Thursday, December 06, 2007

!! .. رواتب الولاء

فى جامعاتنا المصرية الثلاثة عشر، تدور أحاديث بين أكثر من خمسة وثلاثين ألف عضو هيئة التدريس، حول أعراف ولوائح مالية تدفع فى جيوب القيادات العليا بالجامعات ومعها بعض كبار الموظفين الإداريين برواتب ولاء وطاعة يحصلون عليها فى صورة مكافآت عن أعمال ومهام لا يقومون بها.

أوضح مثال على رواتب الولاء فى الجامعات هو مكافآت الامتحانات، ففى جامعاتنا مئات الألوف من الطلاب يتعرضون طوال العام الدراسى لامتحانات واختبارات متنوعة، فمن العدل أن تصرف الجامعة مكافآت لمن يشاركون مشاركة فعلية فى لجان الامتحانات والاختبارات، ومن الفساد الإدارى أن تصرف مكافآت لأفراد بحكم وظائفهم فى الإدارة العليا يقومون بالأشراف العام على امتحانات تجرى فى نفس الوقت فى أكثر من لجنة وأكثر من كلية، فمعنى ذلك أن واحدا من الموظفين يأخذ آلاف الجنيهات من الأموال العامة مقابل قيامه منفردا بأعمال معجزة يحتاج إنجازها إلى حوالى أربعمائة وخمسين يوم عمل فى كل سنة، وتفسير هذا أن القيادات العليا فى الجامعات تبيح لنفسها مخصصات ومكافآت تتناسب طرديا مع طبيعة الفساد الإدارى، فقيادة كبيرة فى جامعة ما يحصل على أضعاف ما يحصل علية نظيره فى جامعة أخرى حسب عوامل التوجه الأخلاقى وعدد الطلاب والتخصصات العلمية، انه أمر غير مبرر حضاريا أن توضع لوائح وقوانين فى الجامعات يحار معها أعضاء هيئة التدريس فى حساب الفروق بين مرتباتهم ودخولهم وبين مثيلاتها عند نظرائهم فى الجامعات المختلفة، بل تحدث الفروق غير المنطقية فى نفس الجامعة ونفس الكلية.

أمر المرتبات والمخصصات والدخول للعاملين فى الجامعات يحتاج إلى شفافية فى تشريع القوانين، شفافية تفصل بين الأعباء والمخصصات والمرتبات لكل وظيفة على حدة، ويصاحب الشفافية توضيح إعلامى لكل من يهمه الأمر، يحدد به مدى صلاحية الدخول والمرتبات لأن تكون وعاء ضريبيا واجتماعيا يقيس مشاركة الجميع فى بناء المجتمع ماديا وأخلاقيا.

تطبيق الشفافية على جدول الوظائف والمرتبات فى الدولة، يقلل اعتماد المجتمع على الوظائف الهلامية متواضعة الأجر التى يقبلها شاغلوها أملا فيما تدره عليهم من دخول غير منظورة، مثل وظائف عمال محطات البنزين والمقاصف والملاهى وأساتذة الجامعات، يقبلون وظائفهم بمرتبات قانونية لا تزيد عن عشرات الجنيهات، وعند التطبيق الفعلى لأركان الوظيفة تصل دخول بعضهم إلى الآلاف من الجنيهات حسب المكان والزمان وعدد طالبى الخدمة.

فى الدول الفقيرة، تسود ظروف عمل شخصية متخلفة، تحكمها أخلاقيات فقر ويسود منطق عصمة القيادات، وتنتشر معايير سرية لتقييم الأعمال، وتوزع الوظائف الكبيرة على أهل ثقة ينشرون أدوات التعمية على دخولهم ومرتباتهم، وتتسع الشقة بين قيمة العمل وقيمة الأجر المدفوع، ويصعب تصنيف مصادر الدخل ومحاسبة الناس على طرق مشاركتهم فى بناء المجتمع، ويكون العمل التطوعى غير متكافئ من حيث العائد ويمثل سلوكا دعائيا يعتمد على قيم أخلاقية ترى فى مطالبة الغير بشفافية الدخول والمرتبات نوعا من الحسد وتقطيع الأرزاق.


فى الدول الغنية, تسود ظروف عمل موضوعية علمية، ترعى كفاءة الإنسان وقدراته، يوضع الأجر مقابل عمل منتج ومقدور عليه، وقيمة عائد العمل تحصرها أدوات قياس موضوعية، تحدد الكفاءة المطلوبة لإنجاز ذلك العمل، ويكون العمل التطوعى سلوكا مدفوع الأجر، يجنى صاحبه تخفيضات فى الضرائب، وتثبيت قيم أخلاقية جديدة ترى أن شفافية الدخول والمرتبات تبث روح التنافس الشريف بين أفراد المجتمع.

لسنا ضد أن يحصل موظف كبير ذو أعباء كبيرة على راتب كبير محدد وواضح، إننا ضد أن يحصل ذلك الموظف على دخول ومخصصات تتغير دون معيار موضوعى معلن، لأن الفارق الاقتصادى والاجتماعى بين المرتبات الرسمية والدخول الحقيقية هو دعوة لأن يطلب الموظفون وظائفهم بالوساطة والمحسوبية ونشر الفساد .