تسابيح ثورية
لا أحد من الأسوياء يكره التغيير، قليل هو الذى يسعى لأن يكون التغيير ثوريا ناضجا يضيف وقائع وأحلاما للتحضر الإنسانى، لا أن يكون ثوريا ساذجا ضامر الفكر جدب التخيل، الثوريون السذج فقط هم الذين يرفضون تغيير ثوابتهم، إنهم يصنعون الثورة على أعينهم ويجعلون من أحداثها أصناما وأقانيم للتسبيح وخناجر لوصم الآخرين بالعداء، فعل التغيير لدى الثوريين السذج هو مقطوع آن يتوقف عند لحظة فى الزمن، هو فقط موصول بشعارات تجرى على لسان قائدهم الأوحد وزعيمهم الملهم، يفدونه بالروح حين يسلبهم روح المبادرة تكريسا لفرديته، ويفدونه بالدم حين يمتص دمائهم تكريسا لخلوده ويتحول الثوريون السذج إلى رجعيين جدد يحرسون أصنامهم، هكذا أصبح حال القيادات المصرية طوال ثمانية وخمسين عاما منذ ثورة التغيير فى يوليو 1952م وحتى الآن.
سدنة ثورة يوليو والمرددون لعهودها أفرغوا أفعالها من كل فضل، ولم يتخلص ورثتهم من توجهاتهم أو أدبياتهم، كان مأمولا أن يصبح التعليم للمصريين كالماء والهواء ضرورة وطموحا لكنه الآن أصبح تعليما آسنا وملوثا، كان مأمولا أن يتحرر الاقتصاد المصرى من عناصر الضعف لكنه الآن أصبح اقتصادا تابعا تحكمه قواعد احتكار بغيض وعولمة غاشمة، وكان مأمولا أن يعيش المصريون فى ظل نظام حكم ديمقراطى لكنه الآن أصبح نظام حكم يعتمد حزمة من عيوب كل النظم، انه نظام ديمقراطى من غير أحزاب، ودينى من غير شرائع، وملكى من غير وراثة، وعشائرى من غير ولاء.
سدنة ثورة يوليو ليسوا هم جثث الضباط الأحرار وجثث تابعيهم فقط، إنهم أدمغة تكلست أفكارها عند عصر بذاته وعند ظروف بعينها، من أخطائهم فى التوجهات فقدنا نحن المصريين بوصلة الطريق إلى مشروع قومى فى العلم والثقافة والاقتصاد، وتحولنا إلى مجتمع ممتلئ بالثقوب ينسحب من الحضارة.
هكذا لا يبقى أمامنا نحن المصريين غير جدل التعامل مع موضوعية العلم وإنسانية المعرفة أملا فى بناء مجتمعنا المتحضر.
المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الأربعاء 31 مارس 2010م