Tuesday, April 29, 2008

أنا شاهد وكنت يقظا

يوم الجمعة، العاشر من ابريل (نيسان) 2008م، وعلى مدى يومين عقدت جماعة ( مصريون ضد التمييز) مؤتمرها الأول لمناهضة التمييز الدينى فى مصر.

انفض المؤتمر لتبدأ مماحكات كثيرة تناثرت فيها المقالات هنا وهناك، ما بين مؤيد ومعارض، وما بين غوغائى وعقلانى، وما بين من يرى الحقائق ومن يتعامى عن رؤيتها، بعضهم ألقى اللوم على نقابة الصحفيين المصرية فى عدم استضافتها للمؤتمر باعتبارها مؤسسة تطالب بحرية الفكر، وبعضهم ألقى اللوم على حزب التجمع ذو التوجه الاشتراكى حين سمح باستضافة المؤتمر فى مقره، مقتصرا على الاستضافة دون مشاركة فاعلة وكان هو أولى باعتباره حزبا يدعو للموضوعية الفكرية، وبعضهم أنحى باللائمة عن جماعة (مصريون ضد التمييز) أنها تحولت إلي مجرد ملتقى طائفى يتصايح فيه أصحاب الديانات والعقائد المختلفة بما يعتقدون انه صواب الدعاية لدياناتهم ومعتقداتهم دون أن ينصرفوا فى صياحهم إلى وقائع الهم الوطنى العام حيث التمييز ضد الجميع.

أقول هنا شهادة واجبة عن ذات المؤتمر، أنا ياسر العدل مواطن مصرى يقظ، لست عضوا بنقابة الصحفيين المصريين كى يأتينى نبأ تأويل ما لم أستطع عليه فهما من سوء أداء بعض الصحفيين المنتسبين إليها، ولست عضوا بحزب التجمع كى أرتدى نظارة حكم على صفات العمل اليسارى فى ربوع مصر، أنا فقط حضرت كامل وقائع اليوم الأول من المؤتمر الأول مناهضة التمييز الدينى فى مصر.

شهادتى أن المؤتمر ضم قلة واعية تحمل ثقافة موضوعية ضد التمييز بين المواطنين المصريين فى المناحى المختلفة، هذه القلة لم تجد فرصتها فى الظهور الفاعل، وضم المؤتمر كثير ممن يبحثون عن أدوار دعائية، هكذا ظهر المؤتمر كأنه ساحة يعرض بعضهم فيها صورا للتمييز الدينى ضد غير المسلمين وصولا من هذا البعض إلى آراء واقتراحات لإقصاء هذا التمييز فى اتجاه بعينه، وتناسى هذا البعض أن هناك تمييزا واضحا بين المصريين فى مختلف صورهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، هكذا ظهر لى كثير من القصور فى أداء المؤتمر الأول من نوعه فى مصر، وكان المتوقع عندى أن أرى في المؤتمر ساحة جادة على المستوى الفكرى والثقافى لمناهضة التمييز.

شهادتى أن تصريحات القائمين على المؤتمر أكدت انه قام على جهود فردية دون رعاية أو مساندة من الدولة، وكان واجب الدولة المدنية المساندة، ولم تسانده أو ترعاه أحزاب تملك توجها إنسانيا فى تعريف المواطنة، وكان واجب الأحزاب الليبرالية المساندة، لذلك أصبح مبررا عندى بعض ما رأيت انه قصور فى أداء مؤتمر قام على جهود أفراد ومجموعات صغيرة.

وبرغم شهادتى القابلة للجدل، إلا أن أبرز ايجابيات المؤتمر المصرى الأول لمناهضة التمييز الدينى هى أن المشاركين فيه نزعوا نحو تفعيل وجود الدولة المدنية باعتبارها ضرورة سياسية، هذا النزوع الفكرى نحو الدولة المدنية يطرح بصيصا من الأمل فى صحوة ثقافية وسياسية ضد التمييز بين المصريين، وحين تأتى الصحوة بعد فترة من ثبات عميق ومقيت، فعلى الغيورين على قيمة الإنسان المصرى المتحضر أن يتفهموا كثيرا من أسباب القصور.

