Tuesday, November 30, 2010

صحيفة جامعية

محافظة الدقهلية يزيد عدد سكانها عن خمسة ملايين مواطن بنسبة تقارب سبعة فى المائة من عدد سكان مصر، وجامعة المنصورة قامت لخدمة محافظة الدقهلية، هذه الجامعة عمرها قارب الأربعين عاما، أنشئت عام 1972م، تضم سبعا وعشرين كلية جامعية، ويدرس بها أكثر من مائه ألف طالب، يخدمهم حوالى ستة ألاف من أعضاء هيئة التدريس.


قضايا الصحافة والإعلام يتناولها النشاط العلمى للجامعة، حيث يوجد قسم علمى يدرس هذه القضايا فى كلية الآداب وتتناولها بالدرس والتدريب كثير من الأقسام المشابهة فى كليات التربية، ومع ذلك فالعدد فى الليمون، يكثر الطحن ولا يوجد طحين، فلا توجد باسم الجامعة صحيفة أو نشرة أو إذاعة محلية ترقى لمستوى التواصل الفاعل بين الجامعة وبين المجتمع المحيط بها.


جامعة المنصورة بها نشطاء يسعون لإثبات وجود إعلامى يتمثل فى إصدار صحيفة جادة، والمتقاعسون يعرقلون هذا التوجه بحجة ضعف الإمكانيات المادية والعوائق القانونية الخاصة بتصاريح إصدار الصحف، لكن الضعف الحقيقى هو ضعف إمكانيات الكثير من القيادات الإدارية والعلمية بالجامعة وتخلف قدراتهم على العمل الجماعى، فكثير منهم يحملون صكوكا بالكفاءة الإدارية، لكنها صكوك تمر عبر بوابة رضا السلطات الأعلى تضمهم فى عقد أهل الثقة ومن لا يجلبون المتاعب، وبعضهم يحمل شهادات بالمعرفة والخبرة، لكنها شهادات ورقية لا تصمد عند الاختبار العلمى والعملى فى مواجهة التردى الشديد فى أحوالنا الثقافية والاجتماعية.


جامعة المنصورة لها مطبعة كبيرة ولديها إمكانيات مادية، وما يهدر سنويا من ميزانية الجامعة، بشكل يثير الألم، يكفى لتمويل صحيفة دورية محترمة تهتم بمشاكل المجتمع المحيط، والجامعة لديها كفاءات بشرية وعلمية، يمكن بالإدارة العلمية أن تصبح قادرة على حل مشاكل إصدار الصحيفة، فأعضاء هيئة التدريس بينهم خبراء وعلماء فى عمليات التمويل والتحرير والتوزيع وقوانين النشر، ومنهم كفاءات علمية تؤدى خدماتها خارج الجامعة ما يجعلها قادرة على مساومة السلطات لإصدار صحيفة تنافسية لخدمة المجتمع.


إن وجود محطات إعلامية محترمة باسم جامعة المنصورة، سواء صحيفة أو محطة إذاعة أو قناة تلفزيونية، يعتبر أمرا بالغ الأهمية لتدريب أهل الجامعة على ديمقراطية الفكر وكيفية صنع رأى عام قوى يؤيد مصالح الأغلبية، فليس من اللائق لبعض قيادات جامعة المنصورة أن تتصدى إعلاميا لمشاكل تلوث الصحة العامة، يبثها مصنع السماد فى مدينة المنصورة ومن تلوث فى بحيرة المنزلة وعشرات غيرها من المشاكل فى ربوع المحافظة ثم تتراجع تلك القيادات عن مواقفها المعلنة أمام مسئولين خارج الجامعة، بحجة ضعف التنافسية الإعلامية فى مواجهة هؤلاء المسئولين وهم يملكون من صليل السيف أكثر مما يملكون من بهاء الشجاعة.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 11 نوفمبر 2010م

Saturday, November 27, 2010

مرشح حكومى



لست متعاطفا مع دور الحكومة فى عملية الانتخابات، أحد مرشحيها ارتدى الطربوش وفى لجنة الانتخابات أعطى صوته لمنافسه، وآخر خلع الطربوش فحرمته لجنه الانتخابات من الإدلاء بصوته لنفسه، لذلك قررت أن أتعامل بطريقتى الخاصة مع مرشحى السلطة.

حين تأكدنا أن مديرنا العام اقترب من سن المعاش، وأنه بعد أسابيع قليلة سيترك منصب رأسنا الكبير ليسلم رأسه لكتبة التاريخ وجامعي الدسائس، وحين تأكدنا أننا نكره المدير العام، فهو طيب جدا، كثير الأمنيات والكلام، شرس جدا، لا يرفع مرتباتنا، بخيل جدا، لا يهبنا مالا أو مأكولات، أنانى جدا، لا يعطينا ترقيات لبعض مناصبه القيادية، ولأننا مثله تدربنا سياسيا فى ساحة العمل الحكومى، أصبحنا لا نؤمن بالديمقراطية أو الديكتاتورية أو العبثية، هكذا شحذنا قدراتنا فى الغيبة والنميمة وتفسير القوانين وبدأنا نلعب حركات انتخابية لتفقد السلطة قدرتها على تعيين المدراء والسعاة والمناضلين، ولأن السلطة المتآمرة تخاف رأينا العام جعلت ولاية المدير القادم أمرا سريا، فانحرفت طموحاتنا فى اتجاه أخر.

مرت أسابيع نضع فيها خططا لاغتيال كل مرشحى السلطة، وفى احدى الخطط المحكمة اقتصر دورى على انتهاز فرصة ركوب أحد المرشحين لأتوبيس العمل، وبالتواطؤ مع السائق يقترب الأتوبيس مسرعا نحو حافة البحر، ومن الباب الأمامى أتولى دفع جثة المرشح نحو الماء، وعند وقت الحساب نقسم بأهداف الثورة وغلاوة الوطن على أن موت هذا المرشح بالذات راجع لإصراره على عبور البحر سباحة وبملابسه الكاملة.

فى الوقت المحدد وصلنى الأتوبيس يحمل السائق منفردا بمرشح سلطة واحد، جلس المرشح متطوعا على الكرسى المجاور للباب الأمامى، دخلت الأتوبيس مسترجعا تفاصيل الخطة، احتفيت بالمرشح وتحسست ملابسه الجديدة، جلست خلفه مباشرة ونبهت السائق على السير بهدوء، تحرك الأتوبيس متلصصا يقطع الطريق بمحاذاة البحر، وحين تناغم هدوء السائق مع انسيابية عجلة القيادة أطرقت رأسى مغمض العينين أسترجع الخطة وأنتظر الفرصة واستحلب بطولات تاريخية سيشيعها الزملاء عنى، هكذا تجاهلت حديثا عابرا للمرشح يذكر فيه مساوئ المدير القديم، وظللت ساهما أجمع مبررات قرارنا فى اغتيال كل المرشحين.

فجأة انتبهت لحديث جميل من المرشح أكد فيه انه سيكون مديرنا القادم، وأنه يضع خططا لإصلاح الأحوال البلاد والعباد على أيدى الممتازين من أمثالنا، فوعدنى بأن أكون ساعده الأيمن وكاتم أسراره، ووعد سائق الأتوبيس بترقية إلى سائق جناب المدير، وحين ظهرت علامات الرضى والموافقة على وجوهنا أقسم المرشح بأن نحتفل فورا باتفاقنا ومن جيبه الخاص.

نزلت من الأتوبيس منتشيا بوظيفة الساعد الأيمن للمدير لأحضر مشروبات وحلوى، ونزل السائق متعاظما بوظيفة سائق جناب المدير ليشترى علبتين من السجائر، كان محل البقالة بعيدا عن البحر بمسافة كفلت للمرشح أن يقود الأتوبيس وينطلق دوننا.


المقال نشر فى جريدة الدستور الجمعة 26 نوفمبر 2010م

Tuesday, November 23, 2010

بُرج الحُمار



عزيزى الموظف الغلبان فى حكومة مصر المحروسة، لا تقلق فالجميع يعرفونك، تشتغل كالحمار وتعيش على راتب هزيل، وفقرك مفضوح، والمسئولون يؤكدون أن حظك ضارب فى السعادة، فأنت صاحب برج الحمار، وتعالى هنا شوف عندنا حظك.


فى الثلاثة أيام التالية لاستلام راتبك ستنضح حياتك بالهناء وتبتسم زوجتك فى دلال ومودة ويخضب الأولاد أياديك بالقبلات، ستطبخ كيلو من اللحم البلدى غارقا فى الخضار والبصل والطماطم، وستلقى فى حجر الأولاد أربعة كيلو موز وخيار وحرنكش، ويمكنك أن تلحس الجيلاتى وتبل ريقك بمياه غازية، عندها لا تحرمنى فضل دعائك لى بأن يكفينى راتبى أنا أيضا.


فى اليوم الخامس ستضيق ذات يدك، فلا تحزن، ستربت على كتفك يد طيبة تعطيك صرتين من المال والزيت والدقيق، يومها توجه بالدعاء لرئيسك المباشر الذى أذاع سرك بين فاعلى الخير.


فى اليوم السابع سينفذ راتبك وتمد يدك لكل طيب وشرير وتهاجمك آلام المعدة وتفضحك زوجتك بأنك قليل الحيلة، يومها اصبر وكرر الدعاء لرئيسك المباشر فربما يمنحك هبات وأجورا إضافية.


فى اليوم العاشر سيصرح رئيسك الكبير بأن أمثالك من الموظفين كسالى غير منتجين، وستشم خلطة من مؤامرات حشرك فى العمل دون أى راتب إضافى، يومها تململ واظهر العين الحمراء للزوجة والأولاد ولرئيسك المباشر، مقتنعا بأن كبار موظفى الحكومة يحصلون على دخول إضافية ترفع رواتبهم ألاف الجنيهات شهريا.


فى اليوم الثالث عشر ستنساب حولك نصائح الأصدقاء وبعض الأعداء قاصدين توريطك فى علاقات حزبية جديدة تخرب عليك طهارة أموالك، يومها كن قنوعا واشتغل وحدك فى الأسود واعجن خلطة من مؤامرات وخوازيق ضد رؤسائك كلهم.


فى اليوم التاسع عشر سيشيع الأثرياء انك فسل جائع متمرد وكاره لنفسك، وسيعلن الفقراء أنك لا ترضى بمرتبك وكاره لنفسك، عندها تماسك بالصبر والإضراب والشكوى فينصرف عنك الجميع بقية الشهر، وتبقى وحيدا سلطان زمانك.


عزيزى الموظف مواليد برج الحمار، ليس مهما أن تعرف اسم رئيسك المباشر واسم والدته الطيبة، كى تنجح فى عمل سحر يفك تقتيره على مفردات دخلك، وليس مهما أن تحيل عليه طوب الأرض يرجونه تسهيل أمورك فى الترقيات وستر العيوب، المهم أن تعرف متى يسعى رئيسك المباشر لتجديد جلوسه على كرسى السلطة، عندها تقعد له على الواحدة، وترصد حركاته، وتتشمم روائحه، وتذيع أسراره للجميع، فمع اقتراب موعد تجديد المناصب سيسعى المدير لرشوتك بأجور إضافية وابتسامات مجانية وأحضان حميمة مقابل دعائك له بالنصر وذكر محاسنه لدى كاتبى التقارير، هنا سيزيد دخلك ويترك حظك العاثر برج الحمار قاصدا حظ النعمة فى برج الماعز.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 11 نوفمبر 2010م

Saturday, November 20, 2010

صوت انتخابى

بطاقات التعريف بالبشر يأتى معظمها عبثا ودون اختيار، فهناك بطاقات الميلاد والتموين والزواج والموت، واهم البطاقات ذات الموسم الدعائى فى مصر المحروسة بطاقة الانتخاب، ومثل البطاقات تأتى معظم الأصوات عن أفعال عبثية، صوت من يصيحون عند الميلاد والتموين والزواج والموت، إلا صوت الانتخابات فعبثها يأتى مدعوما بحناجر أولى العزم فى التصحيح والتزوير فى انتخابات مصر المحروسة.

مثل الكثير جدا من المصريين، لا أملك بطاقة انتخابية للإدلاء بصوتى، فلطعة الانتظار مهينة فى أقسام الشرطة من أجل الحصول على أى بطاقة، ولا أتحمل الانضمام للأعداد الغفيرة من كذابين الزفة الذين يلهثون وراء نقود كل المرشحين، وأملك مبررات كثيرة للتزويغ من العمل بدلا من التذرع بحجه الإدلاء بصوتى الانتخابى.

أنا لا املك بطاقة انتخابية، ولم أفكر فى امتلاك واحدة طوال الثلاثين عاما الماضية، فقد عودنى الكبار والصغار أن صوتى لا قيمة له، فالقوانين والقرارات فوقية جاهزة، والمرشحون معينون سلفا، شفت ذلك طوال عمرى فى البيت والمدرسة وفى الجامعة وفى الشغل، وقلبى يمارس الحزن يوميا دون انهيار، فقد تدربت كملايين المصريين على تجرع الأسى.

أنا لا املك بطاقة انتخابية، ولا أفكر فى امتلاك واحدة طوال الثلاثين سنة القادمة، حتى وان هددونى بالغرامة التى يفرضها القانون، فلم أعد اخشى العقوبة من قانون يسمح فى بلدى لأى شخص يحمل الجنسية المزدوجة، لأن يتسلل بالأموال والعلاقات وسوء تخطيط الانتخابات، حتى يدخل مجلس الشعب لينوب عن المصريين، يتسلل عينى عينك، بغض النظر عن ملايين الأصوات الرافضة والمكتومة.

الناس أحرار فيما يختارون من جنسيات ينتمون إليها، لكن معظم الدول تعطى جنسيتها لمن يقضى زمنا معينا على أرضها، تأكيدا لذوبان شخصيته فى شخصية أبنائها، وبالتالى يحكم الولاء القومى للأفراد شروط عقلية وأخلاقية، تتلخص نتائجها فى أن صاحب الجنسيتين هو بالضرورة شخص يتاجر فى الانتماء، فلمن يكون ولاء التاجر المصرى الذى يقضى سنوات فى دولة أجنبية ثم يعود لنا حاملا جنسيتها، ليدخل مجلس الشعب ثم يشرع القوانين لكل المصريين؟ فإذا كنا لا نسمح لغير المصريين الخُلّص بالخدمة فى القوات المسلحة، التى تقوم على تنفيذ بعض القوانين لحماية الدولة، فكيف نسمح لهؤلاء المزدوجين أن يدخلوا مجلس الشعب ليشرعوا كل القوانين؟ وكيف نسمح لبعضهم أن يدخل الحكومة مسئولا عن تنفيذ القوانين؟ قد تكون الإجابة مطمئنة، بأن الأمور فى مصر بيد أبنائها الخلّص، وقد تكون الإجابة قاتلة، بأننا نمهد الطريق لأن نعلن انضمامنا ولاية تابعة لدول أجنبية.

المقال نشر فى جريدة الدستور الجمعة 19 نوفمبر 2010م

Tuesday, November 09, 2010

كعبى الشمال


فى صباحات الأسابيع الفائتة، كلما تحسست رجلى لمست الألم فى بطن قدمى وشعرت بلدغ مسمار فى كعبى الشمال، هكذا بدأت اطرق باب الطب والأطباء محاولا نزع مسمار الألم من كعبى الشمال.

جسنى طبيب أمراض باطنية، وأخبرنى بأن لدي بوادر مرض النقرس، وأن علاجى محصور فى التوقف عن أكل اللحم والفول المدمس، كانت حكمة الطبيب فاجعة، ففى السنوات الخوالى غلبنى الفقر وأطعمنى الفول بكل أشكاله اخضرا ومدمسا وبصارة ونابتا، تناولته فى الدار والمدرسة وعلى كراسى الوظيفة، وفى السنوات الأخيرة صرعت بعض الفقر، فتناولت اللحم فى الأعياد ومواسم الدعايات الانتخابية وموائد تكفير الذنوب، كانت فاجعة الدواء أن أبتعد عن تاريخى فى الفقر مع الفول مخاصما طموحاتى فى الغنى مع اللحوم، وحين توقف عن تناول اللحم والفول خف الألم قليلا واستطعت أن أركب رجلاى بحثا عن كامل العلاج لدى أطباء شعبيين مخلصين.

صديقى موظف حكومة غلبان، لا يكفيه راتبه ويتحايل على ضيق المعيشة بتربية نحل العسل، وحين شكوت له بلواى اجتهد فى تقديم أدلة بأن شفائى ميسور مع جلسات العلاج بنحل العسل، وبحكمة الخبراء ارتدى قفازا وأمسك بثلاث نحلات ووضعها فوق قدمى تلسعنى بجوار منطقة الألم وتدخل سمها في جسدى، بدأ اللسع واعتصرنى الألم وورمت قدماى، وطلب منى العودة لزيارته مرة كل أسبوع لمزيد من اللسعات حتى يذهب الألم، وحين ظل الألم يلاعبنى، قررت الذهاب إلى شيخ مبارك واسع الخطوة.

الشيخ المبارك أكد لى بأن شفائى ليس فى يد أحد من الخلق، وأكد مريدوه وكثير من أتباعه أن الانتماء لطريقة الشيخ فى التدين هما الشفاء من كل مرض، فالشيخ عندهم هو أحد الأولياء الصالحين، واصل وقادر على إخراج كل شيطان من كل جسد مريض، وبرغم ما قدمته من مظاهر ولاء للشيخ، فلوس ودعوات وارتجافات، إلا أن أداء الشيخ فى الطب لم يخرج مسمار الألم من كعبى، وظلت المسامير تصنع الألم فى قدمى فاتجهت إلى نصيحة الشباب.

على المقهى تناولت شراب الجنزبيل مع صديق لى، هو شاب فقير لا يملك القدرة على الزواج، أكد لى أن أمراضى كلها راجعة إلى تأثير حبة برد تخللت عظامى، وأن الزواج من فتاة سمراء عفية تحت العشرين يزيل كل برد، على أن تقتصر قائمة الطعام على اسماك البحر الكبير، وحين شعرت بأن آلام القدمين وضعف الجسد وخسران ما فى الجيب ضد الوفاء بمتطلبات الزواج من عفية، قررت التعايش مع الألم والجلوس فى البيت، مشغولا بمشاكل الطبيخ والغسيل وتربية الأولاد.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 11 نوفمبر 2010م

Tuesday, November 02, 2010

نقاب على الفكر




منذ أسبوعين نشرت مقالا هنا لا أوافق فيه على ما جرى فى جامعة المنصورة من مناقشة ومنح درجة الدكتوراه لطالبة منتقبة، تمهيدا لأن تمارس مهام التدريس فى الجامعة، وطبيعى أن يعترض بعضهم على رأيى، لكن من غير الطبيعى أن يصادر أحد على رأيى، سواء أكان ذلك تلميحا من بعض القيادات أو تصريحا من زملاء يحملون توجهات سياسية لا أوافق عليها، الطبيعى فى أحوال التقدم الحضارى أن يتاح للجميع حرية إبداء الآراء وبشكل موضوعى.


أنا ضد ارتداء المرأة للنقاب، حجتى فى ذلك حجة عقلية، فالأزياء التى تجعل من المرأة مجرد خيمة سوداء متحركة تمثل إهانة عقلية للمرأة وللرجل على السواء، أقول إهانة عقلية قاصدا أن لا يصادر أحدهم على حديثى بالقول بأن النقاب أمر دينى، ذلك بأن طبيعة الدين إيمان قلبى وليس فهما عقليا، لذلك فأنا أرفض وجود المنتقبات فى الجامعة، تماما مثلما أرفض وجود العاريات فى الجامعة، فالنقاب والعرى يمثلان شذوذا سلوكيا وفكريا يحولان دون حرية العقل وحياده فى تناول قضايا العلم والتعلم.


خلال الفترة الماضية، وتعاضدا مع فكرة العلانية فى طلب العلم، صدرت قرار من وزارة التعليم العالى بمنع المنتقبات من دخول الحرم الجامعى وكذا منعهن من تأدية الامتحانات، ومع ذلك فالطالبات المنتقبات فى الجامعة سافرات التحدى لهذا القرار، يحضرن المحاضرات ويؤدين الامتحانات، وأتصور أن ما حدث هو وصول تعليمات صريحة إلى الجامعة بمنع دخول المنتقبات، وحين هبطت هذه التعليمات من مستوى القيادة إلى مستوى التنفيذ تم خلطها بفساد وانتهازية العقلية الحكومية البيروقراطية، وتحول القرار إلى استهلاك إعلامى يرفض الشارع العام تنفيذه، هكذا لا الطالبات التزمن بالتنفيذ ولا وزارة التعليم العالى توقفت عن تأييد القرار.


إن رفض الشارع العام لقرارات الحكومة وانتشار نقاب التخلف على فكرنا العام، يرجع لأسباب ثلاثة، السبب الأول: أن الحكومة تدرب المواطنين على عدم المصداقية حين تصدر قرارات تكرس المصالح الشخصية للبعض دون نظر للمطالب الموضوعية للأغلبية، والسبب الثانى: سيادة فكر وثقافة غير حضاريين بين المصريين، فالمسئولين بالجامعة يغضون الطرف عن دخول المنتقبات إلى الجامعة، متسقين ما يصلهم من مفاهيم دينية خاطئة يرضى عنها الإعلام الحكومى، وكذا يمارسون رفضا نفسيا لأوامر سلطة يستشعرون قهرها، والسبب الثالث: أن القيادات الحكومية عاجزة فكريا عن تملك مشرع حضاري يجتمع المصريون حوله، وعاجزة ماديا عن تحقيق مصداقية قراراتها.


نحن فى حاجة إلى ثورة ثقافية تؤدى بنا إلى نقلة حضارية كبيرة، ولن تقوم هذه الثورة دون تضحيات واجبة.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 2 نوفمبر 2010م