Thursday, August 28, 2008

!!.. غلابة ترسة

يقول فصحاء العربية، أن الغلب ( بفتح الغين وكسر اللام) صفة لمن غلظ عنقه، فيكون الرجل أغلب وتكون المرأة غلباء، والجمع غلب ( بضم الغين وتسكين اللام)، وهو صفة للحديقة التى تكاثفت أشجارها والتفت، فيقولون حدائق غُلبا.

فصحاء العربية لم يكترثوا بالوقوف على أسباب غلظة العنق عند بعض الناس، فقد تكون الغلظة راجعة لتعنت ظالم انتفخت أوداجه وغلظ قلبه، يستبيح رقاب الضعفاء ضربا بالكفوف والنعال، يأكل حقوقهم ويسومهم سوء العذاب، تحشرج حناجرهم بالأنين، وتغلظ رقابهم بالأسى، يدفعون حزنهم فى قرب مقطوعة، ولا سامع لهم ولا مغيث.
يقول بسطاء المصريين عن الغلب ( بضم الغين وتسكين اللام) انه حالة إنسان شكلته طينة الأسى ليواجهه الحياة عاجزا قليل الحيلة، يدفع عن جسده عوامل الفقر المادى فلا تخور قواه، ويستجلب الثقة بنفسه فلا تنهار كرامته، ويصبح الفقير إنسانا داخل دائرة الغلب، ويكون الفقراء هم غلابة مستضعفين فى الأرض.

يقول أهل السواحل عن الترسة أنها نوع من السلاحف البحرية، يشيعون أن لجسدها خصائص فى جلب الحيوية للأجساد المنهكة، ويهيم بعضهم بشرب دمها والتغذى بلحمها، ويرى بعض أهل القرى والجبال أن فى عموم السلاحف أجزاء تصلح لعقد التعاويذ طردا للثعابين ودرءا للحسد وجلبا للذرية.

المعاصرون من أهل مدينة الجيزة اتخذوا من السلاحف عنوانا للصبر وطول التحمل، فأطلقوا اسم ترسة (أو ترسا) على شارع بمدينتهم مواز لشارع الهرم حيث الأهرامات والملاهى الليلية، ومواز لشارع الملك فيصل حيث المطاعم والمشاريع التجارية، وبرغم ذلك تقلصت الخدمات الحكومية فى شارع ترسة ليبقى مليئا بالغلابة والبيوت القديمة.

فى أخر شارع ترسة، على حافة ترعة المريوطية، دفع الغلب عشرات من العمال الفقراء، لأن يقضوا بقية لياليهم جثثا متراصة تنام على قارعة الطريق تحت الأضواء الخافتة لفوانيس الشارع، يرهقهم قيظ كل صيف ويصكهم برد كل شتاء، يتناوبون نعاسهم القلق فى بحار من مثيرات التناقض والأسى، فعلى مرأى من عيونهم المجهدة، تقبع أهرامات الجيزة والملاهى منكشفة ليلا بالأضواء والأصوات، وعلى مقربة من بطونهم الخاوية، تنتشر الفنادق والمطاعم والمقاهى يرتادها بعض المتخمين، ويشهد أبو الهول مزيدا من وقائع المعاناة لكثير من المصريين.

غلابة ترسة عمال تراحيل فقراء يتوافدون من القرى والنجوع البعيدة، هم فى مصرنا ألوف من الشباب والرجال، تغلظ البطالة فى ضرب أعناقهم، يملأون مناطق محددة من شوارع معروفة بكافة المدن، يرتدون أسمالا من الملابس الفقيرة، ينتعلون مراكيب ممزقة، يتراصون صباح كل يوم جثثا منهكة، يقوسها الجوع ويكمشها برد الشتاء، يمطها العطش ويقددها قيظ الصيف، يفترشون الأرض طلبا للعمل وبجوارهم أدوات صناعتهم، قطع حديد وفئوس وأزاميل وأخشاب وجلود من إطارات السيارات القديمة، يعرضون أنفسهم طوال اليوم للقيام بأعمال لا تحتاج إلى مهارات فنية متخصصة، ويتراصون مساء كل يوم جثثا منهكة، يلتحفون السماء فى نواصى الشوارع المظلمة، ويتغطون بالسقوف العارية داخل البنايات غير المكتملة، ينام معظمهم جلوس القرفصاء، تجنبا لرطوبة الأرض وتحسبا لمطاردة المتطفلين، ويتناوبن النعاس دفعات على الأرصفة فئة منهم تحرسها أخرى.

