Saturday, September 12, 2009

نضال البوتاجاز


هناك أبواب كثيرة تتيح للإنسان أن يدخل قائمة المناضلين الذين يلزمون أنفسهم بقسوة تأدية الواجبات وصرامة المطالبة بالحقوق، أحد هذه الأبواب هو تشغيل القوانين الحاكمة للعلاقة السوية بين المنتج والمستهلك، من هذا الباب دخلت أنا وبعض المصريين فى قائمة المناضلين.

قبل أربعة أشهر، بناء على حاجة شخصية وعلى إعلانات عامة، اشتريت بالقسوة على نفسى ومن حر مالى بوتاجاز صنعه منتج مصرى، هكذا أديت واجبى كمستهلك تجاه هذا المنتج، وبعد الاستخدام تبين أن البوتاجاز غير مطابق للمواصفات وكاد أن يسبب كارثة حريق لزوجتى، هكذا بدأت رحلة المطالبة الصارمة بحقوقى من هذا المنتج، وعلى مدى شهرين تقدمت بشكاوى للأصدقاء وللشركة المنتجة ولجهاز حماية المستهلك، وكتبت للصحف، وأثرت الأمر على صفحتى بالانترنت.

بدأت الأحداث تتحرك فى اتجاهات متناقضة، صغار الأصدقاء وعمال الصيانة والموظفين والصحفيين باعتبارهم مستهلكين يتعاطفون معى، يقترحون حلولا شخصية ربما لا تحل مشكلة أحد غيرى، وباعتبارهم تروسا فى آلة نظام تجارة مريض فإنهم يماطلون ويتهربون ويبتعدون عن الحلول الموضوعية التى تصلح لى ولغيرى، هكذا اقتربت مشكلتى من العصيان على الحل، وأهدرت أنا والأصدقاء والشركة المنتجة وجهاز حماية المستهلك ما يزيد على ثمن البوتاجاز محل الشكوى، أهدرنا مكالمات تلفونية واتصالات وزيارات منزلية وساعات عمل وإمكانيات.

وحين تجمعت لمشكلتى ظروف شخصية، عمود صحفى جيد قام بتدبيجه صحفى كبير، وتدخل شخصى من المدير التنفيذى لجهاز حماية المستهلك، وتدخل شخصى من مدير الشئون القانونية فى الشركة المنتجة، هكذا تصاعدت الأحداث وخلال يوم واحد تم حل مشكلتى بطريقة ارتضيتها ومسحت عنى مشقة المطالبة بحقوقى طوال شهرين كاملين.

أنى أتوجه بالشكر لكل من ساهم فى حل مشكلتى مع البوتاجاز، وهنا أود أن أضيف بعض الدروس المستفادة من هذه التجربة.

أولا: أن يقوم المسئولون عن التجارة والصناعة والإعلام بتكريس ثقافة (سوق الاستثمار) بين أفراد المجتمع، إنها ثقافة ترى أن المصالح مشتركة ومتعاونة بين المنتج والمستهلك والمجتمع، لا أن يسعون بإهمالهم إلى تثبيت ثقافة (سوق السبوبة) المنتشرة بيننا، إنها ثقافة لصوص يرون أن هذه المصالح متعارضة وأن الشاطر يغلب الآخرين.

ثانيا: على المنتج المصرى أن يعالج بقوة مشكلات الإنتاج المشترك مع منتج أجنبى، من حيث العلامات التجارية وحقوق الإنتاج وبراءات الاختراع، فقد يمنح الشريك الأجنبى تراخيص لإنتاج سلع قديمة المواصفات أو غير ملائمة للمستهلك المصرى، وعلى المنتج أن يعالج بطرق علمية مشاكل التسويق والإعلان ليتجنب رد الفعل السيئ من المستهلكين.

ثالثا: جهاز حماية المستهلك المصرى فى حاجة إلى دعم فنى ومالى وإدارى يسمح له باتخاذ قرارات حاسمة بمجرد اكتشاف وجود خطأ من المستهلك أو من المنتج، فدور الجهاز ليس قاصرا على مجرد التوفيق بين متخاصمين، منتج بذاته مع مستهلك بذاته، فقد ينجح احدهم المتخاصمين فى فرض قوة تفاوض تظلم الآخر ويضيع حق المجتمع، ففى تصورى أن دور جهاز حماية المستهلك هو إعادة العلاقة السوية بين المنتج والمستهلك باعتبارها حقا أصيلا من حقوق المجتمع.

رابعا: لو أننا فى دولة أكثر اهتماما بحقوق المستهلك لحصلت على تعويض مادى كبير، على ما لحق بى وبزوجتى من إزعاج، وتعطيل مصالح، وتردى القدرة على اتخاذ قرار بين صغار العاملين، وسوء تصرف بعضهم، إن انتشار مبدأ التعويض عن وقائع حقيقية يؤدى إلى آثار ايجابية فى صالح المنتج والمستهلك، آثار هى اقوى من تأثير ملايين الجنيهات يدفعها المنتجون مقابل إعلانات يشوبها غش وتدليس.

أخيرا، بعد انقضاء ساعة واحدة على حل المشكلة قمت بشراء بوتاجاز جديد من نفس البائع ولكن من منتج مصرى آخر، أتمنى أن يكون البوتاجاز الجديد مطابقا للمواصفات فلا ألجأ لجهاز حماية المستهلك، ولو حدث ذلك فسأطالب بتعويض كبير يتضمن وضع البوتاجاز التالف فى مطبخ المنتج على أن يستخدمه بنفسه.

No comments: