Tuesday, December 21, 2010

نفسى فى الوزارة

شكرا لكل الناس الحلوة، اشتغلوا فى الانتخابات ونجح بهم أهل قوة وبعض الحكماء، وتشكل مجلس تشريع القوانين، والباقى من شغل الحلوين تشكيل الوزارة الجديدة، وهنا اعرض إمكانياتى على أمل أن أحظى برضا وترشيح أحدهم، فأنتقل من قعدة المصاطب إلى كرسى الوزارة رأسا.

ولدتنى أمى فى عام طافت فيها حمى الكوليرا كثيرا من بقاع مصر وحصدت آلافا من الأرواح، ثلاثة أشهر انتظر الحاسدون أن تأكلنى الكوليرا ولم تأكلنى، وحين تأكد للناس أننى حى أرزق قام أبى بتسجيل حادثة ميلادى فى دفاتر الحكومة، كان أبى حصيفا ففى شهر ميلادى ولد عدد من العظماء، نابليون وماركس وثلاثة من أعضاء البرلمان المعينين، وراقصتين.

فى القرية تعودت الاستحمام فى الطست بالماء الساخن مرتين أو ثلاث كل عام وأرتدى هدومى الجديدة مع حلول عيد اللحمة وعيد الحلاوة، أصابنى الرمد الحبيبى ومارست اللعب أياما تحت وطأة علاج الششم الأبيض، طالت فترة ختانى ثلاثة أسابيع أسير فاتح الرجلين تحت وطأة علاج البودرة البيضاء، فى قيظ الصيف نجحت فى إنشاء مصيفى الخاص، طردت بعض كلاب تستبرد بمياه قناة تظللها شجرة صفصاف واستبردت أنا بنفس الماء والشجرة، فى سباق مشهود نجحت فى عبور ترعة قريتنا غوصا، كان الغوص والمرور تحت جثه حمار طافية، وحين أصابتنى البلهارسيا كنت ابتهج مع كل ألم فى التبول، فثقافة قريتنا ترى أن خروج الدم فى البول دليل على الصحة والعافية، وحين هاجمنى القراع وصاحبنى الدّرن أعتاد كثير من الأحبة أن يواسونىى، بعضهم كان يعايرنى.

فى المدينة أصبحت شابا، أفطر فولا بالطحينة مع البصل على نواصى عربات الفول، أو أتناول الفول النابت على نواصى أسواق الخضار، أحيانا أتغدى فشه ولحمة رأس على نواصى المجازر، وعادة أتناول العشاء فولا مدمسا وباذنجانا مخللا، وفى كل يوم أنام فى حجرة ضيقة لا يزعجنى طفح المجارى أو انقطاع الكهرباء أو ضجيج الجيران، وحين كرهت فكرة الزواج وتناول الشطة والطُرشى ابتهج طبيب وهو يخبرنى أن كبدى كسلان.

فى كل القرى والمدن أصبحت شيخا، أحمل آثارا لعشرات من الأمراض ومواقف الحب والفهم المناسب، أفوت بهدوء بين السيارات وأنجو بلطف من الحوادث، يساعدنى الطيبون على عبور الطرق وصعود السلالم والنوم على الأسرة، وأصبحت أومن بأن الدنيا خِفة ودلع وتسليك مصالح.


هكذا مع تاريخى النضالى، ولأن البلد بلد فقراء وغلابة، أرانى صالحا لأن أكون وزيرا عتره صاحب حظوة ومال، قادرا على أن أملأ شارعنا بطعام أوبن بوفيه، وأن أوزع خمسة جنيهات لكل من يطلق زغرودة باسمنا، وأن أفتح طرقا لتوريث عظمتى للأهل وبعض الجيران.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 21 ديسمبر 2010م

Tuesday, December 14, 2010

أنا أحب الفلوس

طوال عمرى أحلم بجيوب قماش طويلة مليئة بالفلوس، تداعبنى أحلام الثروة والعظمة والتعالى، أستمتع بأسياخ اللحم المشوى مع دوارق الكركديه واللبن الرايب والطحينة والعيش الفينو، تطول أمعائى وتتسع عبر الأرض مليئة بأنواع المحمر والمشمر والحلويات والمشويُات، وحين تسقط على ظهرى وقائع أزمتنا الاقتصادية ويسقط أقربائى فى الانتخابات دون تزوير، تتهافت أحلامى وتهرب عن عالمى وعود المسئولين بصلاح الأحوال، ويشتد وطيس الجوع فى جسدى، وتنفلت أربطة الفكر الجميل فى عقلى، هكذا أعلن كل يوم الإضراب عن أحلام الثراء وأبدأ ألعاب المطحونين.

