Wednesday, September 27, 2006

من كان منكم بلا أمير

مئات من الفتاوى الدينية تصدر كل يوم، بعضها يعد بالجحيم وبعضها الأخر يمنح صكوك الغفران، هى مئات من الفتاوى المتعارضة على نفس الموقف، فوائد البنوك وعمل المرأة أمثلة، والناس فى بلادنا طيبون متآمرون جهلاء، يسعون فى الحياة بلؤم ومداهنة وخبث.

ببساطه، إذا كان القرآن هو الأساس الأول فى التشريع الإسلامى ويأتى صحيح السنة فى المرتبة الثانية، وإذا كان الكثير من الآيات والأحاديث يصعب فهمه أو تناول حيثياته أمام عقل المسلم البسيط، وإذا ظل المسلمون بعيدين عن استخدام العلم فى مواجهة ما يستجد من أمور حياتهم، هكذا فان العقل الإسلامى سيبقى عاريا إلا من أساطير فى مواجهة فتاوى فقهاء السلطان، عقل عار لا يستطيع الفصل بين الغث والثمين، عقل أسطورى لا ينجح فى تجاوز فقهاء السلطان وقدسية فتاواهم، عقل يعانى من ذلك التخلف المريع الذى نحياه فى اوطاننا.

العقلاء يدركون أن الفقيه المعروف فى عصره، وكان هو الأولى بإتباع فتاواه، هو إنسان يحتاج أولا إلى علم ويحتاج ثانيا إلى سلطه إعلاميه تنشر ما توصل إليه من علم، فالناس لا يعرفون العلم إلا من خلال سلطة عقلية تصنعه وسلطة إعلامية تنشره، هكذا ببساطة يصنع العقل الجمعى وتضغط السلطة على فتاوى السلطان، ويسرى بين البسطاء والسذج أن هناك فروقا مقدسة بين فتوى فقيه ورأى عالم.

فى بلادنا بسطاء كثيرون يرون (من جهل أو من مصلحة) أن فقهاء الوهابية فى الحرم المكى أكثر قدسية من فقهاء السنة فى الأزهر، أو يرون أن أهل الأزهر أكثر اقترابا من ولاية الحق عن فقهاء الشيعة فى النجف الأشرف، هؤلاء البسطاء يحارون فى فهم الأسلوب الأجدى إنسانيا لتسيير أمور حياتهم،انهم جهلاء لا يعلمون أن فقهاء الحرم أو الأزهر أو النجف أو قناة التلفزيون أو مجلات الحائط هم علماء دين حبيس لا ينشر دون الاستعانة بسلطة فاعل، سواء كان هذا الفاعل ملكا خادما للحرمين أو رئيسا فى الأزهر أو إماما معصوما فى قم أو مختبئا فى النجف أو وزيرا فى التلفزيون أو مجندا فى مباحث امن الدولة أو مولاى فى المغرب، كل واحد من هذه السلاطين يعطى بركاته وسلطاته لمن يراه فقيها يؤيد بفتاواه جدوى بطش السلطان، هكذا تنتشر فى بلادنا تجارة رائجة بكل دين، ونقف مكتوفى الأيدى دون الأخذ بأسباب العلم لنخرج من تخلفنا، لا نعرف أن ما يبقى صالحا فى الأرض هو الفكر الموضوعى ، فكر يبنى على العقل، ويقبل محنة الجدل، وينسب قدسية الفكرة إلى مدى صلاحيتها لتحقيق تطور الإنسان.

أنا شخصيا أعيش عصر العلم وصناعة المعلومات، أفرق بين نص دينى أومن بثوابته وبين فتاوى حياتية اقضى بها على مشاكلى اليومية، لا تعنينى من أين تصدر الفتاوى الدينية فيما يستجد من معارف ومعارك حياتية، فلا عصمة لإنسان بعد نبى، أنا أتناول ما يستغلق على عقلى من فتاوى وأردها إلى قلبى استفتيه المعرفة، فان أصاب الرضى قلبى فعلت بالفتوى، وان أشاح الرضى عنه رفضتها، ولا يعنينى فى طلب الرضا أن يكون قلبى فظا أو غليظا، سائلا الله فى كل حال أن يرزقنى عبادة كعبادة العوام، عبادة بشر يحتكون بالحياة ولا يصادرون على أنفسهم حرية الفكر أو عشق الجدل، فليس فى عصرنا من هو أعلم أهل عصرنا، ففى عصرور التقدم البشرى ينسب كل فكر إلى مدى صلاحيته فى تحقيق حرية الإنسان، ومن كان لا يدرك أن الفتاوى الدينية يصنعها فقيه تحت إمرة حاكم، ويدرك أن نظريات العلم يصنعها باحث حر فوق سلطة الحاكم، فانه يدرك أهمية النداء إلى حرية العقل، وفى عصرنا من كان منا يحكم بلا أمير متسلط ،فليأتنا بفقيه ناصح.

Thursday, September 21, 2006

فى انتظار بنت الملك

فى طفولتى المبكرة، كنا أولاد الحارة صبيانا وبناتا نلعب الاستغماية، بعضنا يختبئ وراء أكوام السباخ والقش والحطب والزرائب، ولسبب غير مبرر كانت احدى بنات الجيران تفترى علينا أثناء لعبة الاستغماية، سريعة الجرى تطاردنا حول أماكن اختبائنا، حين يأتى دورها فى المطاردة تنجح بسرعة فى الامساك بى، تجرنى من قفاى إلى الأماية مكان تجمعنا، تصيح على مشهد من الجميع هيه مسكت العجل، عند هزيمتى اضرب الأرض واغضب واقسم لفريقنا أن بنت الجيران لم تمسكنى، وكيف تمسكنى اى بنت للجيران وأنا أسرع فى الجرى من كلب خالتى نزهة، وحين يكرر أولاد حارتنا شهادتهم على هزيمتى من بنت الجيران أغضب وأهدد بالانسحاب من كل فرق اللعب الرياضية فى حارتنا وأسرف الوعيد لبنت الجيران بأننى سأغلبها فى المرة القادمة وأننى سأتزوج أفضل منها ألف مره، وفى يوم مشهود أقسمت أمام أولاد حارتنا أننى سأتزوج بنت الملك.
حين أصبحت تلميذا فى الابتدائى اقتصر عالم مبارياتى الرياضية على اللعب مع الأولاد دون البنات وتأكد لأهل قريتنا أن الملك فاروق غادر مصر بعد خلعه عن العرش، وأن قوما آخرين استلموا العرش هكذا انشغل بعض أهلنا فى التعرف على نظام الحكم الجمهورى الجديد، ونسيت أن ابذل جهدا كافيا للتأكد من أن فاروق أنجب بنات صالحات ترضين طموحاتى فى الزواج من بنت الملك.
حين أصبحت طالبا جامعيا انشغلت بالدراسة مع وضع الصورة المناسبة للأميرة بنت الملك التى سأتزوجها، ولأننى لم أعاشر فاروق فى النظام الملكى ولم أكن عضوا فاعلا بالنظام الجمهورى الجديد، وجدتنى لا أحسن التفرقة بين الملك وبين رئيس الجمهورية، وحين حصلت على الشهادة الجامعية وشغلت وظيفة حكومية كان رئيس الجمهورية قد أصبح هو الملك الجديد، عندها اشتركت فى أول جمعية مالية مع زملائى وبعض أولاد حارتنا، هى خمسة جنيهات شهرية يدفعها كل فرد من عشرين فردا لتكون مائة جنية يحصل عليها كل مشترك حسب دوره فى الترتيب، وحين دخلت الجمعية الثالثة وأصبحت على مقربة من الثلاثمائة جنيه وهو مبلغ كاف فى ستينات القرن الماضى لشراء ثلاثة حمير أو بقرة عُشًر أو جاموسة ناصحة أو تجهيز زوجة طيبة، اكتشفت أن الملك رئيس الجمهورية رجل عسكرى، ولأننى فلاح يعانى الأمرين من تعنت العسكريين رأيت أن الملك الرئيس لا بد أن يفضل العسكريين أزواجا لبناته فعزفت مؤقتا عن الزواج من بنت الملك الرئيس، وفى هذه المرة ايضا نسيت الاهتمام بمعرفة بنات الملك الرئيس ولم أضع معاييرا لصلاحيتهن زوجات لى، وحين تأكدت أنى من فصيل غلابة الموظفين ولست من فصيل كبار العسكريين أو المثقفين وجدتنى مواطنا خارج دائرة المؤسسات الحزبية لم أصب منصبا كبيرا هنا ولم يعدنى أحد بمنصب اكبر هناك، قررت أن أعيش عيشة أهلى وأتزوج بنت عادية مرجئا زواجى من بنت الملك الرئيس لحين ميسرة، هكذا سارت بى الدنيا موظفا رقيق الحال وأصبحت مع رقتى أبا وزوجا عاديا أتدرب كل يوم على الصبر والاصطبار على نكد الحكومة والدولة والزوجة والأولاد.
منذ ثلاثة أعوام فقط وبعد تجرع نكد الزواج وغلاسة الأولاد طوال أكثر من ربع قرن، رأيتنى حصانا عزيزا ذل بالزواج، رأيتنى خيلا حكوميا عجوزا يجهزون العدة لاغتياله، لا حرية لى فى اختيار قاتلى ولا رأى ولا قول مسموع، فقررت أن استعيد بعضا من إرادتى واستنفر قدرتى على الرفض وأن أقول للزواج الماسخ لا، أن أقول انا هنا اختار لقاتلى ساحة الأعدام، وقررت أن اترك البيت والزوجة والأولاد أهيم فى ارض الوطن وأسعى جاهدا لتحقيق حلمى القديم فى الزواج من بنت الملك، هذه المرة بنت الملك رئيس الجمهورية، وبدأت افتح أذناى واسمع دبيب النمل ساعيا لجمع المعلومات عن الزوجة المرتقبة، عند محطة بنزين كبيرة قال سائق الأتوبيس هذه محطة بنزين ابن رئيس الجمهورية، وعند أول جلسة تسرية بين أصدقاء عن نكد الزوجات قال احدهم أن ابن رئيس الجمهورية يريد فتح جدار شقته الصغيرة فى أسوان ويصلها بشقته الصغيرة فى الإسكندرية، وان شقتيه الصغيرتين اشتراهما من مصروفه الخاص، وفى جلسة من جلسات النميمة على القيادات الحزبية والمدنية وموظفى المحليات وسياسات الجواز والطلاق والحكم والديمقراطية اجمع الجالسون على أن الملك الرئيس ليس لديه بنات بالمرة، واقسم كثير منهم أن لدية معلومات مؤكدة أنه رغم العمر المديد والصحة الحديد لملكنا الرئيس، أمد الله فى عمره وعافاه، فانه لا يفكر فى إنجاب بنات، وحين قرأت الصحف وفتحت التلفاز وشاهدت الملصقات تدعونى بالتعقل وأن أعود إلى البيت والزوجة والأولاد رجلا نصف متزوج أفضل من عجوز مشرد، رأيت من يؤكد فى الصحف ومجلس الشعب ودواوين الحكومة أن فى مصر ليس هناك ملك، ويؤكد أن فى مصر رئيس جمهورية دستورى ليس منجبا للبنات، هو ليس ملكا ولكنه ملك رئيس، وحين تأكدت بنفسى من هذه الوقائع رأيت بداية انهيار أحلامى، هكذا سأموت دون الزواج من بنت الملك، سأموت مكسور الجناح حانثا فى يمين أقسمته أمام الجموع من أولاد حارتنا، وبدأت الناس تمضغ مأساتى وتلوك سيرتى وتصنع ضجيجا متعمدا مع ابن الملك الرئيس أو ضده ، يصنعون دعاية ضخمة فى كل وسائل الإعلان وكأنه ليس مثل ابن الملك الرئيس أحد ملك رئيس، وان ابن الملك الرئيس إنسان عبقرى جرئ مقدام اتخذ خطوة نحو الزواج وخطب فتاه ليست بنت ملك، هكذا وجدتنى عائلا دون أن أغنى، لا يبقى لى من شأن فى هذه البلاد غير الدعاء لأبن الملك الرئيس أن يتزوج فعلا وأن يكون متخصصا فى إنجاب البنات دون الأولاد، أدعو له بالخصوبة وإنجاب آلاف البنات، ففى بلادنا ابن الرئيس هو ملك رئيس، وبنات الرئيس هن أميرات رئيس، وفى بلادنا فقهاء يفسرون مواد الدستور على أن يكون رئيسنا القادم هو ملك رئيس، هكذا حين يتحقق رجائى ويطيب دعائى بأن ينجب ملكنا الرئيس القادم دون الذكور آلافا من البنات الجميلات، وحين نملك من المؤسسات ما يجعلنا نتمسك بروح دستورنا الحالى بأن يكون ملكنا رجلا رئيس، عندها سيكون ملكنا الرئيس القادم دكتاتورا عظيما يخشى الرجال أن يناسبوه، وستبقى لدية ثلاث أو أربع من بناته أميرات رئيس عانسات تشحذن الاقتران بظل أى رجل، عندها ستأتينى فى آخر العمر أكثر من فرصة مواتية للزواج من بنت الملك الرئيس، وسيجد أولاد حارتنا فرصة حقيقية ينتخبون فيها يملئ إرادتهم رئيس جمهورية لبلادنا، رجلا من أبناء الشعب غير وارث لسلطة أو مورّث لدولة أو متزوجا من بنت ملك.

