Thursday, February 21, 2008

كتابنا الجامعى .. فساد صغير

كثير من الناس يرهبون ضخامة الفساد ويستكثرون وقائعه، تتعثر جهودهم فى الإصلاح ويشيع بينهم الاستسلام لكل فاسد، لكن القليل منهم يرى أن محاربة الفساد والقضاء عليه أمر ممكن، فالفساد الكبير مجموع كبير من أشياء صغيرة فاسدة، أشياء يمكن الإمساك بها والتعامل معها بالبتر والتعديل فى سلسلة من توجه المجتمع نحو الإصلاح.

إن صناعة الكتاب الجامعى فى بلادنا من الأشياء الصغيرة الفاسدة، هى صناعة تقوم على مقومات فاسدة ومتداخلة يمكن تصنيفها إلى ثلاث، طبيعة إنتاج الكتاب وطرق توزيعه وتقسيم العائد بين أصحابه.
محددات الكتاب الجامعى:
يقصد بالكتاب الجامعى ذلك المرجع الكتاب أو المذكرة الذى يتم تداوله بين الأساتذة والطلاب الجامعين للمساعدة على تدريس مادة علمية معينة.

يتوقف إنتاج الكتاب الجامعى على طبيعة السياسة التعليمية الحاكمة فى المجتمع التى تحدد بطبيعتها توجه كل جامعة، هل هى جامعة أقسام علمية، يناط بكل قسم علمى فيها مهمة تدريس مواد بعينها على مستوى الجامعة؟ وتطبيقا لذلك يقوم قسم الرياضيات بكلية العلوم بإعداد وتدريس مناهج الرياضيات الأساسية فى كل كليات الجامعة، أم هى جامعة كليات علمية، تستقل كل كلية بتدريس مناهجها الدراسية مجتمعة؟ وتطبيقا لذلك تصبح هناك رياضيات أساسية للتجاريين فى كلية التجارة وثانية للزراعيين فى كلية الزراعة وهكذا، وجامعاتنا الآن لم يستقر نظامها على طبيعة بعينها، فكل جامعة تتراوح طبيعتها بين هذه وتلك حسب أهواء قياداتها.

كذلك تحدد طبيعة الكتاب الجامعى على أساس مناهج البحث العلمى السائدة فى المجتمع، هل هى مناهج علمية مغلقة يتصدرها منهج واحد يغلب عليه فرض نظرى بأن الأيمان أولى من المعرفة؟ أم المجتمع يبنى مناهج علمية مفتوحة تقبل تناول المناهج المختلفة وتدخلها طول الوقت فى دائرة الاختبار المعرفى، بناء على ذلك يتحدد دور الجامعة فى نشر العلم بين أفراد المجتمع، هل دور الجامعة تلقين معلومات بعينها لطلاب بعينهم؟ أم أنها مكان تفتح فيه أبواب التأصيل العلمى لمناهج التفكير المختلفة؟.

الإجابة على هذه التساؤلات الكبيرة واضحة، التعليم فى بلادنا حفظ وتلقين لملصقات تفرضها سلطة العصر الغالبة، ووجداننا الثقافى يرفض حرية التعامل مع مناهج الفكر.

يبقى تساؤل عن هوية الكتاب الجامعى بين أيدى الطلاب، هل هو مخزن منظم لمعلومات منهجية؟ يحتاجها الطلاب فى بناء وجودهم العلمى والفكرى، أم أنه وسيلة ضمن وسائل متعددة للارتزاق؟ لكثير من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات وغيرهم من تجار الورق الردىء ومن الباحثين عن شهادات علمية مضروبة للبيع؟.

الإجابة على هذه التساؤلات الصغيرة واضحة، الكتاب الجامعى أحد وسائل الارتزاق الضرورية للغالبية العظمى من الأساتذة وبعض تجار الورق الرديء.

