Sunday, October 26, 2008

النشاط الثقافى فى الجامعات

جامعاتنا ينقصها الكثير لتفعيل دورها فى التنوير الثقافى، بعض القائمين على أمور الندوات الثقافية فى الجامعات يحبسوا تعاملاتهم عند مستوى متواضع ترسمه السلطة فى مجتمع مغلق، يحصرون دعواتهم على محاضرين من ذوى اتجاهات لا تمارس الاختلاف مع المنهج الثقافى القائم على الولاء الإدارى والسياسى للسلطة.

فى المجتمعات المغلقة، تتكالب القيادات الاجتماعية والإدارية على تحقيق مكاسبها الشخصية، تحاول أن تخفى معالم سطوتها، تنشر بين الناس تعريفات متباينة للمحرّمات، وينحشر وعىُ الجميع داخل أسوار من القداسة المزيّفة، وتتحول الجامعات إلى مدرّجات وقاعات بحث خاوية من حرية الرأى وجدل الثقافة، لا يشارك فى قاعات الثقافة العلنية غير بشر داجنين يحصلون على موافقة رجال الأمن والشرطة.

كثيرا ما يمنع مثقفون وفنانون من دخول مدرجات الجامعة فى ندوات ثقافية، رغم انهم يقعون خارج الجامعة فى مصاف نجوم تدعمهم وسائل الإعلام الحكومية وأدوات الرقابة الفنية، وهنا يثار تناقض وتطرح أسئلة، فهل الجامعة فى بلادنا مستقلة فى توجهاتها بعيدة عن كثير من أوامر السلطة؟ تدرج فى مخططاتها ندوات مفتوحة لكل طلاب المعرفة من كل التيارات، تمارس دورها فى تزكية الوعى لدى أفراد المجتمع، تجعل من مدرجاتها وقاعاتها منابر لمناقشة كل الآراء والأفكار، أم أن الجامعة فى بلادنا مجرد جهاز إدارى لا يملك حرية التفكير أو الإرادة؟ يحصر مهمته فى لصق بعض العبارات على عقول الطلاب، يفتح مدرجاته لمن يحملون أختام وتوصيات سلطات إدارية تفرض الوصاية على عقول طلاب المعرفة.

الإجابة على تلك الأسئلة يفرضها واقع متخلف يتم به تناول العمل الثقافى فى جامعاتنا، المسئولون عن إعداد الندوات الثقافية موظفون يخططون لأعمالهم بناء على معايير إدارية بحتة، يسعون معظم الوقت لتسديد خانات الولاء لقياداتهم، على أيديهم ورقابهم يدخل مدرجات الجامعة ذلك المثقف والفنان الذى يصنعه إعلام السلطة. النشاط الثقافى فى جامعاتنا بحاجة إلى إعادة صياغة، وأول مراحل الصياغة أن يقوم على راس القيادات الثقافية بالجامعات أناس مثقفون فنانون من بين أهل الجامعة، ذلك بأن كثيرا من طلاب الجامعات ينشدون حرية الرأى وموضوعية المعرفة، يحيون الفنان والمثقف المبدع الذى يخط على لحم عقول الناس وعيا موضوعيا يفسر واقع حياتنا المعاش.

Saturday, October 25, 2008

فلوسنا الورق

نذهب للبنوك بحثا عن النفقة والمعاش والمناقصات والمزايدات والوظائف والأخذ بالثأر، والفرجة على الناس محشورة فى الطوابير، ونحسب إمارات الهدوء على وجه صرافين لا تتحرك فيهم شعرة سعادة من آلاف النقود المرصوصة حولهم، نذهب حاملين جثثا لعملات ورقية نائمة متهالكة أسقمها التضخم الاقتصادى، تتسرب قليلة القيمة لاهثة بين أيدى الناس، يهينوها بعرقهم وكتاباتهم وإعلاناتهم السقيمة، نذهب لاستبدال جثث عملاتنا الورقية بعملات جديدة صاحية متماسكة ننفق منها على الموالد والأعياد واستجلاب الرحمات، وحبك خطط التآمر.

لأننى لم أعش زمن الهناء والمقايضة فى عصر الجنيه الجبس، حيث أقة اللحم بقرش ومهر العروسة ريال، وأعيش فى زمن النقود الورق، أضطر للوقوف فى صالة البنك لاستلام مرتبى الشهرى، أنحشر فى طابور طويل وينحشر فمى بالكلام فأتعاطى النميمة والنكات مع المطبورين أمثالى ونشرع فى صياغة عشرات من الحلول والتعاويذ والزيجات الطارئة، ومن حميمية الطابور أستجمع شجاعتى، فأظهر امتعاضى لصراف البنك لما يفعله تشويها لعملتنا الورقية، فيتكالب المطبورون على إظهار امتعاضهم منى توددا وملاطفة لجناب الصراف، وحين يفيق الصراف لفعلنا يبدى امتعاضه منا جميعا ويستمر غير عابئ فى كتابة أرقام وإمضاءات وتوصيات إدارية على أوراق عملتنا ويجبرنا على قبول التعامل معها.

لدينا أنواع من الفساد تعود بالضعف على عملتنا، وأول الفساد تلاقيه عملاتنا الورقية فى شبابيك الصرف بالبنوك، حيث لجان حصر النقود والمدراء والسعاه يشوهون عملاتنا بكتابة الأرقام والإمضاءات والتوصيات على جسدها الضعيف، ويكمل الجمهور بقية الإفساد، هكذا تسير عملاتنا بين المستهلكين حاملة مزيدا من فضائح اقتصادية بقلة القيمة، وفضائح جمالية بتشويه منظرها، وفضائح اجتماعية برسائل الحب والزواج والطهور والتعازى والذكرى، هذا الإفساد المتعمد جهلا من الناس وضعفا فى سياسات الحكومة النقدية، يتنحى فى خجل حين يتعامل نفس الأشخاص مع العملات الأجنبية فتبقى هى وحدها العملات الصاحية والنظيفة.
برغم وجود طرق اقتصادية وعلمية تقلل من سرعة دوران العملات وتجعلها تنام فى أيدى الجمهور موثوقا فى قوتها الشرائية، وبرغم وجود آلات حديثة متخصصة فى عد النقود غير أصابع وأقلام الصرافين، إلا أننا بحاجة لقانون حاسم يلزم البنوك أن تستبدل العملات المشوهة بعملات جديدة صاحية ويحظر على الجميع إساءة تداول عملاتنا، ونحن بحاجة إلى إعلام قوى يرسخ فى قلوب الناس وأذهانهم بأن عملاتنا هى إحدى رموز الوطن مثل العلم والحدود والنيل، عليهم أن يرفضوا التعامل مع حالتها المريضة، إنها رموز واجبة الاحترام.

Sunday, October 19, 2008

إغتيال الوطن

الوطن الإنسانى وجود حى يمتزج فيه البشر بالانتماء مع مكان بعينه وزمان فى حينه، هكذا فى الوطن الضعيف تدب على الأرض أجساد بشر بلا هوية، وتستطيل المسافات فارقة بين نصوص القوانين وبين روح العدالة، ويعيش الناس حياة تفح بالوضاعة، ويتكالب القهر دافعا الجميع لإدمان للرقص جنونا على حافة الانتحار.

فى الوطن الضعيف، تبدو على السطح صور لحكومة تبدو كأنها حكومة، يسعى المواطن زحفا بين أجهزتها العلنية قاصدا لملمة حقوقه المهدرة، يصعر خده لموظفين تدب فيهم حياة كالحة، يمارسون الرشوة ويغتصبون حق الضعيف ويتملقون سلطة القوى وتتعاظم قدراتهم قاصدين أن تحل هيئتهم بالقداسة فى وجدان الضعفاء.

فى الوطن الضعيف، تولد فى الظلام عشرات من الحكومات السرية يديرها موظفون لحسابهم الخاص، ينشرون الفساد ويقتلون حقوق المواطنة، يصنعون بفسادهم قدرة إنجاز فاعلة لكثير من خدمات المواطنين، فيدفعون المواطن صاغرا ليدبدب الأرض من قلة حيلة، يقدم فروض الرشوة والولاء لأصحاب السلطة السرية، قاصدا أن يتحول من عبد مهان لا تقضى حاجاته فى ظلمة الحكومة العلنية إلى سيد مهيب يشترى حقوق الآخرين فى نور الحكومات السرية.

فى الوطن الضعيف عوامل نفسية وإعلامية وإدارية تصنع الحكومات السرية، عامل نفسى يرجع إلى الاضطهاد تمارسه الحكومة العلنية ضد المواطنين، ويندفع الجميع لأن يحتموا خلف ميراثهم من الجبن والصمت، يمارسون لعبة الهروب بغير ثورة تاركين قدراتهم بعيدا عن مواجهة الفساد، وسبب إعلامى، يرجع إلى تكريس وجود بطل خرافى يحقق طموحات الناس بالخروج على كل ما هو منطقى وإنسانى، ويضغط بمعجزاته المصطنعة على وجدان الضعفاء من الناس، أما السبب الإدارى، يرجع إلى ضعف نظام المعلومات، فيخلط المواطنون بين مهام السلطات الأساسية فى المجتمع من تشريعية وتنفيذية وقضائية، وتختلط عليهم معالم الطرق الشرعية لتلبية حاجاتهم.

فى الوطن القوى توجد الحكومات العلنية القوية، تقهر بأنظمتها العلمية والثقافية وقائع الفساد بعيدا عن مواطنيها، تعمل فى بيئة من حرية الفكر وديمقراطية المعرفة، فحرية الفكر بما تعنيه من رفع القداسة عن كل فاسد تكفل للمواطن الحر أن يفسر أسباب قهر الوطن، وديمقراطية المعرفة بما تعنيه من التعامل الموضوعى مع كل فاسد، تكفل للوطن القوى أن يرفع القهر عن مواطنيه، هكذا فى الوطن القوى يبتعد الجميع عن اغتيال الوطن.
المقال نشر فى جريدة العربى الناصرى - الأحد 19 اكتوير 2008م

Wednesday, October 15, 2008

فقهاء السلطان الجائر

فى كل يوم يتلقى المسلمون مئات من فتاوى ونصائح دينية متعارضة تربك حياة البسطاء وتنشئ علاقات تخلف حضارى مهين، فتاوى التعامل مع البنوك والعلاقات الأسرية أمثلة.

فإذا كان القرآن هو االمصدر الأول فى التشريع الإسلامى وكان صحيح السنة يأتى مصدرا فى المرتبة الثانية، وإذا كان الكثير من الآيات والأحاديث يصعب فهمه أو تناول حيثياته بالنسبة لعقل المسلم البسيط المحاصر بثقافة متواضعة، ستكون النتائج المنطقية المترتبة على هذه الفروض هى صعوبة فهم الأسس الفكرية لصحيح الإسلام المعتمد على القران والسنة، ويبقى العقل الجمعى للمسلمين عاريا أسطوريا فى مواجهة فتاوى فقهاء السلطان، عار عن التقييم فلا يستطيع الفصل بين الغث والثمين، أسطورى يكرس لقدسية فقهاء السلطان فكرا وسلوكا، انه عقل جمعى يستعذب تخلفنا المريع حضاريا ولا يجد غضاضة فى صياغة أساطير تبرر قدسية هذا التخلف.

الفقيه المعروف فى عصره، صاحب الفتاوى الأولى بالإتباع، هو إنسان لا قدسية لفتواه، والفتوى عند العقلاء تبقى فى كل وقت محل تصديق أو اجتهاد، هذا الفقيه يحتاج وجوده إلى علم يصل إلى الناس من خلال سلطة عقلية تصنعه تؤازرها سلطة إعلامية تنشره، هكذا تسعى سلطة الحكم لصناعة عقل جمعى تحشر فيه قدسية وجودها، تلبس فى عقول البسطاء أن فتاوى فقهائها أقوال مقدسة وعلم مضبوط، ويبقى السلطان الجائر ممسكا بمصادر العلم وبأدوات السلطة.

هكذا مع غياب العلم أصبح البسطاء فى بلادنا يسعون من جهل أو من مصلحة لتحقيق مصالحهم عبر ما يستهويهم من فتاوى دينية، قد يرون أن فقهاء الوهابية فى الحرم المكى أكثر قدسية من فقهاء السنة فى الأزهر، أو يرون أن أهل الأزهر أكثر اقترابا من ولاية الحق عن فقهاء الشيعة فى قم والنجف الأشرف، إنهم بسطاء لا يعلمون أن فقهاء الحرم أو الأزهر أو النجف أو قنوات التلفزيون أو صحف الحوائط مجرد علماء دين حبيس لا ينشرونه دون الاستعانة بقوة سلطان يطمعون فى جواره، سواء كان السلطان ملكا خادما للحرمين بمكة أو رئيسا فى الأزهر بالقاهرة أو إماما معصوما فى قم بإيران أو مختبئا فى النجف بالعراق أو وزيرا فى التلفزيون أو مجندا فى مباحث أمن الدولة أو مولاى فى المغرب.

هكذا مع غياب الحرية السياسية فى بلادنا تنتشر تجارة الفتاوى الدينية الرديئة، يصدرها فقهاء السلطان الجائر، تطمس قلوبنا فنعيش فى الخرافة، وتكفر عقولنا فلا ندرك موضوعية وجود الأشياء من حولنا، ولا ندرك أن ما يبقى صالحا فى الأرض هو الفكر الموضوعى، فكر يبنى على العقل ويقبل محنة الجدل وينسب قدسية الفكرة إلى مدى صلاحيتها لتحقيق رفاهة الإنسان

Monday, October 13, 2008

كهنة الرأى العام

الرأى العام هو الذى يلبس المواطنين فكرة الانتماء والمواطنة، وصناعة الرأى العام للمواطنين تقوم على مستويين، مستوى موروث ثقافى صنعه كهنة إعلام تاريخيون يجمعون الموروث فى تاريخ منطوق وفن شعبى متداول، ومستوى حاضر يصنعه كهنة إعلام معاصرين يتحكمون فى وسائل الدعاية والإعلام، كلا المستوين يمارس دور سطوة وكهانة على العقول، هكذا يرجع فساد الرأى العام لفساد كهنة إعلام يملكون قدرا كبيرا من فساد الذوق وسوء النوايا، ينصبون موائدهم فى أرفف المكتبات ووسائل الإعلام وحواف الذاكرة.

فساد الذوق لدى كهنة الإعلام التاريخيين لا نملك أمر تعديله ذلك بأنهم عاشوا عصورهم بظروفها، أما فساد الذوق لدى كهنة الإعلام المعاصرين يمكن تعديله، انه يتمثل فيما يقدمونه من برامج إعلامية تستهين باللغة وتنفث انحطاطا لفظيا، تستخف بالبشر وتجعل منهم مسخا للفرجة، تسعى لترويج فكرة المقامرة، وتبث إيمانا بأن الكسب والثراء يعود لضربات حظ غيبى، إنها برامج تحول الاستوديوهات وقاعات التحرير ولافتات الشوارع إلى مصاطب، تتحرك عليها عرائس وتماثيل لبشر منخفضة فى مستواها الثقافى ومشوهة فى رؤاها الجمالية.

يتمثل سوء النوايا لدى بعض كهنة الإعلام فى تسابقهم على شق جيوب من يدفعون رشاوى تقديمهم فى برامج إعلامية تعود بالشهرة والمال على من يصنعون الانحطاط الغالب فى ثقافتنا، يعرضون صورهم على المواطنين كمعيار للتفوّق ومصدر للقيم، وواقع الأمر أن دافعى الرشاوى ليسوا على نبيل من القيم والأخلاق، وأن كثيرا من محترفى إلقاء المواعظ والحكم السّقيمة ليسوا من حماة القيم أو سدنة الأخلاق، هكذا تجرُنا وسائل إعلامنا سادرين فى تخلفنا، نصنع تماثيل قداسة لصنف من البشر، خارجين على قيم التحضر الإنسانى.

إن معظم موادنا الإعلامية المقدمة لجمهور المواطنين، تغلب عليها روح الدعاية لرأى محدد، وتروج لأفكار بعينها، عدوانية لا تترك الفرصة للرأى الأخر أن يظهر على الساحة، هكذا يتدرب المواطنون على رفض ديمقراطية الحوار ولا يتمكنون من حرية صنع ميولهم الثقافية.

حين نسعى لتثبيت هويتنا القومية، من نحن وفى أى زمن نعيش، فنحن بحاجة إلى سياسة إعلامية واضحة، نعلن أهدافها ونكرر إعلانها على رؤوس الأشهاد، قاصدين بسياستنا الإعلامية توضيح العلاقات بين حقوق الجماعة وحقوق الأفراد وقاصدين الفصل بين المنتمى لهذا الوطن وبين المنتمى لوطن آخر قد تتضارب مصالحنا معه.
المقال نشر فى جريدة العربى الناصرى - الأحد 12 اكتوبر 2008م

Tuesday, October 07, 2008

إنهم يستحقون المساءلة

بعض المصرين من المسلمين السنة، خصوصا فى مدينة رفح المصرية ومدينة المنيا بصعيد فى مصر، جهروا بإفطارهم يوم وقفة عيد الفطر، ولكى نراهم هكذا نحن بحاجة لأن نرى بعض الأمور النظرية.

الانتماء الفردى لأى دين، وضعى أو سماوى، هو أمر شخصي يرتبط بإرادة الفرد وظروف نشأته، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وباجتماع عدد من الإرادات الفردية حول الانتماء لدين معين ينشا فى المجتمع جماعة بشرية من أتباع هذا الدين.

كل دين وضعى أو سماوى له طقوس وعبادات يؤمن بها جماعة أتباع هذا الدين، يضبطون بها سلوكهم الجمعى ويتواصلون بها مع الآخرين، ويقوم على تأديتها قدر المستطاع كل فرد ينتمى إلى هذه الجماعة.

السلام الاجتماعى فى جانبه الدينى يسود فى المجتمع حين تبدو صفات كل الجماعات الدينية داخل المجتمع ظاهرة أمام الجميع، فلا يتم التمييز فى المواطنة بين تلك الجماعات بسبب انتماءاتها الدينية ويسهل التحول والحراك الدينى الفردى والجماعى.

السلام الاجتماعى فى جانبه الدينى يتحقق بين جماعات المجتمع حين توجد دولة قوية تلزم كل جماعة بإعلان طقوسها وعباداتها أمام بقية الجماعات.

الدولة كيان سياسي يمتلك احتكار السلطة للحكم واستعمال القوة والعنف بالنيابة عن مواطنيها ضمن مساحة جغرافية محددة السيادة، لذلك تملك الدولة كثيرا من المؤسسات المنظمة للأنشطة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية بقصد تحقيق السلام الاجتماعى بين المواطنين والحفاظ على مصالحهم.

بعد هذا التمهيد النظرى يمكننا القول بتجريم فعل جماعة المسلمين من المصريين حين احتفلت بعيد الفطر يوم الثلاثاء خروجا على فتوى دار الإفتاء المصرية بأن يوم عيد الفطر هو الأربعاء، وباعتبار دار الإفتاء أحد مؤسسات الدولة فى تعاملها مع الدين الإسلامى على المذهب السنى تصبح فتواها ملزمة لجماعة المسلمين السنة من المصريين على ارض مصر، خصوصا أن الفتوى صدرت بشأن موضوع غير خلافى، وعليه يصبح الخروج العلنى علي هذه الفتوى خروجا وعصيانا مدنيا ضد الدولة يستوجب استخدام القانون لتجريمه ويستوجب القوة لمنعة، التجريم هنا ليس منصبا على فعل حرية العبادة أو عدمها، التجريم ينصب على واقعة خروج عن النظام لا يرى أصحابها فى خروجهم جرما ارتكبوه بل هم يزايدون على ثوابت الدين والسياسة.

الأصل أن الناس أحرار فيما يدينون به، لكنهم ليسوا أحرارا فيما يدعون إليه، فعلى الطرف الآخر من الدعوة يوجد من يدين بغير دينهم، وعليه فمن شاء من الأفراد أن يفطر فى رمضان ويحتفل بالعيد على طريقته وأراد فى نفس الوقت الحفاظ على سلامة المجتمع، عليه أن يتوارى بعيدا عن أنظار شارع عام تحكمه الدولة أو أن يتحمل مواجهة قوة تلك الدولة.

نحن نرى أن الحكم بالتجريم هنا يماثل فى حيثياته وقائع تجريم الإفطار جهرا للمسلم الفرد فى نهار رمضان، هكذا، أن يعلن مصرى انه مسلم سني ثم يخرج علانية على رأى دار الإفتاء المصرية السنية فى قضية غير خلافية، ليتبع رأى أفتت به طائفة أخرى غير مصرية وفى بلد غير مصر، يكون قد ارتكب خروجا شرعيا يستوجب المساءلة الدينية وخروجا سياسيا يستوجب المساءلة الاجتماعية.

Sunday, October 05, 2008

!!عذاب أعيادنا

فى صباح كل يوم عيد من أعيادنا الدينية، يتماوج كثير من المصريين بين الأزقّة والحارات والشوارع والميادين، يتجمعون فى احتفاليات كبيرة، يتلقون التّهانى وينطلقون نحو المقابر، ينتشرون حول موتاهم، يلطّعون أجسادهم على الجدران والمصاطب والأبواب والشّبابيك، يوزّعون نقوداً وخبزاً ولحوماً وبعض الدّموع، ويستعرضون ما جَنتُه أيديهم تفاخراً وضعفاً وكبراً، ويشترون أدعيةً وزهوراً وكثيراً من النّميمة على موتى الآخرين.

احتفاليات أعيادنا عند المقابر، يشارك فيها كثير من مرضى لم يموتوا، يتجمّعون حول موتى تركوا دنيا لم تكن طيّبة تماما، ولا أحد من المرضى ينتبه لمعنى الأعياد، الشّحاذون من بائعى الأدعية أمام المقابر، هم الأكثرُ انتباها، يجيدون إيهام الجميع بأنهم يتلون اللاّزم والضّرورى من الأدعية، ويحفّون ببركاتهم حول من يدفع أكثر، والشّحاذون من بائعى الزّهور يقتصّون الثّمن من أناس مضروبة لديهم مشاعر الجمال، فيبيعون زهوراً كالحة نافرة فقيرة، يقٌطَعونها من حواف التّرع والمصارف والحدائق، ويرسُخ لدى الجميع بأن تمام الاحتفاليات، قرين بتحقيق أكبر قدر من الأدعية واللّحوم والنّقود والخبز والزّهور الذّابلة.

لا أحد بيننا يعقل معنى العيد، سواء كان بسيطا يصيبُ نفسه بالسّرور بضع مرات كل عام، أو كان ميسورا يضيف لقائمة تواجده الاجتماعى مزيدا من الحفلات، فالأمور عندنا مختلطة تماما بين ذكرى الموت وتذكّر الحياة، ووجداننا الشّعبى لا يحمل مساحة فاصلة بين الموتى، بما لهم من فضل قدّموه فى ماضينا، وما بين الأحياء بما عليهم من واجب يقدّمونه لحاضرنا، ومع ضحالة ما يعرض أمامنا من ثقافة، نتحوّل إلى قوم يأكلنا الزّحام وفساد المشاعر، وتتمطى مقابرنا على أمواتنا اتساعا، وتطبق منازلنا على أحيائنا ضيقا.

كثير من وقائع تاريخنا شقّت فى الصّدور أن أصحاب أمرنا من الأحياء، يملكون سحٌنات تجلبُ الشّقاء وتقطع الرّزق، هكذا تحوّلت أعيادنا الدينية إلى احتفاليات ندعو فيها الموتى ونسترضيهم أن يأخذوا بناصية كل أمر، واختلطت الوقائع فى ثقافتنا فلم نعد نفرّق بين بركة كاذبة تصيبنا من أدعية نشتريها بلقيمات وقطع من لحم، وبين البركة الصادقة التى تحلّ علينا من تعب نصيبه فى طرق أبواب الحضارة.

أيتها الأعياد لا تكثرى من عذاب قبورنا، وحاذرينا من (بُمب) الانفجار.