Tuesday, March 22, 2011

أنا مسافر

طويل العمر يظل طويل العمر بالسفر والترحال وفهم العلاقات المنطقية بين الأحداث والبشر، وأنا طويل العمر فيما جابهته من وقائع سفر ورحلات قمت بها خارج مصر فى مراحل سياسية مختلفة، كانت رحلات شبابية أحمل فيها شنطة صغيرة على ظهري وانتقل بين البلاد والمدن بأبسط الطرق واقلها تكلفة، إنها طريقة الأتوستوب.

فى أواخر عصر عبد الناصر فى الستينات فى 1969م قمت برحلات إلى بعض الدول العربية فى آسيا، وبعض دول شرق أوربا، كنت شابا احمل معى بهاء شباب الثورة المصرية، هكذا فى كل رحلة انهالت على المساعدات والتقدير من المحيطين بى، يرانى الآخرون شابا مصريا وينتمى إلى شعب له طموحة القومى، شعب ربما يتعثر فى الطريق لكنه صاعد أبدا، كانت تلك ملامح مقابلات تمت معى فى صحافة العراق وسوريا ومنظمات الشباب فى الأردن ولبنان وتركيا وبلغاريا ويوغسلافيا، كانت الطموحات الإنسانية هى لغة التواصل المشتركة بيننا، طموحاتنا كانت فى التحرر والانتقال من دور الشعوب التابعة إلى شعوب تمسك مبادرتها الخاصة.

فى بداية عصر السادات، زرت معظم الدول العربية فى أفريقيا ودولا من غرب ووسط أفريقيا، كان انتمائى لشعب مصر هو الذى ساعدنى كثيرا فى رحلاتى بليبيا وتونس والجزائر، وكونى شاب عربى افريقى من مصر كان له وقع الرضا والفخار، ففى موريتانيا ودول غرب أفريقيا استقبلنى الكثيرون باعتبارى شابا دخل بحسده حرم الجامع الأزهر وشاهد بعينيه شخص عبد الناصر، كان لرجال الأزهر الشريف قيمة تصل إلى حد القداسة وكان عبد الناصر نموذجا للتحرر، كانوا يعتبرونى من شعب شريف لكنه شعب مهزوم فى حرب مع إسرائيل، وفى مساء السبت السادس من أكتوبر 1973م انتشرت أخبار مصر وكيف يخوض المصريون وقائع حرب أكتوبر، وقتها كنت فى زيارة لشمال دولة غانا، وانتشر خبر أننى رأيت بعينى شخص السادات، فانهالت على التشريفات والترحيبات والندوات السياسية والدينية، وقام بترجمة كلماتى من العربية إلى لغة الهاوسا، وهى اللغة الأكثر انتشارا فى المنطقة، مسلمون من أهل موريتانيا، كنت عندهم شابا عربيا مصريا حقق شعبه انتصارا.

فى أواسط عصر مبارك فى عام 1995م زرت أمريكا، تحديدا منطقة شيكاغو، كانت معاهدة السلام قد وقعت بين مصر وإسرائيل، فى هذه الرحلة كنت رجلا أتى من بلد هى مصر، يعرف المثقفون أنها كانت موطنا لأعرق الحضارات البشرية، لكنها بلد يعيش أهلها على الرمال ويركبون الجمال ويطلبون البقشيش بجوار الأهرام وأبو الهول، ويحكمهم نظام دكتاتورى ويجاورون جغرافيا دولة إسرائيل  الأكثر ديمقراطية وتحضراً.

الآن قامت ثورة 25 يناير2011م المصرية، وأدليت بصوتى الانتخابى لأول مره فى حياتى، وقلت لا دون خوف رافضا التعديلات الدستورية، والآن أنا مسافر فى رحلة عمل خارج مصر، ومن حقى أن أرفع رأسى بين الناس، فأنا مصرى.


المقال نشر فى جريدة نهضة مصر - الثلاثاء 22 مارس 2011م

Tuesday, March 15, 2011

حارس مرمى

بدأت علاقتى بالكرة منذ الصغر على ارض قريتنا، الكرات غير المكتملة هى الدروس الأولى، حين أسرف فى اللعب خارج الدار تنادينى أمى كى أتوقف عن اللعب الهمجى، أبكى فتدللنى وتستعطفنى وحين يفشل تدليلها فى عودتى تبدأ المطاردة، تلاحقنى فى الحارات وتقذفنى بكرات من الحصى والطوب، وحين تنجح فى الإمساك بى تحملنى إلى باب الدار، وتبدأ طقوسها فى مسح دموعى وإعداد حمّام تنقيتى مما علق بى من تراب وروث بهائم.

 

كان لقريتنا مدرستها الخاصة فى لعبة كرة القدم، الكرة نصنعها من القش والخرق القديمة، ملعبنا نقيمه على ساحة جرن حصاد أو أرض شارع أو داخل زقاق، نصنع شواهد المرمى من أحجار وأكوام تراب ومن ملابس اللاعبين، مبارياتنا وقتها مفتوح، ولا مانع أن يشاركنا اللعب والتحكيم بعض العابرين من بشر وبهائم وعابرى سبيل، كان للاعبين حق دخول أرض الملعب أو الخروج منه فى أى وقت، وكانت قيمنا الأخلاقية تسمح للاعبين أن يشتبكوا بأجسادهم يكسرون عظامهم ويشدون الهدوم ويتراجعون عن قراراتهم الكروية متى رغبوا.

 

خبرتى فى كرة القدم ترجع لقيامى بالمهام الخطيرة لحارس المرمى، فى كل مباراة أقمناها سعي فريق حارتنا لإعلان فوزنا بأكبر عدد من الأهداف بغض النظر عن خططنا فى إدارة اللعب، خطة تمنع دخول الكرة فى مرمانا وتعتمد على سرعتى كحارس المرمى فى تحريك شواهد مرمانا تضيقا أو توسيعا للمرمى يعجز معه المنافس عن التسديد، وخطة تعتمد على الصياح والقسم بأغلظ الأيمان أن الكرة لم تدخل مرمانا وان دخلت، وخطة تعتمد على التحرش بملابس الفريق المنافس بقصد ضياعها وتحريكها نحو توسيع مرماهم فيسهل على فريقنا تسديد أهداف الفوز، هكذا وصلت نتائج فوزنا فى بعض مبارياتنا إلى ثلاثين هدفا لنا مقابل عشرين هدفا للخصم، وأصبح شائعا أن تنتهى مباريات حارتنا بمعارك يشترك فيها اللاعبون والمتفرجون وعابرو الصدفة، يتبادلون السّب والقذف والإصابة بكرات غير مكتملة من حصى وطوب وجلّة ناشفة.



برغم إخلاصى فى حراسة المرمى إلا أن أولاد حارتنا قللوا من شأن إمكانياتى الكروية، وكثيرا ما وقعوا على جسدى بالضرب وتقطيع الهدوم، إذا فاز فريقنا يتهمنى الفريق المنافس بتحريك الهدوم قاصدا تضييق شواهد مرمانا فتضل كراتهم أهدافها، وإذا هزم فريقنا يتهمنى فريقنا بتحريك الهدوم قاصدا توسيع شواهد مرمانا فيستقبل كرات المنافسين، كنت صامدا وصبورا فكثرت الأورام والتسلخات فى جسدى وانتشرت الرتوق فى هدومى فكثرت حالات الاستعانة بى كحارس مرمى.

الآن ومعى كل هذه الخبرة، أرانى صالحا لقيادة فريق قومى لكرة قدم تعبر انتصاراته الأزقة والحارات والشوارع ويصل بسمعتى إلى العالمية؟.
المقال نشر فى جريدة نهضة مصر الثلاثاء 15 مارس 2011م



Tuesday, March 08, 2011

الخجل من العربية

اللغة العربية هى احدى اللغات الرسمية الست فى الأمم المتحدة، هذه اللغات هى الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والعربية والروسية والصينية، وبرغم ذلك فإن هناك أسبابا تدفع الكثيرين لإهمال استخدام اللغة العربية فى المحافل الدولية، ناهيك عن استخدامها فى الحياة الرسمية من إعلام وتعليم، من بين هذه الأسباب أن الناطقين بالعربية يعانون ضعف عددهم فى إنتاج عناصر الحضارة المعاصرة وتعثر لغتهم عن استيعاب مفردات هذه الحضارة.

تقول الوقائع الإحصائية أن عدد العرب الناطقين بالعربية بمستوياتها المختلفة، من الفصحى إلى مختلف لهجاتها العامية، لا يزيد عن ثلاثمائة مليون نسمة، قيمة إنتاجهم الاقتصادى لا يزيد عن قيمة إنتاج أربعين مليون إنسان هم سكان أسبانيا الدولة الأوربية المتوسطة القوة، ونسبة الأمية فى القراءة والكتابة بين العرب تصل إلى ستين فى المائة، أى أن من يعرفون العربية كلغة تواصل يومى ورسمى لا يزيدون عن مائة وعشرين مليون إنسان، تصل نسبتهم إلى ثلاثة فى المائة من سكان العالم البالغ عددهم ستة مليارات إنسان، وعددهم يماثل أربعين فى المائة من سكان الولايات المتحدة، ويماثل ربع سكان أوربا الموحدة، ويزيد قليلا عن عدد سكان اليابان.

تقول الوقائع الحضارية أن لغتنا العربية المعاصرة عاجزة عن استيعاب الزخم العلمى المصاحب للحضارة الحديثة، فاللغة الدولية المعاصرة هى الإنجليزية يتكلم بها أكثر من أربعمائة مليون نسمة ويدون بها أكثر من خمسه وثمانين بالمائة من كافة العلوم الإنسانية والتطبيقية المعاصرة، فضعف العربية نصنعه نحن أهل العربية، ذلك بأنا نعانى من ضعف الترجمة العلمية فلا نقف جموعنا على أسباب الحضارة ونعانى من ضعف البحث العلمى فلا نشارك فى صنع تلك الحضارة، هكذا لا يبقى للعربية من وجود فاعل غير دور قداسة دينية يؤمن بها المسلمون، والمسلمون عددهم يفوق المليار إنسان، يمثلون سدس سكان العالم، هذه القداسة تبقى اللغة العربية حتى الآن فى مجال التداول بعيدة عن قائمة المتاحف.

والحديث هنا ليست مقصودا به الإشادة باللغات الأجنبية صانعة الحضارة المعاصرة بل يعنى بالتعرف على أسباب ضعف لغتنا العربية وضعف شعوبنا أفرادا وجماعات على صناعة انتماء فاعل للغتنا وسط اللغات الحية المحيطة بنا.

إن استعادة قوة لغتنا قرين بقدرتنا على مشاركتنا الايجابية فى صنع الحياة، نتجاوز دورنا المتواضع فى استهلاك عوادم الحضارة لنلعب دورا فى صنع الحضارة، نضرب فى الأرض تقدما بأسباب العلم ولا نضرب تخلفا بأحلام كسالى يرون لغتهم مقدسة، ذلك بأن الإيمان وحده بقداسة العربية لا يكفل حياة قوية للغتنا، إن تزكية العلم وإقصاء الخرافة هو سبيلنا لاستعادة قوة لغتنا العربية.

 
المقال نشر فى جريدة نهضة مصر – الثلاثاء 8 مارس 2011م

Tuesday, March 01, 2011

دكاترة فى النًصب


المجتمعات لا تتقدم على أيدى النصابين، والنصابون فى بلادنا خلق كثير، بعضهم يهدرون مواردنا الاقتصادية، يقيمون شركات توظيف وغسيل أموال، وورش صناعات تحت بير السلم، تسقيع أراضى وشقق وعمارات، يحتالون على الناس والبنوك والحكومة، بعضهم يهدرون مواردنا الاجتماعية، ينشرون إعلانات كاذبة عن كفاءاتهم، فنواجه أطباء يمارسون مهنة الطب سنوات عديدة، يعالجون المرضى بالدجل والتعمية دون أن يكتشف أحد أمرهم، وآخرون يهدرون قيمنا العلمية، يحملون شهادات علمية مشكوك فى صدقها، ويتقدمون لقيادة العملية التعليمية فى المعاهد والجامعات الخاصة، يكرسون الفساد بين طلابنا.

فى هوجة تدليس ونصب، حصل بعض رجال الأعمال من أصحاب المعاهد الخاصة، وفى شهور قليلة على درجات للدكتوراه من دول أجنبية، ونجح بعضهم فى شراء شهادات دكتوراه فخرية، وأصبحوا يطلقون على أنفسهم لقب أستاذ دكتور، إنهم يذرون الرماد فى عيون وزارة التعليم العالى وهى المسئولة نظريا عن المستوى العلمى لهذه المعاهد، هؤلاء المدلسون يستعينون بنسبة ضئيلة من أساتذة الجامعات لتقوم بالتدريس فى معاهدهم، وتبقى الغالبية تضم غير الأكفاء من المحاسيب والأقارب.

الحقيقة التى يعرفها كثير من المسئولين عن هؤلاء المدلسين، أن قدراتهم الذهنية والشخصية جعلتهم يتعثرون سنوات فى دراستهم المتوسطة والجامعية، وحين تضخمت إمكاناتهم المالية وتعاظمت رغباتهم فى السلطة، اشتروا شهادات علمية من دكاكين فى دول أجنبية تحترف صبغ جلود المرضى بشهادات مضروبة، وأصبح المدلسون يغمرون الصحف بالإعلانات، يهنئون أنفسهم بالحصول على شهاداتهم المضروبة ضعفا وجهلا، ويدفعون لبعض المسئولين من الرشاوى ما يكفى لأن يصمت الجميع على هذا الإفساد المتعمد لنظام التعليم فى مصر.

إن كل لقب يلزم صاحبه بحمل صفات موضوعية محددة ومعلنة، صفات علمية وأخلاقية، وأجهزة الدولة تعرف الشهادات الأصيلة من المزورة, وتعرف مئات الدكاكين فى كل الدول تعطى كل أنواع الشهادات لكل من يدفع، وتعرف طرقا علمية تسيطر بها على المساحات الإعلانية فى الصحف ضمانا لشرعية الإعلان وصدق بياناته.

 
لمواجهة أصحاب الشهادات المزورة، يجب أن يكون لدينا أجهزة حكومية للكشف عن صدق الشهادات العلمية، وان يساند هذه الأجهزة وعى شعبى يرفض الفساد، أجهزة مهمتهما الكشف عن صلاحية صكوك الشهادات واستيفائها لشروط اللجان العلمية، ومهمتها إجراء كشوف شخصية على أصحاب الشهادات يتم بموجبها إجراء مواجهات علمية وأخلاقية مع متخصصين للكشف عن المدلسين، فلم يعد مبررا أن نطلق لقب العالمة باشا على كل راقصة، ولقب أستاذ دكتور عميد المعهد على كل من يملك بعض الغرف للدروس الخصوصية، ويحمل شهادات ممهورة بخاتم دول أجنبية ولا تعبر به حد الأمية الثقافية والأخلاقية.

 
المقال نشر فى جريدة نهضة مصر- الثلاثاء الأول من مارس 2011م