار الإبداعية فى مقالات أو أبحاث، إنهم ليسوا أطباء ليصلحوا أمور الصحة، وليسوا مطربين ليصلحوا أمور الغناء، إنهم جنود فى مجال الثقافة والفكر يبذلون جهدهم قدر الاستطاعة، وفى المجتمعات المتخلفة تهتم قيادات المجتمع بتحجيم وكسر الشوكة الفكرية للمثقفين، وتسمح بالقيادة لأصحاب القوة المادية والسلطان الغاشم.

 يقول علماء الإحصاء، أن سلوك الظواهر الطبيعية كثيرة الحدوث يميل إلى شكل جرس متوازن حول مركزه، على طرف الجرس حوالى عشرة فى المائة من العباقرة يجرون الجرس فى اتجاه ايجابى، وعلى الطرف المقابل من الجرس يسكن حوالى عشرة فى المائة من المجانين يجرون الجرس فى اتجاه سلبى، هكذا فى المجتمع البشرى يوجد حوالى عشرة فى المائة من الأفراد تسعى للبناء يقابلها عشرة فى المائة تسعى للفساد، والمثقفون مع اختلاف وتعارض توجهاتهم يقعون اجتماعيا عند هذه الأطراف، ويبقى قطاع الثمانين بالمائة من المجتمع يمثلون الغالبية الصامتة تشغلهم أمور حياتهم، يشاركون بالصمت فى تناول الهم العام ويقود خطاهم أصحاب القوة من تنظيمات وأحزاب علنية أو سرية.

 هكذا تتوقف طبيعة التغيير الاجتماعى، من حيث الصعود للتحضر أو الهروب نحو التخلف، على ذلك القدر المتاح من الديمقراطية لكل فصائل المجتمع وطبقاته، ذلك بأن الديمقراطية هى أفضل الأنظمة لصنع التقدم.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الأحد 6 فبراير 2011م

Tuesday, January 25, 2011

فى انتظار التغيير


على هوامش ما جرى فى تونس من تغيير سياسى، يرى بعض المراقبين أن مصر تعيش مخاض تغيير مماثل، حججهم فى أن عوامل صناعة التغيير الأساسية تحاصر المصريين، إنها الجوع الاقتصادى وفقر الأداء السياسى وتآكل المواطنة، لكن القراءة الموضوعية للواقع تصل بنا إلى أن التغيير السياسى المصرى صعب المنال.

فى مقابل الجوع الاقتصادى يوجد فى مصر نسيج اجتماعى غير متجانس لا يقوى على التمازج، فالطبقات الاقتصادية المصرية غير متواصلة اجتماعيا تعيش منعزلة، إنها طبقة ثرية مرفهة يقل حجمها عن عشرة المائة، وطبقة عريضة تصل إلى أربعين فى المائة من السكان تعيش دون خط الفقر الاقتصادى، ويبقى طبقة ثالثة تستهلكها المحافظة على حد معقول من الحياة، هذا الوضع الطبقى الاقتصادى الاجتماعى السيئ جعل المصريين يعيشون حول خط الفقر الثقافى، يتناولون الماضى بقداسة ترفض الفهم، ويواجهون المستقبل بأحلام لا تصمد مع متطلبات التحضر، وجعل من مصر كائنا اجتماعيا لا يقوى على جماعية التغيير.

فى مقابل فقر الأداء السياسى المصرى، المتمثل فى ضعف المنهج من حيث انعدام المشروع القومى، وضعف الأدوات من حيث الأطر الحاكمة للنشاط السياسى للأفراد والجماعات، تحمل الغالبية من النخب المصرية شتاتا فكريا وثقافيا يدخلها فى أطر مغلقة تحول بينها وبين جماعية المشاركة السياسية، هكذا تعيش النخب المصرية فى جزر منعزلة لا تبشر بالقدرة على جماعية التغيير.