Sunday, April 20, 2008

بعض الكتبة مزعجون

أسباب بسيطة ذات انعكاسات منطقية تجعلنى اكتب على فضاء النت، إنها الحرية اسعى إليها من جانبى وانه الانهيار الكبير يوشك أن يحط على وسائل إعلامنا الرسمية المهتمة بالكتابة، فمن المؤكد أن كثيرا ممن يمارسون الكتابة فى وسائل إعلامنا الرسمية ليسوا هم الأفضل، إنهم فى الغالب كتبه سلطان مغرضون، ومع رغبتى فى البقاء حرا فى كتاباتى إلا أن بعض رواد فضاء النت من متواضعى الإمكانيات يلاحقنى برسائله قاصدا أن يدخلنى فى قوالب يصنعها على مقاس فكره وطموحاته، بعضهم يرانى كاتبا وناقدا ويسعى لمعرفة رأيى فى أعماله الأدبية.

دون التعرض لأسماء بعينها، فقدت على فضاء النت صداقة اثنين من المذيعين المصريين، وكان السبب الرئيس فى القطيعة أن شاعرا منهما يريدنى ناقدا أدبيا وأنا لست بناقد، وأن قاصا منهما يريدنى ناقدا أدبيا وأنا لست بناقد، هما لا يريدان أن اكون على هواى قارئا ذواقه أتعامل مع النصوص الأدبية ككائن برى يعشق الحياة، وعدم قدرتى على التكيف ناقدا أدبيا على هوى بعضهم سبب عزوفا عنى من كاتبة وشاعرة سعودية، وكاتبة وقاصة من أصل فلسطينى، وثلاث مصريات هن شاعرة ومدونة وكاتبة، وسبب ذلك العزوف إننى لم استطع الدخول فى الأجواء الأدبية لواحدة منهن.

صحيح أن القراء ممن يستسيغون ذائقة العمل الأدبى قليلون، الأقل جدا بين الناس من يمسكون بالقلم قاصدين الكتابة الأدبية، وبين من يمسكون بالقلم غالبية غالبة لا تعانى مشاكل التعامل مع الواقع وتفسيره، هذه الغالبية تتجرأ على الكتابة باستهانة بالغة كأن الكتابة الأدبية فعل تنطع يمارسه كذابون أو لصوص، هكذا مع التنطع فى الكتابة يصبح من النادر أن تجود البشرية بكاتب عظيم.

بعض من راسلنى على النت لم ترق لى كتابته ففضلت أن اهتم بوقائع صورته الشخصية المرسومة على صدر حديث أجرته صحيفة معه، أرسل هو إلى موقع الصحيفة على النت، وجدت على صدر الموقع صورة بالألوان لكاتبة صحتها عفية وأسنانها الأمامية متراصة وتشرع فى الابتسام، وحين رأيت أن أعمالها الأدبية متواضعة الإمكانية رأيت الانصراف عن التعليق على مجمل تلك الأعمال قاصدا الانشغال فى مقارنات فارقة بينى وبين الكاتبة، فأنا لا أتجرأ مثلها على الكتابة بعد أن هاجمنى الكبر وتساقطت أسنانى وأصبحت إخفى ضحكاتى وكثيرا من كتاباتى المهترئة، ومن باب التهكم رأيت أن انتشار وجودى الأدبى هو مجرد فعل بسيط يمكننى القيام به على شاكلة ما تقوم هى به، تخلصى من مرض السكرى وآلام المفاصل وضغط الدم والتخلف العقلى، كلها أسباب كافية لأن أعيد الضحكات والابتسامات والقهقهات إلى سمائى لأصبح أنا أيضا كاتبا فحلا وعتيدا.

إننا نعانى فى الأعمال الأدبية من مشكلة خطيرة ومتوارثة، مدعو الأدب لا يدركون ما نعانى من تضخم ذواتهم وإلحاحهم وتنطعهم الأدبى، مدعو الكتابة يبحثون عن النقاد ( الموضوعين والمستنيرين)، ومدعو النقد يرتزقون على حساب الكتّاب ( المبدعين والمستنيرين)، وسط هذا الجو المشوب بالادعاءات الكاذبة ينسى الكاتب المتواضع والناقد الفسل أن يبحثا عن القارئ المتلقى صاحب الحظوة والسر الأكبر فى إعطاء العمل الأدبى صفة الحياة أو الموت، إن عديمى الموهبة فى سبيل ما يرون انه الموضوعية والإبداع ينسون ايجابية القارئ المتلقى أو على الأقل يطرحون ذائقته الفنية جانبا.

الآن، إلى غير الموهوبين من الكتاب ويتصلون بى قاصدين رأيى النقدى فى أعمالهم الأدبية، إليهم نصيحتى، ابتعدوا عنى فانا قارئ غندور لست أجيرا لدى كاتب بعينه أو متواطئا مع ناقد بعينه، أنا قارئ غندور أقرأ ما يعن لى واستمتع بما يحلوا لى، أنا قارئ غندور يحب الحياة ويرى أن بها متعا كثيرة صالحة للتذوق من بينها ذائقة العمل الأدبى، وذائقتى الأدبية ليست على هوى كثير من محدودى الثقافة.

Tuesday, April 15, 2008

جدل التمييز الدينى والدولة المدنية

من المؤكد أن الحياة هى ما نحياه فعلا، والحياة البشرية جمع من وقائع تتحرك عبر الزمن، والزمن له حالات من التواتر والتتابع، قد يكون الزمن خطا أو مجموعة من الخطوط تبدأ من نقطة تتواثب بعدها نقاط لتصل إلى نقطة النهاية وقد يكون الزمن منحنى أو مجموعة من المنحيات تتواصل بدايتاها مع نهاياتها لتصنع دورات تتراوح بين التكرار والثبات بين مطلق أو نسبى.

سواء أكان الزمن فى وجوده الخاص مستقيما أو لولبيا أو دائريا، إلا أن الإنسان فى جدله مع الحياة قد جرى على تقسيم الزمن إلى ثلاث مناطق قد تتشابك أو تنفصل، ماض نعرف بعضا عنه من ذاكرة احتمالية تطغى عليها المعرفة الإيمانية، وحاضر نحياه بحواس يطغى عليها المعرفة العلمية، ومستقبل نصنعه بأحلام تطغى عليها المعرفة الإيمانية مرة أخرى، وانتقال الزمن بين تلك المناطق هو انتقال محتوم بضرورة الوجود الجدلى للحياة.

الإيمان منهج فردى لمعرفة وتفسير العالم يعتمد على مصادرات عقلية، لذلك فهو منهج يحتمل كثيرا من الاتساع فى مجال تفسير وجود العالم، فإذا كان البشر قد خلقوا من نطفة حصان فان الوجود البشرى يقبل تفسيرا على مصادرة وجود هذا الحصان، وإذا كان البشر قد كان أبوهم آدم فان العالم يقبل تفسيرا آخر على مصادرة وجود آدم، وإذا كان لون دم البشر يختلف بين دم أزرق ودماء أخرى فان للجنس الأبيض مصادرة التفوق على باقى الأجناس وهكذا تتعدد التفسيرات بتعدد المصادرات.

العلم منهج موضوعى جماعى لمعرفة وتفسير العالم لا يقبل المصادرات ويناقش وجودها، العلم منهج يعتمد على البديهيات العقلية والحواس الغريزية فى فهم العالم، فلا حصان بدون زيل، ولا آدم بدون حواء، ولا دم بشرى غير أحمر، هكذا الإيمان يستخدمه الإنسان فى تفسيره للماضى وفى صناعته للمستقبل، والإيمان يعايش الحاضر بقدر بما يحقق من مصالح فردية لبعض البشر.

الإيمان هو مدخل أوسع للإنسان لتفسير لكل من الماضي والحاضر، مثال ذلك وجود الأهرامات المصرية لها تفاسير فى الماضى، هناك من يقول إنها معجزات أقامها عماليق من غير البشر وهناك من يقول إنها نتاج حضارة بشرية ممكنة الحصر والنقل، وغير ذلك من تفاسير، ووجود الأهرامات المصرية له تفاسير فى الحاضر، تفسير يرى فيها صلابة أحجار وعبقرية بنيان، وتفسير يراها رموزا للعبر وصلاحيتها كأحد موارد السياحة، وغير ذلك من تفاسير والعلم يرى الأهرامات أبنية هندسية ونسق اجتماعى وتطور تكنولوجى وتنظيم إدارى، هكذا يكون العلم هو المدخل الأكثر انضباطا لتفسير كل من الماضى والحاضر واستشراف المستقبل، وهكذا يعمل العلم يصنف المعلومات ويصنع معرفة موضوعية.

الإيمان إذن هو مدخل الإنسان لتصور المستقبل، بعض الناس يرى أن الحياة من صنع خالق فوق مستوى الإنسان وأن مستقبل البشر واقع حيث قدّره الخالق، وبعض الناس يرى الحياة فى متناول يد الإنسان ويمكن صناعتها تجديدا وإضافة وتطويرا وأن مستقبل البشر واقع فى أيديهم، وأبعاض أخرى من البشر ترى نظرات مغايرة وربما متناقضة للحياة ومستقبلها، هكذا الإيمان إذا تجاوز المصادرات وخفض من أعدادها انضبطت رؤية الأفراد المؤمنين للعالم واقتربوا مناهج حياتهم أكثر إلى المنهج العلمى.

بقى أن للإنسان أدوات يجادل بها وجوده فى الحياة، يستخدم الحواس والعقل كأدوات لمعرفة الحاضر من خلال منهج علمى تتساوى عنده الفروض مع المصادرات ويسمح للفرد البشرى بتخزين المعرفة ونقلها بين البشر، هكذا تتجاوز المعرفة العلمية إمكانيات الأفراد الخاصة والمتباينة بسبب ممارسة حياتهم فى موطن جغرافى بذاته أو قبيلة اجتماعية بعينها، بينما يكون الحدس والأحلام أدوات الإيمان للفرد البشرى، الحدس يفسر بها الماضى والأحلام يستشرف بها المستقبل، هكذا يكون المنهج العلمى هو المدخل الأكثر انضباطا لتفسير كل من الماضى والحاضر واستشراف المستقبل.

إن الإيمان منهج فردى يعتمد على مصادرات فى معرفة الحياة وتفسيرها، الإيمان منهج معرفة ذاتى لا يقبل الاعتراف بمنهج أخر وان قبل فكرة التصالح مع ذلك الآخر، فكل دين هو منهج إيمانى ناسخ لغيره من الأديان، هكذا لا يمكن تعميم الدين على جميع البشر كمصدر وحيد لمعرفة الحياة والتعامل معها، ويبقى أن المنهج العلمى منهج معرفة موضوعى لا يعترف بالمصادرات، يتجاوز الفروق الفردية ويصل إلى الجماعات المتباينة، ويعترف بوجود مناهج أخرى محتمله للبحث عن المعرفة ويطرق أسباب التقدم.

الآن البشر يعيشون فى كيانات سياسية تتعدد عوامل تكوينها ويتعاظم حجمها من أسرة إلى عائلة إلى قبيلة إلى دولة.

احدى النظريات لتفسير وجود الدولة هى نظرية العقد الاجتماعي ويرى أصحابها أن الدولة كائن مستقل جرى تعاقد بينه وبين الجماعات المكونة له على ضمان حماية الحريات وتأصيل الحدود بين مجموعات تتفق على الحقوق والواجبات يربطها أساس قانونى من الأهلية والكفاءة، هذا العقد يوضع فى دستور فوقى ثابت للدولة تنبع منه كافة القوانين التى تقود النسق المعرفى للجماعات المكونة للدولة.

هناك نظريات أخرى تطرح تفسيرات أخرى لوجود الدولة، من بينها نظرية ترى حب الحياة هو الأساس لوجود الأشكال المتباينة من صور الأسرة العائلة القبيلة الدولة، هذه النظرية تراعى حركة الجدل البشرى أخذا وعطاء وتأثرا بين العوامل المختلفة والحاكمة للوجود البشرى وترى أن دستور الدولة عمل وضعى يمكن تعديله كلما أقبلت المجموعات على أمر جديد, نظرية حب الحياة لا تقيم وزنا لذلك الفصل التعسفى بين حرية الجماعة على حساب حرية الفرد، الذى يضع حد للتوازن بين البشر هو جدل الإنسان، ويصبح للشمول الفكرى تمارسه الجماعة الغالبة فى حالة جدل مع التكلس الفكرى تمارسه الأقلية، جدل الإنسان هذا يترك الباب مفتوحا للتخلص من الشمول والتكلس.

الآن، إذا اعتبرنا أن الحياة وجود حقيقى تمارسه الأقليات والأغلبية تحت إطار الدولة فيلزم لصالح الجميع أن يسود نظام الدولة نسق معرفى يقود حركتهم فى الحاضر ويستشرف وجودهم فى المستقبل، هذا النسق المعرفى يتراوح بين الإيمان الفردى وبين العلم الموضوعى.

الآن، إذا اعتبرنا أن الوجود الإنسانى هو سعى بشرى للحرية، وإذا اعتبرنا أن الدولة هى كيان سياسى تضم بالضرورة جماعات بشرية، فلا سبيل لتقدم تلك الجماعات دون أن يحكمهم دستور يفصل بين أديانهم وبين سلطات الدولة، فللمواطنين حريات الانتقال والاعتقاد والعمل فى دولتهم، وللدولة سلطات مدنية على مواطنيها تنسق بين حرياتهم، سلطات الدولة المدنية تقوم على المساواة والعدالة بين المواطنين دون تمييز بسبب لغة أو ثقافة أو دين أو جنس.