اللعب مع الحيتان :
حين ينتهى عام دراسى جامعى، تبدأ مناقشات داخل الأقسام العلمية بالجامعات لإعداد الكتاب الجامعى للعام الدراسى الجديد، فى ظاهر الأمر تبدو تلك المناقشات مجرد دردشة بين أصدقاء تلفهم روح المصلحة العامة يغازلون تصريحات ووعود برفعة شأن العلم والطلاب والجامعات، أما باطن الأمر فإن تلك المناقشات تتحول إلى دوامات من الصراخ والعويل والمؤامرات تلف جمعاً من حيتان كبيرة بأقدمية تواجدها الجسدى داخل الأقسام، هى أقدمية ترهل أجساد بالتعيين والصدفة لا أقدمية امتلاء أدمغة بالفكر والثقافة، ويتضارب المختصون وغير المختصين تحت وفوق الحزام من أجل الظفر بأية مكاسب فردية، وبعد أن يجهدهم الصراع يتصالح الحيتان ويرتكبون مظالم تقع على آخرين من دونهم، ظلم يقع على طلاب الجامعات من حيث مضمون وهيئة الكتاب الجامعى، وإهانة صغار أعضاء هيئة التدريس من حيث توزيع عوائد بيع الكتاب، ويشترك الجميع فى إيقاع مظالم تخسف بمستقبل العلم فى المجتمع.

رزم الورق الرديء :
فى معظم الكليات الجامعية ذات الأعداد الكبيرة من الطلاب، مثل التجارة والحقوق والآداب، يولد الكتاب الجامعى مريضا لاعتماد صدوره على الوقائع التالية :

أولا: تقوم الأقسام العلمية بتقرير المواد الواجب تدريسها للطلاب بناء على خطط باهته ومهلهلة يقتتل عليها الأساتذة وتابعوهم، فيفوز بعضهم بسيف الحياء أو سيف الجوع أو تقنيات لعبة التوازن بين الأقسام وبقصد تحقيق أكبر عائد مالى يغله الكتاب، هكذا يتم تفصيل المنهج الدراسى إلى ثوب خرق ومرتوق يرتديه الكتاب الجامعى.

ثانيا: تأليف الكتاب الجامعى يخضع لمهارات تجارة احتكار على أسس من الغبن والإرهاب يديرها الأساتذة الأقدم وظيفياً ضد زملائهم الأحدث وظيفيا،ً غبن يتعلق بمدى الجهد المبذول من الأصغر فى الإعداد والتجهيز ثم الشرح للطلاب، وإرهاب يتعلق بقضايا الترقيات والتزكيات والإعارات وغالباً ما يقوم الأحدث بمعظم العبء كتابة وتجهيزا وشرحا للطلاب، وأحيانا يكتفى الأقدم بوضع اسمه على صدر كتاب علمى دون ادنى اعتبار لمبدأ التخصص العلمى.

ثالثا: كثير من المادة العلمية يعاد اقتباسها أو ترجمتها من بين كتب سبق تقديمها فى سنوات قريبة سابقة، ويتم إعادة العرض بطريقة أوراق اللعب، فمثلا ما كان منها يحمل عنوان الباب الأول فى كتاب العام السابق يصبح نفسه حاملاً لعنوان الباب الخامس فى الكتاب الحالى.

رابعاً: يتضمن الكتاب الجامعى كثيراً من معلومات درسها الطالب فى سنوات سابقة أو أنه يدرسها فى نفس العام الدراسى تحت مسمى آخر فى قسم أخر، وحين يكتشف الأمر صدفة يتدخل العارفون بطرق العلاج فى أواخر العام الدراسى، يفتتحون موسم الشطب وتقليص المنهج وسط تصفيق الطلاب الذين خدعوا بشرائهم كتبا رديئة.

خامساً: يتم طباعة الكتاب بشكل تعسفى ليضم أكبر عدد من الصفحات ليحقق أكبر سعر بيع ممكن، ويتم توزيع الكتاب بأساليب بيع مبنية على أسس من ترهيب الطلاب أو ترغيبهم، بأن عمليات دخول الامتحان والنجاح قرينة بشراء ما يقرره الأستاذ من كتب.

الغلّة .. وحسبة برمة :
حين يجمع المختصون إيراد الكتاب، يحشد قدامى أعضاء هيئة التدريس مهاراتهم فى الحساب والاغتصاب والتكتل، يحسبون حسبة - برمة- بناء على أعراف يضعونها دون سند من قانون أو تشريع، ويتم تقسيم الغلّة بين أعضاء هيئة التدريس بطريقة تضمن السيطرة المالية للأقدم، وطبقا لمستوى أخلاقيات الأساتذة القدامى يتوزع عائد الكتاب بنسب تتفاوت بين كلية وأخرى بل تتفاوت بين قسم وقسم داخل نفس الكلية، فمثلا قد يحصل مدرس حديث التخرج فى كلية تجارة كثيرة الطلاب على إيراد من الكتاب الجامعى يتجاوز ما يحصل عليه مجموع أعضاء قسم كامل فى كلية علوم قليلة الطلاب.

البولَة .. وتوزيع السحت :
هيئة الكتاب الجامعى الحالية، تضع من يفكرون فى إصلاح أحوالنا أمام فساد مهنى وأخلاقى يمارسه كثير من أساتذة الجامعات، أساتذة ينشرون فيما بينهم أعرافا من المقامرة لتوزيع عائد بيع الكتاب يسمونها -البولَة-، يضعون نقاطا ونسبا لا يسندها غير منطق رديء وقانون واسع الفتحات، يوزعون بها على أنفسهم أموال -سُحت- حرام يجمعونها من تجارة كتب دراسية رديئة.

بحثا عن المعنى العربى لكلمة -بولَة-، يذكر المعجم الوسيط تحت كلمة -بول- أن -البال- اسم يطلق على نوع من الحيتان كبيرة الرأس من نوع منقرض، وهو حال بعض من أعضاء هيئات التدريس الجامعية، ويذكر نفس المعجم مزيدا من المعانى مما يجعلنا نرى أن معنى كلمة -بولَة- يقترب من انشغال الفكر والبال بقضايا التبول وإخراج فاسد، وهو حال كثير من محتويات الكتاب الجامعى، وعن المعنى الإنجليزى لكلمة بوول Pool فان البعلبكى يذكر فى قاموسه المورد، أنها البركة القذرة تنشا عن تجمع الأمطار فى أخاديد الشوارع، وأنها الاتفاق بين شركاء للقضاء على المنافسة، أما كلمة -بولَة- نفسها فهى ضرب من لعب البليارد المعتمد على المقامرة.

وعن معنى -السُّحت- يقول المعجم الوسيط، السّحت ما خبث وقبح من المكاسب، فلزم عنه العار، وفى التنزيل العزيز - سمّاعون للكذب أكّالون للسُّحت-، وفى كتاب آداب القاضى من سنن البيهقى، قال ابن مسعود السّحت أن يستعينك رجل على مظلمة فيهدى لك فتقبله، هكذا يمكن وصف ذلك النوع من التعاون بين أعضاء هيئة تدريس فى الجامعات، إنهم يشتركون فى ظلم الطلاب بإعطائهم كتبا رديئة ويأكلون من أموال الطلاب سحتا.

للأسف إن كثيرا من فقهاء النفاق فى جامعاتنا يرون فى –البولة- آلية من آليات الحفاظ على حقوق تأليف فكرية لأصحاب الكتب، والواقع أن قلة نادرة من الأساتذة هى التى تسهم فى عمليات الإبداع والمؤلفات العلمية، الغالبية من أعضاء هيئة التدريس بجامعاتنا يعتمدون فى كتاباتهم على القص واللصق من كتب أبدعها الآخرون، يتعايشون مع تجارة الرقيق الفكرى ويبررون أكلهم السحت.

