Friday, February 23, 2007

لعبة الادعاءات الباطلة

حين تبدى رأيك موضوعيا فى فساد سياسى أو تخلف فكرى فأنت معرض مثل معظم المصريين لأن تمارس عليك بعض القيادات هوايتها فى تلفيق التهم لك، قاصدة أن تلقى بك خلف حائط القهر لا حول لك ولا قوة ، وكى تبدو أنت فاسدا شريرا وهم الصالحون الطيبون ، حرام ما يحدث فى بلادنا، وبعض الأدلة ما حدث معى فى برنامج تلفزيونى.

على مدى واحد وخمسين دقيقة، بين الساعة الحادية عشرة والساعة الثانية عشرة من مساء يوم الأربعاء الموافق 21/فبراير/2007م، تم إجراء مقابلة فى برنامج ( العاشرة مساء ) التلفزيونى على قناة دريم الفضائية، وناقشت المقابلة موضوع إحالة الدكتور ياسر العدل الأستاذ المساعد بكلية التجارة جامعة المنصورة الى التحقيق بسبب إبداء رأى صحفى يتعلق بجامعة المنصورة، البرنامج قدمته المذيعة (منى الشاذلى) وشارك الدكتور مجدى أبو ريان رئيس جامعة المنصورة بمداخلة تليفونية استغرقت حوالى ست دقائق ( بعد الحادية عشرة ونصف مساء تقريبا).

فيما يلى نص المداخلة.
المذيعة : إحنا معانا على الهاتف رئيس جامعة المنصورة الدكتور ماجد أبو ريان، أهلا بحضرتك يا أفندم، مجدى أبو ريان عفوا، أهلا يا أفندم، أهلا يا دكتور
د. مجدى : أهلا بيك يا أفندم
المذيعة : أهلا بيك، إحنا كنا نتحدث عن تحويل أستاذ
د. مجدى : أنا قبل ما حضرتك تتكلمى بس، أنا بحب أشيد بهذا البرنامج الذى يظهر الحقيقة
المذيعة : شكرا يا أفندم شكرا، إحنا اه ، إحنا عندنا موقف كمان وللمرة الألف نؤكد، نحن لسنا بصدد تفاصيل التحقيق، بس إحنا بناقش فكرة الإحالة فى حد ذاتها.
د. مجدى : تمام
المذيعة : هل الأستاذ الجامعى محجور عليه أن يكتب رأيا فى الصحف أو يراسل صحيفة أو ينقد.
د. مجدى : لا يا أفندم، مفيش اى حجر، ويمكن أنا شفت فقرات البرنامج طبعا وذى ما حضرتك عارفه وأنا أتابع البرنامج ده علطول، وفى بالأخص فى هذه الحلقة، ما استرعى انتباهى، أن الموضوع الذى يناقش بأكمله ليس هو موضوع التحقيق بل جزء من التحقيق، أولا أنا ليس بينى وبين الدكتور ياسر العدل خصومة أو أى عداوة، ويمكن لم نتقابل أبدا بقالى 30سنه فى الجامعة، وبعكس فترة كثيرة، وأقرا مقالاته، وده حقه، حقه يقول رأيه حتى لو نقد الجامعة، لأنى أنا مؤمن بحرية الرأى ، وحرية التعبير
المذيعة : عظيم، عظيم
د. مجدى : لكن حضرتك التحقيق اللى هو حصل مع الدكتور ياسر العدل، بيحدد تجاوزات بتجيلى شكاوى مكتوبة، أول تجاوز من احدى زميلاته بتهمة القذف والسب العلنى، ورافعه عليه قضية
المذيعة : يعنى بناء على، خللينى أتفهم أكثر،
د. مجدى : بقول لحضرتك، مبقولش إن إحنا

المذيعة : لا لا أنا ، علشان افهم بس ، ده بناء على المقالات اللى بيكتبها، لا
د. مجدى : يحولها لأسلوب تانى، ده خطأ
المذيعة : لا انا مفهمتش أفندم أنا، حضرتك بتقول ان فيه شكاوى ،
د. مجدى : انا حقول لحضرتك،
المذيعة : لا انا بستوضحها وأخلى حضرتك تكمل، بس حضرتك بنقول أن الشكاوى دى بناء على اللى بينشره فى الجرايد والا
د. مجدى : لا لا دى ملهاش دعوة باللى بينشره فى الجرايد،
المذيعة : أه
د. مجدى : دى هى شكاوى قبليها، شكاوى بحاول بقدر الإمكان نقلل من ، نحل المشاكل كلها بهدوء ونمنع من عملية الإحالة للتحقيق، هذه الشكوى بالضبط أو هذا المقال، هذا المقال حضرتك قريتى الجزء اللى فيه، ولا يمثل اى شيء، وده حقه انه يقول رأيه بالرغم من انه هو فيه فعلا قانون يمنع الموظف العام ان هو يدلى بآراء خاصة بعمله، لكن دى مشكله يعنى، لا يعنى مش هنظر لها، لكن لو كملتى المقال لحد الأخر فيه قذف، وهذا القذف هو الذى أدى لأحالته للتحقيق، ومش التحقيق وبس، ده كمان هينظر بدعوى أمام القضاء، من هذا المقال
المذيعة : أه أنا أسفه، أه صح صح ، أنا عفوا
د. مجدى : كونه يقول رأيه،
المذيعة : انا الحقيقة لم أقرا هذه الفقرة
د. مجدى : أنا بقول رأيى، حضرتك أقول رأيى بدون المساس بالآخرين
المذيعة : أه ، طيب الفقرة اللى أنا لم اكن قرأتها
د. مجدى : هتقرايها علشان إيه، أنا لسه مكملتش
المذيعة : طيب يا أفندم أتفضل ، أنا كنت هقرأ الفقرة اللى حضرتك بتقول فيها سب وقذف
د. مجدى : يعنى دى الوقتى حضرتك بتسألينى عن التحقيق،
المذيعة : أه، تفضل
د. مجدى : التحقيق التهم دهه، القذف أول حاجه، التهمة الثانية، التفوه بألفاظ تخدش الحياء داخل مدرج من مدرجات العلم، الشكاوى دى مكتوبة كلها، الشكوى الثالثة، تحرش بإحدى الطالبات، دى لسه جديده جاتنى امبارح، وجه مجموعة من الطالبات وقالوا ان هما خايفين ان هما يشتكم، وبعد ما حصل ان هو أتحول للتحقيق بانت عندهم جرأة ان هما يشتكوا وطالبين الحماية، حولت الورق كله الى المحقق
المذيعة : طيب هو، هو مش مستغرب
د. مجدى : الكلام اللى هو بتكلم فيه اللى هو إبداء الرأى ، إبداء الرأى ده فعلا فيه قانون موجود، ودى تهمه من احدى التهم اللى هو مقدم بهدف للتحقيق، ودى نفى ان ما لهاش عقوبة، وبعدين التحقيق، التحقيق المتهم برئ الى ان تثبت إدانته،
المذيعة : طيب ، بص يا أفندم، إحنا لم ، يا دكتور مجدى، اسمعنى
د. مجدى : التحقيق، لكن هذه التهم عقوبتها متدرجة
المذيعة : يا دكتور مجدى، لم ولن نتدخل أبدا فى مسار التحقيق ايا كان نوعه وأيا كان مستواه، بس خلينى أنا عندى سؤال قبل ما أطرح الفقرة اللى حضرتك، اللى ساءت كثيرا بعض من يعملون فى الجامعة، مش مستغرب شوية إن كل هذه البلاغات، كانت يعنى بعد فكرة طرح بعض المقالات دى، يعنى حضرتك تتحدث عن مجموعة من التهم التى ربما تكون صحيحة او ربما تكون خاطئة، لا نعرف، إنما المستغرب شوية هو انه كثافتها من بعد بزوغ هذه المشكلة0
د. مجدى : انا مع حضرتك ان هذه التهم كانت موجودة من الأول، ليست وليدة اليوم، وهذا تصور ما يحدث، ليس وليد هذا اليوم، إحنا بس فقط أخرجنا هذه التجاوزات، وما اتبعه من الناس بدأت تتجرأ
المذيعة : يعنى حضرتك بتقول ان هذه الشكاوى كانت محتفظا بها فى الدرج وأخرجت من الدرج بعد هذه الواقعة
د. مجدى : تمام
المذيعة : طيب أنا، حضرتك عندك أى تعليق أخير دكتور مجدى أبو ريان
د. مجدى : أنا التعليق الأخير اللى عايز أقوله، أن إحنا فى جامعاتنا يجب إن إحنا نشجع الناس على إبداء الرأى والنقد وإننا لا نستقيم بدون النقد، ولكن مع التزام الحدود بحيث إن إحنا لا نمس الآخرين بالنقد بتاعنا
المذيعة : نعم ، دكتور مجدى أبو ريان رئيس جامعة المنصورة، شكرا على تعقيبكم ومتابعتكم على الأقل لهذه الفقرة، اسمحوا لنا نأخذ فاصل وبعدها نستكمل استقبال اتصالات تليفونية، والحقيقة كنت هقول الفقرة بعد الفاصل لكن اعتقد انه من الأصح نقولها قبل الفاصل حتى تفكروا ربما بمنطق إدارة الجامعة، ويتضمن ده فى اتصالكم التلفونية، يختتم دكتور ياسر العدل فى ذاك العمود حديثه بقوله، طيب أنا هقول الحته دى:
"على أية حال المتابعون العقلاء لا يعتبون على إدارة الكلية وأمامها سلوك إدارتهم الأعلى فى جامعة المنصورة حين أقامت حفلا طلابيا منذ أسابيع داخل حرم الجامعة وسمحت لمطرب أن يلقى أمام الطلاب سخفا يسمونه أغنية "أحبك يا حمار"، السؤال المطروح أمام المنظرين فى مجال الثقافة والتربية الجامعية، هل التغنى بحب الحمار أولى من المطالبة بطرد الحمير؟"
المذيعة : بعد الفاصل ،
موسيقى.

