Saturday, July 25, 2009

الفاضل مستجاب


من طين الأرض خرج المصريون، يعيشون بين النخيل والصحراء والحقول ومقابر الأولياء وأديرة الرهبان، بعضهم اختار أن يسكن روح مصريته بين هامات الشجر والجبل الغربى ونصوص الأهرامات وعمال التراحيل وأثار المبدعين، ساعيا أن يعيش مصريا فاضلا وأن يموت شامخا على قارعة الوطن، وقليل منهم سطى عليه فكر بداوة جاهلية متخلفة، فأصبح عبدا لا يقيم وزنا للأحرار المبدعين.

من طين مصر وفى ديروط الشريف بصعيد مصر، نبت الأديب محمد مستجاب، طفلا فقيرا يلعب على حواف الترع ولا يكمل تعليما نظاميا، شابا فقيرا يصوغ الشكاوى على أوراق فى مكتب محام بأسوان، عاملا فقيرا يصيبه الدرن من تراب المحاجر فى بناء السد العالى، وأصبح كاتبا مبدعا يجمع أشلاء تخلفنا الاجتماعى متناثرة تحت المياه الأسنة فى قصته (كوبرى البغيلى)، ويمسك بأعمدة بنائنا الثقافى الفقيرة فى قصته (التاريخ السرى لنعمان عبد الحافظ)، ويلمس نهايات حزينة لوجودنا الحضارى، نستجدى طعامنا ونبيع أثداء الوطن للغرباء فى قصته (عباد الشمس).

كان مستجاب أديبا يكتب عن أهل مصر، يكتب بشفافية المفكر وجرأة المبدع وسخرية الحكيم، يرى أن مصر هى إيزيس الأسطورة، تسعى لجمع أشلاء حبيبها المنثورة فى أرجاء الوطن قاصدة أن يقيل الحبيب عثرتها، وحين تنجح فى تجميع أشلاء تكتشف أنها ليست للحبيب الموعود فتعاود البحث والشقاء من جديد، هكذا نادى مستجاب بأن الفاضل الوحيد هو طفل يحب الحياة ويؤمن بأن قلوب البشر المبدعين أكثر تسامحا مع كل ضعف بشرى.

فى هذه الأيام مرت الذكرى السنوية الثالثة لرحيل الأديب محمد مستجاب، عاش عصاميا سبعا وستين سنة (1938- 2005م)، سعى أن يكون فاضلا جميلا، ومات فقيرا، وبعد شهور منحته مصر جائزة الدولة التقديرية فى الآداب، وتحققت لمصر بشارة كتبها مستجاب عن نفسه فى مقدمة مجموعته القصصية المسماة قيام وانهيار آل مستجاب ( ويكون لك ولد ذكر من صلبك، تضيع عينه اليمنى جهلا واليسرى ثقافة، يكون رءوما قلقا جامحا، جامعا لصفات الكلاب والعصافير والحنظل والحشرات والأنبياء والأبقار، يداهمكم بقصصه القصيرة، حتى يقضى نحبه مجللا بآيات الفخار فى العراء على قارعة الوطن).

آه يا مصر، تنجبين عظماء فى كل علم وفن، وتتركينهم نهبا لطيور ظلام جارحة، باسمك يا أم الغلابة، أسأل الله رحمته ومغفرته لأصيل من أبنائك، أقصد ذلك الفاضل محمد مستجاب.

Friday, July 24, 2009

مداعبات افتراضية


فيما يلى إحدى وخمسون عبارة انتقيتها من بين سبع وستين عبارة وضعتها على صفحتى بالفيسبوك على مدى شهرين، من 22 مايو إلى 23 يوليو 2009م، تمثل نسبة 76% من كل عباراتى المكتوبة على الصفحة، هى عبارات أسعى بها لمداعبة نفسى وغواية مزاجى الخاص، كتبتها أثناء تواصلى مع عالم الفيسبوك الإفتراضى، تتمحور حول ما استطيع المشاركة به فى النشاط العام لأهل الفيسبوك دون الدخول فى حرج كبير، حرج من سياسات حكم عشوائية ومن تدين مصطنع ومن جنس فاضح.

العبارات حسب تاريخ كتابتها أخذت النصوص التالية:

1- أعلن محبتى للسلطة، دون تشكيل أو تشديد أو تسكين.

2- الصراحة بتطفش ناس كتير ، يعنى الصراحة راحة.

3- لابس نهارى، وخالع ليلى، والدنيا تساهيل.

4- آه يا شيخه، أنا مفروس منك، لسه بتقولى لا؟.

5- ليه أنا مشغول بحال الناس، وسايب للعزول حالى.

6- كبر دماغك يا أخى، واضرب طبق فول.

7- الحمد لله، تخلصت منها بحرفية عالية، ضربة مقشة واحدة.

8- يا رب، ولا يكتر عليك، صابع عسلية بالسمسم.

9- قلت للطبيب: أنا مريض، فقال لى: حل عن نافوخى، هو أنا ناقص مرض.

10- شوية شوية، وهتجينى يا زهر، والكون يتملا بعطرك.

11- وبعت لها جواب، نتقابل فى نص الطريق، قالت: أنا مش ليبرالية.

12- ابعد يا شيطان، ابعد يا شيطان، مياصة بنات.

13- وقال لى بكره أنا مسافر، سألت الشمس تستنى.

14- يا رب أنا شبعت من الغفر، والتخان، والهبل، نفسى أتعجرم على قديمه.

15- بقالى 28 سنة مطول بالى، لا هو خلع، ولا هى رضيت.

16- واحد قال لى: هو يعنى لازم قلة الأدب، قلت له: هما خلُفوك ازاى.

17- الأصدقاء، كل واحد فيهم شايل طاجن سته على دماغ الباقى.

18- عود طيب، وكوكب درى، وشموع صغيرة، وعبارات رقيقة، انه الهشيم.

19- أخيرا، الحبيب الحبيب، علينا رضى ، ترلم ترلم.

20- يا خرابى ، يا خراشى ، يا لهوى، جتك ايه، ضحكتنى.

21- قلت لها: إتاخرتى ليه؟ قالت : كنت بربى إخواتى.

22- ابذل مجهودا ضخما كى اكتب مقالا، المصيبة أن الكلام خلص.

23- يا رب، النهارده الخميس، أم كلثوم ماتت، والحشيش غالى، افرجها من عندك.

24- آخر الكلام ، سأبقى ساهراً، أهرش قفاى والبتاع.

25- من قال: إن العرب جرب، كان يعنى الأغلبية.

26- شوفتوا الناس الفيس، واحد لا بس بدلة من غير كلسون، والتانى أمه ولدته من غير دم نفاس، والثالثة تخينة وحاطه صورة قطة، والرابع لص كلاب بينادى بالثورة، والخامسة قرشانه بتغنج، وواحد مندوب عن ربنا شخصيا، آه يا أولاد الزيف.

27- يا رب لم تركتنى، أريد جبنه قديمة ورغيف ناشف وخيارتين، ومنصب نائب الرئيس.

28- معالجة الأخطاء متعة، حزين أنا، ارتكبت اليوم ثلاثة أخطاء فقط.

29- ظل يهيم بها عشقا، وافترقا، فى الشهور التالية بدأت أهيم بها عشقا، والتقينا، فى لحظة كشف قال لى: انت ذوقك واطى.

30- أصبح لدى كثير من المعارف على الفيسبوك، سأبدأ اختيار الأصدقاء.

31- كان لصا وقاتلا يخوض فى الأعراض، فقررت قريتنا قتله، بعد أن عاد من سفرة إلى الديار المقدسة أهدى لكبير قريتنا زجاجة ماء ومسبحة، فقررت القرية قتل رجل آخر.

32- فى وقت موعود ابتسمت فى وجه زوجها فقال حازما: ابعد يا شيطان .. ابعد يا شيطان.

33- ابتسمت لى، فزادت جمالا، فقلت لها: الله يخرب بيتك، جايبه الحلاوة دى منين.

34- لماذا لا تتوقف الجميلات عندى؟ هو أنا كخه ياى ، وإلا مش قادر باى.

35- الدنيا حر، لست بحاجة إلى من يرتدون ربطات العنق.

36- قالت والخبث بعينيها: لم لا تحكى عنا، قلت: يا سماء، أعطنى رشوة بالغة.

37- قابلتها بابتسامة هادئة: أهلا يا آنسه، ردت على بضحكة صاخبة: أنا متزوجة عرفى.

38- وحين طوانا ظل الشجرة سألتها: اتأخرتى ليه قالت: أخويا زملكاوى.

39- أنا عيانه، ألف بعيد الشر عليكى، أنا هموت، متقوليش كده ربنا يطول فى عمرك، انا عيانه، ربنا يشفيكى وتبقى زى الحصان، أنا عيانه، يا شيخه غورى، هو أنا ناقصك.

40- الحرَم حرَم، والحرَمين حرَمين، أنا بقى خادم الثلاثة وملك الأربعة، وإيييييييه.

41- يا اسطى، أنت تصر على أن عملك الأدبى عظيم، فلماذا تصر على أن أحضر مناقشته؟.

42- الجنة قريبة جدا: فى ليل القاهرة، كرسين بلاستيك على كوبرى المنيب مع ترمس وحلبة.

43- بدأت إضافة أصدقاء عرب، قاصدا وبكل خبث، التعرف على ملامح حية فى الثقافة العربية.

44- إلى بعض أنواع الكلاب: أنا لا أسعى للتعامل مع السذج أو المندوبين عن السماء، ابتعدوا قليلا.

45- كنت سأزداد توحشا ورجولة لأقتص حقوقى من كل النساء، لو أنى تدربت على يد حماتنا الجميلة، مارى منيب، الله يرحمها.

46- يا إخوانا فيه واحدة اسمها جيهان، عندها عقدة الخواجة، اعمل لها إيه؟.

47- أصبحت هادئا، أجلس ساعات طويلة، صامتا، أكتب فقط، وحين اكتشفت زوجتى انه الفيسبوك، قررت أن تشترى لى فيسبوك إضافى.

48- أخوتى فى الفيسبوك: ابتسموا بصدق، تضحكوا بقوة، فتهتزوا وينفك رباط البامبرز.

49- قلت للجميلة: انت جميلة، فقالت: بس انت عجوز، ماذا كانت تقصد بالضبط؟.

50- أكد الطبيب أنها ستموت بعد ساعات، لم نصدقه واتجهنا بالدعاء لها بطول العمر مائة عام، كانت دعواتنا صادقة والسماء تستجيب، ماتت بعد يومين ونصف اليوم فقط، هل كانت دعواتنا شرعية؟.

51- الجميلات لا يركبن السيارات، سجع سخيف، الدراجات الهوائية أكثر إمتاعا، لدىّ دراجة.

Saturday, July 18, 2009

انقلاب سلمى



كان الشيخ عنتر رجلا من أعيان قريتنا، يملك فدانين ونصف الفدان من كبد أرض البلد، لا يعرف القراءة ولا الكتابة، يؤمن بأن الكتابة هى صنعة لعمل أحجبة وتعاويذ لربط زوجين عن الإنجاب، أو توفيق رأسين فى الحرام، أو إلقاء الشلل فى يد لصوص النحاس، كان سياسيا خبيرا بأحوال الأهل والجيران وعابرى السبيل، ومعارضا قويا للحكومة، وحين عاد الشيخ عنتر من أول حجة له، رفعه ناس قريتنا من مقام الأعيان إلى مقام الحجاج أصحاب الرأى والفعل المتين.

فى حديث استعراض وفخار، شكك أحد المنافسين فى قدرات الحاج عنتر السياسية، فأقسم الحاج عنتر أن يبسط نفوذه على ناس الحكومة، فى يوم جمعة بالذات، وفى قلب مسجد الأوقاف التابع للحكومة بالذات، وعلى مرأى من جموع المصلين وبعض الأثرياء الطامعين فى مكاسب سياسية.

اختار الحاج عنتر يوم جمعة شديد الحرارة، وتأكد أن خطيب مسجد الأوقاف شاب غريب عن قريتنا، وأن هذه أول جمعة يقيمها الخطيب فى المسجد، وبدأ الحاج عنتر تنفيذ الخطة، امتطى حماره واتجه عابرا الطرقات فى خيلاء نحو مسجد الأوقاف، شاهرا جلبابه الأبيض ورافعا شمسية خضراء وهازا قدميه ببلغة بيضاء، وفى كبرياء ربط حماره بجوار المسجد ثم تأبط بلغته واتخذ طريقة داخل المسجد متخطيا صفوفا ورءوسا حتى وصل إلى المنبر وجلس بجوار صديقه الشيخ مرزوق، ذلك الشيخ الفقير العارف بالقراءة والكتابة والحافظ لأحاديث ونصوص دينية والمعارض للحكومة.

ألهبت الشمس ظهر المسجد بالسخونة وصعد خطيب الحكومة إلى المنبر يلقى وعودا وويلات وثبورا، فأزعج صوته من اعتادوا النوم فى المساجد، هكذا أصبح الخطيب جاهزا لتوريط الحكومة، فحين أخطأ فى نص دينى لم يغفر له الشيخ مرزوق وقام يجادله أمام الشهود، زجر الخطيب الشيخ فحقر الشيخ من الخطيب، طالت المكلمة وهاج المصلون وبدأ الحاج عنتر تنفيذ خطته فى إحراج الحكومة.

أمسك الحاج عنتر بقفا صديقه الشيخ مرزوق وصعد المنبر بجسد الصديق ليثبته خطيبا، ونزل من فوق المنبر خالعا جسد خطيب الحكومة، وحين تبادل الخصمان أماكنهما تراوحت أراء المصلين بين القبول والرفض، وفى وقت الحسم، ارتفع صوت أثرياء يؤيدون الشيخ مرزوق خطيبا، وارتفع نهيق حمار الحاج عنتر، فخرج الحاج عنتر من المسجد ليركب حماره ويتجه إلى الغيط مرددا شعاره الجديد: الصٌح صح يا حمار، الزرع عطشان وناس الحكومة فاضيه.

Tuesday, July 14, 2009

عن الدولة المدنية



البحث عن حلول لمشاكل الجماعة السياسية يتطلب الحديث عن نظرية الدولة المدنية، أول الخيط فى هذا الموضوع هو طبيعة الإنسان الفرد باعتباره الوحدة الأولية للجماعة السياسية، والإنسان الفرد يتناول صراعه مع الحياة فى دوائر زمنية ثلاث تتداخل فيما بينها، دائرة ماضى يعرف بعضا عنه بالنبش فى ذاكرة احتمالية يطغى عليها الحدس الإيماني، ودائرة حاضر يعيشه بحواس تطغى عليها المعرفة العلمية، ودائرة مستقبل يصنعه بأحلام يطغى عليها الحدس الإيماني مرة أخرى، ولفهم السلوك السياسى للإنسان يلزم التفرقة بين الإيمان والعلم.

الإيمان منهج ذاتى فردى لتفسير العالم يعتمد على الحدس والأحلام والمصادرات العقلية، فالإيمان بأن البشر قد خلقوا من نطفة حصان يلزم تفسير الوجود البشرى بناء على مصادرة وجود هذا الحصان، والإيمان بأن آدم أبو البشر يلزم تفسير الوجود البشرى بناء على مصادرة وجود آدم، والإيمان بأن لون دم البشر يختلف من دم متفوق أزرق إلى دماء أخرى دون ذلك يلزم للجنس الأبيض صاحب الدم الأزرق مصادرة التفوق على باقى الأجناس، هكذا تتعدد التفسيرات بتعدد المصادرات، هكذا يبقى الإيمان كمنهج فردى صالحا فى نظر المؤمنين لتفسير الأحداث فى الماضى والحاضر والمستقبل، هذه الصلاحية مستمرة بقدر ما يحققه الإيمان من مصالح فردية للفرد المؤمن.

العلم منهج موضوعى جماعى للمعرفة يعتمد على البديهيات العقلية والحواس الغريزية فى تفسير وفهم العالم، تتساوى عنده الفروض مع المصادرات ويقبل مناقشة الجميع، العلم منهج يسمح للفرد البشرى بتخزين المعرفة ونقلها إلى غيره من البشر متجاوزا إمكانيات الأفراد الخاصة والمتباينة بسبب حياتهم فى موطن جغرافى بذاته أو قبيلة اجتماعية بعينها، هكذا يبقى العلم كمنهج جماعى هو المنهج الأكثر ديمقراطية لتفسير كل من الماضى والحاضر واستشراف المستقبل.

لأن الإيمان منهج ذاتى فردى فهو لا يقبل الاعتراف بمنهج الآخر فى المعرفة حتى ولو قبل إلى حين فكرة التصالح مع ذلك الآخر، فكل دين هو منهج إيمانى ناسخ لغيره من الأديان، هكذا لا يمكن تعميم الدين على جميع البشر كمصدر وحيد لمعرفة الحياة والتعامل معها، ويبقى أن المنهج العلمى منهج معرفة موضوعى يصل إلى الجماعات المتباينة، ويعترف بوجود مناهج أخرى محتمله للبحث عن المعرفة.

الآن فى العصر الحاضر يعيش البشر فى كيانات سياسية يتعاظم حجمها من أسرة إلى عائلة إلى قبيلة إلى الدولة، احدى النظريات لتفسير وجود الدولة هى نظرية العقد الاجتماعي، ويرى أصحاب هذه النظرية أن الدولة كائن مستقل جرى تعاقد بينه وبين الجماعات المكونة له على ضمان حماية الحريات وتأصيل الحدود بين مجموعات تتفق على الحقوق والواجبات يربطها أساس قانونى من الأهلية والكفاءة، هذا العقد يوضع فى دستور فوقى ثابت تنبع منه كافة القوانين التى تقود النسق المعرفى للجماعات المكونة للدولة، هذه النظرية تفترض الكفاءة والأهلية فى الجميع وتضعهم فى مواجهة حرية العمل بالدستور.

هناك نظرية أخرى تفسر سبب وجود الدولة، وترى أن حب الإنسان الحياة هو الأساس لوجود الأشكال المتباينة من صور الأسرة العائلة القبيلة الدولة، هذه النظرية تراعى حركة الجدل البشرى مع الحياة باعتباره أخذا وعطاء، وترى أن دستور الدولة عمل وضعى يمكن تعديله كلما أقبلت المجموعات على أمر جديد, نظرية حب الحياة هذه لا تقيم وزنا للفصل التعسفى بين حرية الجماعة وبين حرية الفرد، وترى أن جدل الإنسان هو الذى يضع حد للتوازن بين البشر، هذا الجدل قائم على محصلات قوى ليست بالضرورة متصارعة، وعليه يصبح للشمول الفكرى تمارسه الجماعة الغالبة فى حالة جدل مع التكلس الفكرى تمارسه الأقلية، جدل الإنسان يتخلص من الشمول والتكلس السياسيين.

الآن فروض التقدم فى البيئة الحضارى للجماعة السياسية، تتطلب وجود دولة مدنية لها دستور يفصل بين أديان الجماعات والطوائف وبين سلطات الدولة، حيث يكون للمواطنين حريات الانتقال والاعتقاد والعمل فى دولتهم، ويكون للدولة سلطات مدنية على مواطنيها تنسق بين حرياتهم على أسس من العدل والمساواة، دون تمييز بسبب لغة أو ثقافة أو دين أو جنس.

Thursday, July 09, 2009

يا خرابى


عيالى كبروا وتخرجوا من الجامعة، ولأن الحكومة تخلت عن رعاية الضعفاء، انتظم طابور عيالى يطلبون منى المسكن والوظيفة، وأنا الآن منتظم فى تلقى معاش الحكومة والذهاب للمستشفى وتناول الأدوية ومساعدة أم عيالى فى غسيل الأطباق وقرطفة أوراق الملوخية.

يوم الجمعة الفائت قررت البدء بالحصول على سكن لكل عيل، أخذت أم عيالى قاصدا أحد مشاريع الإسكان التعاونى، فالوعود الانتخابية قوية، ولابد أنها صادقة، وأنا عشت أربعين سنه موظفا حكوميا شريفا، أدعو الله أن يعز سلطان الحكومة، ولابد أن مكافأة معاشى تكفى لشراء مدينه كاملة.

من الميدان الكبير ركبنا سيارة شركة تبنى قرية على مشارف الصحراء، على أرض القرية استقبلنا موظفو الشركة بلطف وأعطونا بالمجان سندوتشات فول وطعمية وشاى فى بلاستيك، فقطعنا أنا وأم عيالى نصف الطريق إلى السعادة، وبعد جولة فى القرية جلسنا فى صالة المبيعات المكيفة كزبائن محتملين.

الوحدة السكنية مساحتها ثلاثة وستون مترا عمياء، يحصل عليها الشاب بشروط ورقية تعجيزية فى الوظيفة والدخل المرتفع، هى شروط يمكن تزويرها عند نصاب محترف مقابل خمسة ألاف جنيه، وثمن الوحدة مرتفع يدفع بطريقتين، إما الدفع الفورى وهو مائة وخمسة ألف جنيه، أو الدفع بالتقسيط وهو أربعون ألف جنيه تدفع فورا ثم يدفع قسط شهرى قدره ألف جنيه لمدة عشر سنوات.

فى طريق العودة بسيارة الشركة، صرح بعض الركاب أن سندوتشات الفول كانت من نوع رديء والشاى لم يكن بفتله، قالت أم عيالى لأم عيال أخرى: يا خرابى عيالى ضاعوا، لا وظيفة محترمة بمرتب معقول ولا سكن يلمهم، الله يخرب بيوت من كانوا السبب، فقلت لأم عيالى: الحكاية نصب على الذقون، فأجابنى شاب: لا يا باشا، الحكاية سرقة علنى، يا عم شوف مشاريع المهندس حسن فتحى فى مبانى البيئة المصرية، الأرض قدامهم صحراء بتراب الفلوس ويبنوا علب سردين، وحين وصلنا الميدان الكبير ابتسم موظف الشركة قائلا: شرفتونا يا حضرات، المرة القادمة شاى بفتله.

فى طريقنا إلى المنزل، عاودتنى مشكلة سكن العيال، فقررت شراء جريدة مليئة بإعلانات صادقة عن مساكن حضارية ورخيصة للمصريين، يسعى لها أهل التخطيط والأثرياء فى بلادنا باعتبارها مطلب غير معجز تكنولوجيا، وحين سألت أم العيال عن جريدة مناسبة قالت: اشترى جريدة كثيرة الورق، إنها صالحة لقرطفة اثنين كيلو ملوخية دفعة واحدة.

Saturday, July 04, 2009

مطلوب جريدة



المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية، يسكنها نصف مليون مواطن ويزيدون، وعلى أرضها عاش كثير من المثقفين وأهل الفن أجمعون، وجامعة المنصورة تجاوز عمرها أكثر من ربع قرن، تضم أكثر من مائه ألف طالب، يخدمهم حوالى خمسة ألاف من الموظفين وأعضاء هيئة التدريس، ويوجد بالجامعة أقسام علمية تدرس للطلاب قضايا الصحافة والإعلام، ومع ذلك فالعدد فى الليمون، يكثر الطحن فى جامعة المنصورة بغير طحين، فلا توجد باسم الجامعة جريدة أو قناة إعلامية جادة ترقى لمستوى التواصل الفاعل بين الجامعة وبين المجتمع المحيط بها، هكذا تبقى الجامعة حقلا معطوبا فى إنتاج الثقافة.

المتقاعسون فى جامعة المنصورة عن إصدار جريدة تحمل اسم الجامعة يطرحون ضعف الإمكانيات المادية، والضعف الحقيقى هو ضعف إمكانيات كثير من القيادات الإدارية والعلمية بالجامعة وتخلف قدراتهم عن ثقافة العمل الجماعى، فكثير منهم يحملون صكوك ثقة بكفاءتهم الإدارية، لكنها صكوك تمر عبر بوابة رضا السلطات الأعلى صاحبة قرار تعينهم، ذلك الرضا يضمن لضعاف النفوس أن يتكسبوا من بقاء الأمور على حالها فى تخلف، وبعض القيادات تحمل شهادات بالمعرفة والخبرة، لكنها شهادات ورقية لا تصمد عند الاختبار العلمى والعملى فى مواجهة التردى الشديد فى إمكانيات الجامعة الثقافية والاجتماعية.

إن إنشاء جريدة جامعية يحتاج إلى إرادة ثقافية وإمكانيات مادية، وجامعة المنصورة لديها إمكانيات مادية غير موظفة ثقافيا، فالجامعة تملك مطبعة كبيرة، وما يهدر سنويا من ميزانية الجامعة يكفى لتمويل جريدة دورية محترمة تهتم بمشاكل الجامعة والمجتمع ويمكنها تحقيق عائد مادى، والجامعة لديها كفاءات بشرية وعلمية يمكنها بالإدارة العلمية أن تحل مشاكل إصدار أى جريدة أو هيكل ثقافى، فأعضاء هيئة التدريس بينهم خبراء وعلماء فى عمليات التمويل والتحرير والتوزيع وقوانين النشر، يمكنهم أن يصنعوا قناعات جادة لدى السلطات بالموافقة على إنشاء جريدة، يتفوقون بها على جرائد العاصمة.

إن وجود قناة إعلامية محترمة لأى جامعة يعتبر أمرا بالغ الأهمية، إنها تدريب ناعم لأهل الجامعة على ديمقراطية الفكر وصنع رأى عام قوى يؤيد مصالح الأغلبية، فليس من اللائق لكثير من قياداتنا الجامعية أن تتصدى نظريا لمشاكل تدهورنا الحضارى فى الصحة العامة والفن والثقافة والبحث العلمى وتجريف الوعى الوطنى، ثم تتراجع عن القيام بفعل ثقافى جاد لانتشال وطننا من قاع التخلف.