الخروج من الجب :
الخروج من هذه الصورة المأساوية للكتاب الجامعى يتطلب معرفة موضوعية تقرر أن لكل علم منهجاً ومبادئ وأساسيات لا تتغير طوال فترات طويلة نسبيا، عشر سنوات مثلا، وأن طلاب مرحلة الجامعية قبل الدراسات العليا فى حاجة ماسة لكتب مرجعية واضحة الأسلوب جيدة الخصائص، والكتب الجيدة علميا تحتاج إلى خبرات وسنوات لإنتاجها.
فيما يلى نضع بعض الحلول المقترحة لتحسين هيئة الكتاب الجامعى:

أولا: وضع ميثاق شرف بين العاملين بهيئات التدريس بالجامعة يشعرون معه انه قادة فكر ويلزمهم بأخلاق مهنية، فلا يلجأ أحدهم لحل مشاكله الاقتصادية أو الاجتماعية عن طريق الاستغلال غير الأخلاقى لطبيعة عمله.

ثانيا: تشكل لجان علمية متخصصة على مستوى الجامعة لتحديد المناهج الدراسية وتقوم تلك اللجان باختيار الكتب المناسبة شراء أو تأليفا أو ترجمة.

ثالثا: تتولى الجامعة تحديد الأتعاب الحقيقية لعمليات التأليف أو الترجمة، وتتولى بنفسها عملية نشر وتوزيع الكتاب الجامعى بين الطلاب وغيرهم من المستهلكين.

رابعا: يقتصر التدريس والشرح للطلاب على الكتب المختارة على أن يقوم بالتدريس من يملك كفاءة علمية وقدرة شخصية، على أن تتوفر بالجامعة آليات لتحديد قدرات أعضاء التدريس والاستفادة منها، فهناك من يجيد شرح المناهج للطلاب وأخر يجيد الكتابة والتأليف وثالث يجيد البحث والتقصى، وهناك من لا يصلح أن يكون أستاذا جامعيا بالمرة.

خامسا: تشكيل لجان علمية تتولى وضع امتحانات الطلاب وتصحيح النتائج، ليدرك الطلاب أن الفهم والنجاح فى الامتحان غير مرتبط بشخص معين أو بكتاب معين.

أخيرا، إن حل مشكلة الكتاب الجامعى يتطلب من أهل الاختصاص أن يضعوا من المناهج والآليات عصا غليظة فى يد المجتمع، يهش بها جوعى يعتبرون عائد الكتاب الجامعى بمثابة حصتهم المفقودة من عائد الدروس الخصوصية، ويوقف بها نزيف سحت فكرى وأخلاقي يعصف بمستقبل شباب هذه الأمة الوطن.

Monday, February 18, 2008

الكتابة على باب مصر

الكتابة أمر مزعج، إنها بعض من كلامنا لتفسير الوجود، وفى محاولاتنا نحو التفسير لحياتنا نظل نعانى فى اختيار الموضوعات والمضامين المصاحبة لكلامنا، ويصيبنا شوق الحياة بالرغبة فى الحفاظ على كلامنا صالحا للبوح.

الكتابة فى بلاد العربية أمر أكثر إزعاجا، فكتّابنا بشر يملأ وجدانهم العيش فى بلاد تحفّ بواديها وحواضرها نتف من حضارة مشوهة، كتاباتهم على الأوراق والصحف ووسائل الإعلام، حاضرنا كلام ساكت يضيع الوقت ويهين الفكر، لا يقترب من واقع حياتنا، لا يسعى نحو التحليل والتفسير واستشراف حلول حضارية تدفع بنا بعيدا عن واقع تخلفنا المهين، حاضرنا كلام ساكت لا تحركه من الرقاد غير قلوب محبة لا تخشى فعلة البوح ولا تألم من حرية التجريب.