=======================
ملحوظة :
الشكوى بالتحرش جاءت لرئيس الجامعة يوم الثلاثاء 21 فبراير بعد إحالة د. ياسر العدل الى التحقيق يوم الأربعاء 17/1/2007 م بسبب المقال النقدى المنشور فى جريدة المصور فى 22/12/2006م، أى بعد شهر تقريبا، هكذا يكون التجهيز لمؤامرة إغتيال رأى.

Thursday, February 15, 2007

عن العميد المحبوب

يذكر القاموس الوسيط أن العميد هو السيد المعتمد عليه في الأُمور، وهو المريضُ لا يستطيع الجلوسَ حتى يُعْمَدَ من جوانبه بالوسائد، وهو المشغوف عِشْقاً، وهو رتبة عسكرية فوق العقيد ودون اللّواء، وهو مديرُ الكليّة في الجامعة، وجمعه عمداء.

هكذا يساعدنى قاموس اللغة أن أعرف كيف يكون العميد محبوبا معتمدا عليه فى إدارة كلية جامعية، انه إنسان قوى يملك صفات شخصية من ذكاء وثقافة وتفوق علمى تجعله كريما يؤثر الآخرين على نفسه ولو كانت به خصاصة، ليس مريضا يعتمد فى وجوده على وسائد تسنده فى مواجهة الآخرين ويتشدق فى المجالس بصفات ورثها دون جهد عن أقارب أو زواج، هكذا يكون العميد المحبوب معتمدا على صفاته الشخصية شغوفا بعشق الحياة والناس والتحضر غير مريض عاشق لنفسه يفاخر بأنه مسنود فى كرسيه بوسائد يراها العقلاء هشيما عصبيا فارغا لا يصلح لاجترار الماضى أو المتاجرة بالمستقبل.

العميد المحبوب له صفات إدارية واضحة للعيان، لا يحتاج العقلاء فى أمر معرفتها إلى دراسة علوم إدارة الأفراد فى كليات التجارة أو علوم إدارة الإنتاج فى كليات الهندسة، فبعض أساتذة علوم الإدارة لا يحسنون فن الإدارة، يحملون شهادات مضروبة فى العلم مسنودة بالعلاقات الشخصية.