كل يوم أخرج من دارى قاصدا التواصل مع كل البشر، الأعداء وبعض الأصدقاء، هى دقائق قليلة ويشهد الراسخون فى الفقر وبعض الأغنياء أننى مفلس جيوبى مخرومة، لا ينجح مرتب الحكومة أو كرم الأصدقاء أو زكاة المتطهرين فى سد خروم جيوبى، هكذا يشعرنى الإفلاس ببرودة الأطراف والأنامل، فلا أمسك فلوسا كبيرة هنا ولا أدخر فلوسا عظيمة هناك.

كل يوم أجرى وراء العيش فى الأرض طلبا لرغيف من سن حاف أو بقايا من لحم مشوى، أناور رؤسائى لاقتنص قطع البقلاوة والعسلية وعصير القصب البارد، أهرب من نكد الزوجة ومطالب الأولاد، أمضغ اللبان واستحلب القرنفل، أتنكر للزملاء والمديرين وقاطعى الطرق، أمد يدى للحكومة فى علاوة أو قرض أو منحة صغيرة، أتلاطم مع الناس والأفكار فى الشوارع ومحطات الأتوبيس والمقاهى ومداخل العمارات، وابذل كل جهدى باحثا عن الفلوس، أطلبها نقودا سائبة أو مربوطة أو شيكات بنكية، برغم جهدى العبقرى لا أصيب من الفلوس غير نقطه هنا أو سرسوبا هناك.

كثرة حالات الفشل تعطى حججا لمن أراد أن يكون عصاميا، هكذا رضيت أن أكون عصاميا متحضرا أرى الفلوس ولا أشتهيها، أبحث كل حين عن أقرب صالة انتظار مفتوحة فى بنك متحضر، أدخل الصالة واحشر جسدى فى طوابير انتظار الفلوس، ينحشر فمى بالكلام فأمارس النميمة والنكات مع أبناء الطوابير أمثالى، أشرع معهم فى صياغة عشرات من الزيجات الطارئة والحلول لضعف اقتصادنا وتخلف أحوالنا، وفى كل مرة يستلم فيها أحدهم فلوسا أو يودع فلوسا أو يأتى بسيرة الفلوس اكتشف للمرة الألف أنى مفلس ومنحوس ويدى مخرومة أيضا.

فى اللحظة المناسبة، قبل الثورة على أهل الفلوس، أمنح نفسى صفة إنسان عصامى، فأتنازل عن دورى فى طوابير الفلوس، والقى بجسدى مسترخيا على كراسى الانتظار الجلدية، مستمتعا بالوحدة والإفلاس والهواء المكيف وأشباح العملاء، أفكر فى اللحم المشوى والخبز البلدى والشاى الساخن، ألوك اللبان وأحك أرنبة انفى، متجاهلا عيون كاميرات تتلصص فى الأركان، ومشاكسا عيون رجال شرطة وعملاء ينتظرون منى الرحيل.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 14 ديسمبر 2010م

Tuesday, December 07, 2010

الحكومة السرية


فى الوطن الضعيف، تستطيل المسافات فارقة بين نصوص القوانين وبين تعليمات تنفيذها، ويتم التفرقة بين حرفية النص وبين روح التشريع الموضوع للتعامل مع البشر، وتتحكم العلاقات الشخصية فى تلبية مطالب المواطنين، وتفصل السلطة بين إمكانيات البشر المتاحة وبين رغباتهم المشروعة، فى مثل هذا الوطن تصبح حياة الناس وضيعة بعيدة عن التحضر، ينشر الفساد فيها مخالبه دافعا الجميع للرقص جنونا على حافة الانتحار.

فى الوطن الضعيف ينتشر الفساد الإدارى والأخلاقى فيسعى المواطن طالب الخدمة المشروعة بين إدارات الحكومة العلنية، يصعر خده لموظفين ترتسم على وجوههم ملامح حياة كالحة، عيونهم متلصصة على طالب الخدمة، يمارسون الرشوة طوال الوقت، يغتصبون مال الضعيف ويتملقون سلطة القوى، لا يقدرون على اتخاذ قرارات إنسانية تنقذهم من الذل والمهانة، فى مثل هذا الوطن الضعيف، تسعى الحكومة لتكريس وجودها المتسلط، فتحول خططها المعلنة لخدمة المواطن إلى تلال من التعليمات والتصريحات المبهمة، وتتعاظم دعاية الحكومة قاصدة أن ترسم لنفسها كل القداسة فى وجدان الضعفاء، هكذا وبفعل الجهل والتآمر يندثر القانون المعلن، وتنشا حكومات سرية يديرها موظفون لحسابهم الخاص، يملكون قدرة إنجاز كثير من الخدمات للمواطنين، فيسعى إليهم طالب الخدمة مقدما فروض الرشوة والولاء، هكذا يتحول المواطن من عبد مهين فى ظلمة الحكومة العلنية إلى سيد مهيب فى نور الحكومات السرية.

يرجع وجود الحكومات السرية لأسباب كثيرة، من بينها أسباب نفسية أساسها اضطهاد الحكومة للمواطنين وضغطها عليهم بطرق تدفعهم لأن يحتموا خلف ميراثهم من الجبن والصمت، فيهربون إلى واقع جديد يتصالحون فيه مع الفساد، وأسباب إعلامية ترجع فى الأساس إلى تكريس فكرة البطل الخرافى الذى يحقق طموحاته بالخروج على كل منطقى وإنسانى، ويضغط بمعجزاته على وجدان الناس، هكذا يستسلم الجميع لمظاهر القوة غير المبررة لكل غاشم، سواء أكان هذا الغاشم موجودا بين أيدهم أو مختفيا بظهر الغيب، ومنها أسباب إدارية وتكنولوجية أساسها ضعف صناعة المعلومات اللازمة لتشريع القوانين ثم تنفيذها ومتابعة صلاحيتها لتقدم المجتمع.

إن حرية الفكر وديمقراطية الحكم، هما الأدوات اللازمة فى المجتمعات القوية للقضاء على وجود الحكومات السرية، فحرية الفكر، بما تعنيه من رفع القداسة عن كل فاسد، تكفل لكل فرد أن يطرح الإجابات المختلفة التى تفسر أسباب قهر المواطن وقهر الوطن، وديمقراطية الحكم، بما تعنيه من التعامل الموضوعى مع كل فاسد، تكفل للجميع أن يبتعدوا عن الانتحار الجماعى، وأن يشاركوا فى رفع كل قهر عن المواطن والوطن.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 7 ديسمبر 2010م

Monday, December 06, 2010

خُلع ديمقراطى

صاحبى الحزب الحاكم، الناجح فى كل الانتخابات، والمدسوس فى كل الطرق والشوارع والشقوق والمجارى، صاحب الحكومة والناس والموظفين وأصوات الناخبين والكل كليلة، طوال عمرى أفزع من خيال المآتة وعفاريت الغيطان والسواقى الخربة، لكننى أفزع أكثر من بعض المنتمين إليك، يطفئون أنوار الكفاءة ويفتحون منافذ الكوسة والتهليب، فهذا موظف متواضع حالة أهله ضنك اشتغل فى حكومتك، وحين انتمى إليك بالعضوية أصبح خبيراُ فى اللّجان الاقتصادية، وهذا الجالس على حجرك يرى أن الناخبين ميراث له ولأولاده وللتابعين، يصبح بتدليسك نائبا عنك فى كل الدوائر، وذلك حصل بشق الأنفس على شهادة تعليم متوسط، كان غلبانا يحسبها بالسحتوت، ذات صباح فرك عينيه وهتف باسمك، وفى الضحى حملته أياديكم إلى مجلس نواب الشعب، وفى اليوم التالى أصبح جامعيا ومليونيراً وحاجاُ أيضا.

حبيبى الحزب الحاكم، صاحب العصمة والمعالى الديمقراطية، يا معطى خيرك للتابعين، أنت تخطط لكل الانتخابات فى كل المواسم، لتحصل على المقاعد النيابية وتجمع فيها من الحناجر ما يكفى للهتاف باسمك وتمجيد أصحابك، وباعتبارى مواطنا من الصامتين، لا اشترك فى أية انتخابات، وأتمنى أن أدلى بصوتى الحقيقى لمرة واحدة فى العمر، تعالى نعقد اتفاقا بيننا، أن أدسك ديمقراطيا فى قائمة الطيبين، هكذا ترشحنى لوظيفة باسمك وأنا أعدك بصوتى.

أريد أن أكون رئيس جامعة، كبيرة أو صغيرة لا يهم، حكومية أو خاصة لا يهم، المهم أن أرفت من أعضاء هيئة التدريس كل من بلغ سن الثلاثين، وأستبقى شباب الموظفين والسعاة والحراس الحاصلين على بطولات رياضية، يخيفون الأساتذة ويشكمون الطلاب، وأمر بنشر شوّايات الذرة أمام قاعات المحاضرات وكل المدرجات والمعامل، فينشغل الأساتذة بمشاكل جمع الحطب والإعارة فى الدول الشقيقة والسفارة فى الدول الصديقة، ويتمرن الطلاب على مهنة تنفعهم فى شى الذرة والأفكار وتهوية الطموحات، ويعمى الدخان الجميع فلا يرى أحد ما نفعل، هكذا تبقى الجامعة مخزنا للتخلف الفكرى يضم شبابا فى شباب، وعيالا فى عيال، وحين يفاتحنا أحد بالحديث عن جدوى العلم، ندفعه للإيمان بالمعجزات وحفظ عشرات الصيغ من الأدعية المستجابة، نتباهى بعلم أجدادنا من الجيران وبعض الأصدقاء، ونتفاخر بأحبائنا المهاجرين فى بلاد الغربة.

صاحبى الحزب الحاكم، ستصلك وشايات عنى، بأننى أضيق ذرعا بأساليب خلعك للديمقراطية، فلا تصدق أننى قادر على أن افعل شيئا، فقط أعطنى طموحاتى البسيطة وأنا أعدك بصوتى فى كل الانتخابات القادمة أبد الدهر، فبرغم أننى لا أملك بطاقة انتخابية، إلا انك طوال الوقت مفترى وقادر على أن تجعل بطاقة ما، تجوب باسمى كل لجان الانتخابات، وتسجل كل لجنة أنك تملك صوتى بالموافقة، حيا كنت أو ميتا.

المقال نشر فى جريدة الدستور، الخميس – 2 ديسمبر 2010م

Saturday, December 04, 2010

ذنب لم يغفر بعد


السيد وزير التعليم العالى، حج مبرور، نرجو الله أن يمن به عليكم بعد سعيكم للحج هذا العام، ونرجو الله أن يغفر ذنوبكم، أما أنا فلن أغفر لكم ذنبا يتم ارتكابه فى حق مستقبل هذا الوطن، ذنب ترتكبوه إن صمتم على اجتراء البعض على شرعية القوانين الحاكمة لنشاط جامعاتنا، فأنتم مسئولون عن صحيح تطبيقها ومسئولون عن إضافة قوانين جديدة تصلح من شأن جامعاتنا.

السيد وزير التعليم العالى أنتم تعرفون الكثير عن الجامعات المصرية وما يجرى فيها من وقائع فى مرحلة الدراسات العليا ومنح شهادات الماجستير والدكتوراه، فهناك مرضى نفسيون ومهووسون دينيون يحصلون على شهادات الماجستير الدكتوراه ثم يعملون بهيئة التدريس، إنهم يحصلون على ما يحصلون عليه بحجة أن لهم صلة قرابة بوزير أو غفير يدعى السطوة والسلطان، هؤلاء المرضى يصلون إلى مراتب علمية مؤثرة على أجيال من طلاب جامعاتنا، بعضهم يصل إلى درجة عميد منافق، وبعضهم يسرب الامتحانات، وبعضهم يتشرنق خلف لحية أو نقاب ويدعو لتخلف حضارى.

السيد وزير التعليم العالى، القانون الخاص بتسجيل ومنح درجة الدكتوراه ينتهك فى كلية التجارة جامعة المنصورة، فالقانون يقتضى مجموعة من الإجراءات محددة الشكل ومعينة الوقت يجب استيفاؤها ليتم منح الدرجة العلمية، ومع ذلك تدور حفلة موبوءة لانتهاك هذا القانون تديرها بعض من نفوس مليئة بالفساد العلمى والأخلاقى، هكذا تدور الشائعات ويطول الجميع سباب وقلة قيمة، ذلك بأن بعض الداخلين فى تلك الحفلة الموبوءة ليسوا فوق مستوى الشبهات.

يا سيادة الوزير، أنت تعرف التفاصيل بموظفيك، وأن الأصل فى شرعية القانون هو إمكانية تطبيق نصوصه للعدالة، وليس مدى اتساعها للرحمة، فمن باب الرحمة تدخل شياطين الرشوة، وانى هنا أضعك أمام ذنبك كى تسعى جاهدا لغفرانه، ذلك بأن تأمر بإقصاء تلك البؤرة من الفساد، وأنى أخاطبك مباشرة دون التوجه إلى المسئولين فى جامعة المنصورة، ذلك أنى أعلم كما تعلم، مقدار سطوة الإدارة المركزية وضعف القدرة على اتخاذ القرار فيمن هم دونك سلطة، هكذا فى المستويات الدنيا يتم تفسير واضح النصوص القانونية بأكثر من معنى وتنفيذ تلك التفاسير بأكثر من طريقة.

السيد الوزير، تدخل فى الأمر حتى لا يستمر مسلسل الاستعانة بقيادات علمية ضعيفة تساعد فى حشر الكثير من المرضى والمتعصبين ذهنيا والمهووسين دينيا كأعضاء هيئة تدريس فى جامعاتنا.

المقال نشر فى جريدة الوفد، الأربعاء - الأول من ديسمبر 2010م