Wednesday, July 18, 2007

عطر من ورد جميل

وصلتنى رسالة من زميل مسيحى، كنا نعمل معا فى إنشاء السد العالى بأسوان فى عام 1966م ، كنا زملاء عمل منذ أربعين عاما ، شبابا نمسك لهيب الشمس فى ظهيرة أسوان قاصدين أن نبرد قلوبنا بمزيد من الماء يحتجزه السد العالى خيرا لنا ، نحن المصريين .
=====
عزيزى الدكتور ياسر العدل
تحية طيبة - وبعد
أعجبت كثيرا بكتاباتكم التى طالعتها فى جريدة الأخبار والوفد وبعض الجرائد الأخرى - وكنت أتساءل دائما : هل الكاتب هو نفسه ياسر العدل - زميل العمل فى هيئة السد العالى بأسوان فى ستينيات القرن الماضى ؟ أم أنه مجرد تشابه أسماء ؟؟ إلا أن تلميحاتكم عن أسوان والسد العالى فى كتاباتكم جعلتنى أتأكد أنكم نفس الشخصية المتميزة التى كان لى شرف التعارف معها فى أسوان.

ولا أدرى هل مازلت تتذكرنى أم لا؟ لقد تزاملنا سويا فى دورة تثقيفية سياسية لمنظمة الشباب وكان محورها هو دراسة كتاب الميثاق الذى وضعه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وما زلت أتذكر أحد أيام هذه الدورة حيث كان مطلوبا منا اختيار أحد الأخبار المنشورة فى الصحف والتعليق عليه أمام الحاضرين كنوع من التدريب على مواجهة الجماهير، ويومها طلبت منى أن لا أضحك عندما يجيء دورك وتجلس على المنصة لتقول تعليقك السياسى، وأتذكر أنك اخترت موضوعا لا يمت للسياسة بصلة وكان منشورا فى باب صدق أو لا تصدق بجريدة الأهرام عن أول حزام صنعه الإنسان من فروع الشجر، وفى نبرات جادة اختلقت موضوعا عن القوى الإمبريالية وكيف جعلتنا نرتدى الأحزمة من الجلد بدلا من فروع الشجر كى تقضى على الثروة الحيوانية القومية، وكيف أن الاستعمار هو الذى فرض علينا تغيير أنماط حياتنا لتتوافق مع أطماعه، ويومها أخفيت وجهى خلف الحاضرين لأننى لم أستطع أن أمنع نفسى من الضحك خاصة بعد أن قام المشرف على الدورة بتقييمكم والثناء عليك لاختيارك هذا الموضوع وصادق على اتهاماتكم للاستعمار والقوى الإمبريالية العظمى.
ما زلت أتذكر كيف كنا نقضى أمسيات هذه الدورة وأنت تعزف على آلة موسيقية بسيطة أغنيات عبد الحليم وموسيقى زوربا اليونانى، ولقد تكررت بعدها لقاءنا فى أسوان إلى أن أخبرتنى أنك قدمت استقالتك وسوف تقوم برحلة أوتوستوب فى أفريقيا ويومها تعجبت لجرأتك وأفكارك المتحررة، ومن يومها انقطعت الاتصالات بيننا، إنها ذكريات قديمة لا تنسى.
عزيزى الدكتور ياسر، اننى أقيم حاليا بمدينة الإسكندرية منذ أن تركت أسوان بعد انتهاء العمل فى السد العالى وأتمنى أن أراكم قريبا فى الإسكندرية وسوف تكون فرصة طيبة لاستعادة الذكريات، هذا إذا كنت ما زلت تتذكرنى.
ختاما لكم منى أجمل التحيات وأطيب الأمنيات بموفور الصحة والسعادة لسيادتكم ولجميع أفراد الأسرة الكريمة وبالتوفيق دائما.
أخوك عبد المسيح مليكه
=====
هكذا وصلنى عبر الانترنت خطاب من زمن بعيد يذكرنى بأحداث عشتها على أرض مصر حبا للأصدقاء وعشقا للحياة، هكذا يتجسد الانتماء لبلادنا فى بعض صور من هذا التواصل الإنسانى، وعلى الفور قمت بالرد عليه.
=====
آخى عبد المسيح مليكه
ياسر العدل يحييكم من منزله العامر فى الجيزة، أحييكم ومعى زوجة حبيبة طيبة وثلاثة أولاد طموحين رائعين، أحييكم وما زلت أملك قدرات نفسيه على مغازلة النساء والكلاب وبعض أنواع الرؤساء.
أخى عبد المسيح ، أنا فعلا ياسر العدل ذلك الموظف القديم فى السد العالى بأسوان، ودارت بنا الأيام لأتجاوز من العمر الستين عاما، أنا أيها الصديق إنسان كثير المعارف قليل الأصدقاء، أحب الحياة وأرجو من الله أن يعطينى ثلاثين عاما أخرى كى أستطيع أن أقدم خيرا للآخرين، كلمة طيبة أو مسحة أسى عن جبين مهموم أو يدا تمتد بالمساعدة لإنسان ضعيف.
أخى عبد المسيح، منزلى شقة متواضعة على ناصية رمليه فى طرف مدينة الجيزة، على بداية طريق الفيوم الصحراوى، هى مسافة اقل من اثنين كيلومتر تفصل بيننا وبين الهرم الأكبر، وحوالى خمسه عشر كيلومتر بيننا وبين مقابر الجيزة ، ولا رابط لدى بين الهرم والمقابر، فقط أنا أحب الحياة الجميلة وأسعى للموت الجميل أيضا.
أخى عبد المسيح، فى شقتنا المتواضعة أحلم كل يوم اننى سأتجاوز عيوبى وأصبح إنسانا جميلا، أحب الله بقلب طيب ويحبنى الناس من اجل هذا القلب.
بالمناسبة لدى سيارة وأدوات رحلات بسيطة أجوب بها كثيرا من الأماكن، بحثا عن مواطن الجمال والحب فى بلادنا، قاصدا تدريب نفسى على مزيد من الانتماء لهذا الوطن الجميل، وبحثا عن تمثال أو أقنوم لكل قيادة فاسدة، قاصدا أن أقتله أو على الأقل أن أقطع قدرته على إنجاب المزيد من الفساد.
أخى عبد المسيح، أرجو أن نتواصل على خير.

No comments: