Tuesday, January 25, 2011

فى انتظار التغيير


على هوامش ما جرى فى تونس من تغيير سياسى، يرى بعض المراقبين أن مصر تعيش مخاض تغيير مماثل، حججهم فى أن عوامل صناعة التغيير الأساسية تحاصر المصريين، إنها الجوع الاقتصادى وفقر الأداء السياسى وتآكل المواطنة، لكن القراءة الموضوعية للواقع تصل بنا إلى أن التغيير السياسى المصرى صعب المنال.

فى مقابل الجوع الاقتصادى يوجد فى مصر نسيج اجتماعى غير متجانس لا يقوى على التمازج، فالطبقات الاقتصادية المصرية غير متواصلة اجتماعيا تعيش منعزلة، إنها طبقة ثرية مرفهة يقل حجمها عن عشرة المائة، وطبقة عريضة تصل إلى أربعين فى المائة من السكان تعيش دون خط الفقر الاقتصادى، ويبقى طبقة ثالثة تستهلكها المحافظة على حد معقول من الحياة، هذا الوضع الطبقى الاقتصادى الاجتماعى السيئ جعل المصريين يعيشون حول خط الفقر الثقافى، يتناولون الماضى بقداسة ترفض الفهم، ويواجهون المستقبل بأحلام لا تصمد مع متطلبات التحضر، وجعل من مصر كائنا اجتماعيا لا يقوى على جماعية التغيير.

فى مقابل فقر الأداء السياسى المصرى، المتمثل فى ضعف المنهج من حيث انعدام المشروع القومى، وضعف الأدوات من حيث الأطر الحاكمة للنشاط السياسى للأفراد والجماعات، تحمل الغالبية من النخب المصرية شتاتا فكريا وثقافيا يدخلها فى أطر مغلقة تحول بينها وبين جماعية المشاركة السياسية، هكذا تعيش النخب المصرية فى جزر منعزلة لا تبشر بالقدرة على جماعية التغيير.

فى مقابل تآكل قضية المواطنة تتصارع آليات الانتماء بين أصحاب حزم فكرية متناقضة، فمن داخل مصر تعيش الجماهير وعيا سياسيا منقوصا يفتت الانتماء، ومن خارج مصر تتطاير أفكار متناقضة عن الانتماء بين أقباط مهجر يضيقون الخناق على أهل مصر كى يعيشوا فى تاريخ مضى، وبين إخوان بترول يلغون وجود مصر فى تاريخ معاصر، وبين عبيد يأكلهم الفقر الاقتصادى تدميهم أسلاك الكفالة والنخاسة والعمل خارج الوطن، هذه الحزم الفكرية تمارس التمييز الدينى والطائفى، يدعون أنهم المندوبون وحدهم عن السماء وأنهم وحدهم الناطقون بالحق، يرون المؤمن بهم نصف مقدس والكافر بهم مشروع قربان للآلهة، إنهم لا يعترفون لغيرهم بحق المواطنة بل يرونه تابع يستحق النفى، هكذا يضيع الانتماء بين الطوائف ولا يقدرون على جماعية التغيير.

واقعنا الآن أننا مصريون نعانى تخلفا حضاريا مريرا، لن ينقذنا منه إتباع دين مغلق يستبعد الآخر أو ممارسة ديمقراطية مزيفة تنفى وجود ذلك الأخر، فالدين المغلق إغفال عن الحق فى المعرفة الموضوعية، والديمقراطية المزيفة لعبة أقوياء لا يرحمون ضعيفا، إنقاذنا لن يأتينا إلا بالعلم وحب الحياة، فالعلم يكشف لنا طريق الحلول الموضوعية، والحب يبرر تضحياتنا فى تحقيق هذه الحلول.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 25 يناير 2011م

د. ياسر العدل

Tuesday, January 18, 2011

مفردات فكرية -1



• شكوت للطبيب تعبى وهوانى على الأطباء، فقال لى: اختصر، هو أنا ناقص مرض؟.

 

• كان لصا وقاتلا يخوض فى الأعراض، فقررت قريتنا قتله، بعد أن عاد من سفرة إلى الديار المقدسة أهدى لكبير قريتنا زجاجة ماء ومسبحة، فقررت قريتنا قتل رجل آخر.




• هناك فرق بين مخ الرجل ومخ المرأة، الحمد لله أنا أملك المخيين، حين أكون ماشى عدل يحتار عدوى فى، ويكون مخى مخ راجل، وحين أكون ماشى فى الخباثة يحتار صديقى فى، ويكون مخى مخ امرأة.




• معظم البشر يؤمنون بالإيمان بالله، إنهم لا يؤمنون بالله مباشرة، إنهم يؤمنون بالله عبر إيمان بأنبياء ورسل وكتب ومعجزات، إنهم يؤمنون بمطلق عبر إيمان بمطلق، ولما كان الإيمان ملزما بعبادات موضوعية ليس من بينها فعلة الإيمان، لذلك قل المتدينون وكثر تجار الدين.




