Monday, April 27, 2009

مطلوب عروسة

ليست مشكلة أن يصبح أبناؤنا أباء ينسلون، هى مناورات من الأهل والجيران والطامعين ممزوجة بحزن وأمل وفرحة وتلبية احتياجات متبادلة يمكن للابن معها أن يصبح أبا رائعا طيبا وصبورا، المشاكل تبدأ حين يسعى الأب فى البحث عن عروس مناسبة لابنه الفحل.

حين بلغ إبنى عمر الفحولة الكافى لأن أصبح أبا لعريس محتمل، يضرب نسلى فى الأرحام أحفادا يملأون المستقبل عزة وفخارا، أعلنت بين الأهل والجيران والطامعين رغبتى فى أن أصبح جدا، ولأن أحفادى فى ظهر الغيب عظماء، استظرفت من أجلهم سماجة هذا الصديق، ورضيت غباء ذلك الجار، وبررت سلوك تلك الطامعة، وطال صبرى على من يتحفنى بآرائه فى زواج بنات الأصول.

داخل سيارتى الرائعة جلس صديقى يسكب على مسامعى أن البنات كثيرات على قفا من يشيل، وأن الزواج من بنات الأصول أمر ميسور، فثلاثون ألف جنيه مصرى هى شبكة معقولة، وتسعون ألف جنيه هى فرش ثلاث حجرات فى شقة الزوجية، مطبخ وصالون وأنتريه، وعشرون ألفا هى حفلة فرح على الضيق، إذن الحسبة بسيطة، قل هى مائة وخمسون ألف جنيه يتكلفها العريس، بشرط امتلاكه لشقة مناسبة، أما العروس فتتحمل ما تبقى من نجف ومراتب وستائر وفوط لزوم حجرة النوم ولزوم إنتاج الأحفاد، ولا بأس أن يزيد صاحب الفضل من سعته.

ظل صديقى يسكب فى سيارتى آراءه عن زواج بنات الأصول، وظلت سيارتى تترنح على الطريق نحو منزله المحشور بين منازل المصريين، وحين بدأ يعيد آراءه رأيتنى أعيد حساباتى وأنظر إلى ربطة عنقه الطويلة تمهيدا لارتكاب جريمة خنق مع تكسير جمجمة، وفى لحظات تقدير لحجم الفاجعة تحسست الشارع والمارة فاصطدم بصرى بعشرات من العابرات سبيل الأنوثة، فأعلنت لصديقى أن أكثر من ستة ملايين فتاة مصرية دخلن سن العنوسة، وأن ابنى فحل من النابهين، وان أكثر من ستين فى المائة من الأسر لمصرية تعيش فى حجرتين، يأكلون فى صحون من البلاستيك وعلى طبالى من أوراق الجرائد، وأن كيلو لحم الغنم الشهى لا يزيد على خمسين جنيها، فلا يعقل أن تزيد ثمن العروس من بنات أصوله على ألفي جنيه.

أيها الرجل غادر سيارتى سالما، وأحذر غضب الفحول منا ومن الأبناء فعرائسك أكثرهن من المتردية والنطيحة وما رفس الجحش.

ردود على المقال

هذا المقال نشرته على مجموعات بريدية على النت أشترك فى عضويتها
ومن بينها جماعة 9 مارس المهتمة بمشاكل استقلال الجامعات المصرية
أظهرت تعليقات على مقالى من بعض أعضاء الجماعة كم نعانى من تخلف ثقافى بين أساتذة جامعاتنا
غالبية أساتذة جامعاتنا تعايش ضعفا حسيا فى التعامل مع اللغة العربية وتعيش ضحالة اغتراب فكرى

كان تعليق إحداهن وهى أستاذه فى كلية الآداب هكذا:
يا أبا الفحل، ابحث عن عروسة لابنك الفحل بعيدا عنا وعن مجموعتنا البريدية.
وعلقت أستاذة فى الجامعة الأمريكية على المقال بلغة إنجليزية
ورأت فى المقال نصا يتضمن تعبيرات إباحية قامت بتحديدها باللون الأصفر

فكان على أن أمد رجلى كالشافعى فى وجه من يدعون الثقافة ويمثلون احدى حلقات صناعتها
وسطرت الرد التالى :

من المؤكد وحفاظا على الأنساب نضعها، نحن آل العدل، فى المحصنات من القوارير
فإننى كما ذكرت فى مقالى أعلاه
إننى لا ابحث عن عانس أو نطيحة أو متردية لتصبح عروسا لابنى الفحل
ومن المؤكد أيضا أن هذه المجموعة الموقرة هى خليط راقى من المتزوجين وقل بينهم العوانس
فلا يصلح أمرى فى طلب عروس بين أفراد هذه المجموعة الموقرة
الأمر ببساطه إذن
إن مقالى أعلاه هو إشهار لفحولتنا، نحن آل العدل، بثثته بين هذه المجموعة وبين مجموعات أخرى كثيرة
فقد يغار بعض من أوردتهم السنون أبواب المهالك، يحرثون ولا ينسلون، وصاروا بركة طيبين
يغارون فيدعوننا كى نقوم بواجبنا، نحن آل العدل، فى إنتاج وتحسين النسل البشرى
أخيرا إلى من لا يدركون جمال الكتابة الأدبية فى مقال صحفى ذو توجه اجتماعى
أقول
أنا لست فقط أبا لفحل واحد بل هم كثير، ذلك بأننى فحل عظيم وما زلت أعمل بكفاءة

عند ذلك قام دكتور من المجموعة وكتب فى تعليقه:

أنا كعضو في المجموعة أو جنرال كما يتخيل د. ياسر العدل في كتابته السمجة
أعبر عن رأيي أحياناً في الرسائل التي لا تتعلق بنشاط المجموعة
مثل مقالات د. ياسر العدل التي لا أرى فيها بالمناسبة أي قيمة صحفية أو أدبية

وحين ظهر لى أن كثرة من أساتذة الجامعة يحملون أدمغة صدئة وحس إبداعى منخفض
أصبح لائقا أن أتوجه بحديث عام عن المقال وللجميع

أخى الفاضل وأختى الفاضلة أعضاء المجموعة

إذا كان بعض أساتذة الجامعة لا يتذوقون أدبا رصينا،
فهم لا يدركون أن مقالى أدناه هو مقال صحفى بامتياز
يتناول مشكلة الزواج بلغة عربية راقية وإحاطة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية
أما عن رفض هذا البعض من نشر مقالاتى على المجموعة
الأمر أبسط كثيرا
بالتأكيد أن لهذه المجموعة مدير يمكنه رفض الرسائل وتنقيتها
إن فعل فسيريح بعضهم ويريحنى أيضا من تعسفى فى الرد عليهم
فى النهاية
أرى أن الشعوب المتخلفة يختص أفرادها بإغفالهم سماع الموسيقى، إنها حرام
لا يستملحون الأدب إلا إذا كان ذكرا، انه تذكرة

هنا تدخل دكتور آخر وكتب لى:

أين الرصانة يا سيدى فى هذا الكلام الغليظ عن الفحولة والنسل والجنس؟
وهل الزواج عندك محصور فى هذه المعانى المكشوفة التى تعتمد على الحس الغرائزى الخام؟
ثم كيف تتهم من لا يتذوقون أقوالك الفجة بالتخلف؟

هكذا ظهر لى من يركب موجة الهجوم دون تفكير فرددت عليه فى خطاب خاص

أيها الفاضل
من يحمل مثل فكرك وطريقتك
فى قراءة تتابع النصوص، مقالى وما تلاه من رد عليه من دكتورة الآداب
فأنا أرشحه لكى يكون مسئولا كبيرا عن الأدب الرصين فى بلادنا
مسئول لا يقرأ التتابع ويطرد الأفكار المحورية
وتكفيه القشور كى يمتشق حسام القيم المرعية

وأنهيت النقاش برد أخير ألقيته على الجماعة هو التالى:

لست هنا بصدد تقييم مقالى المسمى أعلاه مطلوب عروسة
لكن بعض أعضاء المجموعة تناوله بتقييم غير موضوعى
أحدهم تطوع بسريع نقده ووصفه بالسماجة
إحداهن علقت عليه باعتباره مقالا إباحيا يخدش حياءها كأنثى وكإنسانه
كان تعليقها بلغة غير عربية
أحدهم تصور أننى كاتب يفرض مقالاته على قرائه بخدمة توصيل إجبارية
وأحدهم تصور أن أمره يشغلنى لأعتقد انه خفير أو جنرال
كل هذه التقييمات غير الموضوعية من سماجة، إباحية، إجبار على القراءة، تضخم الذات
كلها عداءات لا أقبل بها تنقلنى إلى حالة من الشراسة أفرغها فى وجه الساذج والإباحى ومتضخم الذات
ذلك أننى أرى نفسى مسئولا عن كتاباتى
فكما أننى أحاول إلا أقع بها فى محظور لغوى أو اجتماعى أو أخلاقى
فإننى أيضا لا أترك للسائمة فرصة الإفلات بتقييمهم الضحل لها
مرة أخيرة
أنا لست بصدد تقييم كتاباتى
أنا فقط أتعسف جدا فى الرد على أقوال جاهل ولا يعلم انه جاهل
د.ياسر العدل

Sunday, April 26, 2009

مواسم التطهير


فى بعض مواسم التطهير من الجرائم وفى بعض المناطق تنشط أدوات الشرطة فى القبض على الخارجين على القانون، تفتش الأرض والسقوف والمنازل والجيوب، ويتم القبض على العشرات من المشتبه فيهم، وحين تخبو طبول مواسم التطهير، تهدأ المعمعة ويدخل بعض المقبوض عليهم فى محابس تحت سيطرة الشرطة فى سجن مغلق أو فى متابعة مكشوفة، هكذا يكون التمهيد لإعادة القبض عليهم وقت الحاجة لتسوية جرائم لم تستدل الشرطة على مرتكبيها.

كثير من المجرمين يعيشون أحرارا يروعون الناس ويفسدون فى الأرض، الناس تعرفهم والشرطة تعرفهم ولا تنالهم يد القانون، يتعاملون مع الشرطة كأنهم أصدقاء قدامى، الشرطة تتحرك تجاهم لتنفيذ حالات موسمية ترتبط بتنفيذ سياسات فردية محددة، هى ترقية هنا أو منصب هناك، هكذا يتربى شعور لدى الناس بأن الأمور غير منضبطة، ويحاصر الجميع إحساس بأنهم مشاريع جاهزة لحالات اشتباه تديرها الشرطة، ذلك بأن إغماض الأعين عن الجرم المشهود إنما هو مساومة يمارسها لصوص يتبادلون المواقع.

كلنا يعرف جناة من كل نوع، ويعاشر خارجين على القانون فى أكثر من نص، كلنا يخالط زوجات وأولاد وأقارب وموظفين وتجار وفنانين وطلاب علم وأساتذة جامعات وصحفيين، لكن الخوف القاتل كامن فى صدورنا من سطوة الجناة ونوم القانون وفساد الذمم، وهشاشة ضعفنا الإنسانى يضعنا فى دوائر خوف دائمة بأننا فى وقت ما صالحون لأن نكون جناة من نوع ما.

نظرا لطبيعة ضعفنا الإنسانى وخوفنا المبرر وتعثرنا السياسى فى تناول قضايا الحرية، نرضى لأنفسنا ما نرفضه لغيرنا، نستدرج كل القوانين لتخدم مصالحنا، نطرح أنفسنا أمام المجرمين وأمام الشرطة كلعب صالحة للاستخدام فى مواسم توريد الجناة لقضايا الناقصة أو محتملة.

لا سبيل أمامنا للهروب من دوائر الخوف غير الإمساك بأدوات الحرية، حرية الفكر بالعلم، وحرية الإرادة بالوعى، وحرية الفعل بالديمقراطية، كل هذه الحريات يحتاج تطبيقها إلى أدوات علمية تساعدنا على الفصل بين الجناة باعتبارهم موضوع اتهام للشرطة وبين الشرطة باعتبارها أداة لتنفيذ أحكام القضاء وبين القضاء باعتباره أداة لكشف للعدالة، نحن بحاجة إلى مناهج علمية ترفع الوعى لدى الناس ليدركوا طبيعة حرياتهم، فلا يخيفنا الجانى الشرس ولا يسجننا الشرطى القبيح ولا يفصل بيننا القاضى الضعيف.
المقال نشر فى جريدة العربى الناصرى - الأحد 26 ابريل 2009م

Sunday, April 19, 2009

أزمتنا الثقافية


نحن المصريين نعانى من أزمة ثقافية حادة، فعقلنا الجمعى يفتقد المعايير الموضوعية للحكم على القيم، ويقنع بأحكام شخصية تمليها الأساطير والخرافات والتجارب الفردية، وعلاقاتنا المتبادلة مع أنفسنا ومع الغير تحكمها شريعة الغاب، القوى يأكل الضعيف، ومنطق القبيلة يسيطر على فكرنا الفردى فتموت الإبداعات الفردية وتتقلص طموحات الجماعة، أسباب هذه الأزمة ترجع إلى عاملين، أولهما ضعف تواصلنا مع مصادر الفكر المؤثر حضاريا، وثانيهما ضعف الأداء فى العناصر الفاعلة لثقافتنا.

يرجع ضعف مصادر فكرنا المؤثر حضاريا إلى انعزالنا الموضوعى فى التعامل مع العالمين القديم والحاضر، فتناولنا للعالم الماضى يقتصر على أوعية ثقافية قديمة نسحب منها معلومات بدائية غير منقحة حضاريا، وتناولنا العالم الحاضر تنقصه فاعلية البعثات العلمية ومهمات التبادل الثقافى مع الآخرين، هكذا تصبح مصادر ثقافتنا المعاصرة بناء من هشيم.

والعناصر الفاعلة للنشاط الثقافى ثلاثة، أولها إنسان يرسل معلومة، وثانيها إنسان يتلقى نفس المعلومة، أما الثالث فهو نقل المعلومة عبر أدوات صالحة لنقل نفس المعلومة، وضعف هذه العناصر يجعل ثقافتنا مشوهة يختلط فيها الموضوعى بالشخصى والحقيقى بالأسطورى، هكذا تنتشر فى ثقافتنا آليات تقديس الأفراد وتغيب عن أدمغتنا طرق الحلول الحضارية لما نواجهه من مشاكل.

بلادنا ليست فقيرة فى إمكانياتها المادية، فجامعاتنا ومقار الأحزاب والمقاهى ودور العبادة والمصانع، تستخدم موسميا لإلقاء المواعظ والتسامر والحملات الانتخابية، وبهذه المقار يوجد أكثر من مكان يصلح لأنشطة المسارح ودور العرض السينمائى وقاعات المحاضرات، إنها أماكن يمكن توظيفها لتفعيل النشاط الثقافى بين جموع المواطنين بدلا من غلقها واقتصار دورها على تلقين البسطاء أدعية الصبر وشكر أصحاب النعم.

فى بلادنا كثير من القادرين مادياً على التبرع لتبنى أنشطة ثقافية مختلفة، من باب الإيمان بضرورة التقدم أو من باب الكسب المادى أو من كلا البابين معا، ويمكن توجيه التبرعات لإقامة فرق ثقافية تعيش فكريا وماديا على أرض الواقع، فرق لا يقتصر وجودها على مجرد التسجيل فى أوراق حكومية، ولا يخشى العاملون عليها فكرة السعى نحو التنوير.
الطريق واضح لتجديد ثقافتنا الوطنية، الخنوع يجعل الإقدام على التنوير أمرا عسيرا، والوصول إلى ثقافة حية لشعب متحضر أمر دونه الكثير من الجهد والأسى والشوق الجميل.
المقال نشر فى جريدة العربى الناصرى – الأحد 19 ابريل 2009م

Saturday, April 18, 2009

رقصة واحدة

فى يوم موعود ظهرت إشارات واضحة على أننى مقبل على وليمة كبيرة، ترص فيها اللحوم وتتراقص فيها المشروبات، ذلك بأن اجتماع مجلس كليتنا الموقر هو الاجتماع الأخير فى ذلك العام، وأننى عضو فى هذا المجلس، وأن إدارة الكلية ستكرم زملاء من هيئة التدريس فازوا بجوائز صورية من الجامعة بغض النظر عن كفاءتهم العلمية، وأن رئيس الجامعة ونوابه سيحضرون للكلية لافتتاح مبنى حديث يحمل اسم رئيس الجامعة، هكذا رأيت الوليمة الكبيرة غداء شهيا يصل بى إلى الشهرة ويساعدنى على التخلص من العمداء والزملاء، فالأكل مع صناع القرار ملئ بالعظمة والشهرة، بغض النظر عن كونه أكلا مشوبا ببرودة العلاقات الوظيفية ومطعّما بالنفاق وتسليك المصالح.

فى قاعة كبار الضيوف، لم أكترث بمصافحة عميد الكلية، فقد نجحت فى مصافحة من هو أعظم شأنا، انه نائب لرئيس الجامعة ابتسم لى فزاد يقينى بدعوتى لحفل الغداء الفخيم، وحين شرفت القاعة بدخول رئيس الجامعة الأعظم شأنا من الجميع، تركت نائب الرئيس جانبا واندفعت بجسدى بين جموع المستقبلين واحتضنت رئيس الجامعة بود ظاهرا للجميع، فداعبنى الرئيس بود مسموع للكبار، وأيقنت بأننى سأجلس بجوار فخامة الرئيس على مائدة الطعام.

انتظم ركبنا خلف رئيس الجامعة، موظفين ورجال أمن وموظفات ومصورين، وسرنا على سجاد تحيطه أكاليل الزهور وضع خصيصا ليحدد للضيوف طريق العبور بين منشآت الكلية، وفى الوقت المناسب قام موظف بتحريك بعض العاملات المحتشدات فى الأركان فأطلقن زغاريد مبحوحة مع أدعية بالستر والصحة وبلوغ الأمل، وفى نهاية طريق السجاد أعلنت احدى الموظفات أنها على استعداد لتملأ الدنيا بهجة وزغاريد مقابل أن يمنحها رئيس الجامعة مكافأة نصف شهر من راتبها، وحين سمعها موظف كبير أسر فى أذنى انه لن يرض بأقل من مكافأة شهر كامل مقابل زغرودة واحدة ورقصة ماجنة.

فى قاعة الطعام الواسعة قررت الجلوس على مائدة رئيس الجامعة، قاصدا أن تلحقنى نظراته بالعطف والرضا، وأظهرت له حبورا وانتشاء بكل نكاته ومداخلاته، مر وقت حلمى بالمناصب جميلا، وحين اكتشفت على ألسنة الجميع أن الاحتفال عقد لتكريم رئيس الجامعة بمناسبة انتهاء فترة رئاسته الحالية، ضاقت القاعة عندى وجف الطعام لدى وصدعنى سخف نكات ومداخلات رئيس الجامعة، وهاجمتنى آلام المعدة والتنفس، ووجدتنى أعود إلى منزلى دون منصب جديد أو شهرة مدوية.

Monday, April 13, 2009

عزب ثقافية


لأن مصر بلد كبير يتمتع بالاستقرار عبر الجغرافيا والقدم عبر التاريخ، أصبح سهلا على حكامها أن يضعوا مؤسسات قوية تكرس لبقائهم وتقاوم فكرة تداول السلطة مع الآخرين، هكذا يتحول نشاط وزارات الإعلام والثقافة والصحف الحكومية فى مصر المعاصرة إلى عزب ثقافية تصنع من الحاكمين ملوكا وكهنة قديسين.

نشاط وزارة الإعلام يعتمد نظريا على أن الكلمة المثقفة تصنع وعيا حضاريا، وعند التنفيذ تستعين القنوات الإذاعية بمذيعين ينفرون من ثقافتنا القومية ويتهربون من وقائع حياتنا اليومية، ويقوم معدوا البرامج بمفاوضات للتعرف على المسموح به والمسكوت عنه إعلاميا، هكذا فى الوقت المناسب تظهر على شاشات العرض العام قوافل ثقافية تضم مذيعين مدربين يمسكون بمتحدثين مروضين ليرقص الجميع حول موائد طعام فكرى حامض، وتتحول وزارة الإعلام إلى عزب خاصة تشيد بعصمة الحاكمين.

نشاط وزارة الثقافة، يعتمد نظريا على أن الدولة القوية تصل جمهورها بالفنون الإبداعية، وعند التنفيذ تصطدم وزارة الثقافة بضعف الإمكانيات المادية والفنية، فهيئة قصور الثقافة فى حاجة لأكثر من اثنين مليار جنيه لتحسين البنية التحتية لقصور الثقافة القائمة، ونسبة المتفوقين دراسيا والمبدعين فنيا فى مجالات وزارة الثقافة لا تزيد عن خمسه فى المائة بين العاملين، وفى الوقت المناسب تنطلق قوافل إدارية تنشر إنتاجها فى المسارح والمعارض والاحتفالات تصاحبها وفود إعلامية تضم أشباه صحفيين ونقاد يجمعون بدلات السفر وينتقدون موائد الطعام، هكذا يتقلص نشاط إدارات الثقافة على تقديم عروض فقيرة ثقافيا لجمهور مغيب حضاريا، وتتحول وزارة الثقافة إلى عزب خاصة تشيد بعصمة الحاكمين.

نشاط الصحف الحكومية، يعتمد نظريا على أن الصحافة سلطة رابعة لصنع القرار فى يد المواطنين، وعند التنفيذ تقوم ماكينات الطباعة فى مصر بإخراج أكثر من خمسمائة صحيفة ومجلة ومطبوعة شهريا، تمتلئ بكتابات صحفية دون مستوى الوعى الثقافى اللازم لصناعة التقدم فيتفكك الانتماء العام وينحسر عدد قراء الصحف فى مصر دون المليون ونصف المليون قارئ، بنسبة لا تصل إلى اثنان فى المائة من عدد السكان، وتتحول الصحف الحكومية إلى عزب خاصة تشيد بعصمة الحاكمين.

هكذا فى عصور الملوك الكهنة، يدفع المصريون الضرائب والإتاوات من أجل تجهيز عزب ثقافية تكرس مركزية الدولة وتدعم دكتاتورية الحكم، ويتباكى الجميع على قتل الانتماء للوطن.

Sunday, April 12, 2009

أطلس الفلكلور المصرى


نحن المصريين، عشنا آلافا من السنين فى كنف حضارتنا الفرعونية، ونعيش فى مزيج حضارى تصنعه الديانات السماوية منذ مئات السنين، وطوال تلك الحقب ترسبت فى وجداننا عادات وسلوكيات شعبية جسدت أجزاء أصيلة فى شخصيتنا المصرية يجمعها موروث واحد هو الفلكلور الشعبى المصرى.

فى سعينا لإثبات وجودنا بين الأمم علينا تفعيل ذاكرتنا الحضارية وتزكية انتمائنا القومى بموروثاتنا الشعبية، هذا السعى يتطلب منا خطوتين علميتين، الأولى أن نبنى أطلسا للفلكلور الشعبى المصرى يحمل إطارا علميا منضبطا لتجميع وتوثيق وحماية بيانات مأثوراتنا الشعبية، والخطوة التالية تتمثل فى بناء آليات التفسير العلمى لبيانات الأطلس بقصد تحويلها إلى معلومات قابلة للتداول تشرح لنا وللغير مكونات شخصيتنا المصرية.

المشكلة فى إعداد الأطلس المصرى أنه نشاط تابع حاليا لوزارة الثقافة، وبالتالى فإدارة الأطلس تحكمها قوانين الإدارة الحكومية فى التمويل والتعيين والترقيات، صحيح أن هناك لجان علمية متخصصة تشرف على العمل، لكن بيروقراطية العمل الإدارى تعوق انجاز الأطلس فلم ينته إعداده منذ سبعينات القرن الماضى حتى الآن.

إن إنشاء أطلس للفلكلور الشعبى المصرى يعتبر مهمة قومية تتطلب أن نوفر لها الإمكانيات اللازمة، لذلك فإننا نقترح أطر العمل التالية:

أولا: أن يدعم الأطلس بكوادر علمية، من حيث المخصصات المالية والإدارية، تتبع جهة أكاديمية مثل الجامعة أو مراكز البحوث المتخصصة، ونحن لدينا كثير من الأقسام العلمية فى جامعاتنا تدرس الفلكلور، ولدينا علماء يمكن توظيف إمكاناتهم البحثية، ولدينا طلاب صالحين لتكوين أجيال تالية من المتخصصين.

ثانيا: أن تقوم الدولة بجهد إعلامى يسعى لتشجيع الأفراد والمؤسسات على التبرع للأطلس، يمدونه بالبيانات الأولية وبالتجهيزات المادية اللازمة، على أن يكون التشجيع متمثلا فى إعفاءات ضريبية، وبدائل مادية وأدبية ترفع من شأن التبرع للمشاريع القومية.

ثالثا: أن يتم التعامل مع هيئة الأطلس باعتبارها نواة لجهة علمية متخصصة، تقوم على دراسة الفلكلور المصرى، وتمد نطاقها العلمى نحو الدراسات المتصلة، وتدعم نشاطها بالبعثات الخارجية، والزيارات العلمية للباحثين فى مجال الفلكلور.

ويبقى فى الحسبان أن جمع الفلكلور المصرى، تدوينا ودراسة، إنما هى مهمة قومية يجب أن نشارك فيها جميعا، نحن المصريين، قاصدين التمسك بمبررات علمية تضيف لوجودنا ثباتا متميزا على الأرض يبعث على التعاون بندية مع الآخرين.
المقال نشر فى جريدة العربى الناصرى - الأحد 12 ابريل 2009م

Tuesday, April 07, 2009

مصرنا . . مخترقة


بعض المراقبين المعاصرين يرون أن مصر إناء كبير يضج بغليان ثورة شعبية وشيكة، ففقر الأداء السياسى والجوع الاقتصادى وتآكل المواطنة يحاصر الجميع، لكن القراءة الموضوعية للواقع المصرى تصل إلى نتائج مغايرة تجعل فعل التغيير صعب المنال.

فى مقابل الجوع الاقتصادى يوجد نسيج اجتماعى غير متجانس لا يقوى على التمازج، فالطبقات الاقتصادية المصرية غير متواصلة اجتماعيا، طبقة ثرية مرفهة يقل حجمها عن عشرة المائة من السكان، وطبقة عريضة تصل إلى أربعين فى المائة من السكان تعيش دون خط الفقر الاقتصادى، وطبقة يمثلها نصف السكان تعيش بالكاد حول خط الفقر الثقافى، هذا الوضع الطبقى الاقتصادى الاجتماعى السيئ جعل المصريين يعيشون أنيميا ثقافية وفكرية حادة، وجعل من مصر كائنا مخترقا مفتوحا لتجارب الآخرين.

فى مقابل فقر الأداء السياسى تحمل الغالبية من النخب المصرية شتاتا فكريا وثقافيا هزيلا غير مصري الجذور لا يتصارع حضاريا وإنما يتكلس داخل أطر مغلقة تحول دون الفعل السياسى الجاد.

فى مقابل تآكل قضية المواطنة تتصارع آليات الانتماء بين أصحاب حزم فكرية متناقضة، فمن داخل مصر تعيش الجماهير وعيا سياسيا منقوصا ومشوشا نتيجة احتكار الدولة لآليات الفعل السياسى، ومن خارج مصر تتطاير أفكار متناقضة بين أقباط مهجر يضيقون الخناق على أهل مصر ليعيشوا فى تاريخ مضى وبين إخوان بترول يلغون وجود مصر فى تاريخ معاصر، وبين عبيد تدميهم أسلاك الكفالة والنخاسة والسباحة غرقا فى أفلاك البحر فلا يهتمون بغير تاريخ أسيادهم، هذه الحزم الفكرية يعانى أصحابها من هوانهم على الناس خارج مصر ويسعون لاسترداد قوتهم فى سوق الفقراء داخل مصر، يتنابذون بالأقوال فى التمييز الدينى والطائفى، ويتشدقون بنقاء العنصر والانتماء العرقى.

وفى طريق البحث عن منهج فكرى لتقدمنا، يشقينا فعل أناس يدعون أنهم المندوبون وحدهم عن السماء وأنهم وحدهم الناطقون بالحق، لا يرون أن السماء فوق الجميع وأن الأرض ملك للجميع، إنهم يمارسون التمييز بين البشر، هذا مؤمن لهم وذلك كافر بهم، المؤمن لهم نصف مقدس والكافر بهم مشروع قربان للآلهة، إنهم لا يعترفون بحق الإنسان فى المواطنة ويشترون بآيات الحكمة ثمنا قليلا.

هكذا نحن المصريين، نعانى تخلفا اقتصاديا وعلميا وثقافيا، جموعنا عمال تراحيل تسكن العشوائيات وتشقينا فعله الحصول على طعام اليوم، وتحولت لدينا ثقافة التغيير من فعل الثورة إلى فعل الصياح.

Sunday, April 05, 2009

أرضنا الخضراء


السفر نهارا بالقطار عبر وادى النيل من الإسكندرية حتى أسوان يصدم المشاهد بتنوع اللون الأخضر من حيث الدرجة والكثافة والاتجاه، فالأرض الزراعية المصرية مفتتة تماما، هى فى الأغلب الأعم جمع من وحدات زراعية صغيرة تبدأ مساحتها من أمتار قليلة على طرح النهر والترع والمصارف وتتصاعد إلى مساحات تقل عن الفدان الواحد، هذه الوحدات الزراعية المتلاصقة يتم إجهادها فى إنتاج محاصيل متباينة، وتبتعد مساحاتها كثيرا عن المساحة الاقتصادية للوحدة الزراعية.

تفتيت أرضنا الزراعية المصرية له عواقب اقتصادية سلبية تتمثل فى انخفاض خصوبة الأرض نتيجة إجهاد المساحات المتلاصقة والمتماثلة فى تكوينها الطبيعى بزراعة أكثر من محصول فى نفس الموسم، بما يلزمه من معالجات كيماوية وتسميد صناعى لاستعادة ما يضيع من الكفاءة الزراعية، وعواقب اجتماعية تتمثل فى الازدحام السكانى للبقاء بجانب الأرض الموروثة وعدم الرغبة فى المغامرة المحسوبة باستزراع أراض جديدة.

أصل تفتيت الأرض الزراعية فى مصر يرجع لطبيعة المنهج والثقافة الاجتماعية السائدة فى تطبيق مبادئ الميراث الشرعى، فالغالبية العظمى من صغار الفلاحين يخشون الحكومة ولا يثقون فى آلياتها المنتشرة من بنوك وجمعيات تعاونية وشركات تسويق، تمارس فى ظاهرها إدارة اقتصاد نظرى حديث يعتمد على النقود وتوزيع العمل حسب الكفاءة والإدارة الاقتصادية لكنها فى واقعها لا تستطيع تغيير نماذج إدارة اقتصاد واقعى متخلف يعتمد على المقايضة وتوزيع العمل وفقا لأخلاقيات التعاون الجماعى.

منذ عصر الفراعنة وحتى نهاية عصر محمد على، وعلى مدى خمسة آلاف سنة، كانت الأرض الزراعية المصرية ملكا مشاعا للقبيلة ثم الدولة ممثلة فى الحاكم، وكانت علاقة الفلاح بالأرض علاقة إنتاجية اقتصادية، الفلاح مسئول عن فلاحة الأرض وولى الأمر مسئول عن توزيع فائض العمل من الأرض الكبيرة، هكذا استطاع المجتمع المصرى حشد قواه لبناء والمعابد والأهرامات والمصانع والقناطر الخيرية.

من المؤكد إن هناك طرقا علمية للاستفادة المثلى من خصائص توزيع الأرض الزراعية فى مصر، أحدها يقوم على إعادة النظر فى أحقية مالك الأرض فى تفتيت أجزائها طبقا للشرعية الدينية والاقتصادية وذلك بتحويل هذه الحقوق إلى ملكية أسهم نقدية فى القيمة المشاع للأرض الزراعية، فهل لدينا من الفقهاء وأصحاب القرار من يسعى للمحافظة على المساحة الاقتصادية للوحدة الزراعية.
المقال نشر فى جريدة العربى الناصرى - الأحد 5 أبريل 2009م