Friday, October 30, 2009

النقاب إهانة عقلية



بصفة عامة، أنا ممن لا يؤيدون ارتداء المرأة لزى النقاب، حجتى فى ذلك حجة عقلية، فالأزياء التى تجعل من المرأة مجرد خيمة سوداء متحركة إنما هى أزياء تمثل إهانة عقلية للمرأة وللرجل على السواء، أقول إهانة عقلية قاصدا أن لا يصادر احدهم على حديثى بالقول بأن النقاب أمر دينى، ذلك بأن طبيعة الدين إيمان قلبى وليس فهما عقليا، لذلك فأنا أرفض وجود النقاب بين طالبات الجامعة، تماما مثلما أرفض العرى بينهن، فالنقاب والعرى يمثلان شذوذا سلوكيا وفكريا يحول دون حرية العقل وحياده فى تناول قضايا البحث العلمى.

خلال الأيام الماضية صدر قرار حضارى من وزير التعليم العالى بمنع المنتقبات من دخول الحرم الجامعى، ومع ذلك عند دخولى قاعات الدرس بالجامعة رأيت طالبات منتقبات يجلسن أمامى، أمام هذا الإصرار على عدم تنفيذ هذا القرار، أتصور أن ما حدث هو وصول تعليمات صريحة إلى إدارة الأمن فى الجامعة بمنع دخول المنتقبات، وحين هبطت هذه التعليمات من مستوى القيادة إلى مستوى التنفيذ تم خلطها بالعقلية الحكومية السائدة فى نظامنا البيروقراطى العسكرى، قيادات كبيرة تضع قرارات دون النظر فى إمكانية تنفيذها، وقيادات وسطى تسعى لتسديد الخانات دون فعل حقيقى، وقيادات تنفيذية تنقصها ثقافة النقاش المتحضر، هكذا تحول قرار منع المنتقبات إلى استهلاك إعلامى ساذج، لا الطالبات التزمن بالتنفيذ ولا وزارة التعليم العالى توقفت عن تأييد القرار.

إن رفض الشارع العام لتنفيذ كثير من القرارات الحكومية يرجع لسببن رئيسين: الأول أن الحكومة دربت المواطنين على عدم المصداقية حين تصدر كثيرا من القرارات يشتم منها رائحة الخدمة الشخصية لشخص أو مجموعة دون نظر للمطالب الموضوعية للأغلبية، أما السبب الثانى فيرجع لخلو الساحة من فكر ناضج علميا يصارع فكرا غير حضارى يتفشى بين المصريين ويمارسون به ازدواجية سلوكية مقيتة، فرجال أمن الجامعة يتسقون مع أنفسهم حين يغضون الطرف عن دخول المنتقبات إلى الجامعة ذلك بأن الكثيرين منهم يرى فى ذلك اتساقا دينيا يرتضونه ثقافيا ويرون فيه رفضا نفسيا لسلطة قاهرة عليهم، فى حين أنهم يمارسون الازدواج السلوكى حين يتعلق الأمر برشوة أو اجر إضافى غير مبرر، إنهم موظفو حكومة عاجزة فكريا لا تملك مشرعا حضاريا للتقدم، وعاجزة ماديا عن تحقيق مصداقية قراراتها.

Friday, October 16, 2009

الأحزاب داخل الجامعات


يبدأ كل عام دراسى فينضم عشرات الآلاف من طلاب الثانوى إلى مئات الآلاف من طلاب الجامعة، وطلاب الثانوى فى بلادنا شياطين صغار، تعلموا القفز فوق سور المدرسة وشراء شهادات مرضية تسمح لهم بالغياب عن الفصول والانضمام إلى علب الدروس الخصوصية، لم يتعلم معظمهم فضل العلم والثقافة داخل الفصول المدرسية، إنهم يحملون ثقافة مجتمع بليد متسيب، هؤلاء المغلوبون على أمرهم ينضمون إلى بيئتنا الجامعية المعاصرة، المتواضعة ثقافيا بفعل المسئولين عن جامعاتنا، فكثير من المسئولين يسعون لأن تبقى جامعاتنا مرتعا لهامشية الوعى وضياع الانتماء، هكذا ينتهى كل عام دراسى بتخريج المزيد من البشر الهامشيين في مصرنا المحروسة.

وترجع هامشية الوعى الثقافي بين طلاب الجامعات للأسباب الآتية:

أولا: عدم التواجد الحزبى فى الجامعة، بحجة أن الجامعة لا دخل لها بالسياسة، ومن ثم ينقسم الطلاب إلى جموع ينهبها الفراغ الفكرى، قليل منهم ينضم إلى أحزاب تعمل فى الظلام، وأقل القليل ينضم إلى نعاج السلطة يتلقون الرشاوى المختلفة من ميزانية الجامعة كى يبقون فى القطيع.

ثانيا: اللوائح الإدارية التى تحكم العمل الثقافى تضم عشرات من القوانين والتعليمات المعلنة والسرية، جعلت أهل الثقة يحتلون معظم المراكز القيادية، ينفذون أوامر السلطة دون مناقشة، ويتم تنحية أصحاب الكفاءة بعيدا عن صناعة القرار، ويغلب أن يتولى مسئولية النشاط الثقافى فى الكليات من لا يقرأ الأدب ولا يفهم السياسة ولا يذهب إلى المسرح.

ثالثا: القضايا الحيوية مثل الديمقراطية والنمو الاقتصادى وتحرير الفكر والتقدم الحضارى، لا تطرح للنقاش علي المستوي العلني داخل مدرجات الجامعة، فالنظم الإدارية تحول دون مشاركة الطلاب والعاملين فى نقاش موضوعى، هكذا ينسحب الكثير ممن لديهم المقدرة علي الإفادة تاركين الساحة لأنصاف المثقفين وبقايا البشر ممن تحترف النفاق للجميع.
إن العمل الثقافى في الجامعات المصرية مجال تلعب فيه الأجهزة الإدارية دور مصارع وحيد يتولى الحكم علي جدوى الثقافة والمثقفين، ولأن كثيرا من قياداتنا الجامعية يسيئون الفهم السياسى لدور الثقافة، هكذا تسرى على طلابنا الجامعيين حالة عامة من الجبن السياسى والانكفاء على الذات، ولا مخرج من هذا التردى غير تشجيع الأحزاب على العمل داخل الجامعات.