• لا توجد علاقة علمية تربط بين الدين والجمال، فالفقراء والمرضى والمتعبين تعدهم الأديان بدخول ملكوت السموات، أما ملكات الجمال فعادة يدخلن ملكوت الرجال المحظوظين.




• فى كل يوم من عمرى، تجف دمعة، وتتفتح ابتسامة، ويولد إنسان، هكذا لو طال بى العمر لوسعت محبتى كل شيء.




• لو أننا فعلنا أشياءنا بحب، لفعلناها بأدب، ولأصبحت سيرتنا الذاتية آيات من الأدب الراقى.


• صباح اليوم رأيت سيارة عميد الكلية، وفراش رئيس الجامعة، وصورة ابن خالة جارنا يصافح رجل أمن، وواحد لا أعرفه يحمل صورة لممثلة فاتنة، يا رب: لماذا كل هذا الاضطهاد؟.




• صديقى يؤمن بأنى عصامى من أهل الجنة، وحين سألنى عن طلباتى فى الآخرة قلت: إصلاح البوتاجاز، ومرهم أجنبى لتدليك الركبة، وكيلو كباب من لحم الماعز الجبلى، وصندوق بيرة خالية الكحل، وريهام وسحر وشيماء، وأن تفتح كل قنوات الدش الأوربى مجانا.




• لماذا لا يتخلى العرب عن فرقتهم، ويختارونى رسول العناية الحضارية إليهم؟ دعهم يجربون فلن يخسروا شيئا، أنا الذى سأخسر بهائى.

 

• لدخول الخلاء فقه، ولسماع الموسيقى فقه، ولركوب المصعد فقه، فهل هناك فقه يرعى المصالح المرسلة لأمه تعيش هذا العصر؟.
• انتهى موسم القبلات والأحضان بين عنصرى الأمة، وخلا كل إلى سبيل، متى يبدأ العمل من أجل دولة مدنية؟ تضم الجميع مواطنين فى وطن واحد، وتحمى وجود المتطرفين من كلا الطرفين.
• ليس مطلوبا أن تستمر الحياة بدوننا، المطلوب أن نستمر نحن فى حب الحياة فنساعد الحياة على أن تكون فينا.
• وعهد الله بحبك، صدقينى يا رب تموتى..
 • باقى من الرصيد، ثلاث ابتسامات، وضحكتان، وعدد كاف من الملامح الباردة.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 18 يناير 2011م

Tuesday, January 11, 2011

إلى نواب الشعب

الأخوة أعضاء مجلس شعبنا المصرى الموقر، كان من المحتمل أن أكون عضوا بينكم، فهذا حقى الدستورى وأنا مصرى اعرف كثيرا من الآم المصريين ومعاناتهم، لكن لعبة صندوق الانتخابات جعلتنى لم اشترك فى انتخاب واحد منكم بصفة شخصية، وأصبحت فى موقع مواطن يقدم لكم النصيحة بعين ويقيم سلوككم بعين ثانية.



الأخوة أعضاء المجلس، يوم استلمتم عضوية المجلس أقسمتم على رعاية مصالح كل المصريين، هكذا أصبحتم نواب التشريع لمستقبل كل المصريين، نتوقع فيكم أكثر من أربعمائة فرد من ذوى الجنسية المصرية، لم تتهربوا من الخدمة العسكرية، تكسبون رزقكم من حلال وتنفقون ما تكسبون فى الحلال، لديكم قلوب تعقلون بها مشاكل التقدم على أرض مصر، تنتظرون عيون حق ترى أعمالكم، وتحتاجون قلوب رحمة تعقل أقوالكم.

أحبائى أعضاء المجلس، الناس فى بلادنا بسطاء، يملكون عيون حق وقلوب رحمة، ويملكون أذانا وألسنة ولا يبغونها عوجا، يتراصون فى دواوين الحكومة والبيوت وقاعات الهتاف وطوابير المستهلكين، يكرهون عجين الكلام الممزوج بالقهر والاستخفاف، ويبادلون سلطة القهر نفاقا بنفاق، يذكرون فى العلن أمام شاشات العرض العام صلاحية الشأن العام وأن ولاة الأمور طيبون، ولكنهم يميلون فى السر، داخل البيوت ومجالس النميمة، إلى فضح الشأن العام والإمساك بوقائع الفساد، والعيب فى عدم الشفافية.

فى جلسات الاغتياب والتصالح، يقول حاسد أن هذا الرجل ظل يبحث طول العمر عن فرصة، وحين أمسك بأول كرسى فى السلطة طبخ الطبخة لأولاده ولبعض الجيران، الغشيم فيهم أصبح حكيما والأهطل فيهم أصبح ثريا، ويقول منافق أن أهل الحل والربط تأكدوا أن ذاك الرجل غير مثقف ومع ذلك اختاروه مسئولا عن كل ثقافة، ويقسم أحد الكاذبين أن كل المناصب تعرض على شخصه لكنه يأبى أن يشغل منصبا لا يريده، وينهى رجل واع جلسة الاغتياب والتصالح بأن المناصب كثيرة لكن الشحاذين أكثر.

أحبائى أعضاء المجلس، نحن نعيش وقائع إسهال بعض الطامعين فى حكم مصر، إنهم يمسكون بطونهم طمعا فى استمرار مناصبهم، ويعشقون الموت على خوازيق كل مؤامرة، هكذا تنتشر فى بلادنا ساحات غيبة يلوك الناس فيها سيرة الطامعين، يرونهم موظفين أقمارا تكسف قدراتهم المتواضعة شمس كل كفاءة، وتتناثر بين الجميع حكايات ونوادر.

نوابنا فى مجلس الشعب، الناس فى بلادنا تحب الحياة وتسعى وراء لقمة العيش، تعرف أن الفساد يتعاظم على سلم من يطلبون القيادة أو النيابة من غير قدرة، ونحن المصريون بحاجة للخير، هكذا أمامكم عمل كثير وشاق، فكونوا عونا لنا على صنع التقدم فى دولة مدنية متحضرة.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 11 يناير 2011م

Wednesday, January 05, 2011

عشش الدبابير




مشاكلى مع الزوجة والأولاد وبعض الجيران تقليدية، كثيرها تافه وبعضها فاضح، ليس لكونى مواطنا منذ دهور وأنا لا أشارك فى مهازل الانتخابات، وليس لأنى رجل بلغت من الكبر ما يكفى لأن أكون غير قادر على الهش أو النش، الصحيح أن معظم هذه الخلافات تنشأ بسب قرفى الشديد من أحوال جامعاتنا المصرية، ذلك بأنى أعرف وقائع مخجلة ثقافيا وحضاريا تدور فى جامعاتنا، وأمارس شهوة الصياح على رؤوس الأشهاد بأننا ننهار حضاريا، أساس هذه المشاكل أنى مشارك فى بعض هذه الوقائع بقيمى وتعليمى وسلوكى، وأنى قصير ذات اليد فى صنع قرار رفت الكثير جدا من أعضاء هيئة التدريس والقيادات الحالية فى جامعاتنا.


الكشف عن الفساد فى الكليات الجامعية يحتاج لكلام الآف الألسنة ونبض مئات القلوب القوية كى ترفع عن التعليم الجامعى سطوة الدبابير، فكثير من الأساتذة يصرون على توريث أبنائهم مهنة الأستاذية فى الجامعة، بغض النظر عن قدرات أبنائهم الحقيقية، والأداء غير العلمى لإدارة الكليات الجامعية لا يسد فجوة التفرقة الفاسدة بين طلاب الدراسات العليا، حيث يجرى تقسيمهم إلى طبقتين، أولاد الحرة وأبناء الجارية، هكذا يتم منح درجات علمية فى مدد وجيزة لبعض الطلاب لمجرد أنهم أبناء أو معارف لأعضاء هيئة التدريس، بينما يبقى الكثير من أقرانهم سنوات طويلة يطحنون فى الهواء دون تقدم علمى أو اجتماعى.


الدبابير فى جامعاتنا الحكومية، تعرف أن القانون يسمح لأى طالب بأن يحصل على شهادتى الماجستير والدكتوراه خلال خمس سنوات، لكنها دبابير تطبق القانون فقط على بعض المتفوقين من الطلاب وتترك البقية سنوات طويلة دون تقدم علمى ودون ذنب يقترفونه، وحجج الدبابير أن بعض الطلاب فى حاجة لأن يجيدوا فن التعامل مع نقاط ضعف أساتذتهم، يداعبونهم ببعض الهدايا المعنوية، ويشيدون بسمعتهم أمام دافعى الهبات والمكافئات وعوائد الاستشارات، وأن يتصرف الطلاب قبل مولدهم فيختارون وظيفة آبائهم، وأن يشبّوا على استثمار منافع الوضع الاجتماعى لأزواجهم، ابن الباشا باشا وأبناء الآخرين لا جدوى من كفاحهم، هكذا فعل الدبابير فى كثير من طلاب الدراسات العليا، يخفون فسادهم بالاعتماد على أناس من المعوزين والمرضى يتولون مهمة تنفيذ القوانين، فيتحول تنفيذ القانون من محاولة تحقيق العدالة إلى تستر على الاغتصاب وضياع الحقوق.


إن هناك كثيرا من وقائع الفساد فى جامعاتنا لا يتمكن المتابعين لها عن جمع الأدلة القانونية لإثباتها، لكن العقلاء يرون قرائن تشير إلى مطابخ فساد تتناثر أخبارها فى الغرف المغلقة وعشش الدبابير، ويبقى على الغيورين على مستقبل هذا الوطن أن يقاوموا الفساد مهما تعرضوا لشبهات نشر الغسيل الوسخ.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 4 يناير 2011م