Saturday, January 31, 2009

ضجيج الضعفاء


مع الحرب الدائرة على غزة، يتعرض مئات وألوف من البشر للإبادة على الهوية، ويبقى خارج دائرة الصراع ملايين من البشر منكفئون على حياتهم لا يشعرون بالكارثة الإنسانية، ربما تقض مضاجعهم أخبار الحروب ويرون فيها مثيرا للغبار على طريقتهم فى الحياة، هكذا تهيج تلك الجموع فيتململون ببعض الهتاف والشجب والتأييد والابتسام ومصمصة الشفاه.

كثير من العاطفيين ينادون جزافا بالسلام الصامت بين المتحاربين، والسلام الصامت دعوة للمخاطرة، مخاطرة التسليم بالأمر الواقع، فالسلام الصامت لا يفرق بين الجلاد والضحية، قليل من العقلاء هم المنادون بالتعايش السلمى الفاعل بين البشر، ذلك بأن التعايش السلمى نمط حياة يثير التحدى بين متنافسين، ولا يبقى أمام الضعفاء غير الرهان على وجودهم يستجدونه فى ساحات الحروب، تترصد أجسادهم آلات حرب جائعة، وتشوه أرواحهم سياسات حكام جائرين.

مع كل الكوارث تصنعها الحروب فى بلادنا يطرح سؤال، ما هو دور مؤسسات المجتمع المدني لمساندة الأصوات المطالبة بمحاكمة القادة العسكريين كمجرمي حرب؟ يتسابقون على جعل المدنيين دروعا بشرية تحمى طموحاتهم فى القتل والتدمير.

جزء رئيس من إجابتى أننى من المتشائمين، لا أرى مستقبلا مضيئا بالحضارة لقومنا، وأشعر بالرضى لتشاؤمى هنا، فالمتشائم عاقل يحصر فكرة فى أشياء بذاتها، صحيح انه يصاب باهتزاز فى الرؤى، يعطى الأحجام على غير حجم، لكنه يرى ضخامة أصل الداء ويراقب عن كثب فعل الدواء.

أصل الداء فى ظلام مستقبلنا، أننا أناس نحيا فى منطقة جغرافية، حوالى 40% من أهلنا يعيشون دون خط الفقر ولا يعرفون القراءة أو الكتابة، أهلنا فقراء خاوية معداتهم، يهدرون حياتهم بحثا عن لقمة وهدمة تكفى يوم غد، وأكثر من 90% من أهلنا يعيشون دون خط الكرامة، يأخذون الحكمة من كتب صفراء ومواثيق ضعف وأقوال موتورين بالفخر والسلطة، أهلنا يبحثون عن حكمة اليوم بين الحجاب والنقاب والثعبان الأقرع والإله المتجسد فى إنسان بسيط، الحكمة عندنا نتجرعها فى كئوس تخرق نواميس العقل وفواتح التقدم بمعجزات وأساطير تلقى بنا فى أتون الخدر واستمراء الهزائم ، حكامنا ليسوا أكثر من شواهد على كل تخلفنا.

واقعنا الحضارى لا يرصد لدينا مؤسسات مجتمع مدنى فاعلة، وتعريف وجود الأسماء لدينا وجود قاتل، فالمؤسسات الناجحة بناء علمى ونحن أسطوريون، والمجتمع وحدة من جماعات تتعايش على مصالح مشتركة، ومجتمعاتنا فرق وأشتات تتحين الفرص للانفلات من عبئ الجماعة، والمدنى تعنى مدنية المجتمع وديمقراطية الحكم، ونحن مجتمعات بدائية تعيش على دين ملوكها وترهات رؤسائها.

هكذا يصبح مستقبلنا قرينا بقدرتنا على تجرع مر الدواء، دواؤنا خلطة من أساطير جديدة تزرع فينا حب الحياة من جديد، وتملأ أدمغتنا بعقول جديدة تصنع معجزة بقائنا تحت الشمس.

الداء قاتل فستقبلنا مهدد، والدواء مر فنحن بحاجة إلى ثورات، وما بين الدواء وفعل الشفاء سنوات وسنوات قبل أن يصبح لدينا مؤسسات مجتمع مدنى، تضم قوما أحرار الفكر معداتهم مليئة بكد يدهم بغير منة أو استجداء، يرغبون فى تقدم الجميع ويشاركون فى صناعة الرأى، مؤسسات غنية ماديا وفكريا تناطح دكتاتورية السلطان والملك والرئيس، مؤسسات قومية لا تعمل مأجورة عند حكامنا فتحافظ على وجاهتهم، ولا تنتظر إعانات مأجورة من أغراب يطمعون فى وجودنا.

آه يا لسفسطتى، نسيت الإجابة الواضحة على السؤال المطروح عن دور المؤسسات المدنية فى حل أزماتنا المعاصرة، الإجابة الواضحة أن الواقع الحالى لمؤسسات المجتمع المدنى فى بلادنا واقع مريض لا يعطيها القدرة على فعل ايجابى ومؤثر لصالحنا، ذلك بأنها مؤسسات تحمل أسماء فقط وتتنازع هويتها بطبيعة تمويلها، هويتها تدور ما بين دعم لدكتاتورية حكامنا ليسحلوا أجسادنا أو الترحيب بأعدائنا ليجزوا رقابنا.

No comments: