Thursday, January 28, 2010

مرتبى زاد


أنا موظف مصرى، واحد من بين أكثر من خمسة ملايين موظف حكومى، أتقاضى مرتبا هزيلا لا يكفى مواجهة أعباء حياتى اليومية، مرتب يدربنى على الدخول فى زمرة العصاميين، أستعين بالصبر والشكوى والنميمة على تحمل قلة قيمة نقودى فى سوق الحاجات وعلى تجرع هوان أمرى على السلطات، أدفع نقودا وضرائب وهبات ورشاوى للمحليات والدولة والشركات والجزار والبقال، ادفع ثمن الطعام واللباس لأبنى الأكبر الذى تخرج متفوقا من جامعة الحكومة ولا يجد عملا، وادفع للولد الثالث ثمن الدروس الخصوصية فى مدارس الحكومة وقيمة الأدوية فى العلاج المجانى، وأدفع للولد الثانى ثمن الهاتف المحمول وبعض علب السجائر التى تدسهم فى وجدانه إعلانات التلفزيون وتواطؤ الحكومة، المصيبة أننى أدفع تلك النقود مجبرا بموجب عقود إذعان تفرضها على سلطات الأهل والجيران والحكومة وبعض الحاسدين، فى مقابل مستوى متواضع جدا من الخدمات، ومع ذلك الإذعان لا أحصل على صفات العميل الجيد أو الأب الحنون أو المواطن الصالح.

ولأننى مازلت موظفا، تعلمنى لوائح الحكومة حرفية تعطيل واختراق كل القوانين، ولأننى ادفع نقودا أكثر مقابل خدمات أقل، لذلك أخذ بحقى كل تبن وحلفا من الحكومة والأولاد والجزارين والبقالين، أعمل فى المتوسط سبعة وعشرين دقيقة كل يوم، وأنفق ما تبقى من يومى فى طوابير العيش ووسائل المواصلات والعراك مع الجيران، ولا أسعى لرفع كفاءتى فى العمل المنتج، ذلك بأن رئيسى فى العمل لا يملك أدوات موضوعية لتقييم أدائى، يصدر أحكامه الوظيفية بناء على معايير شخصية ترسمها مصالحة الخاصة.

هكذا أنا موظف أسعى للحصول على أموال وهبات ورشاوى أرى فيها استعادة بعض من حقى المهضوم، وحين يتحرك ضميرى بالألم، أستعين بذخيرة من حكم وأمثال وميراث حكومى وشعبى تكفى للاقتناع بأن الحساب عن الخير والشر لن يقف عندى، فطالما أن أحدا لا يهتم باستيفاء حقوقى كمواطن، فان أحدا لن يهتم بمتابعة واجباتى كمسئول، ذلك بأننا نحن الغلابة نهدر بعضا من الموارد، لكن الكبار يأكلونها والعة، يهبرون أموالنا بالملايين ويغسلون أموالهم فى دمائنا، عيونهم فاجرة تندب فيها ألف رصاصة دون أن يهتز لهم طرف.

برغم أننى موظف حكومة، أعانى من ضعف الإدارة ومن عجز القوانين عن تحقيق قدر معقول من العدالة، إلا أننى فى لحظة صفاء يمكننى أن استعيد قدراتى على التفكير الموضوعى وأطرح سؤالا عاما، ماذا يحدث لو قررت الحكومة مضاعفة موظفيها خمس مرات مثلا، هل ستحل مشاكلنا الوظيفة؟ إن الإجابة بالطبع لا، بل سيظل حالنا كما هو عليه من تسيب إدارى وضعف الخدمات وفساد بيروقراطى، ذلك لأن عملية زيادة المرتبات وحدها دون مساس ببقية عناصر أدائنا العام، يعنى حسب مصطلحات أهل الهندسة أن الحكومة تسعى لأن تعيد رسم الصورة بمقياس رسم جديد، دون أن تغير الزوايا أو العلاقات فى مكونات الصورة، وهكذا يظل فقرنا الاقتصادى والأخلاقى والاجتماعى، جاثما على صدور الجميع.

القيمة الحقيقية للمرتبات تقاس بتغيير العلاقات الوظيفية وسن القوانين التى تصنف الأعمال من حيث طبيعتها وأهميتها، وتحدد طرقا علمية لتقييم الكفاءة وإصلاح الأخطاء، أما أن يزيد مرتب موظف بألف جنيه ويزيد مرتب رئيسه بعشرة آلاف جنيه، دون أن يصاحب ذلك تقدم فى مفاهيم وأدوات العمل الحكومى، فمعنى ذلك أن الحكومة تدفع المرتبات بإصدار نقود ضعيفة القيمة، تزيد التضخم وتجنن الأسعار، وتفتح مزيدا من أبواب الفساد.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر - الثلاثاء 26 يناير2010م

Wednesday, January 27, 2010

عليه العوض


فى مواسم جرد الذمم، احترق مخزن كبير بفعل فاعل، فتغامز الجيران وقالوا عليه العوض، وفى عملية جراحية مدفوعة الأجر، فقأ طبيبُ عين شاب، فولولت أم المريض وقالت: عليه العوض، وفى يوم موعود حملتُ بطيختين وعود قصب ودخلت بهما على زوجتى، ولما اكتشفَت أننى مرهق تماما, مصمصت شفتيها وقالت: عليه العوض، وانتشر فى حياتنا لحنُ ثقافى مميّز: عليه العوض ومنّه العوض.

ثقافتنا الشعبية السارية تقبل تصنيف المقصرين إلى طبقتين، طبقة فوقية غنية معصومة بعلاقاتها وقدراتها المالية والاجتماعية يعجز القانون عن ملاحقتها بعقوبة التقصير، وطبقة دونية فقيرة يمسك القانون برقبتها عند كل هفوة، ثقافتنا الشعبية تقبل إرجاء حساب المقصّرين طمعا فى أخذ بديل أكبر فى المستقبل فتترك أمر حسابهم لعظيم سيتدخل فى قادم الأيام، هكذا يفلت من العقاب كل من يوارى سوءة الفعل خلف منظومة دعائية من العصمة والقدرة.

فى مجتمع يتبنى ثقافة تأجيل حساب المقصرين، يسهل تحريك الرأى العام بأساليب إعلامية تحيل أسباب القصور إلى عوامل يصنعها الأعداء والآخرون دون أن يكون لمقصر معروف ذنب فيما يحيق بالمجتمع من فساد، هكذا يبنى المجتمع المتخلف ثقافة أفراده على نظام معلومات ضعيف تتآكل أدواته بعوامل التعرية الحضارية، ويكثر اعتماد ذلك المجتمع فى التعامل بالأرقام والبيانات على أفراد غير مدربين يخضعون لضغوط ثقافية واجتماعية واقتصادية متخلفة، عندها تخضع عملية جمع البيانات وتصنيفها إلى معايير شخصية، وتتحول صناعة المعلومات واتخاذ القرارات إلى صناعة مزاجية يداخلها شروع الضعفاء فى تصفية حساباتهم مع الآخرين.

ملايين وطاقات تنفق على مشاريعنا القومية، ولا يملك المواطنون وسائل موضوعية لتقييم جدواها الاقتصادية والاجتماعية، وتختلف نتائج التقييم باختلاف توجهات كل فريق، فريق يملك المعلومات وتنقصه الموضوعية فى اتخاذ القرار, وفريق يملك موضوعية العلم وتنقصه المعلومات.

شعبنا هو صاحب الحق الأصيل فى العوض عما نلاقيه فى حياتنا من هدر الإمكانيات والدوران فى حلقات الفقر والجهل والمرض، ولتعويض خسائرنا المادية والحضارية، علينا أن نتجاوز عصر الاعتماد على أهل ثقة يطبخون القرارات لمصالحهم الشخصية، وأن ندخل فى عصر شفافية المعلومات يستعين بأهل الخبرة ومن يقدرون بموضوعيتهم على حشد قدرات الجميع للنهوض بهذا الوطن، وتحديث ثقافته.

Wednesday, January 20, 2010

الذين يفسدون فى الأرض



أنا لا أكره وزيرا يحنث فى قسم توليه الوزارة بأنه سيرعى مصالح الوطن، ولا أكره صاحب مصنع يحتكر منتجاته ولا يفصح عن مصادر دخله، ولا أكره قائدا يخذلنا بالهزيمة ويجعل رقبتنا مثل السمسمة، أنا بالفعل لا أكره فقط، بل أكره وأحتقر هذا الصنف من القيادات يأتى لمنصبه بالتزوير ويفسد فى الأرض، أفعل ذلك باعتبارى لاعب كرة قديم عرف أصول حراسة المرمى.


