Friday, July 25, 2008

تسابيح ثورية

لا أحد يكره التغيير، قليل من الناس هو القادر على أن يكون ثوريا، الأزواج يمارسون تدريبات يومية فى الطلاق والخلع، قليل منهم هو القادر على فعلة الزواج من جديد، الأولاد والبنات يتشاكسون على النواصى ومفارق الطرق ويرقصون على حواف العقوق والبر مع الأبوين والأهل والجيران، قليل منهم هو القادر على فعلة الاستقلال الذاتى، معظم الفقراء يسبون الأغنياء وكثير من الأغنياء يتآمرون على الفقراء، قليل منهم ينتقل طبقيا بين الفريقين دون ضجيج.

لا أحد من الأسوياء يكره التغيير، الثوريون السذج فقط هم الذين يرفضون تغيير ثوابتهم، إنهم يصنعون الثورة على أعينهم ويجعلون من أحداثها أصناما وأقانيم للتسبيح ووصم الآخرين بالعداء، فعل الثورة لديهم مقطوع آن فى الزمن، موصول فقط بشعارات تجرى على لسان قائدهم الأوحد وزعيمهم الملهم، يفدونه بالروح حين يسلبهم روح المبادرة تكريسا لفرديته، ويفدونه بالدم حين يمتص دمائهم تكريسا لخلوده، هكذا يعود الثوريون السذج إلى رجعيين جدد، وهكذا أصبح حال القيادات المصرية طوال ستة وخمسين عاما بدأ من ثورة يوليو 1952م.

سدنة ثورة يوليو والمرددون لعهودها أفرغوا أفعالها من كل فضل، ولم يتخلص ورثتهم من توجهاتهم أو أدبياتهم، كان مأمولا أن يصبح التعليم للمصريين كالماء والهواء ضرورة وطموحا لكنه الآن أصبح تعليما آسنا وملوثا، كان مأمولا أن يتحرر الاقتصاد المصرى من عناصر الضعف لكنه الآن أصبح اقتصادا تابعا تحكمه قواعد احتكار بغيض وعولمة غاشمة، وكان مأمولا أن يعيش المصريون فى ظل نظام حكم ديمقراطى لكنه الآن أصبح نظام حكم يعتمد حزمة من عيوب كل النظم، انه نظام ديمقراطى من غير أحزاب، ودينى من غير شرائع، وملكى من غير وراثة، وعشائرى من غير ولاء.

سدنة ثورة يوليو ليسوا هم جثث الضباط الأحرار وجثث تابعيهم فقط، إنهم أدمغة تكلست أفكارها عند عصر بذاته وعند ظروف بعينها، من أخطائهم فقدنا نحن المصريين بوصلة الطريق إلى مشروع قومى فى العلم والثقافة والاقتصاد، وتحولنا إلى مجتمع ممتلئ بالثقوب والرتوق، هكذا لا يبقى أمامنا غير جدل التعامل مع موضوعية العلم وإنسانية المعرفة أملا فى بناء مجتمع متحضر.

Friday, July 18, 2008

بلطيم .. القوقعة

برغم أننى صاحب عهد مليء بالصولات والجولات وبقايا البطولة ( لا يا شيخ)، أطلقت شاربى خمس مرات وفكرت دهورا فى مصاهرة أهل الحكومة (نفديك بالروح)، الا انه فى عهدى الميمون لم يحدث شيء جوهرى، لم يتغير نظام الحكم من أصحاب الشلة إلى أصحاب الذوق، ولم أر فنانا كمحمود مختار صاحب تمثال نهضة مصر، ولم أعرف مهندسا كحسن فتحى صاحب تصميم قرى الفقراء، ولم أقابل ماسك خزانة كيوسف بن يعقوب (نفديك بالدم)، ومنذ أيام زرت مصيف بلطيم على ساحل البحر الأبيض فلقيت عهد حكم يعكس على موظفيه ملامح تخلف مبرر ( يا جامد).

وسط مصيف بلطيم تجسدت صورة فساد عبقرى يجمع نفاقا للحكومة وتخلفا فى الحس الجمالى وامتهانا للعلاقات البشرية ( يا سلام) ، على جانب محشور فى ميدان النرجس أقامت إدارة المصيف تمثالا حجريا كبيرا لقوقعة بحرية هى مسخ من قوقعتين من النوع المنتشر فى البحر الأحمر، تمثال القوقعة لا هو قراءة لواقع ولا هو ابتكار تشكيلى، انه بقايا أحجار وسيراميك جمعت من أكوام زبالة، هكذا يكون التخلف فى الحس الجمالى ( يا فنان) وأسفل القوقعة لوحة معلومات تقرر انه فى عهد السيد رئيس الجمهورية وعهد السيد المحافظ وعهود آخرين، هكذا يكون النفاق للحكومة والحاكم ( يا متهور) ، قام بعض من صغار الموظفين والمقاولين بتصميم قوقعة ساذجة ووضع أسمائهم على لوحتها وهبروا نقودا أجازتها لوائح مالية متخلفة ولم يذكروا أسماء بقية المشاركين، هكذا يكون الامتهان فى اختزال العلاقات البشرية ( يا مثير الفتنة)، الأمر كذلك لأن الموظفين مقامات وأن المصايف حظوظ ( يا حكيم) .

مبادئ الذوق الجمالى تقرن الأعمال الفنية بأسماء مبدعيها وتاريخ وجودها دون ذكر أسماء مقاولى الأنفار من القيادات والتابعين ( اختصر)، والإسفاف الفنى والإدارى فى قوقعة بلطيم نواتج عهود من قيادات لا تملك توجها حضاريا وتسمح بانتشار ظواهر متخلفة على ارض مصيف بلطيم القوقعة ( يا فاضحنا)، من بينها ضوضاء مكبرات الصوت على دور العبادة والملاهى وانتشار القمامة فى الشوارع ونزول المنتقبات إلى مياه البحر وسط الجموع بنقابهن.

Friday, July 11, 2008

الطريقة .. بـلٌبَـص


أنا لا أكره فقط وزيرا يحنث فى قسم توليه الوزارة بأن يرعى مصالح الوطن، ولا أكره فقط صاحب مصنع يحتكر منتجاته ويخشى الحسد فلا يفصح عن مصادر دخله، ولا أكره فقط قائدا يخذلنا ويجعل رقبتنا مثل السمسمة خجلا وضعفا، أنا بالفعل لا أكره فقط ولكنى أكره وأحتقر هذا الصنف من القيادات يأتى لمنصبه بالتزوير والبهتان، أفعل ذلك باعتبارى لاعب كرة قديما يحب اللعبة الحلوة حين يصنعها محترف بالتدريب والتعب.
فى قريتنا ومنذ الصغر اكتسبت مهارات كرة القدم بالقيام بالمهام الخطيرة لحارس المرمى، ملعبنا نقيمه على أرض شارع أو على ساحة جرن حصاد أو فى زنقة من حارة، حين نفتقد الأحجار الكبيرة نصنع شواهد متحركة للمرمى من أكوام تراب وطوب وملابس اللاعبين، وقت مبارياتنا مفتوح ولا مانع من أن يشاركنا اللعب بعض العابرين من بشر أو بهائم، وللجميع الحق فى الرجوع عن قراراتهم متى رغبوا.
فريق حارتنا أبدع طرقا عبقرية للفوز فى معظم المباريات، طريقة تمنع دخول الكرة فى مرمانا بتحريك شواهد مرمانا تضيقا أو توسيعا ليعجز المنافس عن التسديد، وطريقة الصياح والقسم بأغلظ الإيمان أن الكرة لم تدخل مرمانا، الطريقة (بلبص) كانت هى الأفضل، نتحرش بملابس الفريق المنافس ونضيعها بقصد المساومة عليها، ( بلبص) هى عرى الفريق المنافس وفضيحته وتجريسه فى الشارع مقابل الاعتراف بعدد الأجوال التى نريد، كنا نلعب على أرضنا وسط أهل حارتنا وبالطريقة (بلبص) تقترب نتائج مبارياتنا من ثلاثين هدفا لنا مقابل خمسة أهداف للخصم، وتنتهى مبارياتنا بمعارك يشترك فيها اللاعبون والمتفرجون وعابرى السبيل، يتبادلون الإصابات بكرات غير مكتملة من حصى وطوب وطين وجلة ناشفة.
خبرتى مع فريق حارتنا إصابتى بالإحباط والأسى، حين نحصد نتائج مبارياتنا ينهال الجميع على رأسى بالشتائم والاستهانة بإمكانياتى الكروية، إذا فزنا يتهمنى الفريق المنافس بتحريك الهدوم فضاقت شواهد مرمانا وضلت كراتهم أهدافها، وإذا هزمنا يتهمنى فريقنا بتحريك الهدوم فاتسعت شواهد مرمانا واستقبل كرات المنافسين.
مع انتشار مباريات كرة القدم كثرت الأورام والتسلخات فى جسدى وانتشرت الرتوق فى هدومى واختزن العقلاء خبرة الطريقة (بلبص) لتجريس المنافقين والمرتشين والفاسدين.
مع كل البلاوى فى بلادنا، أرانى صالحا لقيادة حكومة أضبط سيرها على التحرش بهدوم كل مسئول على الطريقة (بلُبص)، المشكلة أن بعضهم سينبسط بضياع الهدوم.