Tuesday, March 31, 2009

ذكريات أسوانية



منذ أربعين سنة تقريبا انتهى بناء السد العالى جنوب مدينة أسوان، تحديدا سنة 1970م، وانتهت ثلاث سنوات قضيتها موظفا فى بناء هذا السد، كان عدد سكان مصر وقتها حول الثلاثين مليون نسمة، وكانت مدينة أسوان قليلة السكان تعتمد حياتها على نشاط خمسة وعشرين ألفا من العاملين فى السد العالى ونشاط عمال مناجم الحديد والعاملين فى مجال السياحة، كانت أسوان أرضا لتنوع الإنتاج الاقتصادى.

منذ أيام استضافتنا وزارة الكهرباء كمجموعة من قدامى العاملين بالسد العالى فى رحلة لزيارة أسوان، رحلة حج لجمع من الشيوخ انتظم خيط تواصلهم عبر جمعية بناة السد العالى، فى كل موقع زرناه أطلت علينا ذكريات ما قبل الأربعين سنة حول السد العالى.

هنا حدث تفجير داخل نفق بالجبل فانهار جزء منه واستشهد تحت الصخور حوالى العشرين من العاملين وحين علم المهندس صدقى سليمان وزير السد العالى بالخبر نزل فورا إلى موقع التفجير وأقام صلاة الجنازة على الشهداء ثم تقدم الرجل العاملين إلى داخل النفق وواصلنا العمل، هنا تم تركيب أول توربينة لتوليد الكهرباء يزيد وزنها على ألف وخمسمائة طن، هنا وبإرادة سياسية أتت سيارات النقل الانجليزية لتنافس سيارات النقل الروسية تحمل الواحدة منها خمسة وعشرين طنا من الصخور، هنا أكلنا وشربنا فى البيت النوبى بمناسبة زواج زميلنا شحاتة من فتاه نوبية، هنا ودعنا محمد صالح فى سفره إلى أبو سمبل جنوب أسوان بثلاثمائة كيلومتر عبر بحيرة السد وطلبنا منه أن يأتينا بسمك وتمساح صغير، هنا فى قصر الثقافة سمعنا أشعار حجاج الباى وقصص محمد مستجاب ومسرحيات على سالم، هنا أكلنا وجبة الغداء فى مطعم صحارى بخمسة قروش، هنا اشترينا كيلوا اللحم بستين قرشا، هنا تناولنا أول أقراص الملح مع الطعام لتخفيف أثار ضربة الشمس، وهنا ظهرا أمسكنا بعقرب اختبأ عند مدخل شقة ماهر بركات.

الآن بلغ سكان مصر الثمانين مليون نسمة، وفقدت مدينة أسوان كثيرا من صفات مجتمع العمال المنتجين، ففى مواجهة علاقات اقتصادية تعتمد أساسا على السياحة، انتشرت مظاهر التدين السطحى والتعصب القبائلى وتقلص النشاط الثقافى، وعدنا نحن الشيوخ نشكر لوزارة الكهرباء جهدها فى استضافتنا، ونحمل ذكريات يجب تسجيلها حفاظا لذاكرة الوطن ورصدا لتغيرنا الحضارى خلال الخمسين سنة الماضية.

Sunday, March 29, 2009

أسوان المحطة


قبل أربعين سنة، عشت فى أسوان ثلاث سنوات اعمل فى بناء السد العالى، ومنذ أيام قمت بزيارة لمدينة أسوان فوجدتنى اعقد بعض المقارنات خلال الأربعين سنة الماضية.

قطار النوم بين القاهرة وأسوان برغم ارتفاع تذكرة السفر وارتفاع عدد الركاب من مصريين وسياح أجانب إلا انه فى حالة يرثى لها، قطار الأمس كانت به عربة فخيمة للمطعم ويقدم بها كل أنواع المشروبات وعربات النوم فيه مجهزة بطريقة لائقة، قطار اليوم به بوفيه متواضع الإمكانيات يقدم خدماته بأسلوب متواضع، وعربات النوم مشوهة الأدوات أسرتها قديمة فقيرة وبعضها خال من أدوات الدفاع المدنى والصحى، وبرغم ازدواج الطريق من القاهرة إلى أسوان إلا أن مواعيد حركة القطار غير منضبطة.

محطة قطار أسوان، تكاد على صورتها القديمة، لا يتناسب مظهرها مع أهمية المدينة وكثرة زوارها، الأرصفة مشوهة والمبانى قديمة لا تحمل بهاء مدينة السد العالى، ورجال الأمن ينتشرون فيها بملابسهم الرسمية، هكذا يتم تحريض الركاب على الخوف ويفقد الكثيرون منهم بهجة السفر.

أصبح فى أسوان دار سينما واحدة وقد كانت ثلاثة دور قبل أربعين سنة، وتقلص دور السينما والمسارح يعنى تقلص أماكن تصنع الثقافة.

الاستعانة بالخبراء ادخل اهتماما رائعا بجزيرة النباتات وما حولها من محمية طبيعية عند صخور الشلال الأول وسط النيل، فتحول المكان إلى متعة ترفيهية راقية.

بسبب الاهتمام بالسياحة للأجانب والجرى وراء فتاتهم الحضارى تناسى المسئولون المحليون فى أسوان أهمية تنمية الوعى الحضارى وتنشيط الذاكرة الوطنية للمصريين والاعتراف بمن صنعوا الخير لمصر، فهناك ميدان صغير غرب خزان أسوان كانت به مجرد يافطة تحمل من باب الذكرى اسم المهندس صدقى سليمان وزير السد العالى ومع ذلك رفعت هذه اليافطة ليبقى الميدان خاليا فى وضع استعداد لأن يطلق عليه أسماء من لا تطول قامتهم مقارنة بقامات رجال وضعوا لبنات قوية تفتخر بها مصر المعاصرة، لذلك أهيب بالمجلس المحلى بمحافظة أسوان أن يختار ميدانا مناسبا ويضع فيه تمثالا للمهندس صدقى سليمان باعتباره رمزا وطنيا شارك فى بناء السد العالى، كما ادعوهم لتبنى فكرة إقامة تمثال لأحد الفنانين النوبيين العظام، فأسوان أرض مصرية عاش عليها المفكر عباس العقاد والصانع صدقى سليمان والفنان محمد منير.
المقال نشر فى جريدة العربى الناصرى الأحد 29 مارس 2009

Monday, March 23, 2009

فساد المرتبات


أكثر من خمسة ملايين موظف يعملون بالدولة المصرية، تدفع الحكومة مرتباتهم وتزيدهم علاوات سنوية، أنا واحد من هؤلاء الموظفين أتقاضى مرتبا هزيلا لا يكفى مواجهة أعباء حياة كريمة ويدربنى يوميا على الدخول فى زمرة العصاميين، أستعين بالصبر والشكوى والأحلام المجهضة على ضعف مرتبى، أدفع نقودا وضرائب وهبات ورشاوى لموظفى للدولة والمحليات والشركات والجيران، أدفع ما أدفع بموجب عقود إذعان تفرضها سلطات الأهل والجيران والحكومة وكثير من الطامعين، ومع ذلك لا أحصل على صفات العميل الجيد أو المواطن الصالح.

برغم أننى موظف مغلوب على أمره، أعانى إجحاف الحكومة وعجز قوانين العمل وتضارب لوائح العدالة، إلا أننى فى لحظات صفاء قادر على استعادة التفكير الموضوعى، وأطرح سؤالا عاما، ماذا يحدث لو قررت الحكومة مضاعفة مرتبات العاملين بالدولة خمس مرات؟ هل سترتفع الكفاءة الإنسانية والاقتصادية لظروف العمل فى بلادنا؟ وهل سيزيد دخلنا الحقيقى بناء على إنتاج حقيقى؟ الإجابة حاسمة بالنفى، وسنظل نعانى من تخلفنا الوظيفى وتسيبنا الإدارى، ذلك لأن زيادة المرتبات وحدها دون تغيير ببقية عناصر نظامنا الوظيفى تجعلنا ندور فى حلقة مفرغة من التخلف، حلقة زيادة المرتبات تتبعها زيادة الفقر، فحين ترفع الحكومة المرتبات دون أن تسعى لإصلاح النظام الإدارى والاقتصادى فإنها تعيد رسم الدخول بمقياس رسم جديد يضخم الصورة ويبدو مبهرا للبسطاء والسذج، دون أن تغير الزوايا أو العلاقات فى مكونات الصورة، هكذا يظل فقرنا الاقتصادى والاجتماعى جاثما على الصدور.

القيمة الحقيقية لزيادة للمرتبات تقاس بالقيمة العلمية لتغيير العلاقات الوظيفية، باعتبارها علاقات ديمقراطية أو استبدادية، وباعتبارها علاقات عادلة أو غير عادلة، وباعتبارها علاقات موضوعية عامة تحدد طرقا علمية لتقييم الكفاءة وإصلاح الأخطاء، أو باعتبارها علاقات ذاتية تحمل الطموحات الشخصية لبضعة أفراد فى التملك والسيطرة، فحين ترفع الحكومة مرتب موظف لديها بألف جنيه وتزيد مرتب رئيسه بعشرة آلاف جنيه دون أن يصاحب ذلك تقدم فى بيئة العمل، فمعنى ذلك أن الحكومة لا تعالج قضايا الفساد الإدارى والوظيفى ولم تقترب من زيادة الدخول الحقيقية، وأنها تدفع لموظفيها إعانات فقر تزيد التضخم وترفع الأسعار وتفتح مزيدا من أبواب الفساد.

Sunday, March 22, 2009

قاعدة الكنيف


السادة الوزراء حبايبنا، قصدى وزير الإسكان ووزير الداخلية ووزير العدل ووزير الإعلام، أنا صاحب حكاية وعيال ومرض.

حكايتى، فى الأصل أنا فلاح اتولدت فى قرية صغيرة، كانت دارنا قاعتين من طين، سقفها عروق خشب عليهم حطب وقش، ننام على الفرن وساعات على الأرض وسط فراخ وبط وكلبين، كانت ميّه الشرب فى دارنا بلاليص وزيرين، تملاهم أمى على راسها من الترعة، وميّه الغسيل ناخدها من طلمبة جوفية وسط الدار، وفى آخر الدار كان (الكنيف) هو دورة الميّه نقضى فيه الحاجة، بابه ستارة من خيش ندخل فيها ساعات، وساعات نخلص حاجتنا على كوم سباخ أو فى الغيط أو فى مراحيض الجامع المفتوح للكل، بالعربى كانت الدنيا معانا براح ومداح.

بعد سنين من الغربة، سكنت فى شقة تمليك فى الدور الأرضى بعمارة ست أدوار، اشتريتها من وزارة الإسكان، فى مساكن النقابات بمدينة نادى الرماية، بجوار الهرم الأكبر بمحافظة الجيزة، سقف شقتى راكباه خمس شقق من نفس النوع، بعضها مسكون بناسه وبعضها فاضى محجوز للزمن وجواز الأولاد وتجارة الصنف، ولما عرفنا أن المنطقة خالية من أكوام السباخ أو الغيطان أو جوامع مفتوحة طول اليوم، أصبحنا مضطرين للتعامل مع (كنيف) جديد فى شقتنا، هو دورة مياه لها باب خشب وحنفية ميه ولمبة كهرباء.

حبايبنا السادة الوزراء، أنا صاحب عيال محتاجين (كنيف)، من أسبوعين ثلاثة انخرمت ماسورة الميه فى شقة أعلى شقتنا، وبدأت المياه تتسرب وتتوغل وتتساقط علينا، تنزل فوق أى جالس على قاعدة (كنيفنا) الجديد، تحرمنا متعة التغوط، وتحرمنا قداسة التطهر، وتهددنا بالفقر وقلة الحيلة والمرض، وصاحب الشقة الجانية غير معروف لدينا، ولم نستطع الاستدلال عليه، ومازال الأمر يتكرر فى مساكن الحكومة.

حبايبنا السادة الوزراء، أنا صاحب مرض فى نقص المعلومات، فيا وزير الإسكان هل لديك معلومات كافية عن سّكان عماراتك ومدى التزامهم بمواصفاتك فى التصميم والصيانة؟ وهل من حق الأغنياء تسقيع الشقق والإضرار بالآخرين؟ ويا وزير العدل، هل من حق متضرر أن يفتح شقة يغلقها صاحبها ويطفش، ويتركها تضر العمارة وناس العمارة؟ ويا وزير الداخلية، هل من حقى أن استخدام طفّاشة أو شاكوش افتح بهما الشقة المخالفة؟ ويا وزارة الإعلام، هل يمكنك أن تتوسط عند أى وزير ليحل مشكلتى؟ فأنا صاحب حكاية وعيال ومرض.
المقال نشر فى جريدة العربى الناصرى - الأحد - 23 مارس 2009م

Sunday, March 15, 2009

المهمشون


كثيرة هى الأسباب التى أدخلتنى فى زمرة المهمشين من أهل مصر، لم يكن أحد من أهلى شاعرا أو مملوكا أو قائد طابية، وليس فى أهلى موظف كبير أو صانع حديد أو تاجر أخشاب أو صانع سيراميك، هكذا وجدتنى مع المهمشين، صوتنا مكتوم ولا قيمة لصراخنا، نعرف العادل والجائر ونسمع دبيب كل نمل، ومع ذلك نسلم أمورنا لأصحاب القرار يفرضون علينا ولاة أمورنا غصبا وتعيينا.

كل يوم اخسر كثيرا من المهمشين، معظم زملائى وأساتذتى وتلاميذى يخرمون أذنى بأن الفساد حل فى الأرض ووجب استئصال روح كل فاسد، وحين يلوح لأحدهم ضوء خادع بذهب المعتصم من مناصب وبدلات جلوس ووقوف وسفر، أو يبين لأحدهم سيف الحجاج من مجالس تأديب أو اعتقال أو نقص فى الأموال، تتحول كل هذه الآحاد إلى فئران مذعورة تقدم فروض الولاء والطاعة والمباركة لمن أقسموا على فسادهم وعدم صلاحيتهم، هؤلاء المهمشون العاطلون عن فعل التغيير ينتدبون من يناضل عنهم، يلقى على أسماعهم ما يحبون ويفعل ما يتمنون، وفى الوقت المناسب يصلبونه ضحية أمام كل سلطان جائر.

كل يوم اكسب مزيدا من الأعداء، من المؤكد أننى لست عضوا فى الحزب الحاكم كى أرشح لمنصب خطير، صحيح أننى عرفت أحد أعضاء لجنة السياسات بالحزب الحاكم وحين أنكر لى انه طلب عضويتها أكلت معه، وعرفت أستاذا جامعيا ظل يحلم بعضوية نفس اللجنة وحين تأكد لى انه لن ينضم إليها شربت الشاى معه، ومع كل ذلك الود معهما رفضا ترشيحى رئيسا كبيرا، كان السبب بسيطا فى رفضهما أننى أطول من الأول وأعرض من الثانى وفاضح طموحات الاثنين معا، ولأن منهج العلم جريح فى بلادنا والمهمشون ليسوا أهل ثقة عند السلطان، هكذا ضاع حقى فى الانتخاب الحر المباشر لاختيار القيادات من أهل الكفاءات، وانتشرت ذريعة تبرير الفساد بأن المرشحين بشر مثلنا يمشون فى الأسواق يأكلون ويشربون ويملكون طبائع البشر، هم أثرياء حرب وأصحاب مصالح ويعانون مشاكل التحضر.

هكذا فى ظل نظام حكمنا الحالى يكثر المهمشون، يتم تعيين أهل الثقة دون انتخاب أهل الكفاءة ويشرب المجتمع عيوب قيادات أهل الثقة، ولا يبقى أمام المهمشين غير الحلم المريض بحياة كريمة، والدعاء بأن يطرق صوتهم المكتوم أسماع من فى القبور.
المقال نشر فى جريدة العربى الناصرى - الأحد 15 مارس 2009م

Saturday, March 14, 2009

عن استقلال الجامعة


الأستاذ الدكتور وزير التعليم العالى، أنتم تعلمون انه فى بلد ينشد حرية الرأى فان وضعكم السياسي يلزمكم بتفسير سياسات وزارتكم للمواطنين، وباعتبارى مواطنا مصريا دعنى أتساءل عن مفهومكم العملى لاستقلال الجامعة.

يا سيادة الوزير، انتم تصرحون بأن الجامعة مستقلة فأى استقلال للجامعة تقصدون؟ استقلال المبانى الجامعية أم استقلال الإدارة الجامعية، أى نوع من الاستقلال يمكن تحصيله وكل قيادات مجالس الأقسام والوكلاء والعمداء يتم تعينهم على كراسى صنع القرار لتنفيذ إرادة أصحاب الفضل فى تعيينهم؟ أى استقلال تعنون؟ وقاعدة الأساتذة المشاركين فى المجالس القيادية تضم بين أعضائها من لا يقرأ جريدة ولا يشاهد مسرحا ولا يستمع إلى موسيقى، ويرى فى فعل الثقافة إسرافا ومضيعة، وخارج القاعدة تتماوج أفواج المسلوبة أصواتهم بدواعى الأمن والفقر؟ يا سيادة الوزير، إن سياساتكم تصنع قيادات جامعية يسهل عليها أن تغش المجتمع، قيادات مدلسة تطلب من أعضاء هيئة التدريس ألا تقل نسبة نجاح الطلاب الجامعيين فى أية مادة عن خمسين فى المائة، بغض النظر عن إجاباتهم الفعلية، قيادات ضعيفة الشخصية، تلحس كثيرا من قراراتها ولا تدافع عن حقوقها، فأصل وجودها فى الجامعة هو اغتصاب لقانون الكفاءة والثقافة.

السيد الوزير إنكم تصرحون ان جودة أداء الأستاذ الجامعى ينهى كثيرا من مشاكل العملية التعليمية، كيف يكون أداء الأستاذ الجامعى؟ وواقع دراساتنا العليا ينتج أساتذة ضعاف علميا وحضاريا، وكيف تقاس كفاءة أستاذ يقوم بالتدريس فى مدرجات ومعامل تضم مئات من الطلاب، ويستعين بكتاب دراسى فاسد؟ وكيف تتاح لأستاذ جامعى فرصة التزود بالثقافة والوعى الحضارى؟ وهو يقضى معظم إجازاته فى تصحيح آلاف من أوراق الإجابة للطلاب، ولا تتاح له فرص قانونية لزيادة دخله، وأخيرا كيف ينصلح حال الأستاذ الجامعى وانتم تدربونه كل يوم على النفاق والتسول بمعاير جودة هزلية، لا هى بالمعايير ولا هى بالجودة.

السيد الوزير، لك حق التصريح والإعلام كيفما تشاء، ولى كل الحق أن أستنفر روح انتمائكم الوطنى، أملا أن تبعثوا ثورة لازمة فى جامعاتنا، ومشاركتى فى هذه الثورة هى الدعوة لأن تصرف لأعضاء هيئة التدريس فى جامعاتنا، تذاكر إجبارية لزيارة الأوبرا والمتحف المصرى ودير سانت كاترين ومسجد عمر، قاصدين أن يرتفع قدر الثقافة والوعى الوطنى لدى الجميع.

Sunday, March 08, 2009

اتحاد الكتاب الرّخو


يفرق علماء الاقتصاد السياسى بين الدولة الرخوة والدولة القوية، القانون يحكم العمل فى مؤسسات كلا الدولتين، الفارق بينهما أن القانون فى الدولة القوية واضح وحاسم تقوم على تنفيذه آليات موضوعية تنأى بعيدا عن هوى الأفراد ونوازع جماعات الضغط، بينما القانون فى الدولة الرخوة يعتمد فى تنفيذه على مزاج جماعات وطموحات أفراد.

وبتطبيق نظرية الدولة الرخوة على اتحاد الكتاب المصريين، نرى الاتحاد مؤسسة تحكمها لوائح وقوانين، مثله فى ذلك مثل الاتحادات المناظرة فى الدول القوية، لكن الشواهد اليومية تدلنا على أن الاتحاد مؤسسة رخوة لا تملك تعريفا دقيقا ومعلنا لدورها فى المجتمع، هل هى نقابة أو مؤسسة سياسية أو اتحاد مصالح بين غرماء، فالاتحاد لا يملك تعريفا دقيقا ومعلنا يحسم قضايا الإيرادات والمصروفات والانتخابات وحرية إبداء الرأى ويقف سريان مقولة أن القانون حمّال أوجه يترك تفسيره للخاصة والفاهمين.

قليل من الفهم لأحوال اتحاد الكتاب، يدلنا على أنه مؤسسة رخوة تحكم العمل فيها علامتان بارزتان، علامة أن لائحته تضم تعريفا مطاطيا غير دقيق لصفات من ينتمون بالعضوية إلى الاتحاد، وعلامة أنه لا يملك آليات مقننة لتنفيذ القوانين تعمل بعيدا عن تأثير الطموحات الفردية ومزاج مجموعات الضغط.

نتيجة للتعريف المطاطى للكاتب، أصبح من بين أعضاء الاتحاد أدباء وشعراء وصحفيين ومذيعين ونقاد، من يكتب إبداعات رائعة ومن يرص حروفا غير ذات جمال، من يحمل لقبا علميا أصيلا ومن يحمل ألقابا مزورة، من يبدى رأيه عن فهم ومن يسير وراء كل ناعق، وتطبيقا لملاحظة ضعف وذاتية آليات العمل على تنفيذ القانون، أننى تقدمت بطلب إلى إدارة الاتحاد لنقل صفتى من عضو منتسب إلى عضو عامل، مرت أكثر من خمس سنوات ولم يصلنى رد مكتوب بالقبول أو الرفض، هنا لا أناقش مدى صلاحيتى للعضوية بل أتساءل عن موضوعية وآليات العمل فى لجان الفحص والعضوية بالاتحاد.

هذه بعض علامات تشى بأن اتحاد الكتاب ينطبق عليه تعريف القاموس الوسيط للرّخو بأنه (الهش اللين من كل شيء)، فهل يمكن لمثل هذا الاتحاد أن يقوم بدور ريادى يزخم وعى المجتمع بالإبداع؟ وهل يملك هذا الاتحاد آليات للدفاع عن قضايا المبدعين؟
المقال نشر فى جريدة العربى الناصرى - الأحد 8 مارس 2009م

Saturday, March 07, 2009

جماعة 9 مارس


فى ثلاثينيات القرن الماضى كان لأهل الجامعة المصرية شنه ورنة، ففى التاسع من مارس 1932م قدم أحمد لطفي السيد استقالته من منصبه كمدير للجامعة احتجاجا على قرار وزير التعليم بنقل الدكتور طه حسين من الجامعة، لم يكن بالواقعة استعراضا طفوليا أو سعيا لمغانم شخصية، إنها كانت أقدار الرجال، وفى عام 2004م تأسست جماعة 9 مارس كجماعة مدنية للدفاع عن استقلال الجامعات المصرية.

بدأت حكايتي مع جماعة 9 مارس منذ عامين حين أصابني قرح الكتابة في بعض جرائدنا عن مشاكلنا الجامعية، فبسبب كتاباتي نجحت براثن الفساد فى جامعاتنا أن تزج بى في أزمة تشهير، في تلك الأزمة تعاطفت الجماعة معى بمقالات وإشارات صنعت مع غيرها أثارا تراكمية جعلت أزمتي تمر بسلام، منذ تلك الواقعة قررت متابعة أنشطه جماعة 9 مارس قاصدا الانضمام إليها.

بعد فترة من المتابعة طالت شهورا وجدتني أمام أقوال تصلني عن أعضاء من الجماعة يحيطون أنفسهم بطفولة يسارية وسذاجة دينية وانتماءات مفروقة على قارعة طرق تصبغها ثقافات أجنبية، فبينهم الجنرالات والرفاق والمكرمين والباشاوات يكتبون أرائهم بسطور من الانجليزية والفرنسية، كأنهم أغراب يعيشون على حافة الرحيل إلى بلاد غير بلادنا والى قوم غير أهلنا، هكذا بانت لي طفولة أداء طبقة من مرفهين يبحثون عن دور ناعم للدفاع عن حيوية جامعاتنا المصرية.

فى محاولة منى للتعرف على أسباب القصور في أداء مجموعة 9 مارس كجماعة ضغط مدنية، تذكرت أحد أساتذتى في علم إدارة الأعمال، فحين شكوت له بطفولة أن الفساد قد عم في الأرض، لا التوريث ولا الديمقراطية ولا الدكتاتورية ولا العبثية هي بتوجهات صالحة لتغيير ما حل بنا من فساد وتخلف حضاري، نظر لي مشفقا وقال: عليك أولا أن تصلح ما أنت مسئول عنه في دولاب العمل، هذا تخصصك في إدارة عملك، وعليك ثانيا أن تنظر في بقية الدواليب من حولك، هذا دورك السياسي في إدارة مجتمعك، كان أستاذى رحمه الله محقا، فإصلاح ذات البيت أولى من إصلاح المسجد المجاور، ورؤية البيت في ظل دور العبادة ومشارب الثقافة أمر لازم لصياغة آليات تنفيذ السياسات الرشيدة.

إن فاعلية منظمة مجتمع مدنى تهتم بشؤون جامعاتنا المصرية تتوقف على مدى استعانة أعضائها بالدراسات العلمية لمعرفة نقاط الضعف وبالتعاون الإنسانى الرشيد على تحقيق أهداف حضارية لصالح مجتمعنا المصري.

Sunday, March 01, 2009

الفقر وأحواله


لو تمثل الفقر رجلا لأصبح على كل العقلاء أن يقتلوه، هكذا يلقى إلينا ميراثنا الحضارى طريقة للتعامل مع الفقر، وفى حياتنا اليومية يطل الفقر فى صورتين متشابكتين صورة فقر فى الوعى الثقافى وصورة فقر فى الموارد الاقتصادية، يهتم رجال الاقتصاد والاجتماع بشرحهما وإيجاد تعريفات واضحة للفصل بينهما.

فقر الوعى الثقافى هو فقر مفاهيم ثقافية تحول دون الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية المتاحة، فلحم الخنزير محرم تناوله فى بعض الديانات، واللون الأبيض دليل حزن فى ثقافات افريقية، هكذا تتغير الحاجة إلى موارد اقتصادية بعينها تبعا لثقافة بعينها، أما فقر الموارد الإنتاجية فهو فقر علمى وتكنولوجى يضعف إمكانات الأفراد فى التعامل مع الطبيعة، ويوقف تراكم جهودهم فى البحث عن موارد وثروات اقتصادية جديدة، وتدفع صور الفقر الناس للعيش جثثا تحت خط الحياة الإنسانية الكريمة.

التخلص من فقر الوعى يفرض على مؤسسات المجتمع أن تصنع جوا ثقافيا يساعد المواطنين على إيجاد وعى فاعل يفرق بين طموحاتهم الموجودة فى الخيال وبين إمكانياتهم المحصورة فى الواقع، ويدفعهم للبحث عن قيم موضوعية للتحضر، قيم يتجاوز وجودها خصوصية الأفراد فى التقليد الأعمى والمحاكاة البليدة، وعلى سبيل المثال بعض أفراد مجتمعنا يشعرون بالفقر لأنهم لا يملكون حجرة طعام فخيمة، بينما ثقافتنا القومية لا تلقى لوما على من يتناولون طعامهم على طبلية من خشب، هكذا ترجع أزمة الإحساس بالفقر لدى هؤلاء الأفراد لافتقارهم إلى وعى ثقافى ناضج يفصل بين ضرورة الأشياء وبين صورتها، وعى يفرقون به بين طبلية متواضعة من البلاستيك تؤدى وظيفتها فى تناول الطعام لا يرى العقلاء معها إحساسا بالفقر وبين طبلية فخيمة من خشب مطعم بالصدف تقوم بنفس الوظيفة لكنها تضخم إحساس السذج بالغنى.

علاج فقر الموارد الاقتصادية، يلزم المجتمع بإتباع خطط وبرامج تبدأ من واقع اقتصادى يمكن قياسه فى موارد متاحة وتصب فى واقع جديد يستوعب حركة التطور الاقتصادى، إنها خطط تهدف لتطوير التعليم كأداة للتقدم التقنى وتهدف لتفعيل الثقافة كوعاء لاستيعاب التقدم الحضارى، وتزكى لدى الأفراد وقائع الانتماء القومى بقصد دفعهم للمشاركة الإيجابية فى صنع التحضر.

هكذا يصبح قتل الفقر مهمة حضارية لا يقدر عليها إلا من يملكون حبا كبيرا للحياة.
المقال نشر في جريدة العربي الناصري – الأحد الاول من مارس 2009م