شكرا لتجارب عشتها وأعيشها، تسمح لى بأن أعلن فخراً، على سطح منزلى فى حى الهرم بمدينة الجيزة، تلثم عينى كل يوم ضوء أهرامات الفراعنة، أعيش فى تمازج مع قاهرة المعز مدينة الألف مئذنة، أفتح بيتى وأطعم أولادى من العمل فى مدينة المنصورة، حيث أقدام جند الملك الصالح وزوجته الملكة شجرة الدر، تأسر لويس التاسع ملك فرنسا فى الحروب الصليبية.

شكرا لتجارب رسخت فى وجدانى أنى إنسان حر، فأنا قارب أعشق ماء النيل وأسبح فى طين الأرض المصرية، وأنا مشروع كاتب أصوغ وجدانى بكلمات عربية، أنا مصرى أدق بكل الأكف حياة لأرض الكنانة، أرض مصر.

ولأنى كاتب أسعى نحو الحرية، أتجرع مشاكل نشر الكتابة فى وسائل إعلامنا الرسمية داخل الحدود، مكبل بموروثات ومحاذير وعوائق، من رشوة وفساد ومداعبة غرائز سلطات تعبث بالعقول وتفسد القلوب، فشكرا لحضارة علمية حديثة ( حضارة النّت ) تسمح لى أن أنشر عبر الحدود بعضا من معاناتى، قاصدا شرح مفاهيمى دون معاقرة كثير من الخوف.


إن ما أنشره هنا من كتابات أعرضه أمام أهل ( النّت )، ولا أرضى أن يكون من بين قرائى، أجلاف أو كهنة أو مندوبون عن السماء، فعلى باب مصر لا يلقى بالدر أمام الخنازير.

Sunday, February 10, 2008

موظفون يفسدون عيد الدقهلية

فى القرن الثالث عشر انتصر المصريون على جيوش الصليبين، وفى اليوم الثامن من فبراير 1250ميلادية أسروا لويس التاسع ملك فرنسا وحبسوه فى دار ابن لقمان فى مدينة المنصورة، بعد ثلاثة أشهر من المفاوضات دفعت زوجة الملك فدية كبيرة حتى خرج لويس الأسير من الحبس فى اليوم السابع من مايو 1250ميلادية، وعاد إلى بلاده فرنسا يجر أذيال العار والهزيمة.

كانت تلك هى الوقائع التاريخية، إلا انه بعد سبعة قرون كاملة وعلى مقربة من منتصف القرن العشرين حدث تواطؤ أو إلتباس معرفى بين موظفين حكوميين وبين مؤرخين أرادوا البحث عن أحداث جليلة يصنعون بها نجوما وأحداثا، اختاروا يوم ذكرى رحيل لويس التاسع عن بلادنا وجعلوه حدثا عظيما، واكتملت حلقة التواطؤ أو الالتباس المعرفى حين نجح والدى فى تثبيت يوم ميلادى أنا أيضا فى السابع من مايو، هكذا أصبح اليوم السابع من مايو عيدا قوميا لمحافظة الدقهلية يحتفلون به كل عام، وظل شعب الدقهلية يحتفل بعيد قومى مغلوط سنوات وسنوات رفع فيها كثير من الموظفين آيات التبجيل والاحترام لحدثين جليلين، فك أسر لويس التاسع وعيد ميلادى العظيم.

منذ سنوات قليلة تعد على أصابع اليدين، نجح احدهم فى إعادة الاعتبار إلى أيام انتصارنا وجعل الثامن من فبراير هو الحدث العظيم الأولى بالاحتفال السنوى، أحدهم هذا أسقط الارتباط بين العظمة وحادثة ميلادى، هكذا بدأت محافظة الدقهلية تحتفل بعيدها القومى فى الثامن من فبراير، وتوقفت كثير من الأجهزة الحكومية عن الاحتفال بعيد ميلادى فى السابع من مايو، ورضيت بهذا التعديل مكتفيا بأن كثيرا من العظماء ولدوا فى شهر مايو، وان واحدا منهم على الأقل ولد فى اليوم السابع منه.