Monday, September 04, 2006

زمن الحروف .. والأسى

لا أدرى السبب المباشر لاستدعاء " زمن الحروف" عنوانا لهذه الخاطرة ، منذ زمن رسخ فى ذاكرتى عنوان زمن الحروف باعتباره عنوانا لقصيدة قرأتها منذ أكثر من ربع قرن ، حفظت أجزاء كثيرة منها ولم احفظ اسم كاتبها، كان مطلع القصيدة كالتالى، بينى وبينك سورة التحريم ، زمن الحروف ، تذكرى أنى وجدتك مرة تتوهجين ، لعابر ضل الطريق ، بينى وبينك إرثك الدموى والليل العتيق ، سبل تضل بها القوافل والبضائع، وأنا وأنت وصاله الجمهور تحشى بالهتاف وبالأكف ، وبيننا مليون شارع ، غرقت بماء الحبر والكتب النفسية بالدوار ، بينى وبينك أننا لما وقفنا للصلاة ، كان الخلاف أمامنا والوشم سيدنا المطاع واذرع اللقطاء باب ، . . . ، حتى نهاية القصيدة ، هذا العنوان زمن الحروف صالح لوصف زماننا، نحن أصحاب الهوية العربية المتهاوية، انه زمن الحروف والفواصل ونقاط القطع وعلامات التعجب، زمن يصلح تماما لوصف حال المثقفين الناطقين بالعربية ، الآن نحن أحوج ما نكون لوضع تعريف جديد للعرب المعاصرين وهم موضوع الوجود الحى للثقافة العربية المعاصرة، لا أقول بحاجتنا إلى تعريف جامع مانع ولكنا بحاجة إلى تعريف احتمالى موضوعى يضم غالبية الصفات الموضوعية للعرب، مدخل التعريف سؤال ثاقب ، هل العرب أصحاب لغة وارض ودين وثقافة متناسقة ؟، أم أن الوضع فى أوطانهم غير ذلك ، التعريف ضرورى كى تصبح لدى المهتمين بمستقبل العرب أدوات نقد موضوعية ، وكى لا يتوه منا الكلام وننساه بين دفات الحروف، أنا شخصيا أشك فى وجود العرب الفاعلين فى بناء الحضارة المعاصرة ، الحضارة المعاصرة واقع موضوعى، والتخلف الحضارى يعانى منه كثير من البشر، واجزم أن التخلف الحضارى هو السمة الغالب لسكان المنطقة الجغرافية من الخليج العربى ( أو الفارسى سمه ما شئت) إلى المحيط الأطلسى (أو بحر الظلمات سمه ما شئت)، شكى فى وجودهم الحضارى المعاصر يملأنى اعتقادا بأنه لا صحوة حضارية محتملة لهذه المنطقة من العالم دون وضع تعريف علمى يظهر المزايا والعيوب للعرب ، مثل هذا التعريف يحتاج وضعة إلى مجهود جيل كامل من المثقفين.