كلنا يرى الكثير من غلابة ترسة منتشرون فى معظم الشوارع دون قوانين تحميهم ظروف العمل العشوائى المؤقت، لا تتولى رعايتهم جمعيات أو نقابات ولا تسعى جهات متخصصة لإعادة تأهيلهم حرفيا ليمكن الاستفادة من جهودهم بدلا من تركهم عرضة لشغل السخرة وانتظار الإحسان من أصحاب البر.

غلابة ترسة هم مئات الألوف من قنابل البشر الموقوتة اجتماعيا واقتصاديا وأخلاقيا، غلظت رقاب كثير من المسئولين عن إدراك مشاكلهم، يحتاجون إلى بحوث علمية تدير أزمتهم وتبحث عن حلول لمشاكلهم قبل أن يفجعنا وقوع انفجار كبير.
=======================================
المقال نشر فى مجلة المصور المصرية ، الجمعة 29 أغسطس 2008م

Friday, August 22, 2008

عن التحول الدينى

رصد بعض المؤرخين انه فى القرن الرابع عشر الميلادى، فى العصر المملوكى، حدث تحول دينى جماعى بين المصريين من المسيحية إلى الإسلام، هذا التحول حدث لأسباب اقتصادية وعسكرية.

الأمر ليس كذلك، فالتحول الجماعى بين الأديان يرجع إلى عوامل ثقافية أهمها طبيعة الوعاء اللغوى للدين الجديد ومدى توافق الدين الشعبى مع حاجات المتحولين.

طبيعة مصر الجغرافية، باعتبارها قرية زراعية منعزلة وسط الصحراء تقع على نهر النيل، جعلت نظام الدولة المركزية تطورا حضاريا على المستوى السياسى حتى بداية العصر الحديث، هكذا تخلص المصريون من عصبية القبائل وثقافة البدو وأصبحوا قادرين على هضم وتمثل الثقافات الواردة، وصنعوا كيانا اقتصاديا وعسكريا تسوسه الدولة المركزية.

مع قدوم المسيحية إلى مصر، فى القرن الأول الميلادى، وبعد مئات قليلة من السنين حدث الهضم، ظهرت لغة مصرية جديدة غير اللغة الفرعونية وظهرت كنيسة مصرية هى الكنيسة الأرثوذكسية، وتحور الدين الشعبى ليقبل المصريون قداسة القديسين وخصوصية الفراعنة.

مع قدوم الفتح الإسلامى لمصر، فى القرن السابع الميلادى، وبعد مئات من السنين حدث الهضم، تعامل المصريون مع اللغة العربية باعتبارها الوعاء الثقافى للدين الجديد، وأصبحت العربية لغة شعبية استخدمها المسيحيون فى عباداتهم، وتحور الدين الشعبى ليقبل المصريون معجزات الأولياء وقداسة القديسين وخصوصية الفراعنة، تداوى المسلمون عند أطباء مسيحيين وتخاصم المسيحيون لدى قضاة مسلمين، مثل هذا التحول لم يحدث فى بلاد تتأثر جغرافيتها بنظام الواحات أو الجبال، إيران وتركيا وأسبانيا لم تتحول لغاتها إلى العربية برغم مئات السنين من التواجد العربى الإسلامى.

هكذا يصعب القول بأن التحول الجماعى للمسيحيين المصريين إلى الإسلام حدث نتيجة تهديد المسيحيين فى حياتهم الاقتصادية باعتبارهم من طبقة المتعلمين وجامعى الضرائب للدولة، ذلك بأن الحاكم يستعين على الحكم بالمثقفين، ولا يكفى مثقف أن يغير دينه بضغط اقتصادى، أو أن التحول تم بسبب فرض الجزية على المسيحيين، فالحاكم يجمع أموال الدولة من ضرائب مدنية عامة يدفعها الجميع، وضرائب دينية خاصة، الزكاة من الرعايا المسلمين والجزية من الرعايا غير المسلمين.