فى هذا العام جرى الاحتفال عظيما بيوم الدقهلية الوطنى، قامت المحافظة بتثبت تمثال فرعونى كبير يصل وزنة إلى سبعين طنا لأحد الملوك الرعامسة الذين حكموا مصر فى فترة الدولة الفرعونية الحديثة قبل ثلاثة الاف سنة، ووضع التمثال وسط بهجة كبيرة من المواطنين فى ميدان رائع بمدخل مدينة المنصورة بجوار الاستاد الرياضى، هكذا وضع المسئولون أنفسهم على بداية الطريق فى بعث الاهتمام الشعبى بوجود كثير من الأماكن الأثرية والدينية والتاريخية والحضارية فى مصر، حتى أن بعض من شاهدوا نصب التمثال طالب إنشاء كلية مستقلة للآثار بجامعة المنصورة.

إنها ضرورة حضارية أن نزين مياديننا وبيوتنا ومجالسنا، نضع فيها تماثيل وأعمال فنية من إنتاجنا نحن المصريين على مر العصور، تثير فينا الفخار بتاريخنا وتبعث فينا الرغبة فى حب الحياة على أرضنا وسط جمال نصنعه بأيدينا.

الأمور الحلوة كثيرا ما يفسدها الموظفون، فى هذا العام نقل الموظفون الاحتفال الرسمى من يوم الثامن إلى اليوم العاشر لسبب إدارى مقيت هو أن اليوم الثامن كان يوم جمعة وهو عطلتهم الأسبوعية، ووضعوا التمثال الفرعونى بحيث ينظر وجهه إلى الجنوب ليتفق مع رؤيتهم لمدخل المدينة، لكن المتابع يرى التماثيل الفرعونية الكبيرة فى أماكنها الأصلية وهى تنظر إلى الشرق حيث يطلع كل يوم معبودهم رع متمثلا فى الشمس، أمثلة على ذلك معبد أبو سمبل جنوب أسوان وتمثالى أجاممنون فى الأقصر، هكذا كان الأفضل أن ينصب التمثال ناظرا إلى الشرق لينقل للمواطنين بعضا من تصور الفراعنة عن الحياة فى الشرق والبعث فى الغرب.

صنعت عربات الزهور والعروض الاحتفالية جوا رائعا من الإحساس بالأصالة والجمال يصدح فيه مطربونا العظام، أم كلثوم ونجاة وعبد الوهاب ومحمد منير، لكن هذا الجمال أخذه السادة الكبار لصالحهم، كأنهم (رعامسة) جدد، حين حملت معظم اللافتات عبارات نفاق وظيفية تخص بالتهنئة السيد المحافظ والسيد أمين الحزب الحاكم بالمحافظة وحدهما، وكان الأجدى أن تحمل كل اللافتات للجميع تدريبا لكل القيادات وكل الأحزاب على بعث التهنئة خالصة لشعب الدقهلية وحده.

Friday, February 08, 2008

أصل المثل .. حكايات

تنبيه قبل القراءة
هذا المقال كتبناه لمن يعرفون بعضا من بلاغة العربية ويدركون قليلا من فن كتابة المقال
لذا فهو صعب القراءة وصعب الفهم على العجم ومحدودى الموهبة.
=============
لا أذكر من هو صاحبنا الذى أطلق حكمة على رؤوس الأشهاد "إن تابت القحبة تبقى معرصة" بفتح العين وتشديد الراء، وهو الذى قال لبعض خاصته أن القحبة تعيد الكرة وتنجب أقحابا من جديد، من المؤكد أن صاحبنا أخذ من الخوازيق ما يكفى لأن يصبح مهموما باستخدام قواميس اللغة العربية بحثا عن تأصيل كلمات تجرى على ألسنة العامة دون خجل كبير، وأصبح مهموما بتوصيف سلوك بعض أنواع البشر بحثا عن حكمة تجرى على ألسنة المعوزين عند الحاجة.

صاحب الحكمة عادة لا يعثر عليها من فراغ، ومن أجل صناعة الحكمة راقب صاحبنا سلوك طائفة من مجتمعنا، حين يتوقف الرجال عن الرجولة ويخصون أنفسهم فلا ينجبون فكرا أو أخلاقا كريمة، يتأوهون فى العلن ويدخلون فى عالم النساء طائعين، وحين تسترجل النساء ويعقرن أنفسهن فلا ينجبن فكرا أو أخلاقا كريمة، يعانين من هروب الرجال ويدخلن عالم العنوسة مرغمات، هكذا يختلط الأمر ويفقد الجميع فيما يسلكونه ما تبقى لديهم من حياء.

يبدو أن صاحبنا لم يكن حكيما بالفطرة، لكنه فى سبيل فهمه لسلوك هذا الصنف من البشر إلتقى صدفة بامرأة ناقصة الأنوثة ومع نقصها البيُن عاشرت بعضا من الرجال، وحين فشلوا فى قيادتها على أن تكون امرأة عادية، لها ما للنساء من أنوثة وأمومة وفضل وعليها ما عليهن من حياء وحكمة وفضل، عندها تسربوا من صحبتها فرادى وجماعات وتركوها مقصدا لكل مريض راغب، تركوها عجوزا وحيدة تدخل عالم العنوسة وتسير فى الشوارع من غير زوج معلن وتركن فى الحارات من غير وليف أنيس.

صاحبنا لم يكترث بحال هذه المرأة العجوز إن كانت من أعيان الناس أو من ضالتهم، ولم يعر اهتماما إن كانت حاصلة على شهادات ورقية مضروبة فسادا وتقية توحى بأنها تعرف القراءة والكتابة أو إنها لا تحمل شهادات بالمرة، المهم انه شافها امرأة حزينة مع الرجال وفاشلة مع الأفكار، تحمل على عنقها جمجمة فارغة إلا من بقايا جنس محبط ودلال منقوص وعصاب شديد، هكذا حال امرأة طار عن معاشرتها أكثر من رجل بعد أن فشلوا فى اختراق عنوستها النفسية وعلاج ما وطن فى نفسها من داء.

صاحبنا لاحظ ذات يوم أن بعض أشباه رجال ونساء يسلكون سلوك تلك المرأة العجوز، يدخلون مدونتى على الانترنت، يقرأون بعض مقالاتى قاصدين أن يحملوا من كلماتى على قدر فهمهم المريض، يقضون أسابيعا وشهورا فى أرجاء أرضهم السبعة، لينشروا فى المجالس والصحف والمنتديات أنى أتحرش بالطلبة والطالبات والقيادات وأهل العقد وأهل الحل وسابلة الطريق والناس أجمعين، وأنهم وحدهم فقط الذين لم يصبهم قذف من قدرتى الموبوءة بالتحرش، هكذا تمر الأيام على بعض المرضى يرصدون حركاتى ويقرأون أعمالى على درب امرأة عجوز فاقدة إغواء الأنثى تولول وتصيح وتسعل وترغى وتزبد أنى لست على دين العقلاء.

بدأت ملامح نص الحكمة فى الظهور، فحين لاحظ صاحبنا أن المرأة العجوز تستمرئ فعلها السيئ دون أثر على توجهاتنا أو تعديل فى سلوكنا، قرر وصف المرأة العجوز بأنها امرأة قحبة وأن من على شاكلتها أقحاب، لم يقصد صاحبنا تعريف أهل اليمن حين يسمون المرأة العجوز بالقحبة كما ورد فى معجم لسان العرب ولكنه قصد فى وصفه اللغوى ما يقوله قاموس المعجم الوسيط أن القحبة هى العجوزُ يأْخُذُها السُّعالُ، وهى العجوز الفاسدةُ الجوف من داء، وهى العجوز البغيُّ لأنّها كانت في الجاهلية تُؤْذِن طُلاَّبَها بقُحابها، وهو سُعالها، هذه القحبة بلغ أمر حقدها تجاهى أشده ووجدت فرصة لدى قيادات عمل بالية الفكر ومتخلفة الثقافة، فرصة لكى تتجسس على أعمالى وتصبح شرموطة وتسلك سلوك شراميط، فمعجم لسان العرب يقول أن الشرموطة من كلام العامة هى الثياب القديمة المرتوقة المهلهلة، يعنى أن المرأة القحبة أصبحت شرموطة تجعل من نفسها وعاء لصديد جهلة وفاسدين وقيادات شرموطة، القحبة إذن أصبحت قحبة وشرموطة.

دون جهد رصد صاحبنا سلوك المرأة القحبة حين وجدت عند الشراميط أذانا صاغية تشفى غلهم تجاهى، ووجدوا فى قحبتهم ساحة خالية من فكر راقى أو تناسق جمالى، هكذا أصبحت القحبة وسط الشراميط تحمل صفة جديدة اسمها العرصة حيث يقول المعجم الوسيط أن العَرْصَة ساحة الدار وهي البقعة الواسعة بين الدور التي ليس فيها بناءٌ، قيل سُمِيَّت بِه لأن الصبيان يعرصون فيها وجمعها عِرَاصٌ وعَرَصات وأعراص، وقيل كل بقعة ليس فيها بناءٌ فهي عرصة، القحبة إذن أصبحت قحبة وشرموطة وعرصة.

صاحبنا نصف الحكيم تنبأ فى مقام فحولته الفكرية بأن العرصة هى التطور المنطقى للمرأة القحبة الشرموطة حين يداهمها الزمن، وشحذ ذاكرته فى استرجاع قواعد العربية ليأتى من أصول اللغة باسم الفاعل من العرصة ليجد كلمة معرٌصة وعلى يديه تصبح القحبة الشرموطة حالة لصفات المعرًصة أيضا، إنها امرأة ساحتها خالية من أي طالب وتتواطأ مع الفاسدين على نشر قحابة الفساد بين الناس على أمل أن تخرج هى من إجحاف عنوستها المتأخرة، القحبة إذن أصبحت قحبة وشرموطة ومعرُصة.

هكذا أصبح منطقيا أن يصوغ صاحبنا حكمة تقبل التعميم على سلوك أشباه رجال وأشباه نساء فقدوا حيائهم فلا يتوقفون عن التجسس والوشاية دون قدرة على المواجهة، وثب صاحبنا بين النصوص ليصوغ حكمته مثلا شائعا لدى العامة يصر على أننا قوم نعيش فى مجتمعات يصعب تعديل سلوك أفراها دون ثقافة جديدة، مجتمعاتنا تلقى على مهل واسترخاء حكمتها " إن تابت القحبة تبقى معرُصة " بفتح العين وتشديد الراء، ولا تبذل جهدا فى تغيير هذا الغثاء المريض من البشر.

ولأنى لا أميل إلى اختراع أمثال أو حكم تقبل التعميم على البشر فانى وقت غضبى أصف سلوك مثل هؤلاء المرضى تجاه مقالاتى بأنه سلوك امرأة معرُصة بنت قحبة شرموطة، وان كنت أميل وقت كظم الغيظ أن أشارك العقلاء وصفهم لهذا النوع من السلوك أنه مجرد سلوك منطقى لامرأة تعانى من عنوسة متأخرة وتراود الناس عن فضل أنفسهم.