Monday, September 22, 2008

رقصة ماجنة


كان جدى الأكبر رأس عائلتنا مرددا للشعائر وموزعا للبركات ومطربا عند الضرورة، يهفو على الأجران عند كل حصاد، يسقط على المآتم عند انتهاء كل أجل، يحترف تفصيل الأحجية وصَرّ الدّعاء وربط الأزواج وتسهيل الولادة.


ذاع صيت جدى الأكبر وانتشرت أسفاره يجوب القرى والكفور، يمتطى حماراّ وبطانة من المساعدين، ابن العم وكيلا عنه وحاملا عصا خيزران يهمز بها الحمار، والابن الوحيد متدرباً ووارثا شرعيا للمهنة، وابن الخال حافظا للأسرار وهاربا من فلاحة الأراضى.


فى ضحى يوم حار من أيام قحط، طوّفَ بالقرية خبر عاجل بأن عظيما مات فى قرية مجاورة، فتواثب ابن العم يهرول تحت الشمس عابرا القنوات والحقول قاصدا بيت الميت، يقدم للورثة والتابعين عروضا مغرية، كثير من الأدعية والشهرة مقابل قليل من النقود وطعام كثير اللحم والدهن، كان قحط البطانة وطموح الورثة كفيلين بنجاح المفاوضات وإبرام التعاقد.


مع حلول وقت العصر، امتطى جدى الأكبر حماره وانطلق فى موكبه يثير غبارا وأصواتا عابرا القنوات والحقول قاصدا دار الميت العظيم، ووضع بن العم خطة استبعاد جدى الأكبر بعيدا عن تناول أى لحم,


انفرد ابن العم بأهل الميت ليخبرهم أن الشيخ أصابه توعك مفاجئ لا يصلحه غير تناول خبز مفتوت فى اللبن مع السكر، فالتزم أهل الميت بتقديم طلبات وكيل الشيخ، وحين امتلأت البطون وكفّت الأفواه عن البلع، وتناثر اللبن على الذقن، انحشر رأس جدى الأكبر بتفاصيل خطة مناسبة لاغتيال ابن العم.


مع دخول الليل افتتح جدى الأكبر مراسم حفل المأتم، يقرأ ما تيسر من نصوص خالدة ونحنحات مرصوصة، وحين هاجمت رائحة اللحم خياشيمه قرر أن يترك ابنه الوحيد ليستكمل دوره فى المأتم، وأفل راجعا إلى داره مصطحبا الحمار وابن العم وابن الخال وخطة الاغتيال.


على طريق العودة تعمد جدى الأكبر أن يستريح ركبه بجوار ساقية مهجورة، وحين تأكد أن النجوم زاهية ترسل ضوئها الخافت بما يكفل له تنفيذ فعل ما دون أن تكشف لأحد تمام ذلك الفعل، أعلن رأيه صائحا للجميع : اللحم علاج لكل توعك، وهجم بكلتا يديه على رقبة ابن العم دافعا جسده إلى بئر الساقية، حين اقترب جدى الأكبر من حافة البئر تدخل ابن الخال ونهق الحمار وبدأ الجميع رقصة ماجنة.


هكذا انهارت أنسابنا ولم يبق من عائلتنا غير أربعة أشخاص، ولدى الوحيد وريث حرفتى، وابن عمى وكيل أعمالى، وابن خالتى حافظ أسرارى، وأنا الذى أعانى من جهل الآخرين بتاريخ جدى العظيم.


No comments: