Tuesday, October 26, 2010

منظرة فاضية

شيئان مؤكدان فى الحياة، النميمة والضرائب، النميمة ميراث إنسانى يروح بها الضعفاء عن أنفسهم، والضرائب تجمعها الحكومة لتتسلط بها على كل الضعفاء.

لأننى موظف حكومة منحول الوبر من تنفيذ أوامر غبية يصدرها مديرون أكثر غباء، لذلك فإنى مقتنع بأن النميمة مرض يمكن الاستشفاء منه بنسمات من حرية الرأى، ومقتنع بأن أمراض بعض الموظفين لا يمكن الشفاء منها دون عزل وتجريس ومحاسبة اجتماعية.

معروف أن الإدارة غير الرشيدة تلقى بمحبتها على المخلصين من موظفيها، يخفضون رؤوسهم للأوامر ويفتحون بطونهم للمكافئات، ولأن علاقتى بالإدارة الحكومية علاقة موظف لا يرضى عنها تماما وهى لا ترضى عنه غالبا، لذلك ترانى بعض قياداتى موظفا مليئا بالعور فلا أرى محاسنها، ومثقلا بالعوز فلا أقنع بكرمها، وأرى معظم قياداتى مريضة تنقصها النظرة الاجتماعية فى رعاية مصالح البلاد والعباد، لذلك قررت أن أمارس النميمة مع موظف مثلى ضربه عوز الكلام.
قلت لصاحبى: داخل المبانى الحكومية عشرات الحجرات يتراص فيها الموظفون، كل منهم له عمله وله أدواته لإنجاز ذلك العمل، كلام سليم يا سيد؟ فقال: نعم كلامك حلو يا صاحبى، وأكملت: تختلف هذه الحجرات كثيرا من حيث السعة والتجهيزات، حسب كل وظيفته وكل حسب أهمية تلك الوظيفة، كلام سليم يا سيد؟ فقال: لا طبعا كلامك حامض يا صاحبى، فحجم الوظيفة ليس بحجم كرسى من يديرها، وانظر معنا أصل الحكاية.

ترتفع كفاءة الموظفين فى أى جهاز إدارى بتطبيق بحوث علوم النفس والاقتصاد وطوابير الخدمة وغيرها من علوم إدارية، تقضى بأن هناك مساحات علمية محسوبة لكل موظف حسب نوع وظيفته، فأن يجلس أربعة موظفين فى حجرة ضيقة، ويجلس موظف واحد فى حجرة واسعة تكفى لبرطعة حصان وحمارين ونصف فيل، وأن تمتلئ حجرة موظف بستائر مخملية وتكييفات وثلاجة وكراسى وتليفونات بينما يجلس زميل له محشورا فى مكتب متواضع ينتظر فيض كريم، يغتصب سخان كهرباء من هنا أو مياه باردة من هناك، فيا صاحبى هذا كلام إدارى حامض.

نحن يا صاحبى أصابنا الغلب وتعب الدماغ من إهدار موظفى الحكومة لإمكانيات شعب فقير، يأخذون منه الضرائب ولا يتركون له غير النميمة، ونسأل أين الاهتمام بالمحاسبة الاجتماعية على فلوس الحكومة؟ من أين تأتى؟ ومن جيوب من؟ وكيف تنفق؟ وماذا تترك من آثار على الأرض والناس؟

إن فهمت يا صاحبى بعض ما نحن فيه من تخلف، فمخك حلو، وان كان مخك حامض فلن تفهم طرفا من بعض الأحوال الحامضة لحكومتنا الرشيدة.
المقال نشر بجريدة نهضة مصر – الثلاثاء 26 أكتوبر 2010م

Tuesday, October 19, 2010

يوم الإحصاء




الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، جيش من العاملين ينتشرون فى ربوع مصر، يجمع البيانات ويستخرج الإحصاءات والمؤشرات الضرورية للباحثين وصناع القرار فى كثير من نواحى حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتعتمد كفاءة الجهاز على كفاءة العاملين به.


منذ أسابيع قليلة أقامت جريدة نهضة مصر ندوة إعلامية، كان المتحدث الرئيسى فيها اللواء أبو بكر الجندى رئيس الجهاز، كان طيبا وفاهما وحكيما فشكرناه، وفى نهاية الندوة أعطيت بعض مساعديه بريدى الالكترونى بقصد أن يمدونى ببيانات إعلامية عن نشاط الجهاز، وبالفعل وصلتنى خطابات من الجهاز، كثيرها أفادنى وبعضها دفعنى دفعا لكتابة هذا المقال.


رغم أن للجهاز موقع الكترونى يفترض فيه كمال مهمة إنشائه من تواصل ومصداقية مع عملاء الجهاز من أفراد ومؤسسات، إلا أن الخطابات لم تصلنى من موقع الجهاز، بل وصلتنى من بريد موقع الكترونى عام لا يتحكم الجهاز فى إدارته، وبالتالى يحتمل تغيير الخطابات الواردة عن طريق هذا الموقع، وأسوأ من ذلك أن الخطابات كانت مرسلة من أشخاص بعينهم وفى أشكال مختلفة، مما يقلل عندى من مصداقية البيانات، فالمصداقية تتطلب شكلا وصيغة يجب المحافظة عليها، مثل خاتم شعار الجمهورية صاحب الشكل واللون المميز.


فى شهر رمضان الفائت وصلتنى خطابات إعلامية من الجهاز بها أدعية دينية وأمانى ساذجة، فهل هذه بيانات من جهة علمية؟ ووصلتنى خطابات بها أخطاء لغوية، فهل هذه خطابات من جهة رسمية؟ هكذا يمكن أن يصل إلى ذهن عملاء الجهاز شك فى صحة البيانات الفنية وفى كفاءة العاملين به، فالجهاز مهمته علمية بالدرجة الأولى ولا يعقل أن يكون من بين المسئولين عن صورته أمام الآخرين من هو ساذج أو متاجر بالدين أو من لا يعرف أصول اللغة.


وبمناسبة حلول يوم الإحصاء العالمى الموافق للعشرين من أكتوبر الحالى، حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وبمناسبة احتفال الجهاز بهذا اليوم، فإنى أطالب برفع كفاءة بعض العاملين بالجهاز تعزيزا لقدرتنا على رصد تطورنا الحضارى، قاصدا أن تصل الإحصاءات الرسمية للعملاء فى صورة تحافظ على القيم الأساسية من نزاهة وموضوعية وشفافية.


اكتب هذا راجيا أن لا يرفع بريدى الالكترونى من قائمة عملاء الجهاز، فعادة ما يلجأ المقصرون للتخلص ممن يثيرون لهم المشاكل، ينفذون المثل الشعبي القائل: الباب اللى يجيلك منه الريح سِدُه واستريح، وأكون عند بعض الموظفين أنا الباب والريح معا، هكذا يتمكنون من إرسال خطابات من الجهاز للعملاء ترى أن إحصاء الناس والأرزاق عمل من عمل الشيطان.


Saturday, October 09, 2010

دكتوراه منتقبة


البحث العلمى فى مصر يعانى من آثار تخلف حضاري، وأحد مظاهر التخلف الحضارى أن يكون الباحث العلمى غير قادر على إدراك العلاقة بين الشكل والجوهر، فالطالبة الجامعية التى ترتدى بنطلون غير التى ترتدى فستان غير التى ترتدى نقاب، هن مشتركات فى صفة التعلم، لكنهن مختلفات فى جوهر أداة التعلم وهى موضوعية العقل.

منذ أيام قامت لجنة علمية بمناقشة طالبة منتقبة فى جامعة المنصورة وأجازت منح الطالبة درجة الدكتوراه، المؤسف فى الأمر أن اللجنة سمحت للطالبة بالحضور والمناقشة وهى منتقبة، فالقواعد القانونية لإعطاء الدرجة العلمية تلزم لجنة المناقشة بتطبيق فحوى النص القائل بأن اللجنة ناقشت الطالبة مناقشة علنية، هكذا بارتداء الطالبة النقاب لم تستوف اللجنة شكل المناقشة، فكيف تيسر للجنة ومن بينها أعضاء من خارج الجامعة أن ترى ملامح الطالبة؟، فى الوقت الذى تلتزم فيه اللجنة نفسها بارتداء أرواب جامعية موسومة الشكل، أما عن مضمون المناقشة فالنقاب موقف ديني شخصى جدا لدى الطالبة يمنع إظهار هويتها الشخصية للجنة، والإصرار على ارتداء النقاب يتحول إلى موقف عقلى رافض للبحث العلمى الموضوعى، فالباحث العلمى يفترض فروضا علمية حول بحثه قد يكون من بينها وضع مسلمات دينية موضع الاختبار مما يوقع الباحث فى تناقض منهجى بين الدين والعلم، وبالتالى قد يصل الباحث إلى قبول أو رفض لنتائج غير مختبرة علميا وتصبح أبحاثه فاشلة غير صالحة للتداول العلمى.

حديثنا عن الفشل فى البحث العلمى هنا ليس فيه تجنى على لجنة المناقشة أو على الطالبة، فلو جمعنا لجان مناقشات علمية يتم تشكيلها بين أصحاب يحملون ألقابا علمية مضروبة ويعانون تخلفا حضاريا مع جمود عقلى لطلبة غير مبدعين، لوصلنا إلى نتائج منطقية تقضى بأن جامعاتنا تمنح بالتدليس مئات من شهادات الماجستير والدكتوراه لمرضى يزدادون تخلفا كل يوم.

ذات مرة سألت بعض طلبتى فى مرحلة الدراسات العليا، ما رأيكم فيمن تدرس للطلاب وهى مرتدية النقاب ولا يظهر منها غير عينيها؟ والمفترض من وجهة النظر الدينية للمنتقبة أن صوت المرأة عورة، وأن جلوسها فى المنزل أولى من مخالطة الغرباء فى الأسواق، فأجاب كثير من الطلاب الذين أنجبهم نظام تعليمنا الحالى، لا يهمنا أمر لباسها، نحن نهتم بما تقول فقط، فسألتهم مرة أخرى، ماذا لو دخلت امرأة أخرى لتدرس لكم وهى شبه عارية؟ فبهت كثير منهم وهاجوا حين ظهر لهم حجم الخديعة التى يمارسونها تجاه أنفسهم فلا يستطيعون الفصل بين الشكل والمضمون، لا يدركون أن العرى أو الاختباء عند المعلم كلاهما دعوة للطالب أن يقترب من شخص المعلم دون الاهتمام بمضمون ما يدرس.

هكذا نعيش تخلفا علميا مريعا، بسبب عجز جامعاتنا عن الاحتكام إلى لجان علمية لديها من المعرفة والثقافة ما يكفى للفهم الصحيح لكثير من القيم الدينية.

Tuesday, October 05, 2010

عَمُو كَمِيل




المهندس كَميل حليم، مصرى مسيحى، عايش فى أمريكا من زمان، نشر مقال فى جريدة اليوم السابع المصرية يقول فيه للمسلمين المصريين، لو أنتم مش عاوزين الأقباط فى مصر، يبقى لازم تبطلوا استعمال أى مفردات أصلها قبطى، يعنى متاكلوش بصارة ولا مدمس ولا طعمية ولا سمك البساريا ولا البورى، ولا تزغرطوا، ولا تكسروا القُلل، ولا الواحد فيكم يسخُسَخ ولا يِلَكلِك فى الكلام، ولا يستعمل الطرابيزة ولا يِنَوُر اللًمبة لأن كل دى مفردات أصلها قبطى، ووعد بأن حياة المصريين من غير الأقباط ستكون صعبة.


يا عَمُ كَميل، أنا بقى عندى كلام تانى، سيبك من كلام التاريخ والجغرافيا وخليك معايا، الكلام المعجمى اللى حضرتك وكثير من المناديين بأن مصر قبطية بتقولوه، أنا موافق عليه باعتباره مجهود علمى يسهل نقضه، لأن الناس تضع الأسماء على أعلام، والأسماء لا تُعًُلل، وأن اللغة تكتسب معانيها بالاستخدام البشرى الحى، فانا علشان احل مشكلة المواطنة المصرية على طريقتك ممكن أقدم على حل من اثنين، الحل الأول أنى أسيب البلد وأسافر لبلاد الهمبورجر وشوربة الضفادع، اعمل هجرة يعنى، أو آكل رز مع الملايكة، اعمل انتحار يعنى، والحل الثانى أنى اعمل فيك حركة لغوية، باعتبار أن اللغة المصرية من مفهوم مقالك تعيش فى زمانها القديم وأن ظروف استخدامها لم تتغير طوال مئات السنين، شوف يا عم كميل، أنا هكتب على الطعمية سماطر، وهكتب على البصارة كشروان، وهسَمُى البورى فرابس، وهكتب اللى يعجبنى على كل الأشياء اللى حضرتك قلتها، وهفضل أعيش فى مصر، آكل الفول والبصارة والسمك البورى واللى ربنا يفرج علينا به من مستجدات اسمية، وخللى القاموس ينفعك.


يا عَمُ كَميل، حكاية قبطى مسلم وقبطى مسيحى، أصبحت لعبة ناس عجزة وفقراء ومهضوم حقهم، ومن خوفهم بياكلوا منبر الجامع ويبيعوا مذبح الكنيسة، إحنا كلنا مصريين، والفقر والتجارة بالدين وانحسار دور الدولة جعلونا غلابة، يبقى مفيش قدُامنا غير حل واحد، إن أنا وأنت وكل المصريين الحلوين نعيش فى مصر ونبنيها، علشان الغربة وِحُشَه والموت أوُحَش، بقى يا راجل ينفع أسافر عامل تراحيل، أنام تحت عمارة ابنيها فى صحراء وأقول أهى شغلانة منها حج وعمرة؟، وإلا ينفع أهاجر سواق تاكسى فى أمريكا، ألبس برنيطة وأقول أنا مصرى تحت الطلب؟، لا طبعا مينفعش، إحنا مقامنا كمصريين أعلى من كده.


يا عَمُ كَميل، أنا مسلم عايش فى مصر، وأنا وأنت شاعرين إن مصر وطن مقدس بيعيش فينا، قابلنى يا راجل علشان نعمل سواء من اجل رفعة أنفسنا كمصريين، نعيش جوه مصر أو خارجها وإحنا عارفين إن العمر واحد والرب واحد، وكلنا مع بعض نقدر نغير حياتنا للأحسن.

المقال نشر فى جريدة نهضة مصر - الثلاثاء 5 أكتوبر 2010م