فى مقابل تآكل قضية المواطنة تتصارع آليات الانتماء بين أصحاب حزم فكرية متناقضة، فمن داخل مصر تعيش الجماهير وعيا سياسيا منقوصا يفتت الانتماء، ومن خارج مصر تتطاير أفكار متناقضة عن الانتماء بين أقباط مهجر يضيقون الخناق على أهل مصر كى يعيشوا فى تاريخ مضى، وبين إخوان بترول يلغون وجود مصر فى تاريخ معاصر، وبين عبيد يأكلهم الفقر الاقتصادى تدميهم أسلاك الكفالة والنخاسة والعمل خارج الوطن، هذه الحزم الفكرية تمارس التمييز الدينى والطائفى، يدعون أنهم المندوبون وحدهم عن السماء وأنهم وحدهم الناطقون بالحق، يرون المؤمن بهم نصف مقدس والكافر بهم مشروع قربان للآلهة، إنهم لا يعترفون لغيرهم بحق المواطنة بل يرونه تابع يستحق النفى، هكذا يضيع الانتماء بين الطوائف ولا يقدرون على جماعية التغيير.

واقعنا الآن أننا مصريون نعانى تخلفا حضاريا مريرا، لن ينقذنا منه إتباع دين مغلق يستبعد الآخر أو ممارسة ديمقراطية مزيفة تنفى وجود ذلك الأخر، فالدين المغلق إغفال عن الحق فى المعرفة الموضوعية، والديمقراطية المزيفة لعبة أقوياء لا يرحمون ضعيفا، إنقاذنا لن يأتينا إلا بالعلم وحب الحياة، فالعلم يكشف لنا طريق الحلول الموضوعية، والحب يبرر تضحياتنا فى تحقيق هذه الحلول.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 25 يناير 2011م

د. ياسر العدل

Tuesday, January 18, 2011

مفردات فكرية -1



• شكوت للطبيب تعبى وهوانى على الأطباء، فقال لى: اختصر، هو أنا ناقص مرض؟.

 

• كان لصا وقاتلا يخوض فى الأعراض، فقررت قريتنا قتله، بعد أن عاد من سفرة إلى الديار المقدسة أهدى لكبير قريتنا زجاجة ماء ومسبحة، فقررت قريتنا قتل رجل آخر.




• هناك فرق بين مخ الرجل ومخ المرأة، الحمد لله أنا أملك المخيين، حين أكون ماشى عدل يحتار عدوى فى، ويكون مخى مخ راجل، وحين أكون ماشى فى الخباثة يحتار صديقى فى، ويكون مخى مخ امرأة.




• معظم البشر يؤمنون بالإيمان بالله، إنهم لا يؤمنون بالله مباشرة، إنهم يؤمنون بالله عبر إيمان بأنبياء ورسل وكتب ومعجزات، إنهم يؤمنون بمطلق عبر إيمان بمطلق، ولما كان الإيمان ملزما بعبادات موضوعية ليس من بينها فعلة الإيمان، لذلك قل المتدينون وكثر تجار الدين.




• لا توجد علاقة علمية تربط بين الدين والجمال، فالفقراء والمرضى والمتعبين تعدهم الأديان بدخول ملكوت السموات، أما ملكات الجمال فعادة يدخلن ملكوت الرجال المحظوظين.




• فى كل يوم من عمرى، تجف دمعة، وتتفتح ابتسامة، ويولد إنسان، هكذا لو طال بى العمر لوسعت محبتى كل شيء.




• لو أننا فعلنا أشياءنا بحب، لفعلناها بأدب، ولأصبحت سيرتنا الذاتية آيات من الأدب الراقى.


• صباح اليوم رأيت سيارة عميد الكلية، وفراش رئيس الجامعة، وصورة ابن خالة جارنا يصافح رجل أمن، وواحد لا أعرفه يحمل صورة لممثلة فاتنة، يا رب: لماذا كل هذا الاضطهاد؟.




• صديقى يؤمن بأنى عصامى من أهل الجنة، وحين سألنى عن طلباتى فى الآخرة قلت: إصلاح البوتاجاز، ومرهم أجنبى لتدليك الركبة، وكيلو كباب من لحم الماعز الجبلى، وصندوق بيرة خالية الكحل، وريهام وسحر وشيماء، وأن تفتح كل قنوات الدش الأوربى مجانا.




• لماذا لا يتخلى العرب عن فرقتهم، ويختارونى رسول العناية الحضارية إليهم؟ دعهم يجربون فلن يخسروا شيئا، أنا الذى سأخسر بهائى.

 

• لدخول الخلاء فقه، ولسماع الموسيقى فقه، ولركوب المصعد فقه، فهل هناك فقه يرعى المصالح المرسلة لأمه تعيش هذا العصر؟.
• انتهى موسم القبلات والأحضان بين عنصرى الأمة، وخلا كل إلى سبيل، متى يبدأ العمل من أجل دولة مدنية؟ تضم الجميع مواطنين فى وطن واحد، وتحمى وجود المتطرفين من كلا الطرفين.
• ليس مطلوبا أن تستمر الحياة بدوننا، المطلوب أن نستمر نحن فى حب الحياة فنساعد الحياة على أن تكون فينا.
• وعهد الله بحبك، صدقينى يا رب تموتى..
 • باقى من الرصيد، ثلاث ابتسامات، وضحكتان، وعدد كاف من الملامح الباردة.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 18 يناير 2011م

Tuesday, January 11, 2011

إلى نواب الشعب

الأخوة أعضاء مجلس شعبنا المصرى الموقر، كان من المحتمل أن أكون عضوا بينكم، فهذا حقى الدستورى وأنا مصرى اعرف كثيرا من الآم المصريين ومعاناتهم، لكن لعبة صندوق الانتخابات جعلتنى لم اشترك فى انتخاب واحد منكم بصفة شخصية، وأصبحت فى موقع مواطن يقدم لكم النصيحة بعين ويقيم سلوككم بعين ثانية.



الأخوة أعضاء المجلس، يوم استلمتم عضوية المجلس أقسمتم على رعاية مصالح كل المصريين، هكذا أصبحتم نواب التشريع لمستقبل كل المصريين، نتوقع فيكم أكثر من أربعمائة فرد من ذوى الجنسية المصرية، لم تتهربوا من الخدمة العسكرية، تكسبون رزقكم من حلال وتنفقون ما تكسبون فى الحلال، لديكم قلوب تعقلون بها مشاكل التقدم على أرض مصر، تنتظرون عيون حق ترى أعمالكم، وتحتاجون قلوب رحمة تعقل أقوالكم.

أحبائى أعضاء المجلس، الناس فى بلادنا بسطاء، يملكون عيون حق وقلوب رحمة، ويملكون أذانا وألسنة ولا يبغونها عوجا، يتراصون فى دواوين الحكومة والبيوت وقاعات الهتاف وطوابير المستهلكين، يكرهون عجين الكلام الممزوج بالقهر والاستخفاف، ويبادلون سلطة القهر نفاقا بنفاق، يذكرون فى العلن أمام شاشات العرض العام صلاحية الشأن العام وأن ولاة الأمور طيبون، ولكنهم يميلون فى السر، داخل البيوت ومجالس النميمة، إلى فضح الشأن العام والإمساك بوقائع الفساد، والعيب فى عدم الشفافية.

فى جلسات الاغتياب والتصالح، يقول حاسد أن هذا الرجل ظل يبحث طول العمر عن فرصة، وحين أمسك بأول كرسى فى السلطة طبخ الطبخة لأولاده ولبعض الجيران، الغشيم فيهم أصبح حكيما والأهطل فيهم أصبح ثريا، ويقول منافق أن أهل الحل والربط تأكدوا أن ذاك الرجل غير مثقف ومع ذلك اختاروه مسئولا عن كل ثقافة، ويقسم أحد الكاذبين أن كل المناصب تعرض على شخصه لكنه يأبى أن يشغل منصبا لا يريده، وينهى رجل واع جلسة الاغتياب والتصالح بأن المناصب كثيرة لكن الشحاذين أكثر.

أحبائى أعضاء المجلس، نحن نعيش وقائع إسهال بعض الطامعين فى حكم مصر، إنهم يمسكون بطونهم طمعا فى استمرار مناصبهم، ويعشقون الموت على خوازيق كل مؤامرة، هكذا تنتشر فى بلادنا ساحات غيبة يلوك الناس فيها سيرة الطامعين، يرونهم موظفين أقمارا تكسف قدراتهم المتواضعة شمس كل كفاءة، وتتناثر بين الجميع حكايات ونوادر.

