Wednesday, December 20, 2006

حدث فى جامعة المنصورة

يوم الأحد السابع عشر من ديسمبر الحالى ( ورصدا للتاريخ من عام 2006م)، وقف بعض المصريين على رجل واحدة لمتابعة مباريات كرة القدم فى اليابان، كلية التجارة جامعة المنصورة وقفت بدون أرجل بالمرة وتعطلت الدراسة فى أحد مدرجاتها، ففى الوقت المرصود للاعبين المصريين قررت إدارة الكلية أن تخلى أحد المدرجات الكبيرة من طلابها الأصليين ووضعت أجهزة حديثة ليتحول المدرج إلى قاعة عرض يشاهد فيها بعض الطلاب والعاملون مباراة لكرة القدم، كثير من أساتذة الكلية وطلابها أصابهم القرف والامتعاض من موقف إدارة كلية لا تملك رقيا ثقافيا أو نضوجا سياسيا، إدارة لا تعرف أن للمباريات الرياضية فى الكليات مكانها فى استاد الجامعة وأن مدرجات الدراسة أماكن لإثراء الفكر وليست مصاطب لإثارة الهوس والتعصب العاطفى بين الطلاب.

على أية حال المتابعون العقلاء لا يعتبون على إدارة الكلية وأمامها سلوك إدارتهم الأعلى فى جامعة المنصورة حين أقامت حفلا طلابيا منذ أسابيع داخل حرم الجامعة وسمحت لمطرب أن يلقى أمام الطلاب سخفا يسمونه أغنية "أحبك يا حمار".

السؤال المطروح أمام المنظرين فى مجال الثقافة والتربية الجامعية، هل التغنى بحب الحمار أولى من المطالبة بطرد الحمير؟

Wednesday, December 13, 2006

جائزة السيد العميد

ليس مزعجا لمراقب منصف أن يعرف الأسباب التى تجعل من عميد الكلية عميدا فى جامعاتنا المصرية، فكثير من المنصفين يرى أن آليات اختيار عمداء الكليات الجامعية تزكي أهل الثقة على حساب أهل الكفاءة، المزعج اكثر أن يعرف ذلك المراقب كيف يقوم العميد بدور العميد؟
أحد العمداء فى كلية جامعية أراد أن يكون عميدا من بين المخلدين، فجمع مجلس الكلية، وصاح كالهمام فى أعضاء المجلس فوافق المجلس صاغرا، على أن تخصص جائزة سنوية باسم عميد الكلية تمنح لأحسن أستاذ وأحسن موظف وأحسن طالب، وعلى المتسابقين أن يقدموا لسيادة العميد ومن خلفه مجلس الكلية الموقر ما يرونه صالحا للحصول على الجائزة، المزعج أن سيادة العميد الهمام ومن وراءه مجلس الكلية الموقر وافقوا على أن تجمع الأموال المخصصة لجائزة العميد من بعض أنشطة الكلية وبما يتم التبرع به من أهل الخير والمتطهرين من صدقات، هكذا يخلد اسم العميد فى قائمة جامعى الصدقات لبعض أعضاء هيئة التدريس، ويخلد مجلس حكماء الكلية مع المهللين وراء كل عميد.
صحيح أن كثيرا من أهل الجامعات فى بلادنا غلابة، لكن من غير الإنصاف أن نستجدى لهم تكاليف جوائز التفوق وعلاج كبار السن من بينهم، إيه مهانة يتعرض لها الأساتذة والقائمين على التعليم فى جامعاتنا، وأية وصولية يتفتق عنها ذهن عميد ليصنع لنفسه اسما صوريا ويقلد سلوك بعض الأنانيين من العمداء حين يلصقون أسمائهم وحدها على مدرجات ومبان فى كلياتهم مغتصبين جهود عشرات ومئات العاملين فى إقامة تلك المنشآت وكأن العمداء وحدهم دفعوا تكاليف الإنشاء من جيوبهم الخاصة.
الأصل الأخلاقى فى الجوائز الخاصة التى تحمل أسماء لبعض الأفراد بصفتهم الشخصية أو الوظيفية أن تمول من جيوب أصحابها، فى مقابل أن يمول المجتمع جوائز عامة بأسماء علماء ومفكرين ومبدعين كبار يعترف غالبية المجتمع بفضلهم، وليس من باب الإنصاف أن يمول المجتمع جائزة باسم قيادة وظيفية لا تملك قدرات غير السير على درب الوصوليين فى بلادنا، يصنعون جائزة باسم أعضاء الأسرة أو الشلة والصحاب، معتمدين على موافقات مجالس إدارة تجيد التصفيق وتؤمن بأن عبادة الفرد فى مجتمعنا لم تمت بعد.

Wednesday, December 06, 2006

إنى أطالب بالوزارة

ليس مهما أن تكون صاحب إمكانيات يراها أصحاب القرار أنها فذة وعظيمة، كى يديرون رؤوسهم نحو تاريخك الخاص، يلوكون بطولاتك على حوائط المدارس ولوحات الشرف، يهتفون باسمك قاصدين أن تكون عمدة أمرهم ووزير صنعتهم وكبير الكبراء فيهم، المهم أن ترى فى نفسك أنك فذ وعظيم، تدرك انك لم تخلق سدى، وانك تحب الحياة وقادر على حب من يقدرون إمكانياتك، وإذا اتفقت مطالب عظمتك مع حاجات أصحاب القرار فأنت هو المحظوظ صاحب السعادة والمعالى والوزارة أيضا.

كل الدلائل كانت تشير إلى أنى سأصبح رجلا فذا عظيما، ابدأ حياتى فى قلب القرية وأتواثب وراء العيش على حواف المدن، وأحفظ تاريخا يعيشه أهلنا فى مصر.

فى القرية ولدتنى أمى فى عام طافت فيها حمى الكوليرا كثيرا من بقاع مصر، وحين أصابنى إسهال مع رعشه خفيفة ترحم الناس على صحتى وانتظر الحاسدون أن تأكلنى بالكوليرا، وانتظر أبى ثلاثة أشهر حصدت فيها فريرة الكوليرا آلافا من أروح المصريين دون أن تأخذ روحى، وحين تأكد والدى من صخب الحياة فى جسدى قام بتسجيل حادثة ميلادى فى سجلات الحكومة، كان أبى حصيفا ففى شهر تسجيل ميلادى ولد عدد من العظماء، نابليون وماركس وثلاثة من أعضاء البرلمان وراقصتين، وبدأ كثير من الناس يحتفلون بعيد ميلادى0

فى القرية تعودت الاستحمام فى الطست بالماء الساخن مرتين أو ثلاث كل عام لأرتدى هدومى الجديدة مع حلول عيد الحلاوة وعيد اللحمة، وعند الحاجة تحمل أمى الأوانى والهدوم وتجرنى إلى شاطئ الترعة وتغسلنى مع الجميع، أصابنى الرمد الحبيبى ومارست اللعب أياما تحت وطأة علاج الششم الأبيض وجيوش ذباب تزور عيناى الدامعة، طالت فترة ختانى ثلاثة أسابيع أسير فاتح الرجلين تحت وطأة علاج البودرة البيضاء، ركبت أرجوحة من الحبال فى عيد اللحمة وعند ربع المسافة بين سماء الأرجوحة والأرض قطع الحبل وانفتح قرن دماغى على الأرض يشخب دما وبقيت شهرين تحت وطأة علاج معجون البن، فى قيظ الصيف نجحت فى إنشاء مصيفى الخاص، طردت بعض الكلاب تستبرد بمياه قناة تظللها شجرة صفصاف واستبردت أنا بنفس الماء والشجرة، أكلت عشرات من ثمار الطماطم والخيار والفلفل والبامية اقذفها من أرض الغيط إلى فمى مباشرة، فى سباق مشهود لكثير من أولاد قريتنا قبلت التحدى ونجت فى عبور ماء ترعتنا غوصا مارا تحت جثه حمار طافية، فى دارنا شربت ماء قريتنا نجلبه من الترعة ونعالج الرواسب بالشبة ونوى المشمش، وفى الغيطان شربت من أبار السواقى، وحين أصابتنى البلهارسيا كنت ابتهج بعد كل ألم فى التبول، فثقافة أولاد قريتنا تجمع على أن خروج الدم فى البول دليل على الصحة والعافية، وحين هاجمتنى الإنكلستوما والقراع والدّرن، تعودت الاستماع من الأحبة وبعض الكارهين إلى عبارة: إزى الصحة؟.

فى المدينة أصبحت شابا، كثير من أيام الصحو أفطر فولا بالطحينة مع البصل على نواصى عربات الفول، وقليل من أيام الغيم أفطر محشى كرنب وفول نابت على نواصى أسواق الخضار، أحيانا أتغدى فشه ولحمة راس على نواصى المجازر وعربات الكرشة، وعادة أتناول العشاء فولا مدمسا وباذنجانا مخللا، وفى كل يوم أنام فى حجرة ضيقة بمساكن شعبية لا يزعجنى فيها طفح المجارى أو انقطاع المياه أو الكهرباء، واشترك مع أهل الحى فى معارك وجلسات صلح وأحلم بالزواج من بنت الجيران, وحين ضربنى الكسل وكرهت فكرة الزواج وتناول الشطة والطرشى، قال لى الطبيب : ازى الصحة؟ وأكد أن كبدى كسلان.

فى كل القرى والمدن أصبحت شيخا، أفوت بهدوء بين السيارات وأنجو من الحوادث بلطف، يساعدنى الطيبون على عبور الطرق وصعود السلالم والنوم على الأسرة، وحين اذكر احدهم بتلوث البيئة ومشاكل التنفس مع السحابات السوداء، اسمع من يدللنى قائلا ربنا يعطيك العمر يا راجل يا بركة، المهم الصحة .

مع تاريخى العظيم، أعرف القراءة والكتابة وتجهيز الأحجبة، ويحمل جسدى آثارا لعشرات من الأمراض ومواقف الحب والنصاحة والفهم المناسب، وأطمح فى تحقيق أمنيات أحبابى على ارض مصر، من الدايات وحلاقى الصحة والممرضين والأطباء والجيران والغلابة وسكان الهوامش، يسألون عن الصحة، ويؤكدون على أهمية الصحة، ويملكون صبر أيوب فى طلب الصحة، لكل ذلك فإنى باسم غلابة بر مصر، وباسم ديمقراطية أهل الثقة، أطالب باختيارى وزيرا للصحة.

Wednesday, November 15, 2006

ط - نق .. يا أهل الكورة

بدأت علاقتى بالكرة منذ الصغر فى قريتنا، الكرات غير المكتملة هى البداية، حين أسرف فى اللعب خارج الدار تدرك أمى أنى نسيت نفسى وتصر على عودتى دون إكمال اللعب، تنادينى وترجونى وتستعطفنى كى أعود، وحين يفشل تدليلها فى عودتى تبدأ فى الصراخ والدعاء تستجلب غضب الأولياء الأطهار والناس الطيبين، وحين تفشل توسلاتها تبدأ فى مطاردتى، أجرى وأبكى وتلاحقنى وتقذفنى بالحصى واقذفها بالتراب والحصى والطوب، وحين تنجح فى الإمساك بى تجرنى على قارعة الطريق، تمسح بجسدى أرض الشارع ثم تحملنى فى حنو بالغ إلى باب الدار، وتبدأ طقوسها فى مسح دموعى وإعداد حمام تنقيتى مما علق بى من تراب وحطب وروث بهائم.

فى القرية بلغت من الطفولة عتيا، سمحت لى مرات كثيرة أن استعرض مهارتى على شط الترعة، استجمع طاقتى وفى ميل مصطنع اقذف بقوة كرات غير مكتملة من الزلط تمس سطح الماء قاصدا أن يتواثب الزلط على سطح الترعة ويعبر أكبر مسافة ممكنة دون أن يغرق.

فى عصر قريب من طفولتى المتأخرة استدارت الكرات وانتشر وجودها فى حارتنا، كرات (البلى) يصنعونها من الزجاج الملون وكرات (الشراب) نصنعها من القش والخرق القديمة ومن جلد مقطوع، نلعب بكراتنا فى مباريات يتنافس فيها أولاد حارتنا مع أولاد الحارات المجاورة، كرات البلى لمباريات (الترنجيلة) و(التيرو)، وكرات الشراب لمباريات (كرة القدم) و(الميس) و(النطاط)، كنت أميل لمشاهدة مباريات كرة القدم وأرى فيها اشتباك لاعبين يكسرون العظام ويعتركون بالأيدى ويشدون الهدوم ويتقاذفون بالأجساد.

كانت بدايتى مع لعبة كرة القدم شيوع نظرية فكرية ملأت عقول أولاد حارتنا، نظرية ترى أننى أفضل من يقوم بالمهام الخطيرة التى يلقيها أولاد حارتنا على حارس المرمى، ملعبنا نقيمه على ارض الشارع أو على ساحة جرن حصاد أو على أرض زنقة من حارة لا تزيد مساحتها عن أمتار قليلة، حين نفتقد الأحجار الكبيرة نصنع شواهد المرمى من أكوام تراب أو من ملابس لاعبي الفريقين، عادة يتكون فريقا كرة القدم فى حارتنا من سبعة لاعبين، أربعة من بيننا مقابل ثلاثة من المنافسين، يتداولون الكرة بأرجلهم الحافية ويعوقون حركة المنافسين بأيديهم، وقت اللعب فى مبارياتنا مفتوح ولا مانع من دخول ومشاركة بعض العابرين من بشر أو بهائم، وللاعبين حق دخول أرض الملعب أو الخروج منه فى أى وقت، وللجميع الحق فى الرجوع عن قراراتهم متى رغبوا.

فى كل مباراة أقمناها لكرة القدم سعينا لإعلان فوزنا بأكبر عدد من الأهداف قاصدين إحراز السيطرة على الحارات المجاورة، سيطرة تكفل لنا فى المرات القادمة أن نحدد بإرادتنا الحرة وقت ومكان وطريقة اللعب ومعايير احتساب الأهداف، وتتحقق سيطرتنا بالفوز فى المباراة مهما كانت طريقنا فى اللعب، طريقة تمنع دخول الكرة فى مرمانا وتعتمد على سرعة حارس المرمى فى تحريك شواهد المرمى يمنه أو يسرة، تضيقا أو توسيعا للمرمى يعجز معه الخصم عن التسديد، وطريقة تعتمد على الصياح والقسم بأغلظ الأيمان أن الكرة لم تدخل مرمانا وان دخلت، وطريقة التحرش بملابس الفريق المنافس بقصد ضياعها وتحريكها نحو توسيع مرماهم فيسهل على فريقنا تسديد أهداف الفوز، هكذا وصلت نتائج بعض مبارياتنا فى كرة القدم إلى رقم معتاد من الأهداف، عشرين هدفا لنا مقابل ثلاثين هدفا للخصم، وأصبح شائعا أن تنتهى مباريات حارتنا بمعارك يشترك فيها اللاعبون وبعض المتفرجين وأحيانا عابرى السبيل، يتبادلون القذف والإصابة بكرات غير مكتملة من حصى وطوب وطين وجلة ناشفة.

برغم أن مباريات كرة القدم فى قريتنا تمثل مصدر متعة للكثيرين إلا أننى لم أصب ذلك القدر من المتعة حين لعبت دور حارس المرمى، ففى حالات نادرة استكمل فريقنا مبارياته مع المنافسين دون معارك وشجار، ومع نهاية كل مباراة يسرف أولاد حارتنا فى إصابتى بالإحباط وتجرع الأسى، حين نحصد نتائج مبارياتنا ينهال الجميع على رأسى بالشتائم والاستهزاء بإمكانياتى الكروية ويقعون على جسدى بالضرب والركل وتقطيع الهدوم، إذا فزنا يتهمنى الفريق المنافس بأننى عمدت إلى تحريك الهدوم فضاق مرمانا وضلت كراتهم أهدافها، وإذا هزمنا يتهمنى فريقنا بتحريك الهدوم فاتسعت شواهد مرمانا واستقبل كرات المنافسين وأننى فى كل الأحول قصرت فى مهارات المراوغة والجرى عبر الملعب قاصدا توسيع مرمى المنافسين أو شغلهم عن اللعب بتضييع هدومهم.

مع مرور الأيام وانتشار مباريات كرة القدم فى قريتنا كثرت الأورام والتسلخات فى جسدى وانتشرت الرتوق فى هدومى وكثرت حالات رفض فيها أولاد حارتنا أن ألعب دور حارس المرمى، ورأيتنى أواجه الحياة دون مهارات كروية معترف بها، ووجدتنى أمضى وحيدا كارها لكرة القدم، لا أميز خصوصية ألوان ملابس لاعبى كرة القدم، لا أحمل انتماء أى نادى لكرة قدم، لا افهم معنى مسميات كرة القدم، وحين أردت تعويض نقص مهاراتى فى حراسة المرمى بالتفوق الدراسى عاقتنى فكرة أن الحساب العلمى لحجم الكرة له علاقة بنسبة تقريبية هى (ط) منسوبة إلى حرف من كلمة الطوب، و(أربعة على ثلاثة) منسوبة إلى عدد من أطفال حارتنا اشتركت معهم فى مباراة كرة قدم ولا اعلم كيف حشر علماء الرياضة نصف القطر(نق) فى الحسبة ليصبح حجم الكرة، مساويا لقيمة المعادلة (4على3 ) ط ( نق – تربيع).

الآن ومعى كل هذه الخبرة، أرانى صالحا لقيادة قائد فريق لكرة قدم تعبر انتصاراته الأزقة والحارات والشوارع وكل القرى ويصل بسمعتى إلى العالمية؟.

Sunday, November 12, 2006

طبيب نفسانى .. يا جامعة

أعضاء هيئة التدريس فى الجامعات، أناس طيبون، يقضون فترات طويلة من عمرهم فى مواجهة مشاكل التفوق الدراسى وتحصيل الشهادات العلمية، بكالوريوس وليسانس ودبلوم وماجستير ودكتوراه وبحوث ترقية، ويتعرضون كثيرا لمشاكل نظامنا التعليمى، طرق الحصول على الشهادات العلمية وما يشوبها من تركيز على الحفظ دون الفهم، طرق الحصول على الترقيات الوظيفة وما يشوبها من تقدير أهل الثقة فوق أهل الكفاءة.

الاقتراب من طبيعة نظام العمل فى جامعاتنا يضع أيدينا على وقائع مأساوية تثير الأسئلة، كيف يتم التدخل فى نتائج بعض الشهادات العلمية ليحصل البعض على وظائف معيدين فى الجامعات؟ ( خصوصا أبناء أعضاء هيئة التدريس وأصحاب النفوذ)، لماذا لا يتم تطبيق المادة (155) من قانون تنظيم الجامعات؟ وبها يتم تحويل معاون هيئة التدريس إلى وظيفة أخرى غير علمية إذا قضى خمس سنوات دون حصوله على الشهادة العلمية الأعلى، ماجستير أو دكتوراه، كيف يبقى معيد بالجامعة أكثر من خمس سنوات فى إعداد رسالة الماجستير؟ ( طالت المدة مع بعضهم إلى تسع سنوات)، وكيف يبقى مدرس مساعد بالجامعة أكثر من خمسة سنوات فى إعداد رسالة الدكتوراه؟ ( طالت المدة مع بعضهم إلى أربعة عشر سنه)، وكيف يبقى عضو هيئة تدريس بالجامعة أكثر من خمس سنوات لتقديم أبحاث الترقية ( بعضهم أحيل إلى المعاش دون ترقية)، الإجابة على هذه الأسئلة تخلص فى إهمال وتقصير المشرفين على الرسائل والبحوث العلمية، بعض المشرفين يتعرضون لضغوط من نقص أخلاق أو ضعف علم أو فساد أصحاب نفوذ ( بعض أصحاب النفوذ كانوا رؤساء جامعات وكانوا وزراء ).

نظام العمل بجامعاتنا، يضع أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم أمام ضغوط أخلاقية واجتماعية واقتصادية يصبحون معها أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، بعضهم يصيبه اكتئاب نفسى أو تبلد ذهني أو تضخم الذات إحساسا بالعظمة أو تصاغر الذات إحساسا بالمهانة، وتكون النتيجة أن تنتج جامعاتنا قيادات مستقبلنا مشوهة علميا ونفسيا وأخلاقيا.

قليل من أهل الجامعة تأكله متاعب المهنة ويدخل فى دائرة مغلقة من الأمراض النفسية، يفشل فى علاقاته الخاصة، يتزوج أكثر من مرة ويفشل فى الزواج كل مرة، يسافر للخارج أكثر من مرة ولا يشعر بالغنى فى كل مرة، ويفشل فى علاقاته العامة، يصبح أستاذا فى علم وعنوانا لفكر ولا يخجل من التمسح بباطل أهل النفوذ.

نحن فى حاجة إلى إعادة النظر فى آليات تعيين وبقاء أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، ونحن فى حاجة أشد إلى فحص دورى نجريه عليهم لاكتشاف وعلاج المرضى النفسيين من بينهم، هكذا ننقذ الجامعات من مرضى نفسيين، يحملون حصانه التعامل معهم باعتبارهم حاملين لشهادات علمية معظمها مضروب، ويحملون حصانه عطفنا الأخلاقى عليهم، نرفع التكليف عنهم باعتبارهم مرضى ولكن لا يشعرون.

Tuesday, October 31, 2006

البحث عن دوابنا الثقافية

لأن التاريخ لا يمجد غير الشرفاء ولا يخط غير فعل الأقوياء، شاع بين أهل التاريخ أنهم يحبون الحياة ويملكون إرادة التغيير ويصنعون حضارة الإنسان، ولأن عائلتنا منذ قرون تتسرب من التاريخ، تعانى مشاكل الانقراض وتستمرئ الانحدار الحضارى، لذلك اجتمع أصحاب الأمر من رجالنا مع الحكيمات من أمهاتنا، وقرروا أن تحتل عائلتنا مواقع الفخر فى كل البقاع، كان رجالنا أكثر التحاما بالطبيعة، يدبّون فى الأرض حفاة الأقدام يتدثرون من عرى بأسمال تستر أبدانهم، ويحطبون من جوع فقير الزاد وخشن الطعام، وكانت نساؤنا أكثر امتلاء بالحكمة يملكن قلوبا مليئة بالحب وأيدى ساعية بالخير، وأكف مرفوعة بالدعاء، وجلابيب طويلة يتعلق بها الأطفال، فانعقد أمر تفوّق عائلتنا على امتلاك دابّة للركوب تكفينا مسغبة السفر فى التاريخ حفاة عراة جائعين.
فى القرن الأول، كنّا نرحل فى الوديان وشقوق الجبال وراء الماعز، طلبا للمرعى وسعيا فى الخفاء وراء دواب الآخرين، فكانت الماعز هى دوابنا التى أبدعنا امتلاكها وركوبها، نأكل لحمها ونشرب لبنها ويكسونا شعرها، وحين بلغ صيت عائلتنا كل القفار، انتشرت الأحقاد والدّسائس ضدنا، حتى أن كل ولاة أمورنا أهملوا شكاوانا من هجوم الضباع على دوابنا، فعاد أهلنا حفاة فقراء من جديد، لكن الرّائع أن المأساة لم تكتمل، فقد فرح الكثيرون من فقرائنا بما فعلته الضباع، ذلك بأن الماعز لم يركبها من عائلتنا غير قصار القامة، أولئك الذين أورثونا قدرا كبيرا من حنكة ضرب الأسافين وزرع الشقاق بين البشر.
فى القرون التالية، كنّا نرحل فى الوديان والصحارى وراء الجمال، طلبا للمرعى وسعيا فى الخفاء وراء دواب الآخرين، فكانت الجمال هى دوابنا التى أبدعنا امتلاكها وركوبها، نأكل لحمها ونشرب لبنها ويكسونا وبرها، وحين بلغ صيت عائلتنا كل الفيافى، انتشرت الأحقاد والدّسائس ضدنا، حتى أن كل ولاة أمورنا تناسوا شكاوانا من هجوم الذئاب على دوابنا، فعاد أهلنا حفاة فقراء للمرّة الألف، لكن الرّائع أن المأساة لم تكتمل، فقد فرح الكثيرون من فقرائنا بما فعلته الذئاب، ذلك بأن الجمال لم يركبها من عائلتنا غير طوال القامة، أولئك الذين أورثونا قدراً كبيرا من البلاهة والسّفه.
فى القرن الأخير، وصلنى بعض ما فعله الأجداد فى عائلتنا الكريمة، فبعت كل ما ورثته من ماعز وجمال، واشتريت دابّة من ثقافة تكرس رزق العبيد، وسعيت وراء أكل عيشى فى تجارة المماليك وجلود المضحكين وآبار الزيت، وأقمت كشوف بركة يغشاها الشّحاذون وبعض الفقراء، ونشَرٌتُ مسارح رقص وخطب وصالات دُعاء واستغفار يملأها روّاد المآدب وصانعوا القرار، وحين ذاع صيتى لدى كل البنوك ومخرجى الأزمات، ترصّدنى الحسّاد وقاطعوا الطريق، يدفعوننى مع كل الضعاف من ولاة الأمور فى عائلتنا، نختبئ داخل حفر من موائد طعام وصدقات تنصب فى مواسم الغفران، موائد لا تستحى فيها عيون الجوعى وتموت بها قلوب المفكرين.
صورة الأقوياء فى عائلتنا لم تكتمل بعد، فبرغم أننا نمارس الحجاب والنقاب وستر العورة على عقولنا إلا أن فصيلا من أقويائنا لم ينقرض بعد، ومازال بيننا من يفكّر ويحمل رأيا ويبحث عن دواب ثقافية أكثر تحضرا تحملنا عبر الزمن ولا تنوء بعصبة الجهلاء منا، لكن سلطة القهر فى بلادنا ترى المفكر حاسدا وقاطع طريق، يدعو بالتّلف على ثقافة ورثنا تخلفها، ويتآمر على إيقاظ عقلنا الجمعى، ويشيع بين الحاسدين أن ثقافتنا الحاضرة فقيرة لا تملك غير الخديعة بأننا أقوياء، المفكر القوى فى بلادنا يرى أن ثقافتنا الحاضرة مهيضة لا تطرح غير فكر يحمى ولاة أمورنا من مستصغر الشرر.

Wednesday, October 04, 2006

مصر .. وتوريث الحكم

قضية توريث الحكم فى مصر تشغل كثيرا من وقت ومساحات الصحف وأجهزة الإعلام، بعض الكتاب يعقد مقارنات بين نظم الحكم الجمهورية فى كل من سوريا وكوريا الشمالية وأذربيجان، يذكر دكتاتورية الحزب الحاكم وما تقوم به أجهزة الإعلام من تأليه أو على الأقل تعظيم دور الحاكم الفرد ليكون المواطنون جاهزين لقبول فكرة توريث الحكم فى دولة يفترض أنها جمهورية، هذا البعض من الكتاب لا يرى توفر نفس الظروف فى مصر وبالتالى فلا توريث محتمل لجمال مبارك لحكم مصر وريثا عن أبيه حسنى مبارك رئيس الجمهورية الحالى.

معالجة قضية توريث الحكم فى حاجة إلى تعريفات بسيطة لمصطلحات أولية يسهل معها التنبؤ بمستقبل نظام الحكم فى مصر.

أولا تعريف النظام العسكرى، هو نظام حكم يعتمد فى تنفيذ خططه على الطاعة العمياء للجنود تجاه قياداتهم، الجندى عليه أن ينفذ الأوامر فى البداية ثم يتظلم مما يراه فاسدا من تلك الأوامر فى مرحلة تالية، هذا إذا وجد الجندى داخل النظام العسكرى فرصة أصيلة للتظلم، ثانيا تعريف النظام الأمنى، هو نظام حكم يعتمد فى تنفيذ خططه على معلومات رجال أمن يعملون فى مجال الأسٍرار غير المعلنة للجميع، وفى حالات الفساد الإدارى يغلب على رجل الأمن إلى أن يكون فاسدا مرتشيا، يأخذ رشوة من المواطن كى يغمض عينه عن سوءات المواطن وتجاوزاته (التعامل مع إدارات الحكم المحلي وشرطة المرور وتجار المخدرات، أمثلة) وأن يأخذ رشوة من الحاكم كى يحكم قبضة ذلك الحاكم على المواطنين (دخول بعض القيادات الأمنية المصرية تتجاوز مئة ألف جنيه شهريا فى بلد يعانى فيه أكثر من 40 % من سكانه من الفقر المدقع، مدير بمكتب الوزير كمال الشاذلى حصل بالترهيب أو الترغيب على إعفاءات قدرها مائة وعشرين ألف جنيه حصل كان مقررا أن يدفعها رسوما دراسية لتعليم بناته الثلاث فى مدرسة الليسيه بالهرم - مقال د.سعيد اللاوندى بجريدة الأهرام الاثنين 2/10/2006م ، أمثلة).

إن المراقب لنظام الحكم الحالى فى مصر لا يخطئ الوصول إلى نتيجة أنه نظام عسكرى وأمنى يحمل كثيرا من الصفات المبينة أعلاه، نظام يعتمد فى قراراته على جهود حزب يكاد يكون هو الوحيد المسموح له بالنشاط السياسى ويساعد النظام جهاز أمن متضخم، هكذا نظام الحكم فى مصر يحمل فى بنيته التحية نفس الركائز لأنظمة الحكم فى كوريا وسوريا وليبيا وأذربيجان واليمن، ويزيد فوقها انه نظام مدعوم بأثرياء رجال الأعمال، ومن المعروف أن رجل الأعمال الناجح يعمل بنظام عسكرى وأمنى ليضمن تحقيق أهدافه فى تحقيق المكاسب المادية، أعنى أن نظامنا الحالى فى مصر يملك بجدارة الأساس المشترك والضرورى لتفعيل طريقة التوريث فى الحكم، وإذا نظرنا إلى الخطوات التنفيذية لتوريث الحكم نجد أن البنية الإعلامية للنظام الحاكم فى مصر يحكم بعض آلياتها جهد علمي ومخطط يقصد تلميع الوريث جمال مبارك، نعم فى مصر صحافة معارضة تصيح وتعلن برفض التوريث لجمال مبارك دون أن تمسك هذه المعارضة بأسباب موضوعية توضح أن الرجل غير كفؤ (لم تتعرض صحيفة إلى نقد قرارات أصدرها أو إلى مشروعية ذمته المالية مثلا) ، هذا جانب إعلامى يصنع ضجيجا حول شخص لا تثبت عيوبه، وعلى الجانب الأخر توجد صحف وإعلام حكومى يظهران الرجل على انه صاحب قدرات ومزايا دون عيوب، هكذا مجمل الإعلام المصرى يظهر أن جمال مبارك شخص له مزايا أو على الأقل ليس لديه عيوب، ويحدث الضجيج والزخم الإعلامى تساؤلات تنويرية تحوم حول عقول البسطاء عن الحاكم القادم، هى تساؤلات برقية تحاصرها شيوع حالات الترهيب والترغيب حول كل مواطن، هكذا يتوطن لدى الجمهور الغالب فى مصر، الذى لا يملك قدرات فاعله للاختيار الحر، أن الرئيس القادم هو جمال مبارك، وينتشر بين الناس مقولة شعبية ، هى اللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش.

إن مستقبل نظام الحكم فى مصر من حيث الصلاح أو الفساد قرين بمدى ما نحرزه نحن المصريين من إجابات واقعية للأسئلة التالية، هل يمكن تحييد الجيش بعيدا عن السياسة لنتخلص من عيوب النظام العسكرى؟، هل يمكننا تقوية القضاء ورفع قانون الطوارئ وتحسين البنية الإدارية فى مصر لنتخلص من مساوئ النظام الأمنى؟ هل يمكننا أن نروض رجال الأعمال بأدوات موضوعية ليكونوا رجالا أخلاقيين يكسبوا أرباحهم دون الإضرار بمصالح البلاد أو العباد؟ هل يمكننا أن نجد صحافة حرة وإعلام موضوعى تذكر المزايا والعيوب لكل مواطن يشغل منصبا سياسيا، سواء أكان جمال مبارك أو غيره؟، إجابة هذه الأسئلة يحتاج إلى عشرات من المفكرين والساسة ليضعوا الحلول فى متناول المصريين، والإجابة بعيدة المنال.

هذا بعض ما أراه من تحليل موضوعى لحالة الحكم فى مصر، ويقودنى هذا التحليل لنتيجة مفادها أن التوريث قادم إلى مصر، إلا إذا تغيرت الظروف بفعل فاعل، مات هذا أو قتل ذلك أو تنحى الاثنان معا، أو أن يخيب ظنى ويأتى الله بخلق جديد يحبون مصر ويدركون أن مصر لا تستحق التوريث، ويعملون على إرساء الحرية للجميع.

آواه يا مصر يا بلدى، إذا ظلت الأمور فيك كما هى عليه الآن، فانى أعلن تشاؤمى على مستقبل المصريين، وقبل أن يحيق بنا الفساد القادم أعلن رأيى الشخصى انه لو أتيحت لى فرصة حقيقية للانتخاب الحر فلن أوافق على ترشيح جمال مبارك رئيسا لمصر.

Wednesday, September 27, 2006

من كان منكم بلا أمير

مئات من الفتاوى الدينية تصدر كل يوم، بعضها يعد بالجحيم وبعضها الأخر يمنح صكوك الغفران، هى مئات من الفتاوى المتعارضة على نفس الموقف، فوائد البنوك وعمل المرأة أمثلة، والناس فى بلادنا طيبون متآمرون جهلاء، يسعون فى الحياة بلؤم ومداهنة وخبث.

ببساطه، إذا كان القرآن هو الأساس الأول فى التشريع الإسلامى ويأتى صحيح السنة فى المرتبة الثانية، وإذا كان الكثير من الآيات والأحاديث يصعب فهمه أو تناول حيثياته أمام عقل المسلم البسيط، وإذا ظل المسلمون بعيدين عن استخدام العلم فى مواجهة ما يستجد من أمور حياتهم، هكذا فان العقل الإسلامى سيبقى عاريا إلا من أساطير فى مواجهة فتاوى فقهاء السلطان، عقل عار لا يستطيع الفصل بين الغث والثمين، عقل أسطورى لا ينجح فى تجاوز فقهاء السلطان وقدسية فتاواهم، عقل يعانى من ذلك التخلف المريع الذى نحياه فى اوطاننا.

العقلاء يدركون أن الفقيه المعروف فى عصره، وكان هو الأولى بإتباع فتاواه، هو إنسان يحتاج أولا إلى علم ويحتاج ثانيا إلى سلطه إعلاميه تنشر ما توصل إليه من علم، فالناس لا يعرفون العلم إلا من خلال سلطة عقلية تصنعه وسلطة إعلامية تنشره، هكذا ببساطة يصنع العقل الجمعى وتضغط السلطة على فتاوى السلطان، ويسرى بين البسطاء والسذج أن هناك فروقا مقدسة بين فتوى فقيه ورأى عالم.

فى بلادنا بسطاء كثيرون يرون (من جهل أو من مصلحة) أن فقهاء الوهابية فى الحرم المكى أكثر قدسية من فقهاء السنة فى الأزهر، أو يرون أن أهل الأزهر أكثر اقترابا من ولاية الحق عن فقهاء الشيعة فى النجف الأشرف، هؤلاء البسطاء يحارون فى فهم الأسلوب الأجدى إنسانيا لتسيير أمور حياتهم،انهم جهلاء لا يعلمون أن فقهاء الحرم أو الأزهر أو النجف أو قناة التلفزيون أو مجلات الحائط هم علماء دين حبيس لا ينشر دون الاستعانة بسلطة فاعل، سواء كان هذا الفاعل ملكا خادما للحرمين أو رئيسا فى الأزهر أو إماما معصوما فى قم أو مختبئا فى النجف أو وزيرا فى التلفزيون أو مجندا فى مباحث امن الدولة أو مولاى فى المغرب، كل واحد من هذه السلاطين يعطى بركاته وسلطاته لمن يراه فقيها يؤيد بفتاواه جدوى بطش السلطان، هكذا تنتشر فى بلادنا تجارة رائجة بكل دين، ونقف مكتوفى الأيدى دون الأخذ بأسباب العلم لنخرج من تخلفنا، لا نعرف أن ما يبقى صالحا فى الأرض هو الفكر الموضوعى ، فكر يبنى على العقل، ويقبل محنة الجدل، وينسب قدسية الفكرة إلى مدى صلاحيتها لتحقيق تطور الإنسان.

أنا شخصيا أعيش عصر العلم وصناعة المعلومات، أفرق بين نص دينى أومن بثوابته وبين فتاوى حياتية اقضى بها على مشاكلى اليومية، لا تعنينى من أين تصدر الفتاوى الدينية فيما يستجد من معارف ومعارك حياتية، فلا عصمة لإنسان بعد نبى، أنا أتناول ما يستغلق على عقلى من فتاوى وأردها إلى قلبى استفتيه المعرفة، فان أصاب الرضى قلبى فعلت بالفتوى، وان أشاح الرضى عنه رفضتها، ولا يعنينى فى طلب الرضا أن يكون قلبى فظا أو غليظا، سائلا الله فى كل حال أن يرزقنى عبادة كعبادة العوام، عبادة بشر يحتكون بالحياة ولا يصادرون على أنفسهم حرية الفكر أو عشق الجدل، فليس فى عصرنا من هو أعلم أهل عصرنا، ففى عصرور التقدم البشرى ينسب كل فكر إلى مدى صلاحيته فى تحقيق حرية الإنسان، ومن كان لا يدرك أن الفتاوى الدينية يصنعها فقيه تحت إمرة حاكم، ويدرك أن نظريات العلم يصنعها باحث حر فوق سلطة الحاكم، فانه يدرك أهمية النداء إلى حرية العقل، وفى عصرنا من كان منا يحكم بلا أمير متسلط ،فليأتنا بفقيه ناصح.

Thursday, September 21, 2006

فى انتظار بنت الملك

فى طفولتى المبكرة، كنا أولاد الحارة صبيانا وبناتا نلعب الاستغماية، بعضنا يختبئ وراء أكوام السباخ والقش والحطب والزرائب، ولسبب غير مبرر كانت احدى بنات الجيران تفترى علينا أثناء لعبة الاستغماية، سريعة الجرى تطاردنا حول أماكن اختبائنا، حين يأتى دورها فى المطاردة تنجح بسرعة فى الامساك بى، تجرنى من قفاى إلى الأماية مكان تجمعنا، تصيح على مشهد من الجميع هيه مسكت العجل، عند هزيمتى اضرب الأرض واغضب واقسم لفريقنا أن بنت الجيران لم تمسكنى، وكيف تمسكنى اى بنت للجيران وأنا أسرع فى الجرى من كلب خالتى نزهة، وحين يكرر أولاد حارتنا شهادتهم على هزيمتى من بنت الجيران أغضب وأهدد بالانسحاب من كل فرق اللعب الرياضية فى حارتنا وأسرف الوعيد لبنت الجيران بأننى سأغلبها فى المرة القادمة وأننى سأتزوج أفضل منها ألف مره، وفى يوم مشهود أقسمت أمام أولاد حارتنا أننى سأتزوج بنت الملك.
حين أصبحت تلميذا فى الابتدائى اقتصر عالم مبارياتى الرياضية على اللعب مع الأولاد دون البنات وتأكد لأهل قريتنا أن الملك فاروق غادر مصر بعد خلعه عن العرش، وأن قوما آخرين استلموا العرش هكذا انشغل بعض أهلنا فى التعرف على نظام الحكم الجمهورى الجديد، ونسيت أن ابذل جهدا كافيا للتأكد من أن فاروق أنجب بنات صالحات ترضين طموحاتى فى الزواج من بنت الملك.
حين أصبحت طالبا جامعيا انشغلت بالدراسة مع وضع الصورة المناسبة للأميرة بنت الملك التى سأتزوجها، ولأننى لم أعاشر فاروق فى النظام الملكى ولم أكن عضوا فاعلا بالنظام الجمهورى الجديد، وجدتنى لا أحسن التفرقة بين الملك وبين رئيس الجمهورية، وحين حصلت على الشهادة الجامعية وشغلت وظيفة حكومية كان رئيس الجمهورية قد أصبح هو الملك الجديد، عندها اشتركت فى أول جمعية مالية مع زملائى وبعض أولاد حارتنا، هى خمسة جنيهات شهرية يدفعها كل فرد من عشرين فردا لتكون مائة جنية يحصل عليها كل مشترك حسب دوره فى الترتيب، وحين دخلت الجمعية الثالثة وأصبحت على مقربة من الثلاثمائة جنيه وهو مبلغ كاف فى ستينات القرن الماضى لشراء ثلاثة حمير أو بقرة عُشًر أو جاموسة ناصحة أو تجهيز زوجة طيبة، اكتشفت أن الملك رئيس الجمهورية رجل عسكرى، ولأننى فلاح يعانى الأمرين من تعنت العسكريين رأيت أن الملك الرئيس لا بد أن يفضل العسكريين أزواجا لبناته فعزفت مؤقتا عن الزواج من بنت الملك الرئيس، وفى هذه المرة ايضا نسيت الاهتمام بمعرفة بنات الملك الرئيس ولم أضع معاييرا لصلاحيتهن زوجات لى، وحين تأكدت أنى من فصيل غلابة الموظفين ولست من فصيل كبار العسكريين أو المثقفين وجدتنى مواطنا خارج دائرة المؤسسات الحزبية لم أصب منصبا كبيرا هنا ولم يعدنى أحد بمنصب اكبر هناك، قررت أن أعيش عيشة أهلى وأتزوج بنت عادية مرجئا زواجى من بنت الملك الرئيس لحين ميسرة، هكذا سارت بى الدنيا موظفا رقيق الحال وأصبحت مع رقتى أبا وزوجا عاديا أتدرب كل يوم على الصبر والاصطبار على نكد الحكومة والدولة والزوجة والأولاد.
منذ ثلاثة أعوام فقط وبعد تجرع نكد الزواج وغلاسة الأولاد طوال أكثر من ربع قرن، رأيتنى حصانا عزيزا ذل بالزواج، رأيتنى خيلا حكوميا عجوزا يجهزون العدة لاغتياله، لا حرية لى فى اختيار قاتلى ولا رأى ولا قول مسموع، فقررت أن استعيد بعضا من إرادتى واستنفر قدرتى على الرفض وأن أقول للزواج الماسخ لا، أن أقول انا هنا اختار لقاتلى ساحة الأعدام، وقررت أن اترك البيت والزوجة والأولاد أهيم فى ارض الوطن وأسعى جاهدا لتحقيق حلمى القديم فى الزواج من بنت الملك، هذه المرة بنت الملك رئيس الجمهورية، وبدأت افتح أذناى واسمع دبيب النمل ساعيا لجمع المعلومات عن الزوجة المرتقبة، عند محطة بنزين كبيرة قال سائق الأتوبيس هذه محطة بنزين ابن رئيس الجمهورية، وعند أول جلسة تسرية بين أصدقاء عن نكد الزوجات قال احدهم أن ابن رئيس الجمهورية يريد فتح جدار شقته الصغيرة فى أسوان ويصلها بشقته الصغيرة فى الإسكندرية، وان شقتيه الصغيرتين اشتراهما من مصروفه الخاص، وفى جلسة من جلسات النميمة على القيادات الحزبية والمدنية وموظفى المحليات وسياسات الجواز والطلاق والحكم والديمقراطية اجمع الجالسون على أن الملك الرئيس ليس لديه بنات بالمرة، واقسم كثير منهم أن لدية معلومات مؤكدة أنه رغم العمر المديد والصحة الحديد لملكنا الرئيس، أمد الله فى عمره وعافاه، فانه لا يفكر فى إنجاب بنات، وحين قرأت الصحف وفتحت التلفاز وشاهدت الملصقات تدعونى بالتعقل وأن أعود إلى البيت والزوجة والأولاد رجلا نصف متزوج أفضل من عجوز مشرد، رأيت من يؤكد فى الصحف ومجلس الشعب ودواوين الحكومة أن فى مصر ليس هناك ملك، ويؤكد أن فى مصر رئيس جمهورية دستورى ليس منجبا للبنات، هو ليس ملكا ولكنه ملك رئيس، وحين تأكدت بنفسى من هذه الوقائع رأيت بداية انهيار أحلامى، هكذا سأموت دون الزواج من بنت الملك، سأموت مكسور الجناح حانثا فى يمين أقسمته أمام الجموع من أولاد حارتنا، وبدأت الناس تمضغ مأساتى وتلوك سيرتى وتصنع ضجيجا متعمدا مع ابن الملك الرئيس أو ضده ، يصنعون دعاية ضخمة فى كل وسائل الإعلان وكأنه ليس مثل ابن الملك الرئيس أحد ملك رئيس، وان ابن الملك الرئيس إنسان عبقرى جرئ مقدام اتخذ خطوة نحو الزواج وخطب فتاه ليست بنت ملك، هكذا وجدتنى عائلا دون أن أغنى، لا يبقى لى من شأن فى هذه البلاد غير الدعاء لأبن الملك الرئيس أن يتزوج فعلا وأن يكون متخصصا فى إنجاب البنات دون الأولاد، أدعو له بالخصوبة وإنجاب آلاف البنات، ففى بلادنا ابن الرئيس هو ملك رئيس، وبنات الرئيس هن أميرات رئيس، وفى بلادنا فقهاء يفسرون مواد الدستور على أن يكون رئيسنا القادم هو ملك رئيس، هكذا حين يتحقق رجائى ويطيب دعائى بأن ينجب ملكنا الرئيس القادم دون الذكور آلافا من البنات الجميلات، وحين نملك من المؤسسات ما يجعلنا نتمسك بروح دستورنا الحالى بأن يكون ملكنا رجلا رئيس، عندها سيكون ملكنا الرئيس القادم دكتاتورا عظيما يخشى الرجال أن يناسبوه، وستبقى لدية ثلاث أو أربع من بناته أميرات رئيس عانسات تشحذن الاقتران بظل أى رجل، عندها ستأتينى فى آخر العمر أكثر من فرصة مواتية للزواج من بنت الملك الرئيس، وسيجد أولاد حارتنا فرصة حقيقية ينتخبون فيها يملئ إرادتهم رئيس جمهورية لبلادنا، رجلا من أبناء الشعب غير وارث لسلطة أو مورّث لدولة أو متزوجا من بنت ملك.

Monday, September 04, 2006

زمن الحروف .. والأسى

لا أدرى السبب المباشر لاستدعاء " زمن الحروف" عنوانا لهذه الخاطرة ، منذ زمن رسخ فى ذاكرتى عنوان زمن الحروف باعتباره عنوانا لقصيدة قرأتها منذ أكثر من ربع قرن ، حفظت أجزاء كثيرة منها ولم احفظ اسم كاتبها، كان مطلع القصيدة كالتالى، بينى وبينك سورة التحريم ، زمن الحروف ، تذكرى أنى وجدتك مرة تتوهجين ، لعابر ضل الطريق ، بينى وبينك إرثك الدموى والليل العتيق ، سبل تضل بها القوافل والبضائع، وأنا وأنت وصاله الجمهور تحشى بالهتاف وبالأكف ، وبيننا مليون شارع ، غرقت بماء الحبر والكتب النفسية بالدوار ، بينى وبينك أننا لما وقفنا للصلاة ، كان الخلاف أمامنا والوشم سيدنا المطاع واذرع اللقطاء باب ، . . . ، حتى نهاية القصيدة ، هذا العنوان زمن الحروف صالح لوصف زماننا، نحن أصحاب الهوية العربية المتهاوية، انه زمن الحروف والفواصل ونقاط القطع وعلامات التعجب، زمن يصلح تماما لوصف حال المثقفين الناطقين بالعربية ، الآن نحن أحوج ما نكون لوضع تعريف جديد للعرب المعاصرين وهم موضوع الوجود الحى للثقافة العربية المعاصرة، لا أقول بحاجتنا إلى تعريف جامع مانع ولكنا بحاجة إلى تعريف احتمالى موضوعى يضم غالبية الصفات الموضوعية للعرب، مدخل التعريف سؤال ثاقب ، هل العرب أصحاب لغة وارض ودين وثقافة متناسقة ؟، أم أن الوضع فى أوطانهم غير ذلك ، التعريف ضرورى كى تصبح لدى المهتمين بمستقبل العرب أدوات نقد موضوعية ، وكى لا يتوه منا الكلام وننساه بين دفات الحروف، أنا شخصيا أشك فى وجود العرب الفاعلين فى بناء الحضارة المعاصرة ، الحضارة المعاصرة واقع موضوعى، والتخلف الحضارى يعانى منه كثير من البشر، واجزم أن التخلف الحضارى هو السمة الغالب لسكان المنطقة الجغرافية من الخليج العربى ( أو الفارسى سمه ما شئت) إلى المحيط الأطلسى (أو بحر الظلمات سمه ما شئت)، شكى فى وجودهم الحضارى المعاصر يملأنى اعتقادا بأنه لا صحوة حضارية محتملة لهذه المنطقة من العالم دون وضع تعريف علمى يظهر المزايا والعيوب للعرب ، مثل هذا التعريف يحتاج وضعة إلى مجهود جيل كامل من المثقفين.

Wednesday, August 30, 2006

الكتابه من جديد

مشكلة كبيرة اعانيها فى الكتابة للنشر، أصحاب الجرائد يسعون للحياة بقوانينهم ، وانا اسعى فى الحياة بقانونى ، كثير هو التعارض القائم بيننا ، لذلك احاول هنا ان اكون حرا فى الكتابه واعود الى ايامى القديمه ، فى شبابى كان من عاداتى ان اكتب يوميات قد يصل طولها الى الف وخمسمائة كلمة يوميا ، الأن اعانى من كتابه مقال صغير لا يزيد حجمة عن ستمائة كلمة ، سبب المعاناه اننى اضع حسابا لمستوى عقول القارئ والرقيب ولصاحب الجريدة ولأولادى ولزوجتى ، حسابات كثيرة اجريها فاجدنى مكبلا حتى النهاية ، اعانى عسر ولادة مقال جيد صالح للنشر وارضى عنه، ماساة اواجهها حين ان اضع هذه القيود على نفسى فى الوقت الذى يجب أن ادرك فيه أن الحياة ستسير فى مجموعها بدونى وانها ايضا لن تتوقف لمتابعة افكارى ، انا هو الحى او الميت فى الحالتين عند استمرار الحياة أو توقفها لدى الأخرين ، بالفعل الأخرون هم الجحيم اذا اوقفنا انفسنا طوال الوقت على الاستمرار أو التوقف بقوانينهم ، مزعج أن اكون اسيرا اصنع القيود لنفسى، هنا على النت احاول الفكاك من كابوس تدليل الأخر ومداعبة غرائزه، هنا احاول ابداء الرأى فيما حولى دون اعتبار كبير لدرجة الرضا او الرفض من الأخر، احاول الكتابة دون الرجوع ، المؤلم والمصادر للحرية، الى مكونات اللغة المشتركة بينى وبين الأخرين ، اه من ذلك الألم يطير من حولى ويحط طائرا جريحا بجوارى، أه من هرائى الفكرى يملأنى ويبين هنا ، هل هناك الم يطير بالفعل حولنا ام اننا نحمل الألم داخلنا نعايشه ونصنع منه وحشا كبيرا نخيف به انفسنا، ونظلل باجنحته خوفنا من خوف الأخرين،
مزعجه هى القيود على الكتابة فى بلادنا، والأكثر ازعاجا هو الاستسلام دون الكتابة فى هذا الفضاء الجديد ، فضاء النت.

Monday, August 14, 2006

اجازة فى حب الوطن

وسط شراسة أعدائنا وضخامة كوارثنا وهول تصريحات أولى الأمر فى تفسير أحوالنا، يلقانى صديق يحيطنى بالرعاية وقصاصات الجرائد ونصائح بعض المخلصين، صديقى يرجونى أن أكون جميلا، هادئ الأعصاب كأننى بلا حس، كريم المعشر كأننى نصف أمير، عفيف اللسان وكأننى نصف ولى، راقيا فى مشروباتى كأننى نصف ثرى، أتوقف عن السباب والهجاء كأننى نصف وزير، أمارس تبرير تخلفنا بالقسمة والنصيب كأننى نصف شيخ عصرته حكمة الجهل، أبحث عن قلة حيلتنا بين مؤامرات نسجها صناع التاريخ حولنا كأننى نصف تلميذ لا يعرف القراءة.
وسط كل هذا الأسى، يدفعنى صديقى للتفكير فى أحوالنا والكتابة عن مصائبنا، متناسيا أننى مجرد فرد يعيش مثل الكثيرين فى مجتمع ضعيف، نهرب من مواجهة مسئولياتنا ونلقى عبء ضعفنا على ولاة الأمور، وأن ولاة أمورنا كثيرا ما ينفضون أيديهم من كل نائبة تحل بنا وتصنعها ولايتهم.
إليك يا صديقى الطيب، أما وان بلغت زوجاتنا سن اليأس وهشاشة العظام وروماتيزم المفاصل، ودخلن فى طور الأمهات الصالحات والجدات المزعجات، حين نطلب حقوقنا فى الوصال تلبس زوجاتنا الأبيض فى الأبيض، يطوقن أيديهن بالمسابح ويدعون لنا بالرشاد، وحين تشاغلنا لحظات طفولة نحب فيها الحياة ونطارد الفراشات نطلب منها الزواج، تلبس زوجاتنا الأسود فى الأسود، ويشعن بين الجيران وفى عقول الأولاد أننا أزواج من خيالات المآتة طيبون لا نهش ولا ننش، أما وأن زوجاتنا تفعل أكثر من ذلك، بعد طول عشرتنا ينكرن مودتنا، وبعد جرينا وسط الشوك ينكأن جروحنا،
أليس من حقى إذن يا صديق، أن أطلب إجازة قصيرة بعيدا عن الكتابة والكلام، أدير رأسى وأفكر فيما يحدث.
أما وان بلغ شبابنا سن التخرج من المدارس والجامعات ومواقع الخدمة العامة، يحملون صكوكنا الرسمية المختومة بالتفوق والقدوة الحسنة، ونلقيهم بأيدينا وعجزنا فى طور المحبطين، لتضم بلادنا تسعة ملايين عاطل عن العمل وثلاثة ملايين من العوانس جاوزت كل منهن الثلاثين من عمرها، وأصبحت قلوب شبابنا فارغة لا تثق بنا حين نحدثهم عن ماضى تسيدنا فيه البرية دون أن يساعدنا أحد، وتعتزلنا فى مشاركة الحاضر حين ندعى لهم أننا نملك ثقافة لا يشاركنا فيها أحد، ويكذبوننا حين نصور لهم مستقبلا مبهرنا سندخله دون أن يساعدنا أحد، أما وان بلغ شبابنا كل ذلك الانعزال، أليس من حقى إذن يا صديقى أن أطلب إجازة قصيرة بعيدا عن الكتابة والكلام، أدير رأسى وأفكر فيما يحدث.
أما وان بلغ مجتمعنا مشارف الانهيار، يطرق الأعداء أبوابنا من كل جانب، يستبيحون فكرنا بثقافتهم، ويحتلون أرضنا بأموالهم، ويعطلون قلوبنا بفنونهم، ونحن منكبون على الانسحاب إلى رحم تاريخنا، أطفال نسترجع الذكريات ولا نستطيع المواجهة، نمارس التبرير والتغرير بأهلنا دون أن نطرق أبواب العواصف، لا نخلع أبوابنا المتهالكة وينخرها السوس، لا ندير عتبات فكرنا نحو ثراء أرضنا وحرية أهلنا وجمال قلوبنا، تبتلع مقاهى الكلام أرصفتنا ونمارس فيها ألعاب الحظ والهروب والنميمة، تغطى نفايات الثقافة شوارعنا، خصائصنا مهدرة وألفاظنا هجين وعلامات طريقنا على غير عنوان، وصلاح فكرنا محشور فى أفواه المطابع وبين ساحات الورق وفوق موجات الأثير، فكرنا يخرج صريعا مهلهلا ويسد أبواب العمل، أما وان بلغ مجتمعنا هذا الحد من المهانة، أليس من حقى إذن يا صديق، أن أطلب إجازة قصيرة بعيدا عن الكتابة والكلام، أدير رأسى وأفكر فيما يحدث.
يا صديقى الطيب، إن مثلى يدفعه سعينا للتخلف لأن يتوقف عن التفكير والكتابة، واثقا أن بلادنا لن تخسر كثيرا إذا توقف أمثالى عن أى عمل، ولن تكسب بلادنا كثيرا إذا أتى أمثالى بكل البطولات، فنحن نعيش مجتمعات متخلفة تدربنا كل يوم على فقدان الثقة بالذات، وفقدان الجدوى من أى عمل، وتدربنا على أن نمنح الثقة فقط لولاة الأمور فى كل الأمور، إنهم من ضعفهم يحتاجون ثقتنا ونحن من ضعفنا لا نستطيع حملها إليهم.
مهلا يا صديقى الطيب، وقائع الحياة تدين للأقوياء بالاتجاه وتجرى على الضعفاء بالأثر، فلماذا لا نكون أقوياء؟ نراجع الفكر ونمهد الطريق ونبدأ العلاج، مدركين أن من يعطى لقلبه إجازة من حب الوطن وينأى بفكره عن مواجهة الخطر، هو كائن يعطى لنفسه صك اغتراب عن الحياة قاصدا أن يعيش أبد الدهر بين الحفر.