فى قريتنا ومنذ الصغر اكتسبت مهارات اللعب بكرة القدم وتخصصت فى القيام بالمهام الخطيرة لحراسة مرمى فريق حارتنا المرعب، ملعبنا نقيمه على أرض شارع أو على ساحة جرن حصاد أو فى زنقة، حين نفتقد الأحجار الكبيرة نصنع شواهد متحركة للمرمى من أكوام تراب وطوب وملابس اللاعبين، وقت مبارياتنا مفتوح ولا مانع من أن يشاركنا اللعب بعض العابرين من بشر أو بهائم، وللجميع الحق فى الرجوع عن قراراتهم الكروية متى شاءوا.


فريق حارتنا المرعب أبدع طرقا عبقرية للفوز فى المباريات، طريقة تحريك شواهد المرمى تضيقا أو توسيعا ليعجز المنافس عن تسديد الكرة فى مرمانا، وطريقة الصياح والقسم بأغلظ الإيمان أن الكرة لم تدخل مرمانا، الطريقة (بَلْبَصْ) كانت هى الأفضل، نتحرش بملابس الفريق المنافس ونضيعها بعيدا عن أرض الملعب بقصد المساومة عليها، (بَلْبَصْ) هى تعرية الفريق المنافس من الهدوم وفضيحته مقابل الاعتراف بعدد من الأهداف تشفى غليلنا فيه، هكذا فى كثير من مبارياتنا حصدنا أهدافا تقارب ثلاثين هدفا لنا مقابل خمسة أهداف للخصم، ومع كل فوز تبدأ معارك يشترك فيها اللاعبون والمتفرجون وعابرى السبيل، وتتعدد الإصابات بالطوب والحصى والجلة الناشفة.


خبرتى فى حراسة المرمى مع فريق حارتنا إصابتى بالإحباط والأسى، فمهما كانت نتائج مبارياتنا عادة تنهال على رأسى الشتائم وبعض الطوب مع تقطيع الهدوم، إذا فزنا يتهمنى الفريق المنافس بتحريك الهدوم حتى ضاقت شواهد مرمانا وضاعت عليهم كراتهم، وإذا هزمنا يتهمنى فريقنا بتحريك الهدوم حتى وسعت شواهد مرمانا فاستقبل كرات المنافسين، هكذا مع انتشار مباريات كرة القدم كثرت الأورام والتسلخات فى جسدى وكثرت الرتوق فى هدومى، فتوقفت عن حراسة كل مرمى كروى، ونقل العقلاء عنى خبرة الطريقة (بَلْبَصْ) لتجريس المنافقين والفاسدين.


مع كثرة مشاكلنا، أرانى صالحا لقيادة حكومة أضبط سيرها على الطريقة (بَلْبَصْ)، يتم التحرش بهدوم كل مسئول لا يقوم
بواجبه، المشكلة عندنا أن بعضهم عينه باكسة وسيفرح بضياع الهدوم
.

Tuesday, January 05, 2010

ثرثرة جامعية


علشان الدنيا تلاهى، واحد عجوز صاحبى شغال فى الجامعة أخدنى على جنب وقعد يرص فى ودانى كلام يودى فى داهية، قال إيه وزير الجامعات غلطان، فى ايده الحل ومع ذلك مفيش حل.

وعلشان أنا موظف جامعة قلت لصاحبى: أقطع دراعى لو الوزير ده راح وجابه مكانه ألف وزير جديد ما فى حاجه هتتغير فى الجامعات، أصل الحكاية فى النظام اللى جعل الجامعات غير مستقلة إداريا وفكريا، أمن التخلف السياسى ماسك الجامعات من الشمال وإخوان التخلف الحضارى ماسكينها من اليمين، علشان كده مفيش حاجة هتتغير، على فكرة يا صاحبى، الإخوان موجودين فى الجامعات مش باعتبارهم تنظيم سياسى قوى، دولم موجودين باعتبارهم تخلف حضارى سارى بين كثير من أعضاء هيئة التدريس والقيادات الإدارية، واللى مش من الإخوان بيعانى من فقر وتخلف سياسى وثقافي، علشان كده تلاقى عميد كلية حاطط صورة لجمال مبارك فى مكتبه، يمكن يعينوه رئيس جامعة، وتلاقى رئيس جامعة مكتبه خالى من لوحات فنية، وتلاقى عميد كلية يتوقف عن العمل لمدة نصف ساعة صباح كل يوم فى مواعيد العمل الرسمية، قافل مكتبه على نفسه ويقرأ أوراد الصباح.

شوف يا صاحبى، الجامعات عندنا خربانه وكل يوم بتزيد خراب، فيها أعضاء هيئة تدريس وإداريين يستحقوا الصدقات والزكوات علشان يعيشوا بنى ادمين، وفيها محاضرين يرون أن الفن والفلسفة حرام، وفيها من يضيع الوقت ليثبت الإعجاز العلمى فى الكتب المقدسة، وفيها اللى بيزور أوراق علشان يسافر لبلاد الغربة يطرش كلمتين ويلطش قرشين ويرجع بمخ مقفول ينادى بقيم متخلفة.

يا صاحبى الجامعات فيها وفيها، ربنا يخليك كفاية غيبة ونميمة، ما تودناش فى داهية، ومن الآخر كلام فى ودنك: الناس وأولياء الأمور والحكومة والرقابة الإدارية تعرف عن الجامعات وقائع مخجلة أكثر منى ومنك عشرات المرات، وإذا سألتنى الحل إيه، أقولك الحل فى أيد ربنا، ومفيش قدامنا غير الدعاء، يا راجل ارفع ايدك وادعى معايا: إلاهى وأنت جاهى تاخد رؤوس الفساد وتحط عليهم نيلة وتصيبهم بالجرب والعنة والحول وتلزق وشهم فى قفاهم، يا رب دى دعوة أستاذ جامعة واخد دورات فى الندب والشحتفة، ومخدش دورات فى التسبيح بحمد الوزير أو الدعوة بعصمة المرشد، يارب علشان مستقبل مصر إقبل دعوتى وطينها بطين علي اللى سايبين جامعات بلدنا فى الحال ده، جاتهم واكسه، لا بيرحمونا ولا سايبين رحمة ربنا تنزل.

Saturday, January 02, 2010

العمداء الجدد

سيادة وزير التعليم العالى، كثيرة هى الأيام التى يجلس فيها أهل الجامعات على مصاطب النميمة يذكرون الطرق المعلنة لاختيار عمداء الكليات، ما بين انتخاب أو تعيين، ويتندر الجميع بالطرق السرية لتثبيت معظم القيادات.

طريقة انتخاب العميد ترى أن أهل الجامعة قوم أحرار وهم أحق من رجال الأمن باتخاذ القرار فى تعيين العمداء ورؤساء الأقسام العلمية وعمال النظافة، بينما طريقة اختيار العميد بالتعيين ترى أن أهل الجامعة أقنان أرض يتبارون فى إرضاء رجال الأمن ويتسابقون على مناصب تمنحها سراديب العلاقات الخاصة.

سيادة الوزير، نحن العاملين فى الجامعة لا يهمنا أن يكون المرشح للعمادة مصاب بضغط دم أو السكر، أو انه يصبغ شعره ثم يكويه ويرتدى ملابس داخلية سوداء ويستخدم عطورا زيتية مما يباع على أرصفة دور العبادة، ولا يهمنا أن المرشح يتناول البصل الأخضر أو الفجل الأحمر أو يفضل التدريس للطلبة دون الطالبات، فمثل هذه الأمور عيوب شخصية يمكن التجاوز عنها، فكلنا أصحاب مرض ونقترف كثيرا من الآثام الصغيرة، ولا يهمنا أن تكون الأستاذية هى الدرجة العلمية للعميد، فكثير من المرشحين يحمل درجة أستاذ مضروب جهلا أو أستاذ معار فقرا أو أستاذ يأكل العيش سحتا، ما يهمنا هو الوعى الثقافى للمرشح بمشاكلنا التعليمية واستشرافه طرقا علمية لحلها.

سيادة الوزير، لو تقدم مرشح للعمادة قضى معظم سنوات خدمته فى إعارة ارتزاق خارج مصر وعاد محملا بتخلف ثقافى مريع، يغازل الوقت الملائم لمنح درجة الدكتوراه لأبن مسئول كبير ويصطاد الوقت المناسب للعزاء فى قريبة مسئول كبير آخر، مثل هذا الأستاذ غير الملتزم لو خضع لاختياركم بطريقة التعيين فانه يصبح عميدا لكلية جامعية، يسبح بحمدكم صباحا وبعد كل تجشأ ودبر كل طعام، ولو خضع لاختيارنا بطريقة الانتخاب الحر لخرج من المنافسة الشريفة.

يا وزير التعليم العالى، انتم تؤيدون تدخل الأمن فى شؤون الجامعة، وتدفع سياستكم الكثيرين نحو السلبية فتجعلهم ينظرون إلى الجامعة كحمار ترعاه السلطة، ويتركون لأحبابكم حرية ربط الحمار فى المكان الذى تريدون، ونحن نرى أن تعيين العمداء بالانتخاب الحر مع الكفاءة العلمية يحفزنا لأن نشارك فى بقاء الجامعة حمارا قويا يخدم الجميع.