Monday, February 08, 2010

مهرجون فى الجامعة


حين أصبح الزميل رئيسا، قرر أن يحتفى بنا فى مكتبه الجديد، وضع أمامنا علبة كبيرة مليئة بقطع من الشيكولاته الفخمة وأخرى مليئة بخبز أهل البندر من بقسماط وباتون ساليه، وعلى مقربة وقف عامل تم انتقاءه بعناية ليقدم المشروبات المعتبرة، لم تكن خبرتى القروية كافية لتساعدنى فى تطبيق بروتوكولات تناول حلويات المنصب الجديد، لكن خبرتى مع المخصصات المالية لكبار الموظفين تكفى لأن أزيد راتبى بطريقة جديدة، هكذا انطلقت يدى اليسرى تلتقط من الشيكولاته واحدة إلى فمى واثنتين إلى جيبى الأيمن وواحدة إلى جيبى الأيسر وانشغلت يدى اليمنى بتوزيع قطع أخرى على فمى وعلى زملاء الجلسة.

تناولت فنجان قهوة محوجة يكفى لإثارة انتباه عشرة من جنود الأتراك العثملية، فانتبهت لقول رئيسنا الجديد بأننا بحاجة لنشاط ثقافى يحرك الراكد فى نفوسنا نحن أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، نشاط نطور به أنفسنا ونساعد طلابنا على ملامسة الواقع المتحضر، هكذا قرأت ورقة مشروع رئيسنا الجديد لإثارة الوعى الثقافى المأمول، انه مشروع يتضمن عقد ندوات ثقافية يقوم بها محاضرون يمتلئ بهم إعلامنا الرسمى.

واقع المجتمع المصرى يرصد أن غالبية بيوت مصر بها واحد على الأقل يصنع الرأى من آباء وإخوة، انه صانع رأى اشتغل أو يشتغل أو يسعى للشغل فى دول غربة يعتمد اقتصادها على ريع وكفالة وعبيد، ويعتمد فكرها على مصادرات وإيمان أعمى، هكذا أصبحت الغالبية العظمى من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية يستقون ثقافتهم وطموحاتهم من خارج الحدود، يؤمنون بأخلاقية نظم الكفالة والسخرة وتغيير الهدوم والذقون والنقاب والإعجاز العلمى فى الأديان.

واقع الجامعات يرصد أن من يسمح لهم بإقامة ندوات ثقافية داخل الجامعة هم من يرضى عنهم نظام الأمن الجامعى بما يحمله من بيروقراطية إدارية وتحجر فكرى وضمور سياسى، وسلطات نظام الأمن السياسى فى الجامعة فى وضع محددات النشاط الثقافى هى أعلى من سلطات قياداتها الفكرية، هكذا فى عصر الانحطاط الفكرى والجمود السياسى يدخل الجامعة مهرجون يروجون لفكرة الإعجاز العلمى فى الكتب المقدسة، يحاضرون دون احترام لمنهج علمى، وهم فاعلون ما يفعله المتعصبون السذج من أتباع كل دين، فى مثل ذلك العصر يدخل الجامعة من يحترفون بالتواطؤ احتلال مقاعد الرغى فى كل مناسبة ويتنطعون على كل شاشة عرض، يقدمون خرافات عقلية وكوارث أخلاقية.

يقولون فى علوم الإدارة أن القيادات الوسيطة، مثلها مثل الطبقات الاقتصادية الوسيطة، تحافظ على النظام وتسعى لجموده، وبمرور الوقت تعمل ذاكرة القيادات الوسيطة بالقصور الذاتى دون رغبة فى تغيير أو طموح نحو ابتكار، ويصبح أمر التغيير قاصرا على طرفين متباعدين، قيادات عليا تنظر للمستقبل من خلال خطط وبرامج فوقية، وجموع من ذيل القائمة فى السلم الوظيفى يرفضون الواقع من خلال انفلات ومبادرات فردية.

حين طلب رئيسى الجديد المشاركة فى تنفيذ خطته الثقافية، مع بقاء الظروف المحيطة به كما هى، مجرد قيادة وسيطة تعمل وسط حصار أمنى، كانت كمية الشيكولاته المخلوطة بالقهوة المحوجة قد رفعت الحموضة فى معدتى فضاقت إمكانياتى فى التفكير الموضوعى، هكذا أقنعت نفسى بأن لكل غربال شدة، وقررت الخروج مسرعا لألحق بمكتب زميل آخر يحتفل بترقية جديدة، زميل ليس لديه سلطة ثقافية ويعدنا بأطباق من لحم وثريد لا تتعب المعدة.

No comments: