Tuesday, December 30, 2008

بيان شجب ودعوة ومناصرة

إزاء ما يحدث بغزة الفلسطينية
من جرائم وحشية ضد الإنسانية يمارسها المتصارعون بأسلحة القهر المادى والثقافى على حساب المدنيين
فان ياسر العدل
يشجب بكل قوة ممارسات العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى
كما يشجب بكل قوة ممارسات التخلف الحضارى والضعف السياسى
تمارسها القيادات العربية فى مواجهة هذه الجرائم
ويدعو كل القوى الفاعلة فى العالم إلى ممارسة دورها من اجل وقف هذه الجرائم
ويناصر الجهود الرامية إلى تحقيق السلام المبنى على العدل والمساواة بين البشر
ويناصر كل الطرق المؤدية للحفاظ على الحقوق الأساسية للإنسان المعاصر
توقيع د. ياسر العدل

Sunday, December 28, 2008

حقنة شفافية

مثل موظف غلبان فى حكومة غير رشيدة، جلست مع بعض الزملاء نمارس متعة النميمة واغتياب بعض قياداتنا، عينتهم القيادات الأعلى فى مناصبهم دون اختيارنا، إمكاناتهم مثل إمكاناتنا، أجسادهم مثل أجسادنا، مرتباتهم الرسمية مثل مرتباتنا، ومع ذلك يهبرون أموالا كثيرة بتخريجات قانونية وغير قانونية تضاعف من دخولهم، هكذا ارتفع مستوى النميمة فى جلستنا تجهيزا لمتعة التآمر.

تكاثرت أقاويل القيادات والحكومة والجيران عن الشفافية، فحملت فى صدرى طموحات أطرق بها المكتب الفخيم لمديرنا الكبير، قاصدا أن أكون رئيسا كبيرا أو على الأقل نصف رئيس.
اليوم المناسب للتعامل مع العظماء، قابلت مديرنا الكبير وحين انفرجت أساريره عن ابتسامة مدير كبير، سررت فى أذنه أقاويل غيرى من الموظفين الحاسدين المتآمرين، بأن قياداتنا الأعلى تهبر أموالا كثيرة تجاوز الآلاف من الجنيهات سنويا، يحصلون بسيف السلطة أو عصا الحياء على موافقات قانونية تصدرها مجالس إدارة خاصة، تدير صناديق خاصة وتتحكم فى بنود خاصة، ولا يرصد هذه الأموال إلا حاسد أو متآمر.

بحكمة بالغة وبصوت واثق أقسم مديرنا الكبير بالعيش والملح، أن حكومتنا تعمل كل شيء بكل شفافية، وان قياداتنا تبذل فى سبيل الوطن كثيرا من جهودها التطوعية، لا تريد جزاء ولا شكورا، وأن مرتبات الكبار لا تزيد عن مرتبات الصغار إلا جنيهات معدودة تنفق على الشاى والقهوة لاستقبال الضيوف وعابرى السبيل.
كان على أن انتشى كموظف كبير يمارس الشفافية مع المدير الكبير، فهتفت له بطول العمر مديرا وحكيما، وحين أعلنت رغبتى فى أن يطول عمرى سنوات للعمل تحت قيادته، نطبق الشفافية وننزع الفساد من الأرض دون مقابل، باغتنى برغبته السامية فى إنهاء اللقاء.

فى مساء نفس اليوم، رقدت فى السرير محموما، أعانى من فشل الحصول على منصب قيادى، أرغى بكلمات وانثرها فى وجه زوجتى، الشفافية يا أختى، تعنى وضوح القانون لمن يطبق بينهم، تعنى إعلاما موضوعيا يصنع تحضرا فى الرأى العام، تعنى سلامة المنطق فى بناء الفكر، تعنى ثقافة الانتماء لمصالح الأغلبية.
عند تلك الوصلة من الشفافية، وترويجا لطرق الحكومة فى علاج حمى صغار الموظفين، كانت زوجتى قد أعدت الماء والصابون والحقنة الشرجية.

المقال نشر فى جريدة العربى الناصرى - الأحد 28 ديسمبر 2008م

Tuesday, December 23, 2008

لازم نشوف مصر

مصر بلد كبيرة، مساحتها مليون كيلومتر مربع، يسكنها أكثر من خمسة وسبعين مليون إنسان، تاريخها الطويل جعلها مليئة بالقيم والأصول وأرضها مليئة بالخيرات، هكذا أصبحت مصر بلد تاريخ وجغرافية، ومع ذلك فكثير من المصريين لم يشوفوا مصر، ليس بسبب الفقر الاقتصادى بل بسبب غياب الوعى الثقافى بأهمية الرحلات.

منذ سنوات، أكثر من خمسة وثلاثين عاما، قمت بزيارة كثير من أرجاء مصر فى رحلات شبابية قليلة التكاليف على طريقة الأتوستوب، المواصلات مجانا ومعظم الطعام والمبيت مجانا، احمل حقيبة ظهرية بسيطة ومعى ورقة رسمية من نادى شباب انتمى إليه تطلب ممن يهمه الأمر تسهيل رحلاتى، على بداية الطريق أقف عند نقط المرور، عادة ما ينجح رجال المرور فى التوسط لدى سائقى السيارات ويحملونى معهم مجانا لمسافات على الطريق، وعند أول تجمع سكانى أحاول الاتصال برواد مركز الشباب فى هذا التجمع، انزل ضيفا عليهم واحكى لهم عن رحلاتى، كانت الناس فى زمان رحلاتى يعالجون دواعى الأمن ويتناولون أزماتنا الاجتماعية والثقافية بطرق تختلف عن زماننا الحاضر.

بعد سنوات من رحلاتى الفردية، قامت جماعات دينية برحلات جماعية تحمل نفس الأسلوب مع اختلاف النوايا بينى وبينهم، هم يحصرون همومهم فى أنشطة يزدادوا بها انعزالا عن الوطن، وأنا مشغول باكتشاف حبائل التواصل مع كل الوطن.

نحن الآن فى أوضاع ثقافية واجتماعية واقتصادية يؤدى تفاقمها إلى تحلل الانتماء القومى لدى كثير من المصرين، ولأن الرحلات الجماعية البسيطة والمنظمة يقوم بها الإنسان داخل وطن هى جزء من أدوات بعث الانتماء لهذا الوطن، لذلك فنحن بحاجة إلى مشروع قومى يناصر فكرة قيام جموع من المصريين برحلات شعبية قليلة التكاليف، هدفها أن يلمس المصرى أرجاء مصر بجسده، ويشوف واقعها بروحه، ويفكر فى مستقبلها بعقله، هكذا ندق أبواب التحضر بآليات ثقافية واقتصادية واجتماعية نقوى بها انتماءنا الوطنى، فنحيا أكثر حبا لأرضنا وأكثر حبا لتاريخنا وأكثر حبا لأهلنا، وأكثر رغبة فى بناء مصرنا العظيمة.

تنفيذ هذا المشروع يحتاج لجهود واعية من مصريين، أفرادا ومؤسسات، يتجاوزون بفكرهم رحلات قطار الشباب ورحلات الجماعات الدينية ورحلات الأسر الطلابية، رحلات عمال التراحيل هى الأقرب، يحبون الرحلات ويحبون العمل الجماعى، يعملون تحت شعار "لكى نحب مصر لازم نشوف مصر".

Sunday, December 21, 2008

حلم بالمحبة

لأننى موظف لدى حكومتنا الرشيدة، أقف صابرا فى طوابير العيش والتعليم والصحة والمياه والكهرباء والترقيات والميراث والانتخابات، ألهج بالدعاء طالبا الصحة وطول العمر لرؤسائى، أبذل جهدى فى تدليل زوجاتهم وأولادهم وأقاربهم وكلابهم وصغار الحمير، وحين طال انتظارى سنوات دون تحقيق شيء من العدل أو الكرامة، داعبت نفسى بحلم التمرد على رئيسى فى العمل، انه الأقرب لأصابعى وأول جزء تناله يدى من جسد الحكومة.

رئيسى فى العمل الحكومى، يأكل قليلا من عرق يده، ويحضر كثيرا من موائد الطعام على أرصفة الأشهر الحرم وفى احتفالات الحكومة، فى السر يفضح رأيه الشخصى كرها فى الحكومة وفعل الحكومة، وفى العلن يقدس رأى الحكومة بأن الأمور رائعة، يتدرب كل يوم على قبول الإهانة من الرؤساء ليصبح خبيرا فى إهانة المرؤوسين، لا يدخلنى فى تجربة الديمقراطية، ويصادر رغبتى فى الغناء، هكذا صرت أغنى منفردا فى الشوارع والبيوت وبين المحبطين، أنا أكرهك يا رئيسى العزيز.

ذات يوم قريب حلمت بموقف ديمقراطى، أن رئيسنا فى العمل ترك الوظيفة وهجر صحبة الحكومة ووزع علينا ثروته وبعض ما ملكت يمينه، فأصابتنى نوبة من الشجاعة وملأت أذن احد زملائى وكاتم أسرارى بوقائع الحلم قاصدا نشره بين الجميع، وحين تفشى الخبر وذاع وعم القرى والحضر، هاص الناس وأعلنوا حبهم للحرية.

فى بداية اليوم الثالث من صب الحلم فى أذن زميلى، دخلت مبنى الحكومة منتشيا أوزع ابتسامات حلمنا على الجميع، دخلت مكتبى فوجدته محطما بفعل فاعل، الكرسى مقلوب والأوراق مبعثرة، وحين وجدت صورة رئيسنا المباشر مهشمة على الأرض وصلتنى رسالة الأمر، كان زميلى وكاتم أسرارى قد ثار وفعلها، حمل عصا خشبية ليكسرها فوق دماغى فى مكتب الحكومة، ذلك أن أحدهم وشى بنا عند رئيسنا، فأهدر رئيسنا لزميلى وسب أهله واتهمه بالتواطؤ، وهدده بالعنة وتساقط الأطراف، كيف لموظف أن يصغى لحلم موظف آخر؟ إنما الأحلام صناعة موظفين متواطئين.

هكذا أصابنى رعب الجلوس وحيدا فى مكاتب حكومتنا الرشيدة، بعد أن تكاثر عدد من يتربصون بى الدوائر ويهددهم رئيسنا بالعنة وتساقط الأطراف ونقص فى الأرزاق، ولا منقذ لى غير التوقف عن حلم التغيير مع تدريب النفس على الحلم بمحبة رؤسائنا جميعا.

Monday, December 15, 2008

النفاق لا يحصد حرية

الحرية باعتبارها قدرة على إبداء الرأى مع الدفاع عنه، ليست مطلبا أصيلا عند المنافقين من أساتذة الجامعة، إنهم يعلنون غير ما يسرون ويفعلون غير ما يقولون، يبدون حماما يحاول البوح لكنهم يتطايرون عند أول ازدحام للدبابير.
عرض قرار إدارى على أحد مجالسنا الإدارية بالجامعة، القرار غير عادل يلبى حاجة ابن يملك قدرات عادية ويستغل قدرات أبيه غير العادية، باعتبار الأب يشغل منصبا كبيرا فى الجامعة، وعند التصويت وافق على القرار كثير من الأشرار ورفضه بعض الطيبين، هكذا شاركت فى محرقة تشعل الأرض فوق رأس زميلنا غير العادى وتميدها تحت قدمى ابنه العادى.
التقيت بزميل يعترض سرا على القرار ويشجعنى على طرح الاعتراضات فى كل الصحف، وحين سألته بعض المعلومات أسر فى أذنى بأنه لا يسعى للفضائح وأنى قادر على فعل ذلك وحدى، زميل ثان مشغول بأبحاث الترقية نصحنى بأن أفيق لمصالحى وابتعد عن الموضوع بدورة تدريبية هنا أو سفر هناك، واخبرنى زميل ثالث يحلب لبن الجامعة لصالح أولاده بأن زميلى الأول منافق أعطى صوته علنا لصالح القرار، واخبرنى زميل آخر بأن كل مجالس إدارات الجامعات توقع بالموافقة على قرارات أصحاب السيف والسلطان، هكذا وجدتنى أمام غالبية من أساتذة جامعاتنا، يتصنعون الطيبة ويرون أن واقعنا غير صالح للتغيير، ذلك أن زماننا متورم بقوة أشرار يحتكرون تشريع وتنفيذ ومراقبة كل القرارات.
إن حسن نوايا الطيبين لا يكفى لتحقيق الحرية طالما أن أقوال الطيبين لا تتسق مع أفعالهم، وواقعنا الجامعى يمتلئ بكثير من أساتذة جامعات يسرون برأيهم فى أذن الأماكن المغلقة ويعلنون رأيا آخر تسجله المحاضر الرسمية، فكيف لهؤلاء أن يسعوا نحو الحرية ويطالبوا بالديمقراطية؟.
النظام السائد فى المجتمع حاسم فى صناعة الحرية، الطيبون الأحرار يعيشون فى مجتمعات قوية صلبة تضم مؤسسات تحكمها قوانين عادلة تفصل بوضوح بين السلطات وبين المسئوليات، والعبيد الأشرار يعيشون فى مجتمعات ضعيفة رخوة، يفقد الناس فيها معايير القيم ويتخبطون فى دوائر متقاطعة من مصالح الأشرار على حساب قيم الخير والعدالة.
أسباب تخلفنا الحضارى كثيرة، من بينها أن كثيرا من أساتذة جامعاتنا يحملون صفات البشر فى المجتمعات الرخوة، ولا يتغيرون.

Monday, December 08, 2008

قيادات . . بالمراسلة


إعارات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات للعمل خارج جامعاتهم يمكن تصنيفها إلى ثلاث مجموعات، مهام علمية لصالح الفرد والمجتمع والجامعة تضمها البعثات العلمية، ومهام سيادية لصالح الفرد والمجتمع تضمها إعارات قانونية نصا وروحا، وأخيرا مهام شخصية تضمها كثير من إعارات ارتزاق تضمها وقائع تدليس وتزوير لصالح الفرد فقط.

مهام البعثات العلمية تتطلب من المعار السفر إلى بلاد الغربة بحثا عن جديد العلوم والمعارف والعودة بشهادات علمية واكتساب مهارات معرفيه يمكن قياسها، فى هذه المهام يتحمل المجتمع تكاليف البعثة ويتحمل المبعوث مشاق الاغتراب0

مهام الاعارات السيادية مثل إعارات الملحقين الثقافيين والتبادل العلمى، فيها يستوفى عضو هيئة التدريس بالجامعة قيامه بالعمل فترات على أرض الوطن، أقلها ثلاث سنوات لمن يحصل حديثا على الدكتوراه، وبناء على شرعية العقد الاجتماعى بين الفرد والمجتمع يحق لعضو هيئة التدريس المعار قانونيا أن يتقدم بأبحاثه العلمية للترقية ويساعده المجتمع على ترقى مناصب السلطة وتحمل المسئولية فى جامعته الأصلية0
تبقى مهام إعارات الارتزاق واكل العيش داخل وخارج الجامعات، هذه الإعارات غالبا ما تعود بكثير من الكسب المادى لصالح المعار وتعود على جامعته بالخسارة العلمية والمادية والأخلاقية، وفيها يستوفى المعار شكل القوانين دون أن يستكمل ما يسعى إليه المشرع من الحفاظ على الأخلاق والعرفان بالجميل بين الفرد والمجتمع، فمثلا زوجة لا تعمل أصلا فى الداخل ولا تعمل فعلا فى الخارج ومع ذلك يتم تزوير أوراق تتضمن عمل الزوجة مما يسمح لزوجها بالدوران حول القوانين ويسافر مرافقا لزوجته ليعمل هو خارج الجامعة، هكذا تحايل بعضهم وبمساعدة الإدارة الجامعية ليبقى خارج الجامعة فترات تجاوزت لدى بعضهم عشر سنوات كاملة، اكتفى فيها بدفع أموال قليلة للجامعة وضرائب تافهة للدولة وهدايا ثمينة لمن يهمهم أمر بقائه بعيدا، من مدلسين ومزورين ومنتفعين، وحين العودة يطالب بالترقية واعتلاء مناصب قيادية فى جامعاتنا.
على جامعاتنا المصرية أن تحسم رأيها القانونى والعلمى والثقافى فى أعضاء هيئة تدريس ينتمون لجماعات الارتزاق، فبعد سنوات من الغربة يتخلصون فيها من أعباء العمل اليومى بجامعاتهم الأصلية ويكتسبون وقائع ضعف علمى وأخلاقى وثقافى، هل تراهم صالحين لأن يشغلوا مناصب أرقى فى جامعاتهم الأصلية، وأن يقودوا تطور العملية التعليمية بجامعاتنا؟

Saturday, December 06, 2008

شٌرًابة الخُرج

من لا يسعى لتغيير مظاهر التخلف فى إدارة المجتمعات، فان دوره فى الحياة لا يتجاوز دور شٌرًابة الخرج، كل ما يفعله هو الاهتزاز الجميل على برادع الحمير، لا أرضا قطع بالفهم ولا ظهرا أبقى للتغيير.

بعض مظاهر التخلف فى بلادنا أن كثيرا من قياداتنا الكبيرة والوسيطة تسعى لتثبيت ربطات عنق قاصدة إخفاء حناجرها المجروحة بالنفاق لكل رئيس، وتتحسس صلاحية رؤوسها الفارغة لارتداء طرابيش التزلف لكل قادر.

كان طربوش أبى هو الوعاء الأحمر الوحيد صاحب العزة فى بيتنا، يعلقه على مسمار خشبى مرشوق فى حائط حجرتنا الطينية، لا تناله أيادينا ونحن صغار، كانت صعوبات الطفولة تواجهنى فى جمع الخرز الملون وبكرات الخيط الفارغة، وأحلم طوال الوقت باستخدام الطربوش مخزنا يحفظ مقتنياتى بعيدا عن كل يد، كان طربوش أبى وعاء أحمر من الصوف ذو حافة جلدية بداخله خوصة من قشر الخيزران، يعامله أبى برفق وافتخار، يمسح زغب التراب على جسده الأحمر ويمشط خيوطه السوداء لتتدلى باتساق على جانب منه، وفى كل صباح يرفعه من زره بإصبعين ثم يضعه على رأسه، ويركب به الحمار ويروح بعيدا إلى الشغل، وفى أيام الهناء كثيرا ما أسقط أبى الطربوش فوق رأسى، فيسد أذنى ويطفئ النور فى عينى، وتصيبنى شهقة انتشاء من هوائه المضغوط دافعا البرودة نحو كتفى.

بعد سنوات أصبح حمارنا عجوزا لا يقاوم الانزلاق فى لبخة الطين بشوارع الشتاء، فوقع حمارنا أكثر من مرة، وداس على الطربوش فى كل مرة، وتعودنا أن ينسى أبى الطربوش على المسمار الخشبى، وبدأت أداعب أحلامى فى الطربوش، وحين طالته يداى أدخلت حبلا من خيوطه السوداء فى ثقوب ظهرت بجانبيه، وأصبح لدى وعاء أحمر أجره على الأرض بكرافتة قديمة جررت بها قططا صغيرة وكلاب، وحين مات أبى غسلت الطربوش وحفظته فى دولاب خشبى، هكذا صنعت لخرقة قديمة من صوف الجوخ تاريخا أقصه على أولادى.

تقدمنا الحضارى رهين بالتخلص من قيادات تمارس دور شُرًابة الخُرج، يعلقون احترام ذواتهم على الفصل بينهم وبين الجماهير، يمهدون الطريق لفساد القيم ويمارسون تخريب العقول، ينكسون رؤوسهم احتراما لطرابيش داستها حميرنا، ويربطون أعناقهم بكرافتات جررنا بها كثيرا من الكلاب.
المقال نشر فى جريدة العربى الناصرى - الأحد 7 ديسمبر 2008م

Thursday, December 04, 2008

الضعف فى تنفيذ القانون


فى حادثة انهيار مبنى جديد تم القبض على المهندس (فلفل) وتبين انه أدين فى قضايا تجارة عملة وحيازة سلاح ابيض واغتصاب مدير بنك، وفى هوجة اشتباه فى تجارة الممنوع تم القبض على الولد (عنتر) وتبين انه ماسح أحذية هارب من إحدى زوجتيه ويتفاوض على عقد عمل فى الخارج، وقضى الحاج (فلته) عشرين يوما فى الحبس حتى تم القبض على رجل تشتبه الشرطة فى انه القاتل الوحيد لحصان رجل عظيم.

فى بعض المواسم تتحرك أدوات الشرطة فى تطهير منطقة من الخارجين على القانون، تفتش الأرض والسقوف والمنازل والجيوب، ويتم القبض على العشرات من المشتبه فيهم، وحين تخبو طبول مواسم التطهير، تهدأ المعمعة ويسترخى المتعبون من رجال ضبط ومنتفعين ووشاه, يخرج المقبوض عليهم من محابس تحت السيطرة تمهيدا لإعادة القبض عليهم وقت الحاجة لتسوية جرائم لم تستدل الشرطة على مرتكبيها.

حين يتكرر قبض الشرطة على نفس المشتبه فيهم يحتار الجميع فى تفسير بقاء كثير من المجرمين أحرارا لا تنالهم يد القانون، ينشرون فى الأرض فسادا ويروعون الآمنين، يتعاملون مع الشرطة كأنهم أصدقاء قدامى، هكذا يصل إلى فهم البسطاء أن إغماض عين الشرطة على نشاط كثير من المجرمين والفاسدين ليس راجعا لطبيعة الجرم أو لتنوع أسباب الفساد، بل راجع لأن يد الشرطة تتحرك لتنفيذ حالات موسمية ترتبط بحالات الترقية أو بتنفيذ سياسات فردية محددة، ويبقى لدى الناس شعورا طاغيا بعدم الأمان، ويحاصرهم إحساس دفين بأنهم مشاريع جاهزة لحالات اشتباه محتملة من الشرطة، ذلك بأن إغماض العيون عن جرائم مشهودة إنما هو مساومة يمارسها مجرمون قاصدو الهروب من كل مسائلة.

كلنا يعيش ضعفه الإنسانى ويعرف جناة من كل نوع، يعاشر خارجين على القانون فى أكثر من نص، يخالط زوجات وأولاد وأقارب وموظفين وتجار وفنانين وطلاب علم وأساتذة جامعات وصحفيين، لكن الخوف القاتل كامن فى صدورنا من سطوة الجناة ونوم القانون وفساد بعض الذمم، هذا الخوف يجعلنا طوال الوقت صالحين لأن نكون جناة من نوع ما.

إن ضعفنا الإنسانى وتخلفنا الثقافى وتعثرنا السياسى فى تناول قضايا الحرية كلها أسباب تدفعنا لأن نعيش خوفا يجعلنا لعبا سهلة أمام عشوائية السلطة, نستدرج القوانين لتخدم مصالحنا فقط، نطرح أنفسنا صالحين للاستخدام فى مواسم توريد الجناة للقضايا الناقصة أو المحتملة، ونحاول جلب الأمن لأنفسنا بأنفسنا، فنتحسس العصى ونشحذ السكاكين قاصدين أن نهش أهل خوالبلطجة من حولنا وأن تلامس أيادينا عدالة تطبيق القانون.

لا سبيل أمامنا للهروب من دوائر الخوف الشخصى والجماعى غير الإمساك بأدوات الحرية، حرية الفكر بالديمقراطية، وحرية الإرادة بالوعى، وحرية الفعل بالعلم، نحن بحاجة إلى إدارة علمية تساعدنا على الفصل الحاسم بين عناصر اللعبة، بين الجناة باعتبارهم موضوع اتهام للشرطة وبين الشرطة باعتبارها أداة لتنفيذ أحكام القضاء وبين القضاء باعتباره أداة لكشف للعدالة، نحن بحاجة إلى إدارة علمية ترفع الوعى لدى الناس ليدركوا طبيعة حرياتهم، ترفع كفاءة الشرطة فى جمع المعلومات وتحليلها وإدارة نشاطاتها، ترفع درجة تطبيق نصوص القانون لتشمل الجميع، ترفع سرعة التقاضى وسرعة الحسم فى الأحكام، ترفع صلاحية السجون لحبس كل مخالف.

إن الطريق نحو رفع خوفنا من ظلم محتمل يطرح علينا كمصريين أسئلة محورية، كيف لنا أن نعرف واجباتنا ونطالب بحقوقنا؟، كيف لنا أن نتخلص من عشوائية السلوك الشرطى؟ كيف لنا أن نتجاوز ضعفنا فى تنفيذ القانون؟.
المقال نشر فى مجلة المصور - الجمعة 5 ديسمبر 2008م