العميد المحبوب يتحرى أن يملك تفكيرا مرتبا منطقيا لا يخلو من الإبداع غير موصوم بطابع التحيز أو الانفعال، يتخذ قراراته الإدارية بناء على تفكير علمى مستخدما أدوات منهجية ويشجع المرؤوسين على المشاركة في التشخيص وفي اتخاذ القرارات.

العميد المحبوب يرى نفسه عالما متواضعا ومتعلما كبيرا فى محيط العاملين معه، لا يخجل من الاعتراف بالضعف ولا يأنف من العودة إلى جادة الصواب، يستمع بعين المحب لجميع الآراء، يتبع سياسة اللامركزية في اتخاذ القرارات ولا ينفرد باتخاذ قرارات مؤثرة على مستقبل الكلية وسمعتها.

العميد المحبوب يتبع سياسة الباب المفتوح لحل المشاكل، يفتح باب عقله وشغاف قلبه لكل العاملين معه ولا يحيط نفسه بسياج من أشخاص محدودى الموهبة وصوليين.

العميد المحبوب يرصد التيارات الجارية في المجتمع وينحاز لتيارات التقدم، يوجه اهتمامه نحو دقة تطبيق القوانين على الجميع ولديه مرونة تطبيق نظريات ولوائح على عاملين وطلاب لديهم أحاسيس ومشاعر.

العميد المحبوب لا يفهم سلطة العمادة على أنه الأمر الناهى صاحب كرسى تولاه بموجب حق وراثى، انه يرى سلطة العمادة سلوك تعاونى بين الجميع تحكمه المصلحة العامة، وقوتها مزيج موضوعى من قرارات تنزل منه إلى العاملين وتوصيات تصعد إليه من العاملين.

العميد المحبوب يرى فى الرقابة على العاملين مجرد متابعة علمية لعمليات تحقيق أهداف الكلية وليست رقابة تجسس على الآخرين ومعرفة أسرارهم الشخصية، أنه يرى الرقابة الفاعلة تواصل بين الجميع عبر قنوات اتصال واضحة وميسورة.

العميد المحبوب يؤمن بالعمل الجماعى، ينجح فى تزكية شعور العاملين بالانتماء إلى الكلية وأن نجاحها نجاح لهم وفشلها فشل لهم، يستخدم القيادة الاستشارية في معظم أعماله ولا يميز بعض الموظفين بإمتيازات على حساب البعض الآخر.خلافا لذلك، فالعميد غير المحبوب، هو شخص ساذج يختال بالعمادة ويرى أن الكلية ميراثا شخصيا ينتهك فيه قواعد الإدارة السليمة، معتقدا أن العيون لا ترى، متصورا انه يركب الطريق المناسب للوصول إلى منصب أعلى فى رئاسة الجامعة.

Tuesday, February 13, 2007

بعضهم لا يعرف القراءة

المشاكل فى جامعاتنا كثيرة، وضعف قدراتنا على إيجاد الحلول المناسبة لها راجع إلى ضعف القدرات الشخصية والعلمية والإدارية لدى الكثير من قياداتنا الجامعية، فكثير من هذه القيادات يتم اختيارها من قبل أصحاب القرار بناء على نوازع شخصية لا علاقة لها بالمعايير الموضوعية اللازمة لتسيير دفة العمل المتحضر.

كثير من قياداتنا الجامعية تعانى من التخلف الثقافى وضمور فى الوعي السياسى، فهى بحكم ضعف ثقافة البحث عن المعرفة بين أفراد المجتمع وبحكم غياب التربية السياسية فى نظامنا التعليمى، قيادات لا تعرف قراءة مشاكلنا الحقيقية، تعيش منغلقة على نفسها تابعة لمن يملك سلطة القهر، لا تسعفها قدراتها الثقافية أو الإدارية على استيعاب النقد الموضوعى لعيوبها وترى أن كل نقد لأعمالها هو بالضرورة نقد شخصى يسعى لتجريح وجودها ولا ترى أهمية النقد فى تعرية الفساد.

كثير من قياداتنا الجامعية تفرض رأيها المتسلط على دولاب العمل دون أن تسمح بوجود قنوات تصل إلى الرأى الأخر، تملك أذانا كبيرة لا تسمع غير طنين ذواتها المريضة ولا تحفظ غير سقط الكلام من أصحاب السيادة عليها، ترى أن الصمت والهروب من مواجهة المشاكل الحقيقية هما أفضل الطرق للحصول على رضا القيادات الأعلى والبقاء فى حضرتها أطول فترة على كراسى الحكم، تركب كل الطرق السّرية لمواجهة أصحاب الرأى، تناور وتساوم وتتحسس طرق النفاق للقضاء على محاولات النقد، لكنها دون أن تدرى تسعى لافتضاح ضعفها، تسحب الريش من كل رأى يفضح وقائع الفساد وتلصقه على رؤوسها الكليلة بالجراح.

هكذا واقعنا اليومى يرصد تخلفا ثقافيا وعلميا فى جامعاتنا، تقلص الدور الاجتماعى لأساتذة الجامعات على كونهم أجراًء يلقون فى مدرجات مغلقة بعض المعلومات على بعض الطلاب، أجراء ينتشر حولهم المراقبون من جانب، العمداء والسّعاة والطلبة والحرس الجامعى، يكتبون التقارير الصحيحة حينا والمغرضة أحيانا، هكذا تضخم فصيل كبير من أساتذة جامعاتنا أجهدهم الواقع الأمنى وأعياهم التخلف الإدارى فاستسلموا للسير لصق الحائط غير خارجين على ثغاء القطيع، يرتدون رابطات عنق منشّاة ببراثن قهر وتخلف، لا يقوون على القيام بدور سياسي أو ثقافي فاعل فى تطوير مجتمعنا ولا أمل يرجى منهم فى تحسين الأوضاع.

فى سعينا نحو حل مشاكلنا، علينا أن نطالب بحرية مجتمعنا باعتبارها المناخ الوحيد للتحضر الإنسانى، أن نرعى حرية النقد الموضوعى باعتباره الأداة الوحيدة لكشف الفساد، أن نطالب بحرية نشر كل غسيل متسخ فى مؤسساتنا، أن نتدرب على الفخر بمواجهة أنفسنا قاصدين تنظيف مجتمعنا من الأوساخ والموسخين، فإذا كان الاتساخ ناتجا عن عيوب إنسانية وفساد فى الذمم، فالمجتمع الحر أقدر على التطهّر من العيوب، وإذا كان الاتساخ ناتجا عن حبس منجزات العلم، فالمجتمع الحر أقدر على الإمساك بأدوات العلم. صلاح أمور جامعاتنا يأتى مع تربية قيادات جديدة تعرف كيف تقرا مشاكلنا الحقيقية وتسعى بإخلاص لحلها، قيادات تؤمن بالديمقراطية فى طرح المشاكل، وبالعلم فى إيجاد الحلول، وبالكفاءة فى تنفيذ تلك الحلول.

Thursday, February 01, 2007

أنا شفت مليونير

مصرى أنا ومحظوظ بالوراثة، حصلت على شهادات من الأهل والجيران والدولة فى طول وعرض مصر، شهادات الميلاد والهوية وتأدية الخدمة الوطنية والبكالوريوس والماجستير والدكتوراه والعصامية وكثير من أنواع الذكاء والصبر والكفاح، تعلمت مجانا فى عهد عبد الناصر، وأصبحت أستاذا جامعيا فى مصر المحروسة، وظيفتى دراسة الأرقام وفهم العلاقات بينها، وهوايتى أن أعلن بعض ما أعرف.

فى عام ألف وتسعمائة وخمسة وستين ميلادية، كنت طالبا جامعيا أدرس فى كلية التجارة جامعة عين شمس، وسمعت بأذنى وشاهدت أستاذ الاقتصاد الدكتور يحيى عويس (رحمة الله عليه) وهو يقول انه لو ولد مولود مصرى سعيد، وفور ولادته تم تعينينه فى أعلى الدرجات الحكومية غير السياسية (درجة وكيل وزارة) وتقاضى هذا السعيد راتب الوظيفة منذ يوم ولادته حتى يوم بلوغه سن المعاش عند الستين، وأنه عاش غير مدين بالتزامات مالية تجاه أحد ( يعنى مقطوع من شجرة)، فان مجمل ما يستطيع هذا السعيد إدخاره لا يزيد عن عشرة ألاف جنيه مصرى، كان ذلك الرقم بأسعار بداية الستينات من القرن الماضى، ولتخفيف الحساب على أولاد البلد فى فهم طبيعة الرقم الآن نقول، مع الكرم، أن الفرد السعيد المنتج حسب الأصول الاقتصادية والأخلاقية لا يمكنه أن يدخر من عرق جبينه أكثر من مليون جنيه مصرى بأسعار أيامنا الحالية، أقول هذا عن قدرة الفرد المنتج الماهر المتعلم الشريف، لا أقول عن الوارث أو صاحب ضربة الحظ غير المبررة وغير المنطقية.

فى العام الماضى وقفت صدفة أمام مصعد بمبنى جريدة الأهرام قاصدا الدور الرابع فى نفس المبنى، وحين فتح باب المصعد ركب معى الصحفى إبراهيم نافع ( رئيس تحرير الأهرام شخصيا) وبجواره حرسه الشخصى، رجل يصنع لنا إعلاما ويصوغ لنا فكر الحكام، وبدأت أشم رائحة عطرة الفواحة، وحين خروجنا من المصعد لامست طرفا من هدوم إبراهيم نافع، بعدها سمعت بعضهم يقول أن الرجل مليونير كبير جدا، يملك فوق الخمسة مليارات جنيه، يقصدون انه بليونير، هكذا رأيت وشممت ولامست مليونيرا بشحمه ولحمه وأصبحت سعيد الحظ فى العام الماضى.

وفى هذا العام ذهبت صدفة إلى معرض القاهرة الدولى للكتاب، وأمام مقر ندوة عامة وقفت سيارة سوداء كبيرة فخمة جدا يصل ثمنها إلى مليون جنيه، درت حول السيارة مرات ومرات وغافلت بعض الوقوف ولامستها بيدى، وبعد نصف ساعة اكتشفت أنها ملك لمليونير كبير جدا، انه بليونير مصرى آخر، رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب محمد أبو العينين ، رجل يملك لنا مصانع ويدلى بآرائنا عند الحكام، رأيته واقفا أمام عدسات التلفزيون وبجواره حرسه الشخصى، يعلق على ما دار فى الندوة من مناقشات حول المشروع النووى المصرى، ونجحت فى أن أحشر نفسى وسط الزحام حول الرجل وأقف بجواره ورأيته وشممت رائحته الفواحة ولمست طرفا من هدومه، هكذا أصبحت سعيد الحظ فى هذا العام أيضا.

يا لسعدى، أنا مصرى محظوظ عشت فى مصر، عملت موظفا حكوميا بشهادات جامعية وفوق الجامعية لمدة تزيد على الأربعين عاما، ارتب أمورى كل شهر كى يكفينى راتبى وأسير لصق حائط التقشف، أنا ذلك السعيد عشت وشفت ولامست بليونيرات من لحم وشحم ودم، ولو نهض أستاذى الدكتور يحيى عويس من قبره ورآهم فسيعرف مثلى أن كل منهم رجلا شاطرا يصلح أن نراه ناعم البال بعيدا عن أهل مصر نغنى له ( أصله ما عداش على مصر)، لو نهض قول أستاذى ونحن معه سنرى أن كثيرا من الشطار والورثة اشتركوا فى نهب أرض مصر.

أرجو الله أن يغفر لى ذنوبى ويقبلنى سعيدا ويجعلنى نصف بليونير أملأ أفواها بالذهب كى تقول مع الغلابة فى بر مصر، أن الفوارق الاقتصادية بين كثير من المصريين فوارق فاضحة وغير أخلاقية.