نوابنا فى مجلس الشعب، الناس فى بلادنا تحب الحياة وتسعى وراء لقمة العيش، تعرف أن الفساد يتعاظم على سلم من يطلبون القيادة أو النيابة من غير قدرة، ونحن المصريون بحاجة للخير، هكذا أمامكم عمل كثير وشاق، فكونوا عونا لنا على صنع التقدم فى دولة مدنية متحضرة.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 11 يناير 2011م

Wednesday, January 05, 2011

عشش الدبابير




مشاكلى مع الزوجة والأولاد وبعض الجيران تقليدية، كثيرها تافه وبعضها فاضح، ليس لكونى مواطنا منذ دهور وأنا لا أشارك فى مهازل الانتخابات، وليس لأنى رجل بلغت من الكبر ما يكفى لأن أكون غير قادر على الهش أو النش، الصحيح أن معظم هذه الخلافات تنشأ بسب قرفى الشديد من أحوال جامعاتنا المصرية، ذلك بأنى أعرف وقائع مخجلة ثقافيا وحضاريا تدور فى جامعاتنا، وأمارس شهوة الصياح على رؤوس الأشهاد بأننا ننهار حضاريا، أساس هذه المشاكل أنى مشارك فى بعض هذه الوقائع بقيمى وتعليمى وسلوكى، وأنى قصير ذات اليد فى صنع قرار رفت الكثير جدا من أعضاء هيئة التدريس والقيادات الحالية فى جامعاتنا.


الكشف عن الفساد فى الكليات الجامعية يحتاج لكلام الآف الألسنة ونبض مئات القلوب القوية كى ترفع عن التعليم الجامعى سطوة الدبابير، فكثير من الأساتذة يصرون على توريث أبنائهم مهنة الأستاذية فى الجامعة، بغض النظر عن قدرات أبنائهم الحقيقية، والأداء غير العلمى لإدارة الكليات الجامعية لا يسد فجوة التفرقة الفاسدة بين طلاب الدراسات العليا، حيث يجرى تقسيمهم إلى طبقتين، أولاد الحرة وأبناء الجارية، هكذا يتم منح درجات علمية فى مدد وجيزة لبعض الطلاب لمجرد أنهم أبناء أو معارف لأعضاء هيئة التدريس، بينما يبقى الكثير من أقرانهم سنوات طويلة يطحنون فى الهواء دون تقدم علمى أو اجتماعى.


الدبابير فى جامعاتنا الحكومية، تعرف أن القانون يسمح لأى طالب بأن يحصل على شهادتى الماجستير والدكتوراه خلال خمس سنوات، لكنها دبابير تطبق القانون فقط على بعض المتفوقين من الطلاب وتترك البقية سنوات طويلة دون تقدم علمى ودون ذنب يقترفونه، وحجج الدبابير أن بعض الطلاب فى حاجة لأن يجيدوا فن التعامل مع نقاط ضعف أساتذتهم، يداعبونهم ببعض الهدايا المعنوية، ويشيدون بسمعتهم أمام دافعى الهبات والمكافئات وعوائد الاستشارات، وأن يتصرف الطلاب قبل مولدهم فيختارون وظيفة آبائهم، وأن يشبّوا على استثمار منافع الوضع الاجتماعى لأزواجهم، ابن الباشا باشا وأبناء الآخرين لا جدوى من كفاحهم، هكذا فعل الدبابير فى كثير من طلاب الدراسات العليا، يخفون فسادهم بالاعتماد على أناس من المعوزين والمرضى يتولون مهمة تنفيذ القوانين، فيتحول تنفيذ القانون من محاولة تحقيق العدالة إلى تستر على الاغتصاب وضياع الحقوق.


إن هناك كثيرا من وقائع الفساد فى جامعاتنا لا يتمكن المتابعين لها عن جمع الأدلة القانونية لإثباتها، لكن العقلاء يرون قرائن تشير إلى مطابخ فساد تتناثر أخبارها فى الغرف المغلقة وعشش الدبابير، ويبقى على الغيورين على مستقبل هذا الوطن أن يقاوموا الفساد مهما تعرضوا لشبهات نشر الغسيل الوسخ.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 4 يناير 2011م