نحن نرى – خلافا لحفارى القبور- أن التحول حدث نتيجة الغلبة لثقافة جديدة لا تتناقض مع الدين الشعبى.

======================================

المقال نشر فى جريدة البديل القاهرية ، الجمعة 22 أغسطس 2008م


بعد نشر المقال ومتابعة ما وصلنى من ردود بريدية ، وجدت رأيى هذا يلقى هجوما عنيفا من حفارى القبور الداعين إلى الجيتو بين الأقباط، لأن رأيى هذا يتضمن نقدا لتناول ما رسخ بين الشعب من الدين المسيحى (الدين الشعبى)، ويلقى هجوما عنيفا من حفارى القبور من أهل اليسار لأن رأيى هذا يتضمن نقدا لانتقائهم المقصود لأحداث معينه تضرب فكرة الجدل المحورية فى أدبياتهم.

وهنا أود زيادة الإيضاح حول فكرتى عن التحول الدينى:

الدين موقف وجودى للإنسان يواجه به مشاكله فى الحياة، هذا الموقف يتمثل فى مجموعة من الطقوس والمناهج تحكم التعامل البشرى فى المكان وعبر الزمن ، الدين إذن هو ما يقر فى قلب الفرد ( الجماعة) ويصدقه عمله (عملها)، والدين الجماعى الذى نتعامل معه كمجال للدراسة الإحصائية هو ما تتبعه الجماعة البشرية المعينة من مناهج وسلوكيات دينية يتم رصدها فى آن ومكان الدراسة، ونراه ( الدين الشعبى) المرصود.

التحول الدينى الفردى له أسباب تختلف من فرد إلى فرد وعلماء الإحصاء الذين يهتمون بدراسة الأعداد الكبيرة لا يقيمون علمهم على سلوك مفردة واحدة مهما علا شأنها أو تقدس مقامها، بينما التحول الدينى الجماعى له أسباب حياتية وثقافية ملموسة يمكن رصدها إحصائيا، وعليه يصبح التحول الجماعى من دين إلى دين هو تحول مفاضلات ثقافية وتفضيلات اجتماعية بالأساس من بينها توافق (الدين الشعبى) مع طموحات المتحولين.

رأيى هذا فى التحول الدينى لا ينفى وقوع اضطهاد فردى أو جماعى يكون صاحب اثر فى التحول، لكنه يؤكد على أن العامل الثقافى هو العامل الأكثر تأثيرا وفاعلية، بتحليلنا هذا نترك الفرصة قائمة للرسل وللأولياء وللشهداء وللقديسين وللأغبياء وللمتاجرين بالتحول فى أن تكون لهم عقائدهم وشرائعهم التى يتصدون بالدفاع عنها.

وأخيرا هذا الرأى كتبته فى مساحه عمود صحفى 300 كلمة فقط، بما يعنى أنى بذلت جهدا كبيرا لأصوغ ما يمكن أن يصبح رأيا فارقا عن منهجية التحول الدينى.

Friday, August 15, 2008

الباشا مليونير

المليون جنيه مبلغ كبير جدا، يكفى كثيرا من الفقراء للتوقف عن العمل المنتج ويرفعوا أيديهم إلى السماء كى تمطر عليهم من فضل كريم، ويكفى بعض الأغنياء للتوقف عن العمل المنتج ويخفضوا أيديهم إلى الأرض بما حملت من فضل موصول.

المليون جنيه عندى أكبر من المئة جنيه بكثير، يأتى بجهد وعقل مع صبر طويل، ويكفى لشراء خمسة كيلو لحمة وثلاثة كيلو موز وعلبتين من المياه الغازية وبعض الملابس الداخلية وكيلو كنافة بالقشدة وطاقية حمراء، هكذا جلست بأفكارى الاقتصادية فى صالون أدبى ننتظر حضور رجل أعمال مليونير مصرى.

فى الوقت المرسوم دخل المليونير، رجل عادى يلبس بذلة عليها رباط عنق وتحتها هدوم كثيرة، يداه لا تحمل كنافة أو لحمة وقال: سلام عليكم أيها الحلوين، فقلنا: أهلا يا باشا.

حكاية الباشا أنه نشأ فى أسرة لموظف حكومى متوسطة الحال، خلال مرحلة الدراسة الثانوية ادخر بضع مئات من الجنيهات مقابل خدمات مدرسية أداها لزملائه التلاميذ ( سبحان الله)، وخلال مرحلة الدراسة الجامعية ادخر بضعة ألاف من الجنيهات مقابل خدمات جامعية أداها لزملائه الطلاب (فضل من الله)، وبعد تخرجه حصل على فرصة عمل فى بلاد النفط ( توجيه من الله)، وفى خلال عشر سنوات ادخر أكثر من عشرة ملايين جنيه مصرى (نعمة من الله)، وعاد الباشا إلى أرض مصر المحروسة حاجا ومليونيرا كبيرا يشارك فى توجيه الرأى العام (بركة دعاء الوالدين).

على مدى ساعتين حاول المليونير ترويج فكرته فى المحاسبة على الثروة، يا أخى: لا تسألن عن السبب إذا أعطى الكريم بما وهب، الملايين تتراكم بخلطة من الصدف ودعاء الوالدين ومصاحبة الأولياء وأهل السلطان وتقديم تبرعات وكشوف بركة.
هكذا ظهرت صورة بعض أثريائنا، إنهم تجار حروب ومنتهزو فرص يتاجرون بالأوضاع القائمة، يمارسون احتكارا هنا وتعمية فكرية هناك، يكرهون الشفافية ولا يتبعون أساليب علمية حضارية لتحقيق المنافع الاقتصادية والاجتماعية لمواردنا القومية.
مع انهيار الطبقة الوسطى تنهار قيمة العلم ويتزاحم بعض المثقفين على الفتات، هكذا حين أنهى المليونير حديثه تزاحم بعضهم يبوسه ويحضنه قاصدا حجز مكان فى كشوف البركة.

Friday, August 08, 2008

أولها صحافة

قليل من الصبر ودعاء الوالدين مع الحبر الجاف وبعض الأوراق ومداعبة الزوجة، ورهبة العمل الصحفى فى بلادنا، هى مبررات طلبى نقودا مقابل شغلى فى الصحافة.


على الطرف الأخر من الهاتف جاءنى صوت رئيس التحرير رائقا، لا غضب لديه عن مقال فاسد أو تحويل للنيابة العامة فى قضايا نشر، وقال : ابسط يا عم، يحتمل أن تتسلم أول نقودك اليوم، فرقصت أمام الزوجة صائحا: عرقى فى الصحافة يا هانم.


فى أول ساعة عمل للصراف وعلى مقرية من باب الخزانة بثلاثة أمتار بالضبط، كان العرق يتصبب منى شيخوخة وصعود سلم ورهبة أول لقاء مع صراف الصحيفة، وتآمرا على إنفاق النقود فى الهلس والمتع.

لمح عامل البوفيه غربتى فغير سحنته إلى خبير أمن وسألنى عن الموضوع، فوجدتنى استرجع خبراتى مع رجال النيابة، أقول ما عندى ويسمعون ما عندهم، وبدأت فى سرد حكايتى على أسماعه وهو يتحرك بين البوفيه وحجرات الموظفين، فجأة ألقى إلى بأمر الجلوس على كرسى وثير فى حجرة مغلقة خافته الإضاءة مكيفة الهواء، وحاول بث الطمأنينة فى قلبى قائلا: سأخبرهم بوجودك حالا، وشرع فى غلق باب الحجرة، فرأيتنى أطلب كوبا من ماء بارد يرطب جفاف حلقى، ابتسم العامل ابتسامة خبير وأغلق الباب وانصرف.

أكلتنى الوساوس، رعب فى الصحافة ورعب فى استلام نقود الصحافة، حضن الحبيب هو المكان الخالى من الرعب، فجأة انفتح الباب على موظفة جميلة، وحين ألقت إلى بابتسامة بلعت ريقى، وحين طلبت بياناتى الشخصية اختلط على الأمر وعاودنى جفاف الحلق، فى اللحظة المناسبة دخل عامل البوفيه يحمل كوب ماء بارد ويقدمه بابتسامة خاصة، ركبنى الخوف من الجميع وأخرجت هاتفى المحمول لأطلب النجدة من رئيس التحرير.

بهدوء قالت الموظفة الجميلة كلاما طيبا: اسمك موجود، ولك عندنا نقود، وخصمنا ضرائب الحكومة، وتشرفنا بحضورك، دبت الطمأنينة فى قلبى وبدأت فى رسم الخطة المناسبة للتخلص من الزوجة القديمة والزواج بكامل أجرى من الصحافة.

حين بدأت تنفيذ مؤامراتى كانت النقود لم تصل إلى يدى بعد، والموظفة الجميلة متزوجة، وزوجتى تثرثر على هاتفى المحمول، فلم استطع الاتصال برئيس التحرير.

Friday, August 01, 2008

مرشح حكومى

لست متعاطفا مع دور السلطة الحكومية فى عملية الانتخابات، أحد مرشحيها ارتدى الطربوش وفى لجنة الانتخابات أعطى صوته لمنافسه، وآخر خلع الطربوش فحرمته لجنه الانتخابات من الإدلاء بصوته لنفسه، لذلك قررت أن أتعامل بطريقتى مع مرشحى السلطة.

حين تأكدنا أن مديرنا العام اقترب من سن المعاش، وأنه بعد أسابيع سيترك منصب رأسنا الكبير ليسلم رأسه لكتبة التاريخ وجامعى الدسائس، شحذنا قدراتنا فى الغيبة والنميمة وتفسير القوانين وبدأنا نلعب حركات انتخابية تفقد السلطة قدرتها على تعيين المدراء والزملاء والسعاة والمواطنين، لكن السلطة المتآمرة جعلت ولاية المدير القادم أمرا سريا، فانحرفت قدراتنا فى اتجاه أخر.

مرت أسابيع نضع فيها خطط اغتيال لكل مرشحى السلطة، فى احدى الخطط الرائعة اقتصر دورى على انتهاز فرصة ركوب أحد المرشحين لأتوبيس العمل، وبالتواطؤ مع السائق يقترب الأتوبيس مسرعا نحو حافة البحر، من الباب الأمامى أتولى دفع جثة المرشح نحو الماء، هكذا ننجز الخطة ونقنع السلطة بأن موت هذا المرشح راجع لرغبته العارمة فى عبور البحر سباحة بملابسه الكاملة.
وصلنى الأتوبيس يحمل السائق يرافقه مرشح سلطة واحد، جلس المرشح متطوعا على الكرسى المجاور للباب الأمامى، دخلت الأتوبيس مسترجعا دعوات الجماهير لى بالتوفيق، احتفيت بالمرشح وتحسست ملابسه الجديدة، جلست خلفه مباشرة مع تنبيه السائق على السير بهدوء، تحرك الأتوبيس متلصصا يقطع الطريق بمحاذاة البحر، وحين تناغم هدوء السائق مع انسيابية عجلة القيادة أطرقت رأسى مغمض العينين أسترجع الخطة وأنتظر الفرصة واستحلب بطولات سيشيعها الزملاء عنى.

تجاهلنا حديثا عابرا للمرشح يذكر فيه مساوئ المدير القديم، فجأة انتبهنا لحديث طيب من المرشح باعتباره المدير القادم، أخذ يضع خططا لإصلاح الأحوال على أيدى الممتازين من أمثالنا، وعدنى بأن أكون ساعده الأيمن وكاتم أسراره، ووعد سائق الأتوبيس بترقية إلى سائق جناب المدير، وحين ظهرت علامات الموافقة على وجوهنا أقسم المرشح بأن نحتفل فورا باتفاقنا من جيبه الخاص. نزلت من الأتوبيس منتشيا بالساعد الأيمن للمدير لأحضر مشروبات وحلوى، ونزل السائق متعاظما بسائق جناب المدير ليشترى علبتين من السجائر، كان محل البقالة بعيدا بمسافة كفلت للمرشح أن يقود الأتوبيس وينطلق دوننا.